نشرت كلوديا سام في 2019، حين كانت محللة اقتصاد أولى لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مؤشراً ليُعرف منه ما إذا كان اقتصاد الولايات المتحدة قد انزلق ليدخل في حالة ركود.
المقياس الذي بات يُعرف باسم "قاعدة سام" (Sahm Rule)، يكتسب أناقته من بساطته، وقد أشاد بدقته أشخاص مثل بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل.
يستند إلى أن الاقتصاد يكون في حالة انكماش عندما يرتفع معدل البطالة من متوسطه المتحرك لثلاثة أشهر بنصف نقطة مئوية مقارنة بأدنى نقطة خلال الأشهر الـ12 السابقة. "قاعدة سام" ذات المتغير الواحد هي أقرب ما تكون لأداة رصد آني للركود.
بالمقارنة، فإن اللجنة المسؤولة رسمياً عن تحديد بداية ونهاية أي انزلاق للاقتصاد، وهي مكوّنة من ثمانية أشخاص، في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية تأخذ في اعتبارها ستة مقاييس على الأقل وتحتاج عادةً إلى ما يقرب من عام لتقرر ما إذا كان الركود قد بدأ.
قاعدة سام
في الوقت الحالي، وفيما تستمر الولايات المتحدة في تحدي التوقعات بحدوث تحول نزولي حاد، باتت "قاعدة سام" أهم من أي وقت مضي، لكن صاحبتها تندم على كل الاهتمام الذي يحظى به المقياس. نشرت سام موضوعاً في ديسمبر كجزء من نشرتها الإخبارية المسماة "ستاي-أت-هوم ماكرو" (Stay-at-Home Macro) بعنوان "لقد صنعت وحشاً".
قالت سام، 47 عاماً: "إذا كان من المقدر له أن ينهار، فالوقت الحالي هو أنسب وقت لذلك، وستسعدني رؤيته ينهار. أود أن أرى المؤشر يتحرك دون أن يحدث ركوداً". الفكرة هي أنها ستكون مرتاحةً لو أن البطالة ارتفعت باعتدال دون حدوث ركود واسع. قالت: "لن أحزن. سيكون حزني أكبر بكثير إذا انزلق الاقتصاد".
قالت سام: "كانت الفكرة برمتها هي أنه علينا تقديم يد العون للناس، وذلك لأننا إذا تدخّلنا في بداية الركود، يمكننا المساهمة بشكل كبير في تخفيف وطأته".
كلوديا سام هي فرد من مجموعة صغيرة لكنها متنامية من الاقتصاديين الذين يرون أن الولايات المتحدة تتجه لهبوط سلس، وهو ما يعني أن سلسلة رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة ستنجح في كبح جماح التضخم دون حدوث ركود يتسبب في ارتفاع معدل البطالة.
أهمية التواضع
قالت سام إنه لم يكن هناك وقت أشد إلحاحاً من الآن لأن يتحلى الاقتصاديون بالتواضع. يمكن بالطبع أن نصف سلسلة الإخفاقات الهائلة في التوقعات التي مُني بها محللون خلال السنوات القليلة الماضية بأنها مبرر كافٍ للتواضع. أوضحت سام أن الصدمات الناتجة عن الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا وضعت عقوداً من الحكمة التقليدية بشأن كيفية عمل الاقتصادات في موضع الاختبار، وذلك هو سبب أن أغلب من يعملون في القطاع، بمن فيهم مسؤلو البنوك المركزية، بوغتوا حين عاد التضخم للظهور بعد سنوات من الخمول.
قالت: "ارتكب كل من هو خبير في الاقتصاد الكلي، وأنا منهم، بعض الأخطاء الجسيمة في التفكير في الاقتصاد منذ أن وقعت الجائحة. العالم مقلوب رأساً على عقب ومعكوس الاتجاه، وهذا غير منطقي".
توقعت سام، التي تكتب مقالات رأي لبلومبرغ، أن هذه الأزمة ستشعل شرارة سنوات من مراجعة الذات بين الاقتصاديين، مثلما فعلت أزمة التضخم في الولايات المتحدة في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات. قالت: "لا أعلم ما الذي سيصبح عليه الأمر بعد ذلك، لكن مؤكد أنه سيكون هناك نقاش مهم. أتوقع أن تُكتب كثير من الأوراق البحثية والكتب، وكعادة خبراء الاقتصاد الكلي، سيُعبّر كل منها عن رأي مختلف عن الآخر".
أضافت سام أنه مع دخول النقاشات حول السياسات الاقتصادية حيز منصتَي "تويتر" و"صب ستاك" (Substack)، بعدما كانت تقتصر سابقاً على الأوراق البحثية الأكاديمية وصفحات الرسائل للمحررين في الصحف الكبرى، فإن الآراء أضحت أكثر انقساماً والنقاش أكثر حدة. اتضح ذلك بشكل كبير في التناحر بين من يرون أن القضاء على التضخم أمر ممكن دون الإضرار بسوق العمل، ومن يرون أن هذه خرافة.
قالت سام، التي عاودت حديثاً التغريد عبر منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد شهرين من الانقطاع: "يبدو الأمر كما لو أن خبراء الاقتصاد الكلي الساخطين في حاجة إلى منصة (تويتر) خاصة بهم". عادت سام إلى "تويتر" بغرض اطلاع الآخرين عن عملها فقط وليس لتنخزط في جدل متأجج.
في قلب الجدل
ليس الأمر وكأن سام كانت تتجنب الجدل دوماً. في 2020، بعد أشهر من تركها منصبها في الاحتياطي الفيدرالي، نشرت سام تدوينة تخطى عدد كلماتها 6 آلاف كلمة بعنوان "مجال الاقتصاد مزري" (Economics Is a Disgrace)، وقالت إن هذه المهنة معتلّة بالتمييز على أساس العرق والجنس والانتماء إلى النخب، وهو ما ينتقص من جودة المشورة المتعلقة بالسياسات، كما انتقدت بعض أبرز الأكاديميين في المجال.
بعد أن عملت لمدة 12 عاماً لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي وكانت عضواً في مجلس المستشارين الاقتصاديين، الذي أسسه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، انتهى الحال بسام في مركز النمو العادل، وهو مركز أبحاث يساري التوجه في واشنطن، حيث تولت منصب مدير سياسات الاقتصاد الكلي. تركت سام منصبها في أكتوبر 2020، وهي الآن تدير شركة استشارات خاصة بها من منزلها في أرلينغتون بولاية فيرجينيا.
قالت سام إن ما جذبها إلى مجال الاقتصاد هي الرغبة في تشكيل السياسات العامة. بعد أن تخرجت من جامعة دينيسون وحصلت على درجة الدكتوراة من جامعة ميشيغان، أخذت سام بنصيحة أحد مرشديها وتقدمت لوظيفة في الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن حيث عملت حتى 2019.
قالت: "بصراحة فاجأني بعض الشي أن الحال انتهى بي في الاحتياطي الفيدرالي. لطالما فكرت في السياسات من حيث السياسات المالية وما هو من قبيلها. لكنني استمتعت كثيراً بذلك. كان الاحتياطي الفيدرالي فرصة رائعة لتتعلم كيف تصبح خبيراً في الاقتصاد الكلي".
خلال فترة عملها لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، نشرت سام أبحاثاً عن أهمية إرسال المدفوعات المباشرة للأسر في بداية الركود الاقتصادي، وذلك للتخفيف من وطأته. اتبعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب هذا النهج خلال التباطؤ الاقتصادي الذي نتج عن الجائحة.
لكن فترة عملها في البنك المركزي لم تتسم دوماً بالسلاسة. قالت سام إنها عايشت ثقافة كانت تحتاج إلى تغيير جذري في كل من تكوينها ومواقفها تجاه الأقليات.
تغير المسار
فيما قالت سام إن المؤسسة قطعت شوطاً طويلاً في هذا المضمار، فهي كانت من بين أوائل المدافعين عن التنوع والشمول. أوضحت سام أن تعيين جانيت يلين رئيسة للاحتياطي الفيدرالي في 2014 بشّر بتغير في المواقف والهياكل، وذلك لضمان أن العاملين في الاحتياطي الفيدرالي وعملية صنع السياسات يعكسان بدرجة أوثق التركيبة السكانية بشكل عام.
دخلت يلين التاريخ باعتبارها أول امرأة ترأس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. يحاول خلفها جيروم باول أن يسجل سابقة أخرى في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي، وهي التعامل مع أزمة في تكاليف المعيشة دون رفع معدلات البطالة بشكل كبير، إذ ارتفعت البطالة إلى 11% في عهد بول فولكر، الذي أصبح أسطورة بعدما أنقذ البلاد من ارتفاع جامح في الأسعار.
إذا تحقق الأمر على أكمل وجه، ستُعاد كتابة كتب علم الاقتصاد. أما إذا لم يفلح الأمر، ستتضرر مصداقية البنك المركزي ولن ينجو الاقتصاد الأميركي من الركود الناجم عن التضخم، وهو مزيج من ضعف النمو والتضخم المرتفع.
قالت سام: "أختلف تماماً مع مقولة إننا بحاجة لركود كي نخفض التضخم... قد ينتهي بنا المطاف إلى ركود وذلك لأن الاحتياطي الفيدرالي يدأب على ذلك، والركود سيخفض التضخم على الأرجح، لكني لا أرى حجة قوية بما يكفي تبرر لماذا يجب علينا أن نتوقع حدوث ركود؟، فيما يمكننا أن نتخطى ذلك".