إن كنت دفعت 1600 دولار لقاء ليلة في غرفة من فندق فاخر هذا الصيف، فقد تكون قد حصلتَ على صفقة رابحة. لا تعجبنّ، فإن بيانات "فرتيوزو" (Virtuoso)، وهي شبكة تضمّ أكثر من 20 ألف مستشار متخصص في السفر الفاخر، أظهرت أن المستهلكين يتكبدون دفعات وسطيّها 1700 دولار في الليلة، وهذا ارتفاع قدره 69% مقارنةً مع صيف 2019، حين كان المسافرون يذفعون وسطيّاً 979 دولاراً.
قالت ميستي بيلز، نائبة الرئيس للعلاقات العامة العالمية لدى "فيرتيوزو": "هذه الأرقام تمثّل المبيعات الفعلية"، مشيرة إلى الفارق بين تلك الأرقام وما يُسمَّى بالأسعار العادية دون تخفيضات، أي الأسعار المعلنة. قالت: "معظم عملائنا أميركيون من الطبقة الراقية. نحن لا نتتبع سفر موظفي الشركات لأغراض العمل، ولا نتتبع فعلياً السوق واسعة النطاق. نحن ننظر إلى حجوزات الأثرياء المسافرين بغرض الترفيه".
بيّن جاك إيزون، المؤسس المشارك لشركة "إمبارك بيوند" (Embark Beyond) لاستشارات السفر، التي تقدم خدماتها للعملاء من أصحاب الثروات الكبيرة، أن أسعار الفنادق استمرت بالارتفاع منذ عاود العالم فتح أبوابه بعد إغلاقات "كوفيد-19"، وأضحى "الطلب المكبوت" شعاراً لقطاع السفر. في 2022 كان وسطيّ ما دفعه عملاؤه من السياح 3,682 دولاراً في الليلة للإقامة، أي بارتفاع 56% على العام السابق، وأنفقوا أكثر من 32 ألف دولار في الرحلة الواحدة. وتتراوح أرقام هذا العام ضمن النطاق نفسه.
تتفق هذه الأرقام مع بيانات من شركة وساطة أخرى، وهي "كوستار" (CoStar) للتحليلات العقارية. وجدت الشركة أن متوسط السعر اليومي للفنادق الفاخرة في الولايات المتحدة في يوليو 2023 كان 372 دولاراً (أي بزيادة 30% من 286 دولاراً خلال الشهر ذاته في 2019)، أما في أوروبا فبلغ المتوسط نفسه 625 دولاراً (أي بزيادة 57% من 397 دولاراً في 2019). يُعَدّ تعريف "كوستار" لما هو "فاخر" فضفاضاً مقارنةً مع تعريفات "فيرتيوزو" و"إمبارك بيوند"، لكن زيادات التكلفة من حيث النسبة المئوية مرتفعة أيضاً بالمقارنة.
متوسط الأسعار يزداد
يفلت من بعض هذا التضخم السياح الذين يعمدون إلى فنادق السوق واسعة النطاق -المقصود يهذا أسماء رئيسية مثل "هوليداي إن" (Holiday Inn) و"بست وسترن" (Best Western)- إذ تُظهر بيانات "كوستار" أن متوسط الأسعار منذ 2019 ارتفع من 134 دولاراً إلى 160 دولاراً (19%) في الولايات المتحدة، ومن 139 دولاراً إلى 184 دولاراً (32%) في أوروبا.
لغرض الإيضاح، حتى من يدفعون أكثر من ثلاثة آلاف دولار في الليلة الواحدة لا يدفعون أكثر مما ينبغي. يحرّص وكلاء السفر الذين يتولون حجوزات هؤلاء الأشخاص على ضمان أفضل الأسعار المتاحة، رغم أن ذلك يكون عادةً حجزاً لجناح متعدد الغرف أو فيلا، لا غرفة عادية ذات سريرين مزدوجين قياس "كوين".
يرى المعنيون بالقطاع أن الارتفاع في أسعار الفنادق غير مسبوق. لقد ارتفعت تكاليف الوجبات في المطاعم والسفر الجوي والمنازل المعروضة للإيجار وحتى أسعار البنزين خلال صيف 2022، حين شجع انتشار اللقاحات ضد فيروس كورونا الأميركيين على السفر مجدداً. لكن في بعض هذه الفئات، تبدو مؤشرات على أن الأسعار بلغت أعلى مستوياتها أو أنها بدأت تنخفض بعض الشيء.
يبلغ متوسط سعر البنزين الآن 1.01 دولار لليتر، وهو بعيد جداً عن السعر القياسي الذي بلغ 1.32 دولار خلال الصيف الماضي. قال مسؤولون في قطاع حجوزات الطيران للمستثمرين، بعدما كانت شركاتهم تحقق أرباحاً قياسية منذ أشهر قليلة، إنهم يلاحظون تراجعاً في الطلب. ناهيكم بأن سعر شطيرة هوت دوغ قد بلغ 29 دولاراً، وهذا يجعلنا نستشعر أننا ربما بلغنا ذروةً في هذا.
ارتفاع مستمر
على الجانب الآخر، استمر الارتفاع في أسعار الفنادق حتى الآن، وأحد التفسيرات التي قدمها بعض المطلعين في قطاع الضيافة هو أن هوامش التشغيل كانت مضغوطة لسنوات سبقت الجائحة واستمرت كذلك خلالها، ما أدى إلى تصحيح واسع النطاق في المسار.
قال بول تمبوسكي، المؤسس المشارك في منصة "سكايلارك" (Skylark) للحجوزات واستشارات السفر: "يتحقق العاملون في قطاع السفر من معقولية أسعار الفنادق". ينفق عملاء تمبوسكي 731 دولاراً في الليلة الواحدة في المتوسط هذا الصيف، وهو مبلغ يصفه تمبوسكي بأنه "صادم" و"مرتفع بجنون" بناءً على ما يعرفه عن قاعدة عملائه، الذين يميلون إلى الفخامة، لكنهم يبحثون عن القيمة وليسوا من الطبقة فائقة الثراء.
لكن تمبوسكي وآخرين قالوا إن القطاع يشارف على الوصول إلى مرحلة ثبات، فالمستهلكون يقاومون الإرتفاع ويرجئون رحلاتهم الصيفية إلى سبتمبر وأكتوبر (حين تصبح الأسعار معقولة أكثر)، ويتجاهلون الحجوزات المتاحة في أوج الموسم، حتى في أكثر المنتجعات الأوروبية رواجاً.
على سبيل المثال، لا يزال بإمكانك حجز جناح "روزا" في "موناستيرو سانتا روزا" (Monastero Santa Rosa)، في بلدة أمالفي في إيطاليا، المطلّ على البحر لقضاء إجازة خلال أغسطس، رغم أنها ستكلفك 2570 دولاراً في الليلة. أما "هوتيل لا بالما" (Hotel La Palma)، وهو فندق جديد مذهل في جزيرة كابري، وهو جزء من مجموعة "أوتكر كولكشن" (Oetker Collection) للفنادق، فيمكن حجز غرف فاخرة فيه بسعر 1891 دولاراً في الليلة أو غرف ذات شرفات مقابل 3282 دولاراً في الليلة.
قد تقتنص صفقة جيدةً إن كانت مواعيد سفرك مرنة، إذ إن أغلب هذه الغرف متاحة في وسط الأسبوع. قال تمبوسكي: "الغرف العادية محجوزة وأفخم الأجنحة محجوزة، لكن أسعار الغرف المتوسطة تتراجع لأن نسبة الإشغال تتدنى".
حسابات العملاء تتغير
قال إيزون، المؤسس المشارك في "إمبارك بيوند"، إنه لمس مقاومةً من جانب العملاء لأسعار الفنادق، رغم أنه ليس مقتنعاً بأن سبب ذلك هو وجود أي شكل من أشكال الحدود القصوى لمدى استعدادهم للإنفاق. قال: "ينفق الأغنياء مقابل القيمة أو ما يرون أنه يتمتع بالقيمة". تتغير حسابات الأغنياء، ليس بسبب ضغوط تتعرض لها ميزانيتهم، بل لأنّ الأسعار في مطلع الخريف أقلّ والطقس أفضل، ولأن أمامهم مزيداً من الخيارات بما أن العالم بأكمله مفتوح. في نهاية المطاف، تمثل أسعار الفنادق مقياساً مبسطاً للعرض والطلب.
قد يكون حال اليونان دلالة على تَوجُّه، إذ كانت إحدى أُولَيات الوجهات التي فتحت أبوابها بعد الإغلاقات بسبب الجائحة، وهي الآن من بين أوائل الدول التي بلغت "الوضع العادي" لحقبة ما بعد الجائحة. يبدو أن أيام الطفرة هناك تنقضي، إذ تراجعت أسعار الفنادق 12% مقارنةً بالفترة نفسها قبل عام، وفقاً لبيانات "إمبارك بيوند".
قال إيزون: "لا تزال هناك أماكن متاحة للحجز في كل الفنادق الكبيرة". بيّنت بيلز، التي تعمل في "فيرتيوزو"، أن الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي بدأت أيضاً تصل إلى وضع طبيعي للأسباب نفسها. لكن الوضع الطبيعي الجديد قد يعني أن الأسعار ستكون أعلى بفارق كبير مما اعتدناه جميعاً في 2019.
لكن تمبوسكي، الذي يعمل في "سكايلارك"، لديه ما قد يفرح البعض. قال: "قد تكون أسعار الفنادق تدفع على البكاء، لكن هل رأيت تكلفة السفر في درجة رجال الأعمال إلى روما الآن؟ يمكنك أن تحجز هذه الرحلة مقابل ثلاثة آلاف دولار حالياً، وهذا نصف سعر التذكرة قبل بضعة أشهر".