شركتا "بيوند ميت" و"إمبوسيبل فودز" سعتا لقلب صناعة اللحوم.. لكن الفشل يبدو مصير اللحوم المصنوعة من النباتات

شركة لحوم نباتية تجد الصين سوقاً أصعب من أميركا

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان دخول "بيوند ميت" إلى السوق الصينية في 2020 قوياً، فقد طُرحت بعض منتجات الشركة التي تصنع بدائل نباتية شبيهة باللحوم في أكثر من 3300 من مقاهي شركة "ستاربكس". وفي العام التالي، أطلقت الشركة متجراً على موقع التسوق الشهير التابع لـ"JD.com"، وهو موقع رائد للتسوق عبر الإنترنت في الصين يضم أكثر من نصف مليار عميل نشط.

كما أسست الشركة موقعاً باللغة الصينية على الإنترنت، بالإضافة إلى حسابات على تطبيقي "وي تشات" (WeChat) و"ويبو" (Weibo) لإرسال الرسائل النصية وخدمات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع عملاء صينيين كانت تأمل بأن تجذبهم.

أما اليوم، فالمشهد مختلف جداً، إذ لم تعد منتجات اللحوم النباتية من إنتاج "بيوند ميت" تظهر على القوائم التي تنشرها "ستاربكس" عبر الإنترنت في الصين، كما لم تعد منتجاتها متاحةً عبر موقع "JD.com". أما على تطبيق البقالة الشهير "هيما فريش" (Hema Fresh)، التابع لمجموعة "علي بابا"، فهنالك أربعة تعليقات فقط من عملاء على منتجات "بيوند ميت" وكلها سلبية، إذ جاء فيها أن طعمها سيئ أو أنه لا يشبه طعم اللحم الحقيقي.

أبهرت "بيوند ميت" المستثمرين في طرح عام أولي خلال 2019، لكنها واجهت صعوبات في شق طريقها على نحو طويل الأجل مع أغلب المستهلكين في سوقها المحلية. والآن، يبدو أنّ مسعى الشركة لدخول الصين يتعثر أيضاً.

محاولات متعثرة

"بيوند ميت" هي إحدى الشركات الأميركية القليلة لصناعة الأغذية النباتية، التي خططت لأن تسعى لدخول الصين كسوق رئيسية، لكنها تعثرت في محاولاتها لاختراقها. تضافرت كل العوامل، من الإغلاقات بسبب جائحة كورونا إلى البيروقراطية على صعيد الجهات التنظيمية، لتحبط مساعي الشركة.

زادت الإغلاقات بسبب كورونا وصعوبة أن يجرب المستهلكون منتجات "بيوند ميت" لفترة مديدة. على سبيل المثال، أدت الإغلاقات في شنغهاي إلى تراجع مبيعات المطاعم وقطاع الضيافة إجمالاً بأكثر من 60% في أبريل ومايو 2022. كما واجهت "بيوند ميت" في الصين تحديات مشاكل الأسعار والمذاق كذلك والتي تؤثر على مبيعات الشركة في الولايات المتحدة، إضافة إلى أخطاء استراتيجية وقعت مبكراً تتعلق بإخفاقها بالتأقلم بشكل مناسب مع ما يفضله المستهلكون الصينيون.

قال لاري لي، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"تشاينا بلانت بيسد فودز أسوسيشن" (China Plant Based Foods Association): "بعض المستثمرين والعلامات التجارية الدولية حديثة العهد بالصين يرفعون توقعاتهم، فهم يفكرون بضخامة تعداد سكان الصين... واضح أن صناعة سوق لهم يتطلب فترة طويلة. وآمل أن يتحلى المستثمرون والشركات الناشئة بمزيد من الصبر وأن يجعلوا توقعاتهم منطقيةً".

تراجع الحماس

رفضت "بيوند ميت" التعليق على هذا التقرير. لكن رئيسها التنفيذي إيثان براون قال في مكالمة لإعلان الأرباح في نوفمبر 2022 لدى سؤاله عن احتمال مغادرة الأسواق الدولية، إنّه من السابق لأوانه قراءة الاتجاهات في الصين بسبب الجائحة. أضاف: "أنهم بالكاد تخلصوا من كل تلك الإغلاقات، تخلصوا منها ليعودوا إليها مجدداً".

قبل أربع سنوات، كان تقييم براون للسوق الصينية يحمل حماساً أكبر بكثير، إذ قال لبلومبرغ: "نود أن نعمل بأكبر قدر ممكن من الهمة". أعلنت الشركة عن وجودها في الصين خلال أبريل 2020 عبر طرح ثلاثة منتجات جديدة في مقاهي "ستاربكس" تحتوي لحوماً نباتيةً مفرومةً من "بيوند ميت"، وهي معكرونة بصلصة بيستو وبديل لحم البقر، ولفائف بديل اللحم، ولازانيا.

بعد بضعة أشهر، طرحت الشركة برغر في بعض أفرع مطاعم "كيه إف سي" و"بيتزا هت" و"تاكو بل" كعرض لفترة محدودة، وهي استراتيجية اتبعتها في الولايات المتحدة ليتعرف عليها المستهلكون بسرعة.

غيتي إيمجز
غيتي إيمجز

توسعات دون أرباح

أبرمت "بيوند ميت" شراكة مع اللجنة الإدارية لمنطقة جياتسينغ للتنمية الاقتصادية والتقنية لاستئجار وتجديد منشأة تصنيع قرب شنغهاي. كما استأجرت الشركة أيضاً مساحة 1100 متر مربع لأغراض البحث والتطوير في شنغهاي. حتى 1 أبريل، كانت "بيوند ميت" قد استثمرت 22 مليون دولار مبدئياً في المشروع وقدمت 20 مليون دولار أخرى لتابعتها المحلية، وفقاً لإفصاحات عامة.

لكن العثور على أحد منتجات "بيوند ميت" في الصين ليس سهلاً دوماً. في أحد مقاهي "ستاربكس" في شنغهاي، لم تعد شطيرة "بيوند ميت"، أو أي منتجات أخرى من اللحوم النباتية، متاحةً، وفقاً لمدير الفرع. قال متحدث باسم "ستاربكس" إنّ "تنوع الخيارات وتوفرها يتفاوتان حسب الفرع".

طرحت "بيوند ميت" شطائر البرغر بالتعاون مع سلسلة مطاعم "ديكوس" (Dicos) خلال الصيف الماضي، لكن سلسلة المطاعم تطلق الآن حملة تسويقية كبيرة على الإنترنت وفي المطاعم عن برغر اللحم النباتي الحار الذي تورده لها شركة "ستارفيلد" (Starfield) المحلية لتصنيع اللحوم البديلة. رغم أنّ شركة "كيه إف سي" جربت تقديم لفائف اللحم من إنتاج "بيوند ميت" في 2021، لا تُقدّم أي من سلاسل المطاعم التابعة للشركة الأم "يم تشاينا هولدينغز" (Yum China Holdings) اليوم أي من منتجات "بيوند ميت" في قوائم الطعام لديها.

بدائل غير ملائمة

لا يتعجب هِنك هوغنكامب، وهو مستشار دولي للشركات المتخصصة في تقنية تصنيع البروتين، من أنَّ شطائر البرغر لم تفتح الطريق بشكل واسع لاستهلاك منتجات "بيوند ميت"، وذلك لأن اللحم البقري ليس رائجاً في الصين بشكل خاص. وفقاً لتقرير صدر عن "ماكينزي آند كو" هذا العام، استهلكت الصين نحو 57 مليون طن من لحم الخنزير مقابل 9 ملايين طن من اللحم البقري في 2021. قال هوغنكامب: "كان من شأن بديل لحم الخنزير أن يلائم (السوق الصينية) بشكل أفضل".

يُرجَّح أيضاً أنّ اعتياد المستهلكين الصينيين على تناول بروتينات غير حيوانية، مثل التوفو والماش، لم يكن عاملاً مساعداً. لذا قد لا يجد المستهلكون في الصين البدائل النباتية الجديدة للحوم مبتكرة أو مرغوبة بقدر ما يعتبرها مستهلكو الولايات المتحدة، التي اجتذبت فيها البدائل لمنتجات اللحم البقري والدجاج التقليدية جمهوراً منذ البداية.

قالت ليلي تشين، المديرة في "ليفر تشاينا" (Lever China)، وهي شركة مقرها شنغهاي تقدم المشورة مع شركات البدائل البروتينية وتستثمر فيها: "قد تتمكن من إرضاء المستهلكين بمنتجات مثل البرغر وقطع الدجاج في الولايات المتحدة، لكن تلك المنتجات ليست طعام العشاء المعتاد الذي تلتف حوله أسرة صينية تقليدية".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

مبيعات محدودة

وفقاً لشركة أبحاث السوق "يورومونيتور إنترناشونال" (Euromonitor International)، ما تزال مبيعات التجزئة لبدائل اللحوم في الصين إجمالاً "محدودة جداً". استمر نمو حجم بدائل اللحوم في قطاع الخدمات الغذائية، لكنه تباطأ بشكل ملحوظ في 2022 مقارنة بسابقه. قالت كوين ماي، المحللة في "يورومونيتور": "يستمر عدد محدود فقط من الناس بشراء المنتج بعد أن يجربوه".

لم تثنِ العثرات التي واجهتها العلامات التجارية الدولية الشركات المحلية عن محاولة فتح مسار لأنشطة الأطعمة النباتية. على سبيل المثال، تُقدّم "ميديك فريش" (Medic Fresh)، ومقرها شنغهاي، وصفات لأطعمة نباتية للمرضى الذين يعانون من الشحوم وأمراض الغدد الصماء وتفرض أوضاعهم الصحية قيوداً طبية على أنظمتهم الغذائية.

قال جونسون لوك، مؤسس الشركة: "حين يستمر أغلب المستهلكين في مكان ما في إبداء اهتمام كبير بتناول لحوم حقيقية ولا يكترثون للرفق بالحيوان، لا تنجح استراتيجية بيع اللحوم النباتية فقط أو تسويقها على أنها بديل صحي للمستهلكين العاديين".

سعت "بيوند ميت" لأن تتكيف مع السوق، فقد طرحت زلابية صينية من لحوم نباتية بديلة للحوم البقر والخنزير مع تشكيلة صلصات من نوع "بيوند بورك" (Beyond Pork)، لكن ذلك لم يكن كافياً لتصبح بين الشركات الرائدة على مواقع التسوق الرئيسية في الصين. بشكل عام، لم تحقق الشركة أرباحاً منذ أوائل 2020، ولم تستطع تحويل الإتفاقات المحدودة، التي أجرتها في وقت مبكر مع مطاعم رئيسية في الولايات المتحدة إلى صفقات مستمرة، كما أنها سرحت عمالاً عدة مرات خلال العام الماضي.

آمال متضائلة

قال أرون سوندارام، المحلل لدى "سي إف آر إيه" (CFRA)، مشيراً إلى التوسع في الصين: "إذا لم يسر الأمر كما ينبغي، فستكون تلك مشكلة جديدة في التنفيذ تضاف إلى كل مشاكل التنفيذ السابقة".

"بيوند ميت" ليست الشركة الوحيدة التي تتلاشى آمالها في السوق الصينية. قال جوش تتريك، الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع البيض النباتي "إيت جَست" (Eat Just)، لبلومبرغ في 2020 إنه كان يأمل بأن يُحوّل نجاح الشركة المبكر المحدود في السوق إلى صفقة مع شركة صينية كبيرة لإنتاج وتوزيع الطعام.

لكن ما حصل هو أن منتجه لم يعد متوفراً في البلاد. قال في مقابلة حديثة: "كان فيروس (كوفيد) حجر عثرة حقيقي في طريقنا". أوضح تتريك أنّ منتج الشركة كان يتعرض للتلف تكراراً أثناء احتجازه في الجمارك، وقال: "اتخذنا قراراً بأننا سنوقف نشاطنا وننتظر لدخول السوق من جديد". كان ارتفاع تكاليف الشحن عقبة أخرى في الطريق، ولم تحدد الشركة بعد جدولاً زمنياً رسمياً لعودتها.

في 2019، قال بات براون، مؤسس شركة "إمبوسيبل فودز" (Impossible Foods) المنافِسة لـ"بيوند ميت"، لبلومبرغ إنّ الصين "كانت دوماً الدولة الأهم في مهمتنا". لكن الشركة لم تحصل على موافقة من البلاد لتبيع منتجها، المصنوع من ليغيموغلوبين الصويا، وهو مكوّن جديد معدل وراثياً. لم ترد "إمبوسيبل" على طلبات بالتعليق.

حتى "أوتلي غروب" (Oatly Group)، الشركة السويدية التي تصنع بدائل نباتية للألبان وتحظى بانتشار واسع في الصين من خلال سلسلة من شراكات مع سلاسل المقاهي المحلية ومع علامات تجارية عالمية، واجهت بعض الصعوبات. قالت الشركة إنّ الإغلاقات بسبب الجائحة أضرّت بمبيعات 2022، ثم جاء تحسن لكن وتيرته كانت أبطأ من المتوقع.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك