خلال جائحة كورونا، تكدست الأموال في حسابات الأميركيين من مدفوعات التحفيز والمدخرات نتيجة التزام المنازل وعدم الإنفاق على ارتياد المطاعم أو العطلات. إن جمعت ذلك مع جرعة كبيرة من الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسهولة تأسيس شركة، وزدت عليه مشاهدة حلقات متتالية من برنامج "شارك تانك" (Shark Tank)، وأضفت إلى الوصفة أحلام الثراء وجني الملايين على غرار إيلون ماسك وجيف بيزوس، فستكون النتيجة طفرةً في تأسيس الشركات الصغيرة.
تُظهِر بيانات الإحصاء العام أن الولايات المتحدة سجلت في 2021 رقماً قياسياً في تأسيس الشركات الجديدة بلغ 5.4 مليون منها. والتأثير مستمراً بعد مرور عامين، إذ يدفع التضخم في الولايات المتحدة عديداً من الأميركيين إلى البحث عن عمل جانبي.
يسهّل كل من تسريع التجارة الإلكترونية والعمل من بُعدٍ تأسيسَ نشاط جديد أكثر من ذي قبل. في 2022 تَقدَّم الناس بأكثر من خمسة ملايين طلب لتأسيس نشاط جديد، أي بزيادة 42% على مستويات ما قبل الجائحة. قالت كارين جنكنز، وهي مستشارة مستقلة في الشؤون الإدارية تعمل في جنوب كارولينا: "يرغب الناس بالحرية، وبأن يكونوا مسؤولين عن حياتهم، وهم مستعدون لتجشُّم مزيد من المخاطرة".
توليد وظائف جديدة
تلك بشائر خير على الاقتصاد الأميركي، لأن الشركات الأميركية صغيرة الحجم، التي يفوق عددها 30 مليون شركة، كانت مسؤولة عن توليد نحو ثلثي الوظائف الجديدة بين عامَي 1995 و2021، وفقاً لغرفة التجارة الأميركية. لكن المجهول في هذا هو كم من الشركات حديثة التأسيس سيصمد ويزدهر.
تبيّن البيانات الإحصائية تسجيل شركات ليست بالضرورة نشطة، فالأمر الأصعب هو تأسيس شركة تعيّن موظفين وتولّد إيرادات وتحقّق أرباحاً، وهو ما يتأكد من خلال مئات آلاف الشركات الناشئة التي تفشل كل عام أو التي لا تحقّق أي نجاح منذ البداية.
بالنسبة إلى أكثر من 50% من الشركات الصغيرة، فإن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج لا يزال يمثل مصدر قلق رئيسيّاً، وفقاً لمؤشر "ميتلايف وغرفة التجارة الأميركية للأنشطة الصغيرة"، فقد قال نحو نصف المشاركين في استبيان في الربع الثاني من العام إنهم اقترضوا خلال العام الماضي لتغطية ارتفاع التكاليف.
قال جيم هولكوم، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة في ميشيغان: "كان للتضخم أثر بالتأكيد، فأنت ترى الناس يقلّصون بعض مشترياتهم الأصغر حجماً، وهذه هي المساحة التي تعمل فيها تلك الشركات الصغيرة".
كذلك نتج عن رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة أثر سلبي، فقد ارتفعت تكلفة القروض المصرفية، كما أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول نبّه لأنّ أسعار الفائدة قد تستمر بالارتفاع. قال نصف الشركات التي شملها استبيان غرفة التجارة إن رفع أسعار الفائدة تسبب في تأجيل خططها للتوسع.
تحديات هيكلية
يحدث هذا النمو رغم تحديات هيكلية وأخرى متعلقة بالتركيبة السكانية واجهتها الأنشطة صغيرة الحجم حتى قبل الجائحة. في ظلّ التدني الشديد لمستوى البطالة، يتخبط رواد الأعمال لتعيين موظفين مؤهلين، فقد بلغت البطالة في فبراير إلى 3.4%، وهو أدنى معدلاتها منذ 1969. كما يمكن لصعوبة العثور على حضانات للأطفال أن تعقّد الأمور على أصحاب الأعمال والموظفين على حد سواء.
مع تقدم السكان في العمر، تتقاعد أعداد أكبر من الناس، بما يزيد احتمال تقلص الأيدي العاملة وارتفاع تكلفة تعيين من يبقون في سوق العمل عادةً. قال داين ستانغلر، الذي يدرس الأنشطة الصغيرة في "بايبارتيزان بوليسي سنتر" (Bipartisan Policy Center)، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: "شهدنا ركود معدلات تأسيس الشركات، وكان التغيير في التركيبة السكانية، تحديداً تباطؤ نمو السكان ودخول مزيد منهم سن الشيخوخة، أحد الأسباب الرئيسية".
أحد أكبر عوامل النمو المستدام هو تسهيل يفوق أي وقت مضى جلبته طفرة موارد عبر الإنترنت للطامحين إلى تأسيس شركات. قال توماس رودز، الشريك في "رودز كوس" (Rhodes Cos)، وهي شركة مقرها ولاية جنوب كارولينا متخصصة في تذكارات التخرج، إن أصحاب الأنشطة الصغيرة ربما كانوا قبل 10 سنوات بحاجة إلى تحصيل "شهادة الماجستير في إدارة الأعمال لاكتشاف طريقة إدارة الأمور، أما الآن فبإمكانك أن تحصل على 99% من ذلك المحتوى على (يوتيوب) بلا مقابل".
كما كان إنشاء موقع للتجارة الإلكترونية يتطلب تعيين مطوّرين ومبرمجين، وهو ما يحتاج عادةً إلى أشهر من العمل وآلاف الدولارات. قال رودز إن "بإمكانك الحصول على (موقع) خلال 15 دقيقة" هذه الأيام، إذ يقدّم عديد من المواقع مثل هذه الخدمات.
مزيد من التنوع
يُعَدّ الأميركيون من أصول أفريقية والنساء من بين الفئات الرئيسية المسؤولة عن الزيادة. بلغت نسبة أصحاب الأعمال من النساء 49% في 2021، بارتفاع من 29% قبل الجائحة، وفقاً لـ"غوستو" (Gusto)، وهي شركة لخدمات مدفوعات العاملين لدى الشركات صغيرة الحجم.
كما ارتفعت نسبة المؤسسين الذين يعتبرون أنفسهم أميركيين من أصول أفريقية إلى ثلاثة أضعاف لتصل إلى 9% في 2021، بارتفاع من 3% في 2019، ما يشير إلى أن موجة ازدهار الشركات الناشئة تقلّص مشكلة عدم المساواة التي لاحقت كبرى الشركات لعقود.
قال لوك باردو، المحلّل الاقتصادي في "غوستو": "يمثل هذا التحول فرصة كبيرة لمجموعة جديدة من رواد الأعمال ليستفيدوا من مميزات امتلاك شركة، وللحصول على قدر أكبر من السيطرة على حياتهم المهنية".
يجد المؤسسون دعماً من اقتصاد نما بوتيرة أسرع من التوقعات في الربع الثاني، وذلك بفضل تباطؤ التضخم وقوة الاستهلاك وأنشطة الأعمال. كشف استبيان من "ناشيونال فيدريشن أوف إندبندنت بزنس"، وهي مجموعة تحشيد، أن 40% من أصحاب الأعمال يتوقعون أوضاع عمل أفضل، ما يعكس تفاؤلاً بأنَّ الولايات المتحدة قد تتمكن من ترويض التضخم دون إحداث ركود.
قالت هولي وايد، المديرة التنفيذية للأبحاث في "ناشيونال فيدريشن أوف إندبندنت بزنس": "مؤكد أن اهتمام عديد من الناس بتأسيس نشاط صغير الحجم، أو تفكيرهم في الخطوة، أمر إيجابي للاقتصاد... هذا مؤشر جيد وقوي حقاً".