عودة المستثمرين الأفراد إلى السوق تخفف أعباء الديون الوطنية بعد انقضاء حقبة أسعار الفائدة السلبية الطويلة

عائدات سندات الحكومات تجذب مواطني أوروبا

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ظهر إعلان على التلفريون الإيطالي، بين المسلسلات وأخبار المساء، يعرض مشاهد أسرية مألوفة ظهر فيها زوجان يعدان قهوة الصباح فيما يجول كلبهما في المطبخ ويغط أطفالهما في نوم عميق. لم يكن ذلك الإعلان يروج لمنظفات أو لجهازٍ منزليٍ، بل لسندات حكومية ستطرح قريباً في مزاد.

لم يتطلب الجمهور الإيطالي كثيراً من الإقناع، فذكريات أسعار الفائدة الصفرية وحتى السلبية ما تزال ماثلةً في الأذهان. لذا أقبل على المزاد، فجمعت الحكومة أكثر من 18 مليار يورو (19.9 مليار دولار)، وهي حصيلة غير مسبوقة لمبيعات سندات إيطالية موجهة لهذه الشريحة من المستثمرين.

لم تدانِ السندات، التي تبدأ بمعدل فائدة 3.25% يرتفع إلى 4% في غضون عامين، التوازي مع التضخم الذي يتخطى 6% في إيطاليا، إلا أن عائداتها تفوق ما اعتاد كثير من المستهلكين أن يحصلوا عليه من البنوك. قال ماسيمو فامولارو، وهو مستشار مالي في ميلانو يكتب مدونة عن التمويل الشخصي: "الأسر الإيطالية مفتونة بالتحول الكبير من أسعار الفائدة السلبية إلى الإيجابية... لذا يشترون ما يُعلن عنه عبر التلفاز".

ثورة أوروبية

بدأت حكومات أخرى تدرك أيضاً قيمة صغار المستثمرين فيما تتجه البنوك المركزية لإنهاء برامج شراء السندات، وتستمر أعباء الديون الوطنية بالتنامي بعد طفرة الإنفاق خلال حقبة الوباء. علقت البرتغال خطط إصدار سندات وأوراق مالية قصيرة الأجل قيمتها 9 مليارات يورو لمستثمرين مؤسسيين، وذلك بعد ارتفاع الطلب بين المستثمرين الأفراد. كما حفزت الإعفاءات الضريبية في المملكة المتحدة تهافت مواطنيها على شراء السندات الحكومية. أما بلجيكا وكرواتيا فأصدرتا سندات موجهة للمستثمرين الأفراد.

يحمل مواطنو إيطاليا الآن نحو 11% من ديون حكومتهم، فيما تُظهر البيانات ارتفاع الحيازات الفردية في البرتغال وإسبانيا أيضاً. كما يُتوقع أن تظهر بيانات البنك المركزي الأوروبي اتجاهاً مماثلاً في جميع أنحاء القارة العجوز.

قال إرجون ساتكو، محلل أبحاث أسعار الفائدة الأوروبية الاستراتيجي لدى مؤسسة "بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش" (BofA Global Research): "الطلب المحلي يشكل أداة يجب أن تلمس فيها وزارات الخزانة قيمة كبيرة، لأن هؤلاء مستثمرون مستقرون جداً".

يميل المستثمرون المحليون إلى التمسك بالسندات الحكومية، ما يجعلها أداة تمويل مستقرة تساعد في دعم الأسعار خلال التقلبات. كما تقدم بعض السندات المخصصة حصرياً لصغار المدخرين، مثل السندات الحكومية الجديدة التي أعلنت عنها وزارة المالية الإيطالية، عائدات إلى حامليها الذين يحتفظون بها حتى تاريخ الاستحقاق، كوسيلة جذب.

بعد وطني

يفضل المستهلكون السندات الحكومية لأنها آمنة نسبياً، إضافةً إلى أنها توفر عائداً يفوق ما يأتي من حسابات التوفير العادية في معظم البلدان. كان متوسط العائد على الودائع الثابتة لأجل عام إلى عامين في منطقة اليورو قد قفز إلى 2.33% في مايو، مقارنةً بمتوسط بلغ 1.83% في نهاية 2022، لكنه ما يزال أقل بكثير من عائدات السندات الحكومية.

بيّن أفونسو فيليز، وهو محلل مخاطر مالية في لشبونة، أن إقراض المال للحكومة بدل البنوك له بعد وطني، خاصة بالنسبة لمن نشأوا في ظل أزمة الديون الأوروبية لعام 2011، حين ارتفعت تكاليف الاقتراض في البرتغال لتتجاوز 13%. قال فيليز، 26 عاماً: "إنها أداة مهمة لتمكين نظرائي من المواطنين البرتغاليين من مساعدة بلادنا لئلا تفرط في الاعتماد على الأسواق الدولية".

قال نونو لوبيز، وهو مهندس برمجيات يعمل في لشبونة أيضاً وقد دأب على شراء شهادات الدين الحكومية منذ الطفولة، إن العديد من أصدقائه طلبوا مشورته بشأن الديون الحكومية أخيراً. تابع لوبيز، 36 عاماً: "أعتقد أنها يُنظر إليها على أنها آمنة جداً. يمكنك استرداد الأموال كل ثلاثة أشهر دون أي غرامات".

أفاد مكتب البريد البرتغالي، المنفذ الرئيسي لبيع شهادات الديون الحكومية، أن إيرادات الربع الأول من مبيعات الشهادات قفزت بأكثر من 300% مقارنة مع العام السابق.

تقاعست البنوك في بعض البلدان عن رفع أسعار الفائدة لأن السيولة ما تزال فائضة لديها بعد سنوات من التحفيز النقدي. لكن يواجه المقرضون ضغوطاً سياسية متزايدة لرفع سعر الفائدة على مدخرات المودعين بعد زيادة البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة بواقع 4 نقاط مئوية منذ يوليو. كما يرجح أن تشتد المنافسة على اقتناص السيولة النقدية للأسر بينما تنفض البنوك المركزية غبار سنوات من التيسير النقدي.

أداة فعالة

قال ميشيل بيرغادانو، وهو موظف بقطاع الرعاية الصحية بلغ من العمر 35 عاماً، إنه ليس مستثمراً متمرساً لكنه تحمس للبحث عن بدائل عن حساب التوفير. لقد لفت إعلان السندات الحكومية، الذي يعرض في محطات المترو أيضاً، نظر بيرغادانو الذي يقيم في منطقة بيدمونت بشمال إيطاليا. لكنه فضل شراء ديون دول أوروبية أخرى لتنويع استثماراته خارج إيطاليا، فضلاً عن استثماره في صناديق المؤشرات المدرجة.

تأمل الحكومة الإيطالية، المثقلة بأحد أعلى مستويات الدين العام في أوروبا، بأن تزيد حصة المستثمرين الأفراد في سوق السندات. سبق أن حققت الحكومة ذلك عندما أصدرت سندات لأجل 12 شهراً وأقل لتمويل الدين العام للبلاد، والتي عرفت باسم "سندات الخزانة العادية" (Buoni Ordinari del Tesoro).

كانت تلك السندات شائعة جداً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حتى أن اسمها أُدرج في القاموس الإيطالي وما يزال مستخدماً حتى اليوم.

محلياً، تشكل سندات الخزانة المخصصة للمستثمرين الأفراد أداة فعالة بالنسبة لرئيسة وزراء إيطاليا اليمينية، جورجا ميلوني، لجعل البلاد أقل اعتماداً على المقرضين الأجانب، وقد حاولت وزارة الاقتصاد والمالية تيسير شراء السندات بالقدر المستطاع لتضمن مشاركة جميع المستثمرين الأفراد، بمن فيهم عديمو الخبرة ممن لديهم مبالغ صغيرة. وأتت الحملة الإعلانية الأخيرة لتؤكد في مسعاها لجذب المستهلكين الإيطاليين، أن شراء السندات الحكومية "ببساطة إعداد فنجان قهوة".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك