"غوغل" قد تواجه صعوبة أكبر في إبعاد عمليات الاحتيال والمعلومات المضللة عن روبوت الدردشة "بارد"

الوضع المؤسف لمحركات البحث نذير شؤم لعصر الذكاء الاصطناعي

صورة تعبيرية عن مكامن ضعف في محركات البحث - الشرق/بلومبرغ
صورة تعبيرية عن مكامن ضعف في محركات البحث - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان مسؤول تنفيذي ضجراً في ليلة سبت، فقرر أن يجرب موقعاً للذكاء الاصطناعي سمع عنه كثيراً. اتّبع ذاك الرجل، ولنعتبر أن اسمه ماثيو، الطريقة ذاتها التي يستخدمها أغلب الناس في البحث عن شيء ما عبر الإنترنت، فقد فتح جهاز كمبيوتره المحمول وكتب اسم شركة الذكاء الاصطناعي "ميدجورني" (Midjourney) في نافذة محرك بحث "غوغل". نقر ماثيو على أول رابط في نتائج البحث، وبعد خطوات بسيطة كان نزّل التطبيق وثبته على كمبيوتره.

أو إن هذا ما ظنّ ماثيو أنه فعل، لكن في الواقع ما نقر عليه في البداية كان رابط إعلان باعته "غوغل" عن غير قصد لموقع قائم على الاحتيال عبر الإنترنت ادّعى أنه موقع "ميدجورني". ما أنزله ماثيو، الذي طلب عدم كشف هويته خشية أن تكون بياناته الشخصية لا تزال لدى من اخترق جهازه، غيرَ عامدٍ هو برنامج يسرق البيانات، وهو نوع من البرمجيات الخبيثة التي تمشط كمبيوترات الضحايا بحثاً عن أسماء المستخدمين وكلمات المرور، ثم يرسلها إلى قراصنة.

تَمكَّن هذا البرنامج، المعروف باسم "أورورا" (Aurora)، من ولوج محفظة العملات المشفرة الخاصة بماثيو وحسابات التواصل الاجتماعي وربما غيرها. نقل قراصنة الإنترنت محتويات محفظة ماثيو في "كوين بيس"، وفيها ما قيمته مئات آلاف الدولارات، إلى بنك غير الذي يتعامل معه. قال ماثيو: "إنها حياتك بأكملها... تشعر بأنك عارٍ تماماً وخائف وفي حالة ضعف".

يلوم ماثيو نفسه أنْ لم يتوخَّ الحذر بقدر أكبر، لكنه يلوم "غوغل" أيضاً لأنها تركت رابطاً احتيالياً يظهر في مقدمة نتائج البحث على محركها. ما زاد الطين بلة أن الاختيارات التي يُظهِرها محرك بحث "غوغل" من حيث تصميمه تخلق شعوراً بأن الروابط التي ترد في نتائج البحث موضوعية وموثوقة تماماً، وفي الوقت نفسه تزيد صعوبة تحديد أيها وراءه شخص دفع المال ليأتي رابطه في طليعة نتائج البحث (تضع "غوغل" تبويباً تظهر فيه كلمة "إعلان" دلالةً على أن الرابط إعلاني، لكن يسهل عدم ملاحظته).

صعوبات مستمرة

تثير تجربة ماثيو أسئلة تدور منذ فترة طويلة حول تكاليف هيمنة الشركة على سوق محركات البحث وعدم قدرتها في ما يبدو على كبح جماح الاحتيال. كما تشير إلى أنَّ "غوغل" ربما ستواجه صعوبة أكبر مما تتوقع في إقصاء عمليات الاحتيال والمعلومات المضللة عن محرك البحث الخاص بروبوت الدردشة التجريبي (الذي يواجه صعوبات في التحقق من الحقائق أحياناً). يُرجَّح أن تزداد صعوبة تحديد مصادر المعلومات التي تقدمها الشركة عبر روبوت الدردشة المعروف باسم "غوغل بارد" (Google Bard).

بحلول أواخر يوليو كان الإعلان الذي نقر ماثيو عليه اختفى، لكن كانت لا تزال هناك مواقع وهمية لـ"ميدجورني" تظهر بين أوائل نتائج البحث على محرك "غوغل". قال ماثيو: "حقيقة أنها لا تزال تظهر في نتائج البحث غير مقبولة". اختفت نتائج "ميدجورني" الوهمية من "غوغل" بعد فترة قصيرة من استفسار أرسلته "بلومبرغ بزنس ويك". وقد رفضت "غوغل" التعليق على النتائج الزائفة، لكنها قالت إنها تستخدم مزيجاً من المراجعين والبرمجيات لإزالة مثل هذا المحتوى الذي تحظره الشركة.

كما بيّنت "غوغل" أنها أزالت 5.2 مليار إعلان خلال العام الماضي لانتهاكها سياسات الشركة. قال نِد أدريانس، وهو متحدث باسم الشركة: "رغم أن لاعبين سيئي النيات يحاولون التحايل على أنظمة الحماية لدينا، فإنَّ أنظمة (غوغل) فاعلة بشكل كبير في إبراز المعلومات عالية الجودة ومكافحة الرسائل المزعجة والسلوكيات الضارة".

لم يكن اكتشاف أنَّ الإعلان الذي ظهر لماثيو عبر "غوغل" كان خبيثاً يتطلب نظام مكافحة خداع متطوراً، فقد أشارت نتيجة البحث إلى موقع يزعم أنه تابع لـ"ميدجورني"، لكنه استبدل بحرف "o" بالإنجليزية رقم صفر "0"، وهو أسلوب احتيالي معروف. كانت على موقع "ريديت" (Reddit) سلاسل من الرسائل تحذر المستخدمين من هذا الأمر بعينه، وقد نُشرت قبل أن ينقر ماثيو على رابط الموقع الاحتيالي.

اتهم ريتشارد بلومنتال، السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونتيكت، "غوغل" في رسالة في 2022 بأنها "أخفقت مراراً في التعامل مع مشكلة الاحتيال وانتحال الهوية والجرائم السيبرانية الخطيرة"، بالإضافة إلى أنَّ "ميدجورني" لا تقدم تطبيقاً يمكن تنزيله، إذ يمكن ولوج الموقع عبر تطبيق الدردشة "ديسكورد" (Discord).

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

حالات مشابهة

ظهرت أمثلة مشابهة بشكل متكرر على مدى تاريخ "غوغل". على سبيل المثال، اكتشف شمولي إيفرز، وهو مصمم رقمي، في أواخر يوليو أن المحتالين استطاعوا خداع محرك بحث "غوغل" ليعرض أرقام هواتف وهمية لشركة "دلتا إير لاينز" (Delta Air Lines) وغيرها من شركات الطيران الكبيرة بغرض بيع تذاكر وهمية.

صححت "غوغل" الخطأ بعد أن نشر إيفرز تغريدة على "تويتر" عن الأمر، لكن المنتقدين يقولون إنَّ الشركة على علم منذ فترة طويلة بعمليات احتيال مشابهة باستخدام أرقام الهواتف. قال مايك بلومنتال، المؤسس المشارك في "نير ميديا" (Near Media)، التي تقدم استشارات للشركات بشأن التسويق الرقمي والتسويق عن طريق محركات البحث: "تحدث عمليات القرصنة هذه سنوياً منذ 15 عاماً... لطالما حمّلت (غوغل) المجتمع ثمن تلك الاحتيالات".

قال بلومنتال، الذي يوثّق بعض الحالات منذ 2008، إنَّ المحتالين استبدلوا بأرقام الهواتف لبعض محلات بيع الورود والمختصين بالأقفال والفنادق. قال أدريانس في إشارة إلى الاحتيال المتعلق بشركات الطيران: "نحن لا نقبل بهذه الممارسات المضللة ونتابع منصاتنا ونطورها باستمرار لمكافحة الاحتيال".

عرضة للتلاعب

كما أن "غوغل" عرضة لشكل أبرع من التلاعب، فقد ملأ مسوّقو محركات البحث –بمساعدة من تطبيق "تشات جي بي تي" وخدمات مشابهة في بعض الأحيان– صفحات نتائج البحث في بعض الفئات بمواقع تافهة تروج نفسها، وعادةً ما تخلو من أي محتوى مفيد.

أدّت هذه المشكلة، التي وصفتها مجلة "أتلانتيك" (Atlantic) العام الماضي بأنها "السر المعلن للبحث عبر (غوغل)"، دفعت المستخدمين لأن يعمدوا إلى حيل سعياً لتنقية نتائج البحث من الروابط الوهمية. يتضمن أحد أشهر الأساليب إضافة كلمة "ريديت" (Reddit) إلى أي عملية بحث، في محاولة لدفع محرك بحث "غوغل" للتركيز على تلك الشبكة الاجتماعية، وهو ما يرى البعض أنه ساعد على تجنب طوفان من الإعلانات التسويقية والرسائل المزعجة.

يعتمد أسلوب آخر على استبدال "غوغل" بـ"تيك توك"، الذي عادةً ما يقدم عدداً أقل بكثير من النتائج التي تجلب رسائل مزعجة إن كنت تبحث عن مطاعم أو وصفات أو نصائح للسفر. وأخيراً هناك روبوتات الدردشة، مثل "بارد" وروبوت الدردشة الذي طوّرته "مايكروسوفت" لمحرك بحث "بينغ" (Bing) الخاص بها، التي قال بعض المتكهنين إنها قد تحلّ محلّ عملية البحث التقليدية على الإنترنت في نهاية المطاف.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

هيمنة "غوغل"

قالت "غوغل" إنَّ غالبية مستخدميها مرتاحون لجودة نتائج البحث، وهو ما يفسر جزئياً على الأقل سر عدم وجود أي منافس تقريباً لهيمنة "غوغل" في تلك الفئة على مدى عقدين. وفقاً لشركة "سيميلر ويب" (Similarweb)، إذ تبلغ حصة "غوغل" 91% من سوق محركات البحث.

يستطيع الكونغرس فرض مزيد من الضغوط عبر تعديل المادة 230 من قانون آداب الاتصالات، الذي يحمي مواقع الإنترنت من المسؤولية القانونية المتعلقة بالمحتوى الذي يضيفه مستخدموها. لكن ذلك الإجراء سيكون محل اعتراض شديد، كما أنَّ الكونغرس لم يُبدِ قدرته على التعامل مع مثل هذه القضايا في السنوات الأخيرة.

قد يكون المسار الأرجح هو دعوى رفعتها وزارة العدل الأميركية ومدعون عامّون عن الولايات بهدف فصل "غوغل" عن شبكتين للإعلانات اشترتهما الشركة قبل أعوام. سبق أن قالت "غوغل" إنَّ الدعوى "محاولة لتحديد الفائزين والخاسرين في قطاع الإعلانات شديد التنافسية في مجال التقنية".

لا يُرجَّح أن ينتج عن تلك الإجراءات الحكومية حل لسنوات. في أثناء ذلك ينصح ماثيو أصدقاءه وأقرباءه بتوخي الحذر. رغم أنه تمكن في النهاية من استعادة 90% من أمواله بمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي، قال ماثيو إنه سيضع أمواله في بنوك تقليدية بدلاً من العملات المشفرة من الآن فصاعداً. لكنه قلق من أنَّ الناس لا يزالون يقعون ضحايا احتيالات مشابهة.

قال ماثيو: "تتمتع (غوغل) بما يكفي من التطور في هذه المرحلة بحيث إنني لو بحثت عن أمر بسيط مثل (ميدجورني)، فأتوقع أن يكون أول الروابط التي ستظهر لموقع (ميدجورني)... توجد مشكلات عملية لا تحلها الشركة".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك