دعت عملاقة الموضة السريعة "شي إن" (Shein) ثلة من المؤثرات في مجال الموضة في الولايات المتحدة، ليقمن برحلة مجانية إلى الصين في يونيو، فكانت نتيجتها أن الشركة الصينية أصبحت مثالاً يُدَرَّس عمّا ينبغي تفاديه لدى استجلاب تفاعل الجمهور.
حاولت المؤثرات دحض ما وصفه بعضهن على أنه "شائعات" حول العمالة القسرية والأجور المتدنية في المصانع الصينية، حيث تُصنع أزياء "شي إن"، عبر مقاطع مصورة نشرنها عبر "تيك توك" و"إنستغرام".
قالت إحداهن في مقطع مصور عرضت فيه جولة للمؤثرات في مصنع على أحد أطراف مدينة غوانجو في جنوب الصين، إن العمال "لم يكونوا حتى يتعرقون". كانت الرحلة محاولةً من الشركة لاستمالة مشاعر الرأي العام في الولايات المتحدة التي تزداد سلبية ويدفعها جزئياً تدقيق متزايد من الكونغرس قبيل طرح عام أولي متوقع لأسهم الشركة.
أتى الهجوم على الصورة المتفائلة التي نقلتها المؤثرات - وقد دفع بعضهن إلى حذف منشوراتهن على مواقع التواصل الاجتماعي والاعتراف بخطئهن - في إطار هجوم أوسع ضد "شي إن"، التي اتحد ضدها النقاد المناهضون للصين من شتى ألوان الطيف السياسي في واشنطن مع منافسي الشركة في صناعة الملابس.
يغذي هذا الهجوم ازدياد مشاعر السخط على الموضة السريعة بين بعض المتسوقين الشباب الذين يطالبون بصناعة ملابس أكثر استدامةً والتزاماً بالأخلاق. قال تشابين فاي، المدير التنفيذي لحملة "أغلقوا شي إن"، التي تمولها شركات منافسة لعملاقة الموضة الصينية وتباشر أعمالها من مكاتب مجموعة الضغط "أكتوم" (Actum) في واشنطن: "لقد كانت الأشهر القليلة الماضية كارثية على (شي إن)".
تهدد الضجة المثارة حول ممارسات صنّاع منتجات "شي إن" محاولاتها لإجراء طرح عام أولي في نيويورك، كانت الشركة قد بدأت تخطط له في 2020 مع "غولدمان ساكس" وغيره من البنوك الاستثمارية.
يسعى المستثمرون، ومنهم شركات "سيكويا كابيتال تشاينا" (Sequoia Capital China) و"تايغرغلوبال" (Tiger Global) و"آي دي جي كابيتال" (IDG Capital)، إلى جني ثمار سنوات من الاستثمار في تحويل "شي إن" إلى أكبر متجر تجزئة لبيع الأزياء السريعة عبر الإنترنت في العالم من خلال اكتتاب عام أولي، إذ حققت "شي إن" مبيعات عالمية بلغت 22.7 مليار دولار العام الماضي.
برغم التكهنات الأخيرة حول الخطط المستقبلية للشركة، لم تتقدم "شي إن" بعد بطلب للجهات المعنية لإجراء اكتتاب عام ولم تعين مصرفيين له، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم ذكر أسمائهم لدى التطرق لشؤون الشركة الداخلية. قال جاي ريتر، أستاذ التمويل واختصاصي الاكتتاب العام بجامعة فلوريدا: "يرغب الرعاة الماليون بالتخارج، لذا لن أتفاجأ على الإطلاق إذا مضت "شي إن" قدماً بالاكتتاب العام، لكن في هونغ كونغ أو سنغافورة بدلاً من نيويورك".
حرب تشريعية
تصاعدت حدة الحملات الموجهة ضد "شي إن" في واشنطن بالتوازي مع توتر العلاقات الأميركية الصينية، فقد طالب أكثر من عشرين مشرّعاً، في خطاب إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات في مايو، بالتحقق من أن الشركة لا تعتمد على العمالة القسرية في سلسلة توريدها قبل أن توافق على أي خطط لإدراج سهم "شي إن".
استشهد المشرعون بتقرير من "بلومبرغ نيوز" في نوفمبر 2022، الذي استعان باختبارات معملية لإثبات أن القطن المستخدم في صناعة ملابس مشتراة من "شي إن" في مناسبتين مختلفتين خلال العام الماضي جاء من شنجانغ.
يحظر قانون منع التشغيل القسري للإيغور في الولايات المتحدة الواردات من ذلك الإقليم الصيني لضمان عدم تمويل كيانات أميركية لمنتجات تأتي من التشغيل القسري، وقد اعترضت الصين على هذا التصنيف.
كانت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية، المنعقدة بمشاركة أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قد أصدرت تقريراً أعربت فيه عن قلقها إزاء المخاطر التي تزعم أن الشركة تشكلها لتقويض القانون الأميركي، مستشهدة أيضاً بالاختبار المذكور في تقرير بلومبرغ.
كما أعلنت لجنة اختيار مجلس النواب الأميركي حول الحزب الشيوعي الصيني برئاسة مايك غالاغر، النائب الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، عن تحقيق مع "شي إن"، وأصدرت بياناً تضمن انتقادات لاذعة لممارسات الشركة الصينية.
أرسل المشرعون من كلا الحزبين خطابات إلى شركة "شي إن" وخدمة البريد الأميركية تحمل نفس المضمون، ويسعون لتغيير الإجراءات التي تتخذها هيئة الجمارك وحماية الحدود المكلفة بإنفاذ قانون الإيغور لمنع دخول منتجات العمل القسري.
حالياً، تهدف ثلاثة مشاريع قوانين منظورة في الكونغرس إلى سدّ ما يسمى بمُستصغر الثغرات، التي تسمح لشركات الشحن عبر الحدود وستشمل "شي إن"، بتجنب التدقيق المطبق على تجار التجزئة المستوردين بالجملة عبر شحنها لطرود قيمتها أقل من 800 دولار مباشرةً إلى المستهلكين.
الرد على الهجوم
تصدت "شي إن" للحملات على طريقتها الخاصة، حيث أنفقت 230 ألف دولار في الربع الأول، وفقاً لإفصاحاتها للجهات الناظمة، على شركات ضغط بارزة في واشنطن مثل "أكين غامب" (Akin Gump) و" هوبارت هالواي وكوايل فينتشرز" (Hobart Hallaway & Quayle Ventures) لتساعدها على تحسين سمعتها لدى المشرعين ووسائل الإعلام على حد سواء.
تحاول عملاقة الموضة السريعة أيضاً النأي بنفسها عن أصولها الصينية، حيث نقلت مقرها الرئيسي من مدينة نانجينغ إلى سنغافورة في 2021. كما عمدت "شي إن" إلى تنويع سلسلة التوريد الخاصة بها خارج الصين عبر إبرام اتفاقيات لبدء تصنيع منتجاتها في البرازيل وتركيا والهند، فضلاً عن افتتاح مراكز توزيع في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا في محاولة لتسريع التوصيل.
قال متحدث باسم شركة "شي إن" في بيان لـ"بلومبرغ": "لا نتسامح مطلقاً مع التشغيل القسري، وقد طبقنا نظاماً قوياً بغية دعم الامتثال لقانون الإيغور لمنع التشغيل القسري، ويتضمن فرض كتيب قواعد مسلكية، وإجراء تدقيقات مستقلة، واستخدام تقنيات تتبع قوية، والخضوع لتقييم ممارستنا من قبل جهة خارجية". أضاف المتحدث إنه إذا أسفر فحص الشركة الصينية الداخلي لتحديد مصدر القطن عن كونه من منطقة غير معتمدة، ستتخذ "شي إن" إجراءات فورية لتعليق الإنتاج ووقف الشحنات وإزالة قوائم المنتجات كي تتوافق مع القانون الأميركي.
لكن لا يُرجح أن يؤثر ذلك على بعض الأصوات المرتفعة في الكونغرس. على سبيل المثال، ماركو روبيو، وهو عضو جمهوري في مجلس النواب عن فلوريدا شارك في صياغة قانون الإيغور ويرعى مشروع قانون للحد من مستصغر الثغرات، وجّه وابلاً من الإتهامات ضد الشركة في خطاب في 8 يونيو وقال: "تدرك (شي إن) أن سمعتها ملطخة، ومن ثم تتخذ الآن خطوات لتبييض صورتها قبل طرح عام أولي محتمل".
كتب روبيو أن "ترويج" الشركة الصينية لاكتشاف جهة خارجية أن "بعض قطنها فقط يأتي من شنجانغ" يرقى إلى "اعتراف بالذنب". كان الاختبار الذي أجرته شركة "شي إن" قد أظهر أن 2% من قطنها يأتي من شنجانغ، وأن الشركة تنوي منع ذلك تماماً، وفقاً لشخص مطلع على عمليات الشركة ولم يصرح له بالتحدث علناً.
نتائج عكسية
السخط على "شي إن" ظهر جلياً عبر الإنترنت أيضاً، فقد تعرضت المؤثرات لهجوم بعدما بدين وكأنهن يحاولن تبديد المخاوف المتعلقة بالأجور وظروف العمل فيما كنّ يستمتعن بالرفاهية خلال الرحلة المجانية. أثار التناقض الذين سبق أن شاهدوا تقارير انتشرت على نطاق واسع، مثل تقرير بثته القناة الرابعة البريطانية العام الماضي كشف أن مشغلي ماكينات الخياطة في المصانع التي تزود "شي إن" يعملون لساعات طويلة ويكسبون ما يعادل 4 سنتات عن كل قطعة ملابس.
رغم أن عملاقة الأزياء الصينية قالت لاحقاً إنها اتخذت إجراءات ضد المصانع المخالفة لجعلها تمتثل لقوانين العمل، إلا أن تسليط الضوء عبر وسائل التواصل الاجتماعي على رواتب عمال مصانع الملابس وظروف العمل ساعد بتأجيج الغضب ضد المؤثرات في المجتمعات الافتراضية.
على سبيل المثال، لم تكن وجبة الغداء المقدمة لست من المؤثرات خلال الرحلة باهظة وفقاً لمعايير الترفيه الخاصة بالشركات في الصين، إلا أنهن ظهرن في أحد المنشورات يستمتعن بغداء من ثمانية أطباق في مطعم "بانكسي" الأنيق في غوانجو، ويبلغ فيه ثمن طبق إوز مشوي مما كان على مائدتهن ما يتطلب من عامل أن يخيط أكثر من 700 قطعة ملابس وفقاً للأجر الذي ذكره تقرير القناة الرابعة البريطانية.
واقعياً، يتقاضى العمال المهرة في المصانع المنتجة لملابس "شي إن" رواتب أفضل من المتوسط في الصين. يكسب عامل الخياطة في غوانجو نحو 8100 يوان (1130 دولاراً أميركياً) شهرياً، وهو أعلى من متوسط رواتب القطاع الخاص البالغ 6566 يواناً في المدينة الصينية ذاتها في 2022. كما يمكن للعمال الأكثر مهارةً في هذه المصانع أن يكسبوا ضعف متوسط الدخل هذا.
دور المؤثرات
باتت التعليقات عبر الإنترنت لاذعةً على نحو استثنائي بعدما وصفت إحدى المؤثرات في مجال الموضة نفسها "صحفيةً استقصائيةً" في منشور، قائلةً إن العمال أخبروها أنهم عوملوا بشكل جيد ولم يعملوا لساعات طويلة. قال مصدر داخل "شي إن" طلب عدم كشف هويته لكونه يناقش شؤون الشركة الداخلية، إن مسؤولي عملاقة الموضة السريعة شعروا بالصدمة والغضب حيال معالجة المؤثرة لقضية حساسة، مضيفاً أن "شي إن" لم تطلع على أي محتوى قبل أن تنشره المؤثرات.
لكن الشركة لم تتخل عن المؤثرات، فقالت في بيان لها: "(شي إن) ملتزمة بالشفافية، وتعكس هذه الرحلة إحدى الطرق التي نستمع من خلالها إلى ردود الأفعال، حيث وفرت فرصة لتوضيح كيفية عمل الشركة أمام مجموعة من المؤثرات خلال زيارة إلى مركز (شي إن) للابتكار وتمكينهم من مشاركة مشاهداتهم مع متابعيهم. كانت مقاطعهن المصورة وتعليقاتهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي صادقة، ونحن نحترم وجهة نظر كل مؤثرة وطريقة تعبيرها عن تجربتها".
قالت مصممة الأزياء كينيا فريمان من أتلانتا، وهي واحدة من المؤثرات المشاركات في الرحلة، إن معظم التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي كانت أكثر تنديداً: "بعد يومين من عودتي، بدأت أتلقى العشرات من تعليقات تقول: إنك فاشلة، وليست لديك مبادئ ولا أخلاق، ربما عليكِ أن تموتي. لقد تلقيت كل أشكال التعليقات المسيئة". لكن فريمان قالت إنها تعتقد أن "شي إن" كانت "مادة ملائمة" لاستهداف الحاقدين.
فشل محتمل
لم تضرب الانتقادات التي طالت الشركة بسبب رحلة المؤثرات مبيعاتها، وفقاً لما ذكره الشخص المطلع على عملياتها. مع ذلك، إذا كانت "شي إن" تسعى لبيع أسهمها لأعلى سعر، فإن رد الفعل الأخير، فضلاً عن الضغط المتزايد من واشنطن، يعني أن الشركة أمامها طريق طويل لتقطعه لتحقق تلك الغاية.
قال جاي ميليكين، الشريك الرئيسي في هونغ كونغ في شركة استشارات التسويق والعلامات التجارية "بروفيت" في نيويورك: "تعد حادثة المؤثرات تلك محاولةً سيئةً لمعالجة قضايا خطيرة عبر مقاربة مغلوطة. تعد قضايا (شي إن) بعيدة المدى، وتتطلب استثماراً وتركيزاً حقيقيين".
قال شينغ لو، الأستاذ المشارك بقسم دراسات الموضة والأزياء في جامعة ديلاوير، إن "شي إن" قد تخاطر بالانضمام إلى قائمة الشركات التي انهارت بعد طرح أسهمها للاكتتاب العام مثل "وي ورك" إن مضت قدماً في إجراءات إدراجها في بورصة نيويورك.
تابع لو، إن إجراء طرح عام أولي في سنغافورة أو هونغ كونغ قد لا يلبي احتياجات "شي إن" من حيث جمع رأس المال وبناء السمعة القوية في السوق، لكن "التسرع في إجراء طرح عام أولي قد يتمخض عن فشل ذريع ستكون له تداعيات هائلة على سمعة الشركة وتقييمها المستقبلي وعائدات المستثمرين المالية".