أخذت مناقصة لترقية شبكة الهاتف الخليوي في الدنمارك منحى غريباً خلال اجتماع عُقد على عجل 5 مارس 2019.
عادةً ما تحظى المفاوضات حول البنية التحتية لقطاع الاتصالات بأهمية خاصة، فتحدد الصفقات التي تجري خلف أبواب مغلقة الشركات المكلّفة بنشر معداتها وطواقمها في أعماق أنظمة الهاتف والإنترنت في الدولة المعنية. إلا أن المحادثات حول العقد الدنماركي التي امتدت طوال شتاء ذلك العام كانت مشحونة أكثر من المعتاد.
فيما كانت الدنمارك تستعد للانتقال نحو الشبكة اللاسلكية من الجيل الخامس، تحوّل قطاع الاتصالات في البلاد إلى أرضية نزاع اقتصادي يجري بالوكالة خلف الكواليس. فمع تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، جال مسؤولون من وكالة الأمن القومي الأميركية حول أوروبا، محذّرين الشركات من مغبة التعاون الوثيق مع شركات مرتبطة مع بكين.
لذا حمل قرار شركة "تي دي سي" القابضة (TDC Holding) المهيمنة على قطاع الاتصالات في الدنمارك أهميةً رمزية تجاوزت قيمة العقد وقدرها 200 مليون دولار. كما أنه شكّل اختباراً لفعالية الدبلوماسية الشرسة التي اعتمدتها إدارة ترمب وجهودها الحادّة الرامية لعرقلة توسّع النفوذ الصيني حول العالم.
حضر اجتماع الخامس من مارس أحد نواب الرئيس التنفيذيين في "تي دي سي" يُدعى ينس آلوس، ويانغ لان المدير المحلي الشاب في شركة "هواوي تكنولوجيز"، أكبر مصنّع لأجهزة شبكات الاتصال حول العالم.
كانت "هواوي" تدير حينذاك شبكة "تي دي سي" التي بنتها بموجب عقد مبرم عام 2013 أوشكت صلاحيته على الانقضاء. عند الساعة 2:52 فجر ذلك اليوم، أرسلت ذراع "هواوي" الدنماركية مراجعة طارئة لعرضها المقدّم لترقية الشبكة إلى الجيل الخامس دون سابق إنذار. وهذا بحدّ ذاته أمر غير مألوف، إذ كانت "هواوي" قدّمت قبل أسابيع عرضها الأفضل والنهائي.
جاء العرض الجديد شبيهاً بسابقه، لكن فيما تجاوزت تكلفة العرض الأول بكثير تكلفة العرض المقدّم من شركة "إريكسون" السويدية، المنافسة الوحيدة لـ"هواوي" ، فإن المبلغ المطلوب في العرض الثاني الذي قدّمته "هواوي" في اللحظة الأخيرة كان أقلّ.
اكتشاف تفاصيل عرض المنافس
كان الأمر لافتاً بما أنه لا يجوز أن يعرف مقدمو العطاءات المختلفون محتوى عروض الآخرين، إذ يتوجب الحفاظ على سرية شروط عرضيهما داخل "تي دي سي" ولا يحق إلا لنحو عشرة أشخاص الاطلاع عليها. لذا كان آلوس يميل للاحتراز فيما توجّه إلى مكان الاجتماع.
ما حدث هناك زاد من شكوكه، فقد لاحظ أن لان بدا مزهواً بنفسه أكثر من المعتاد. قال في تقرير أعدّه الفريق الأمني في الشركة في وقت لاحق إن لان "كان واثقاً جداً بنفسه، ومقاربته شرسة أكثر من العادة"، بدا أنه يعرف شيئاً ما. أدرك آلوس حينها أن "هواوي" اكتشفت تفاصيل عرض "أريكسون"، فما كان منه إلا أن أنهى الاجتماع قبل الأوان.
أجرت "تي دي سي" تحقيقات على مدى الأسابيع الأربعة التالية قادتها في رحلة مجبولة بالشكّ والغموض. حامت الشبهات حول إدارتها العليا، وسط شكوك حول تعرّض مكاتبها للاختراق، فيما تحدث بعض الموظفين عن غرباء غامضين قاموا بملاحقتهم.
يستند هذا المقال إلى توثيقات داخلية واسعة اطلعت عليها "بلومبرغ بزنيسويك" إلى جانب مقابلات مع ستّة أشخاص على صلة بالتحقيق أو اطلعوا عليه وعلى نتائجه. لقد طلب هؤلاء الأشخاص عدم الكشف عن أسمائهم بما أنهم لا يملكون الصلاحية للحديث علناً عن المسألة.
فتحت هذه القضية فصلاً جديداً لم يكن معروفاً سابقاً عن تاريخ "هواوي"، وقدّمت مثالاً عن الممارسات التي أثارت الشكوك حول الشركة في أنحاء العالم. تسلّط القضية الضوء أيضاً على ما تعايشه الشركات العالقة وسط الصدام المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين على التقنية.
توسّع "هواوي" العالمي
تأسست شركة "هواوي" ويعني اسمها "الإنجاز الصيني" عام 1987 على يد مهندس سابق في جيش التحرير الشعبي يُدعى رين جينغفي وكانت متخصصة في إعادة بيع مقسمات الهاتف التي تُشترى في هونغ كونغ. غالباً ما تزدهر شركات التقنية الصينية في السوق الداخلية حصراً حيث تحظى بالحماية من المنافسة الأجنبية بفضل مجموعة قوانين وإعانات محلية.
إلا أن "هواوي" نجحت في اقتحام الأسواق العالمية منذ بداياتها تقريباً. فقد بدأت بتصنيع أجهزتها الخاصة في خضم ثورة الاتصالات العالمية المتمثلة بانتشار الهواتف الخليوية واتحاد شبكات المكالمات الصوتية مع شبكات البيانات وتوفير خدمات الإنترنت عبر الهاتف النقال.
في البداية، كانت تنافسية الشركة انطلاقاً من الأسعار التي تقدمها، بحيث تبيع بسعر التكلفة أو دونه بفضل الدعم السخي الذي تحصل عليه من الحكومة الصينية. لكن مع الوقت، تحسنت جودة أجهزتها ثم ارتقت أكثر لتصبح على أعلى المعايير.
تصنع "هواوي" اليوم الموجهات وهوائيات أبراج الهواتف الخليوية التي تنقل البيانات وتبتكر البرامج الإلكترونية لإدارة عملية التنسيق المعقدة اللازمة لضغط كل تلك الأمور معاً ضمن نطق العرض المتوفر. على مرّ العقد الماضي، تمكنت الشركة من تحقيق تفوّق كبير من خلال تعاونها مع موردي خدمات الاتصالات في أفريقيا وآسيا وأوروبا، سابقة بأشواط أقرب منافسيها، شركة "أريكسون" السويدية و"نوكيا" الفنلندية.
تعكس مسيرة لان المهنية النهضة العالمية لقطاع الاتصالات، فقد التحق الرجل بشركة "هواوي" عام 2005، وفق حسابه على موقع "لينكد إن" حيث عمل مدير حسابات في مقاطعة خوبيه الصينية لثلاث سنوات قبل أن يُعيّن في الخارج لأول مرّة، في معقل شركة "أريكسون" في ستوكهولم. وقد رُقي لاحقاً لمنصب المدير القُطري في الدنمارك.
توسعت "هواوي" في أوروبا بعد أن فازت في 2005 بعقد لبناء شبكة الجيل الثالث في هولندا، تلاها عقد آخر في بريطانيا. بحسب مسؤول تنفيذي سابق في "تي دي سي" واثنين من المسؤولين السابقين الدنماركيين الذين عملوا عن كثب مع لان، فإن "هواوي" كانت تسعى جاهدةً لتفوز بعقود مع "تي دي سي" حين وصل لان إلى البلاد في 2009، رغم علمها بمدى صعوبة هذه المهمة بما أن "تي دي سي" و"أريكسون" تقعان في دولتين جارتين إسكندنافيتين تربطهما علاقات دبلوماسية وثقافية متينة.
ضغط أميركي
تبين لاحقاً أن "تي دي سي" منفتحة على الموضوع. ففريقها التقني لم يعد يستسيغ التعويل على "أريكسون"، بحسب ما أفاد به ثلاثة أشخاص. لكن بما أن شبكة "تي دي سي" تتولى إدارة بيانات سرية لصالح الحكومة الدنماركية، أمكن للمسؤولين الحكوميين التأثير على أي شراكة محتملة مع "هواوي"، وهم أيضاً كان لديهم دافع للتفكير ملياً بالأمر.
في ذلك الوقت، كانت وكالات الاستخبارات الأميركية تضغط على نظيراتها الأوروبية حتى تحصر تعاونها مع موردين أوروبيين، بحسب مسؤولَين دنماركيين سابقين شاركا في تلك المناقشات. لكن في الدنمارك، ارتدت هذه الحملة على الأميركيين.
ليست الصين وحدها صاحبة التاريخ الحافل باستغلال شركات الاتصال الصديقة من أجل التجسس على الدول الأخرى. فحين حذّر المسؤولون الأميركيون من احتمال احتواء أجهزة "هواوي" على ما تُسمّى بـ"أبواب خلفية" تمكّن أجهزة الاستخبارات الصينية من نسخ البيانات أو التنصت على المحادثات، شعر المسؤولون الدنماركيون بالقلق من أن تفعل الولايات المتحدة الأمر نفسه بالأجهزة التي يوفرها تجارها المفضلون.
قال أحد المسؤولين السابقين إن الولايات المتحدة "لم تكن وسيطاً موثوقاً تماماً في المحادثات حول (هواوي)"، وأضاف: "ليس من مصلحة الدنمارك أن تتقيّد بشركة تحظى بموافقة الحكومة الأميركية".
تنجم هذه المخاوف عن إدراك الدنمارك التام لنطاق التجسس الأميركي. إذ كان تحقيق حكومي دنماركي في 2015 قد توصل إلى أن جهاز استخبارات الدفاع مكّن وكالة الأمن القومي الأميركية من الحصول على بيانات من كابلات الألياف البصرية التي تعبر البلاد من أجل التجسس على قادة سياسيين في فرنسا وألمانيا والنرويج والسويد.
وُجهت اتهامات العام الماضي لوزير الدفاع ورئيس الاستخبارات السابقين في الدنمارك بكشف أسرار للدولة عبر تسريب معلومات للصحافيين حول فحوى التحقيق الحكومي. نفى الرجلان الاتهامات، فيما من المقرر بدء محاكتهما في وقت لاحق هذا العام.
اختبارات أمنية
في حين راودت "تي دي سي" وشركاءها الحكوميين مخاوف أمنية بشأن "هواوي" أيضاً، بحسب المسؤول التنفيذي السابق في "تي دي سي" والمسؤولين الدنماركيين السابقين، إلا أن "هواوي" وافقت في نهاية المطاف على صفقة خارجة عن المألوف.
بموجب الاتفاقية، ترسل "تي دي سي" معدّات "هواوي" التي تشتريها إلى منشأة اختبار خاصة في المملكة المتحدة أقامتها "هواوي" بالتعاون مع مكتب الاتصالات الحكومية البريطانية وهي وكالة الاستخبارات البريطانية المسؤولة عن الإشارة والأمن السيبراني. تخضع رموز المعدات للاختبار هناك للتأكد من عدم خضوعها لتعديل غير مصرّح به، قبل السماح باستخدامها في الدنمارك.
أعلنت "تي دي سي" في 2013 عن إبرام عقد مدته ستّ سنوات بقيمة 700 مليون دولار مع الشركة الصينية من أجل بناء شبكتي الجيل الثالث والرابع التابعتين لها وإدارتهما. أمّا لان، فتولى مناصب إدارية في كل من غانا ونيجيريا وبولندا، قبل أن يعود في 2016 إلى كوبنهاغن ليعمل على نيل عقد جديد مع "تي دي سي" قبل انتهاء صلاحية العقد القائم.
بحلول ذلك الوقت كانت "هواوي" والشركات المنافسة قد بدأت ببناء شبكات الجيل الخامس التي تعمل على ترددات أعلى ممّا سبقها من شبكات، بحيث توفر الشبكات الجديدة عرض نطاق وسرعات أكبر. لكن بما أن الإشارات عالية التردد لا تجتاز مسافات بعيدة كسابقاتها، فهي تحتاج لمزيد من المرسلات وكثير من البرمجيات المتطورة لإدارة كل ما يجري.
ما تزال منافع شبكات الجيل الخامس بالنسبة للعملاء الأفراد والشركات محط جدل، إلا أنها شكلت فرصة بالنسبة لـ"هواوي" ومنافسيها لكسب مليارات الدولارات من العقود حول العالم. كانت الدنمارك واحدة من أولى الدول الأوروبية التي طرحت شبكات الجيل الخامس.
شبهات تجسس
تحوم الشبهات منذ فترة طويلة حول تورط "هواوي" بالمنافسة غير العادلة كي تفوز بالعقود، إذ لاحقت الشركة اتهامات بالفساد وممارسة أعمال غير قانونية وغير أخلاقية فيما غزت الأسواق في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
حظرت الجزائر مثلاً مشاركة "هواوي" في 2012 بالمناقصات الحكومية لمدة سنتين، وأُدين أحد مديريها التنفيذيين السابقين وحُكم عليه غيابياً بالسجن لمدة عشر سنوات على خلفية قضية رشوة تتجاوز قيمتها 10 ملايين دولار تتعلق بشركة اتصالات مملوكة من الدولة.
في 2018، أفضى تحليل أجرته مجموعة "آر دبليو آر" (RWR) الاستشارية أن "هواوي" فازت بصفقات بقيمة 5 مليارات دولار تشوبها مزاعم فساد أو رشوة.
بحلول 2016، أي العام الذي عاد فيه لان إلى الدنمارك، كانت وزارة العدل الأميركية قد فتحت تحقيقاً حول الشركة بتهم تزوير وسرقة الملكية الفكرية والتهرب من العقوبات. وقد أسفرت تلك التحقيقات عن توجيه تهم على المستوى الاتحادي وتوقيف نائبة رئيس الشركة وابنة مؤسسها منغ وانجو في كندا، حيث أُبقيت رهن الإقامة الجبرية في فانكوفر لثلاث سنوات إلى حين أُطلق سراحها بموجب اتفاق تأجيل للمحاكمة مع الحكومة الأميركية.
تتهم الحكومة الأميركية "هواوي" بالتشجيع صراحة على السرقة. وجاء في القرار الاتهامي الأميركي "وُجه الموظفون لمشاركة المعلومات السرية التي يحصلون عليها من شركات أخرى على موقع إلكتروني داخلي تابع لـ(هواوي). وفي حالة المعلومات بالغة الحساسية، يتعين عليهم إرسال رسالة إلكترونية مشفرة إلى عنوان بريدي خاص على موقع huawei.com".
أضاف: "تُكلّف (مجموعة إدارة المنافسة) بمراجعة المعلومات المقدمة وبمنح مكافآت شهرية للموظفين الذي يقدّمون المعلومات المسروقة الأكثر قيمة، وقد خُصصت مكافآت مرتين في السنة لأقسام (هواوي) الإقليمية التي "تنجح في الحصول على المعلومات الأقيم".
زد على ذلك، لطالما واجهت "هواوي" اتهامات باستخدام أجهزتها للتجسس، وهي تهمة تنفيها الشركة نفياً قاطعاً برغم وجود أدلة تشير إلى خلاف ذلك. كان تقرير من بلومبرغ نيوز قد بيّن أن مسؤولين أستراليين أبلغوا نظراءهم الأميركيين في 2012 عن التعرض لاختراق بطريقة متطورة باستخدام أجهزة "هواوي"، وقالوا إن قراصنة إنترنت يعملون لصالح أجهزة تجسس صينية نسخوا كميات بيانات ضخمة من أنظمة الاتصالات الأسترالية وأرسلوها إلى الصين.
لقد اعتبرت تلك الحادثة بمثابة إدانة لـ"هواوي" بما أن الشيفرة المستخدمة في القرصنة دخلت بواسطة تحديثات برامج "هواوي"، ما يعني أن الشركة وافقت على العملية أو أن طاقمها التقني اخترقه عملاء استخباراتيون.
تعليقاً على التقرير، قالت "هواوي" إن السلطات الأسترالية لم تبلغها قطّ عن أي اختراق، إلا أن الحادثة أكدت شكوك أجهزة الاستخبارات الأميركية والأسترالية حول استخدام الجواسيس الصينيين لـ"هواوي" من أجل الوصول إلى شبكات العملاء. شكّل ذلك الاكتشاف بداية جهود دبلوماسية حثيثة قادتها الدولتان لعرقلة نمو الشركة.
فتح تحقيق
عودة إلى "تي دي سي"، حين بدأت الاستعدادات لإجراء مناقصات شبكات الجيل الخامس في نهاية 2018، كانت الشركة ما تزال تضم في صفوفها مسؤولين ومديرين تنفيذيين عايشوا المشكلات مع "أريكسون"، وما يزالون داعمين ثابتين لـ"هواوي"، بحسب أشخاص شاركوا في النقاشات.
إلا أن مسؤولين آخرين شعروا بالقلق. وفي أروقة الحكومة الدنماركية، بدأت الشكوك تراود أيضاً بعض المسؤولين الذين سبق أن وافقوا على عقد 2013 بعدما بدا لهم أن "هواوي" تراجعت عن تعهدها بإجراء المراجعات الأمنية التي كانت قد وافقت عليها سابقاً، فقد اضطرت "تي دي سي" في عدّة مناسبات لاستخدام أجهزة وبرامج من "هواوي" لم تُرسل إلى المملكة المتحدة للخضوع للاختبار بسبب ما تذرعت به "هواوي" من "تأخيرات إدارية" في إرسال المنتجات، بحسب مسؤول دنماركي سابق.
نظراً للتعقيدات التقنية التي تشوب شبكات الجيل الخامس، بما فيها طبيعة المعدات والشيفرات التي يجب أن تصاغ حسب الطلب، فإن مشغلي الشبكة يضطرون للاعتماد على موردين مثل "هواوي" لإدارة المعدات وكشف أي سلوكيات مشبوهة. كان مكتب لان يقع مقابل مقرّ "تي دي سي" وبينهما مرآب سيارات حيث يعمل العشرات من مهندسي "هواوي" أيضاً.
بعدما قطع آلوس اجتماعه مع لان في الخامس من مارس 2019، طلب مباشرةً فتح تحقيق حول مصدر تسريب المعلومات في الشركة. بما أن كافة كبار المديرين التنفيذيين في "تي دي سي" كانوا محطّ شبهات، فقد اتسم التحقيق بحساسية شديدة، وأنيط بفريق الشركة الأمني، الذي راح يعمل من داخل مركز عمليات صغير يقع في قبو مبنى مجاور لمكاتب المسؤولين التنفيذيين في "تي دي سي".
اشتبه المحققون بحصول عملية قرصنة بادئ الأمر، ورجحوا أن يكون أحد موظفي "هواوي" الذين يعملون داخل "تي دي سي" قد زرع برنامجاً خبيثاً لفتح الباب أمام قراصنة من الصين، أو قام بالبحث عن معلومات حول عرض "أريكسون" ضمن شبكة "تي دي سي".
هناك سوابق لقراصنة تابعين للحكومة الصينية ساعدوا شركات صينية. في 2014، وجّه الادعاء الأميركي غيابياً اتهامات لخمسة قراصنة من جيش التحرير الشعبي الصيني باختراق شبكات الكمبيوتر الخاصة بشركات صناعة الصلب الأميركية بالنيابة عن منافسين صينيين لسرقة الملكية الفكرية والاطلاع على الاتصالات الداخلية.
حرصاً على سرية التحقيق، طلب فريق "تي دي سي" من المديرين التنفيذيين في الشركة تسليم هواتفهم وكومبيوتراتهم النقالة. حين لم يظهر التحقيق أي أثر لاختراق سيبراني أو برمجيات خبيثة أو أي مؤشرات أخرى حول اختراق مقرصنين للشركة، رجح الفريق الأمني أن يكون شخصاً من داخل "تي دي سي" قد سرّب المعلومات عمداً.
بدأ المحققون بعدها بالبحث في الحسابات البريدية التابعة للشركة لتبيان الشخص الذي أرسل مستندات "أريكسون" أو ناقشها مع أشخاص آخرين. كما سعوا لمعرفة الشخص الذي تحدث إلى لان.
التخلي عن "هواوي"
كان جايسون لان، وهو الاسم الذي يناديه به معارفه من غير الصينيين، يسعى دائماً لإقامة صداقات، ويحبّ عقد لقاءاته في حانة في فندق "أنغلتير" وهو مبنى متألق عمره 268 عاماً في ساحة كوغينس نيتروف، حيث يمكنك طلب زجاجة ويسكي بسعر 1700 دولار أو زجاجة شمبانيا بسعر 6700 دولار، فيما تتأمل شعار "هواوي" المضاء فوق قناة نيهافن المزدحمة.
يصف موظفون سابقون في "تي دي سي" ومسؤولون حكوميون سابقون لان بأنه شخص جاد وحريص على إرضاء الآخرين، وقالوا إنه يصبح صاخباً وهزلياً حين يسرف في الشرب، وقد بدا أنه يرزح تحت كثير من الضغوط بسبب الأوامر التي يتلقاها باستمرار من مقرّ "هواوي" في شنجن. حتى أنه سبق أن تذمّر لهم من تأثير أسفاره الدولية على زوجته وابنه الصغير.
سرعان ما اتضح أن لان نجح في مساعيه لإقامة صداقات في أوساط القيادة العليا في "تي دي سي". فأحد المديرين التنفيذيين في الشركة قام بعدة رحلات إلى الصين ليلتقي بمسؤولين في "هواوي" واستخدم هاتف "هواوي" أهدته له الشركة.
كان المدير التنفيذي يتحدث كثيراً مع لان ويتناول معه الطعام، كما تم تعريفه على موظفة شابة جذابة في "هواوي" التقاها خلال إحدى زياراته إلى الصين، ونُقلت بعدها إلى كوبنهاغن حيث شغلت منصب مساعدة تسويق. أثار ذلك الشكوك حول احتمال أن يكون الاثنان على علاقة غرامية، برغم أن الفريق الأمني لم يجد دليلاً على ذلك.
في غضون أيام من بدء التحقيق حول تسريب المعلومات، ارتأت إدارة "تي دي سي" أنها ما عادت تستطيع العمل مع "هواوي". قررت لجنة استراتيجية الجيل الخامس في "تي دي سي" في 7 مارس، قبول عرض "أريكسون".
في اليوم التالي، أبلغت أليسون كيركبي، رئيسة "تي دي سي" التنفيذية، لان وعدداً من كبار مسؤولي "هواوي" في أوروبا وآسيا بقرار الشركة خلال اجتماع على فطور في فندق في كوبنهاغن. لعب لان على الوتر العاطفي، وقال إنه والمسؤولين الآخرين في "هواوي" سيواجهون عواقب وخيمة في حال لم تغير "تي دي سي" رأيها، فيما تحدث بعض زملائه الآخرين بنبرة تهديدية.
بحسب بيان ألوس للفريق الأمني، فقد تلقوا "تهديداً حول احتمال أن يؤثّر مثل هذا القرار الخاطئ على الشركات الدنماركية الأخرى في تعاونها المستقبلي مع الصين".
كشف الجاسوس المحتمل
في غضون ذلك، بدأ التحقيق يركز على مشتبه به يُدعى دوف غولدستين، وهو مهندس كيميائي دنماركي يعمل في "تي دي سي" منذ 2005 وفق حسابه على موقع "لينكد إن".
قاد غولدستين الفريق التفاوضي للشركة خلال ترقية شبكة الخليوي للجيل الرابع، وعُيّن في 2016 رئيساً للمشاريع الخاصة ومبادرات ضبط التكلفة، وهو يخضع مباشرة لكبير المسؤولين الماليين ستيغ باستوا. لم يثر غولدستين الشبهات في البداية، فهو لم يكن يستخدم هاتفاً من "هواوي" ولم تكن هناك علاقة غرامية تربطه بأحد موظفيها.
إلا أن المحققين الذين عاينوا سجلات هاتفه وجدوا أنه أجرى عديداً من المكالمات وتبادل عديداً من الرسائل النصية مع لان. حتى أنه غالباً ما كان يساعد لان في صياغة عروضه للتي يقدمها للمسؤولين في "تي دي سي".
كان الرجلان يتناولان الطعام بانتظام في فندق "أنغلتير"، ومنها عشاء دام أربع ساعات ونصف في اليوم التالي لتلقي "تي دي سي" عرض "هواوي" الأول بشأن ترقية الشبكة للجيل الخامس في أكتوبر 2018.
في 26 فبراير 2019، أي قبل أسبوع ونصف من اجتماع الفطور الحاسم، كانت لجنة شبكة الجيل الخامس في "تي دي سي" قد توصلت إلى قرار مبدئي بترسية العقد على "أريكسون". في اليوم التالي، اتصل غولدستين مع لان مرتين، بحسب سجلات الهاتف وأرسل له دعوة لتناول القهوة عبر البريد الإلكتروني في 4 مارس ، وقد لبّى لان دعوته.
يعطي التحليل الجنائي لجهاز كمبيوتر غولدستين المحمول من ماركة "لينوفو" لمحة عن مجريات ذلك الاجتماع. في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم، فتح غولدستين ملفاً على جهاز الكمبيوتر يتضمن خمسة عروض باور بوينت موجّهة لمجلس شركة "تي دي سي" ولجنة الجيل الخامس، ثمّ فتح ملفاً يتضمّن عرض "أريكسون" الأخير. في حين لم يكن غولدستين ولا رئيسه باستوا أعضاء في اللجنة، اكتشف الفريق الأمني في "تي دي سي" أن المستندات كانت بحيازة باستوا وقد أرسلها عبر البريد الإلكتروني إلى غولدستين. طلب المحققون من قسم الأمن أن يزودهم بالمقاطع المصورة التي التقطتها كاميرات المراقبة، حيث أظهرت غولدستين وهو يغادر المبنى لتناول القهوة برفقة لان، متأبطاً الكمبيوتر المحمول. في غضون 24 ساعة من ذلك اللقاء، قدّم لان لـ"هواوي" العرض الطارئ المعدّل، بتكلفة إجمالية أقلّ قليلاً من عرض "أريكسون".
مراقبة المحققين
بحلول ذلك الوقت، بدأ الفريق الأمني يشتبه بأن أفراده مراقبون أيضاً. فقد كشف مسح لغرفة مجلس الإدارة عن وجود عديد من الميكرفونات طويلة المدى لم تكن جزءاً من منظومة معدات المؤتمرات الصوتية الموجودة هناك، رغم أنها متوافقة معها، ولم يعلم أحد من ركبها وسبب ذلك.
قرر المحققون عندها نقل مقرّهم. في 18 مارس، يوم أعلنت "تي دي سي" ترسية العقد على "أريكسون"، انتقل الفريق الأمني إلى مكاتب شركة "بليسنير" للمحاماة، وهي إحدى الشركات القانونية التي تتعامل معها "تي دي سي" ومقرها في مبنى شاهق بني اللون يقع عند ميناء كوبنهاغن الشمالي.
شغل الفريق الأمني مكتباً في زاوية الطابق 15، وقد زاد عدد أعضائه عن 12، بينهم خبراء في التحاليل الجنائية الحاسوبية من شركة "أف تي آي" (FTI) الاستشارية الدولية وعدد من المحامين في شركة "بليسنير".
لقد ركّزوا جل عملهم على تفتيش أجهزة الهاتف والكمبيوتر المحمولة بحثاً عن إشارات حول العبث بها. كانوا في كل مساء، يوضبون المعدات في صناديق أمنية سوداء تشبه ما تستخدمه الجيوش، وينقلونها إلى فرع لمصرف "دانسكيه" في وسط المدينة ويضعونها على عربات لنقلها إلى خزنة لحفظها هناك.
يوم انتقل فريق "تي دي سي" إلى مكاتب "بليسنير"، تعرضت أنظمة تقنية المعلومات التابعة لشركة المحاماة إلى هجمات بغرض قطع الخدمة عنها. أفاد أحد التقارير الداخلية أنه لنحو نصف ساعة من الوقت "كادت لا تخرج أي بيانات من شبكة (بليسنير)".
في المساء التالي، عندما خرج أحد المحققين برفقة بعض أصدقائه، لاحظ فتاة شابة تلتقط صوراً له، وحين ذهب لمواجهتها، فرّت مسرعةً. جلست بعدها امرأة أخرى قرب مجموعته وبدا أنها تتنصت عليهم. بعد عدّة أمسيات، شاهد رجلاً خارج شقته يحاول استراق النظر إلى الداخل. قرابة ذلك الوقت أيضاً، تعرض منزل العطلة الذي يملكه آلوس لاقتحام، وقد عيّن الفريق الأمني حماية أمنية على مدار الساعة لكيركبي وآلوس اللذين كانا يشرفان معاً على التحقيق حول التسريبات.
طائرة مسيرة
عند الساعة 12:20 بعد منتصف ليل 20 مارس، لمح حارس أمن كان يجوب مكاتب شركة "بليسنير" أضواءً تطفو خارج الغرفة الكائنة في الطابق الخامس عشر التي كان يعمل فيها أعضاء فريق "تي دي سي". وحين نظر ناحية الضوء، رأى طائرة مسيّرة كبيرة.
بقيت المسيرة هناك لنحو 10 دقائق، تحلّق إلى الأعلى وإلى الأسفل وإلى الجانبين. ثم هبطت واختفت. حين علم محققو "تي دي سي" بالحادثة في الصباح التالي، تذكروا أنهم لم يغلقوا ستائر المكتب. كان هناك لوح بحجم الحائط في مواجهة النوافذ يدونون عليه الأدلة التي جمعوها، وأمكن رؤيته بشكل واضح.
كان أعضاء الفريق الأمني بطبيعتهم وانطلاقاً من تدريبهم أشخاصاً مشككين، وأقرّ بعضهم أن احتمال وجود جاسوس في قيادة الشركة زاد من توترهم. إلا أن مسؤولين آخرين في "تي دي سي" لم يقتنعوا كثيراً بالحديث عن عمليات تنصت وطائرات مسيّرة، ورأوا أن الفريق انحرف نحو ملاحقة أشباح.
كان احتمال حصول تجسس صناعي أمراً لافتاً في الدنمارك التي ترتبط هويتها الوطنية بكونها مجتمعاً منفتحاً. فانعدام الثقة في مجال الأعمال يكاد يكون من المحظورات الاجتماعية التي تثير استغراب الأجانب، لدرجة أن التحقق من الخلفيات بما ذلك في الوظائف الحساسة أمر أقل شيوعاً مقارنةً بمناطق أخرى من العالم.
في 27 مارس، أي بعد أكثر من أسبوع من إعلان ترسية عقد الجيل الخامس على شركة "أريكسون"، أعلنت "تي دي سي" تنحي باستوا، مدير غولدستين، عن منصبه رئيساً للمسؤولين الماليين على الفور، دون أن تفصح عن الأسباب.
بحلول يونيو، كان غولدستين نفسه غادر أيضاً. وقد رفض الرجلان الإدلاء بأي تعليق حين اتصلت بهما بزنيسويك.
"هواوي" تنفي الاتهامات
تضمنت المستندات التي اطلعت عليها بزنيسويك تسلسل الأحداث كما أعدّها محققو "تي دي سي" والملاحظات المفصّلة التي احتفظ بها أعضاء الفريق الأمني والتحديثات حول التحقيق التي قُدّمت إلى إدارة "تي دي سي" ومجلس مديريها.
قال الأشخاص المطلعون على التحقيق إن "تي دي سي" خلصت إلى أن غولدستين سرّب تفاصيل عرض "أريكسون" إلى لان وأن باستوا كان يعلم على الأرجح بأن علاقة مرؤوسه مع "هواوي" تجاوزت الحدود. إلا أن الفريق الأمني لم يجد أي دليل يشير إلى أن باستوا على علم بتورط غولدستين المزعوم بتسريب عرض "أريكسون"، حسب ما قاله أولئك الأشخاص.
بعد أسابيع من خسارة "هواوي" المناقصة، غادر لان الدنمارك وعُيّن في منصب جديد في شنجن في الصين. وبحلول فصل الصيف، كانت "أريكسون" قد نقلت مهندسيها وأجهزتها إلى "تي دي سي"، وخرج طاقم "هواوي" من الشركة.
في يونيو من ذلك العام، وافق مساهمو "تي دي سي" على خطة كان بدأ العمل عليها منذ زمن تقضي بانقسام الشركة إلى اثنتين، "تي دي سي نيت" (TDC Net) و"نوداي" (Nuuday). عند استكمال الانقسام رسمياً بعد سنتين، غادر عدد من المسؤولين التنفيذيين الشركة، بينهم آلوس الذي كان قد أشرف على التحقيق بالتسريب، وقد رفض الإدلاء بتعليق لهذا المقال.
كتب متحدث باسم "هواوي" رداً على أسئلة مفصّلة حول الاستنتاجات التي خلص إليها التحقيق الذي أجرته "تي دي سي" أن "(هواوي) تمتثل إلى القوانين واللوائح مرعية الإجراء وتطمح إلى التزام أعلى معايير السلوك في مجال الأعمال، ونحن ننفي ارتكاب أي مخالفة".
من جهته، رفض لان من خلال محاميه التعليق على مجمل التفاصيل الواردة في التقرير، متذرعاً باتفاقيات الحفاظ على سرية المعلومات، إلى جانب عدم اطلاعه على تحقيق "تي دي سي".
كتب المحامي إن لان "يرى أنه تصرف بما يتوافق مع كافة القوانين واللوائح مرعية الإجراء طوال الوقت"، وأضاف أن علاقة لان بغولدستين "كانت ذات طبيعة مهنية ملائمة في تلك الظروف"، مشيراً إلى أن الهاتف الذي قُدم لمدير تنفيذي في "تي دي سي" كان مجرد عيّنة في إطار حملة ترويجية.
كما رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية التعليق على أي من التفاصيل، وقال: "ليس سراً أن (هواوي) تعرضت لقمع غير مبرر ومعاملة غير عادلة في الولايات المتحدة وأوروبا".
تراجع "هواوي" في أوروبا
قالت "تي دي سي نيت": "نعرف عن بعض الأمور الواردة في استنتاجات بلومبرغ بما أنها موجودة في ملفاتنا الخاصة. أجرينا تحقيقاً واسعاً ومعمقاً واتخذنا كافة الإجراءات الملائمة اللازمة، ولم يعد أي من الموظفين الذين ذكرتهم بلومبرغ مباشرة يعمل لدى الشركة اليوم".
كانت وزارة التجارة الأميركية أضافت "هواوي" إلى ما تُعرف بـ"قائمة الكيانات" في مايو 2019، إذ يعتبر قرارها رسمياً أن "هواوي" تعمل بما يتعارض مع مصالح الأمن القومي الأميركي ويحدّ بشدّة من قدرة "هواوي" على الحصول على الرقائق وغيرها من التقنيات الأساسية من الشركات الأميركية.
في مطلع 2020، أعلنت بريطانيا، التي كانت من أوائل شركاء "هواوي" في أوروبا أن معدّات الشركة ستُزال من شبكة الجيل الخامس في البلاد بحلول 2027. وما هي إلا فترة وجيزة حتى حظرت السويد "هواوي" من العمل في ترقية شبكتها إلى الجيل الخامس.
واجهت الشركة بعد ذلك سلسلة هزائم على امتداد أوروبا، حيث خسرت عقوداً في بلجيكا وفنلندا وفرنسا وغرينلاند وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا. سبق أن أفادت "بلومبرغ نيوز" في مارس أن ألمانيا ستحظر على الأرجح بعض منتجات "هواوي".
مع ذلك، ما تزال "هواوي" أكبر صانع لمعدّات الاتصال حول العالم بلا منازع، حسب بيانات الشركة البحثية "ديل أورو غروب" (Dell’Oro Group). فهي تستحوذ على 29% من السوق، أي ضعفي الحصة التي تملكها كل من "أريكسون" و"نوكيا".
حالياً، غالباً ما تُستخدم أجهزة "هواوي" في الدول في طور النموّ في إطار صفقات أكبر حجماً تبني بموجبها الشركات الصينية كلّ شيء، من الطرقات إلى الجسور والموانئ حتى الشبكات اللاسلكية، ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي تقوم على تشييد البنى التحتية وتعزيز النفوذ الصيني.
عودة الطائرة المسيرة
في الدنمارك، أصدرت الحكومة قانوناً في 2021 يمنح مسؤولي الاستخبارات الحق في منع أي صفقة اتصالات محلية ينخرط فيها موردون من دول ليس لدى الدنمارك اتفاقات أمنية معها. فيما ترتبط الدنمارك باتفاقات أمنية مع السويد مقر "أريكسون" وفنلندا مقر "نوكيا"، ليس لديها اتفاقات من هذا النوع مع الصين.
في إبريل من هذا العام، أعلنت "تي دي سي نيت" أن السلطات الاستخباراتية الدنماركية وجهت إليها أوامر بإزالة معدات "هواوي" من قسم الألياف البصرية في شبكتها.
رفضت كيركبي الإدلاء بتعليق للمقال، وقد أعلنت في أكتوبر 2019 التنحي عن منصبها في "تي دي سي" بعد 11 شهراً قضتها هناك، لتتولى منصب الرئيسة التنفيذية لشركة "تيليا" (Telia)، أكبر مشغل للاتصالات في السويد. قبل شهر من إعلان تنحيها، تناولت العشاء مع أعضاء في الفريق الأمني في "تي دي سي" في مطعم يقع أعلى برج سكني فخم عند الواجهة البحرية كان صومعة حبوب فيما مضى.
برغم أن التحقيق كان قد انتهى قبل أشهر إلا أن شعور التوتر كان ما يزال راسخاً. سألت كيركبي على سبيل النكتة حين دخلت المطعم "إذاً، أين الطائرات المسيّرة؟" ما هي إلا دقائق حتى نظر أحدهم نحو النافذة الممتدة من الأرضية حتى السقف ورأى مسيّرةً تتجه نحو المطعم وحامت في الهواء لبضع دقائق، والتقط أحد أعضاء الفريق صورة لكيركبي وهي تشير إليها.
قام الجميع من مكانهم وشاهدوا المسيّرة وهي تهبط إلى الشارع، فحملها رجال كانوا على متن شاحنة بيضاء، وذهبوا بها.