شركة "إيه 123" نموذج لأهمية تعديل القواعد التقليدية للرأسمالية الأميركية في عهد التنافس مع الصين

رحلة أميركا الطويلة الشاقة لتصنيع بطاريات مركبات كهربائية

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تبني شركة "فورد موتور" مصنع بطاريات على أرض زراعية ضلعها خمسة كيلومترات في جنوب غرب ولاية ميشيغان، وستستجلب التقنية التي تحتاجها لتصنع بطاريات رخيصة للمركبات الكهربائية من شركة "كونتمبوراري أمبيريكس تكنولوجي" الصينية، المعروفة باسم "سي إيه تي إل" (CATL)، وهي أكبر صانعة بطاريات في العالم.

تمثل صفقة "فورد" مع الشركة الصينية العملاقة بأغلب المقاييس انقلاباً بالنسبة للولاية، فهي موضع استثمار بـ3.5 مليار دولار في مصنع تفوق مساحته 760 ألف متر مربع بالإضافة لتوليد آلاف الوظائف الجديدة، إلى جانب القدرة على إنتاج ما يكفي من البطاريات سنوياً لتشغيل 400 ألف سيارة كهربائية عندما يبدأ العمل في المصنع في 2026. لكنَّ أي شخص يتابع الأمر سيجد في هذا مفارقة كبرى للولايات المتحدة، إذ كان من الممكن أن يكون الأمر معكوساً.

في منتصف التسعينيات، اكتشف علماء من جامعة تكساس في أوستن مُركَّب فوسفات الحديد والليثيوم، وهو المُركب الكيميائي الرئيسي الذي تستخدمه "كاتل" وأغلب شركات البطاريات في الصين. سوّقت شركة "إيه 123 سيستمز" (A123 Systems) في واترتاون بولاية ماساتشوستس لفوسفات الحديد والليثيوم بعدها بسنوات قليلة.

في 2009، حصلت "إيه 123 سيستمز" على مئات ملايين الدولارات من إدارة الرئيس باراك أوباما، على أمل أن تستطيع المساهمة في بدء إنتاج السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. لكنَّ الأمر كان سابقاً لأوانه، إذ لم يكن هناك طلب على المركبات الكهربائية، ولم ترغب شركات السيارات المصنِّعة للمركبات التي تستهلك كميات أقل من البنزين أن تخاطر بالاعتماد على شركة ناشئة لم تُثبت نفسها بعد.

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: غيتي إيمجز

فشل أم خذلان

بحلول 2012، تقدمت "إيه 123" بدعوى للحماية من الإفلاس، وباتت رمزاً للتبديد الحكومي، ويُذكر اسمها عادةً جنباً إلى جنب مع "سوليندرا" (Solyndra)، صانعة ألواح الطاقة الشمسية في كاليفورنيا التي أشهرت إفلاسها في 2011 بعد تلقيها ضمانات فيدرالية لقروض بنصف مليار دولار.

حتى يومنا هذا، تلاحق الأنظار دايف فيو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "إيه 123"، بين الفينة والأخرى حين يعلم الناس أنَّه أدار الشركة. وكثيراً ما قيل له: "أنت ذلك الشخص من (إيه 123) الذي سرق كل أموال الحكومة".

أما الآن؛ بعد ما يقرب من 30 عاماً من اكتشاف فوسفات الحديد والليثيوم، تسارع الولايات المتحدة لإنشاء سلسلة إمداد البطاريات الخاصة بها، وتتجه أنظار رائدة خط التجميع الحديث إلى الصين لتتعلم كيف تصنع محرك القرن الحادي والعشرين.

الأمر تذكِرة واضحة على أنَّ أميركا لم تتعلم الدرس الصحيح من شركة "إيه 123"، فبدل أن تسمح لتقنية قد تكون فتحاً جديداً أو لشركة ناشئة تحاول تسويق تلك التقنية أن تنجح أو تخفق حسب أهواء السوق الحرة، كان يمكن للولايات المتحدة أن تكون جزءاً من خطة أطول أمداً بكثير.

عوضاً عن السماح لاكتشاف في عالم البطاريات بالإفلات من بين أصابعها وحصول الدولة التي تُعد الآن أكبر منافسيها الاقتصاديين والجيوسياسيين عليه، كان بإمكان الولايات المتحدة التوصل لطريقة لرعاية وحماية صناعة ناشئة كانت ستواجه مرحلة من التجارب في نهاية المطاف. بعد أن تعلمت الدرس؛ تمثل "إيه 123" نموذجاً لأهمية تعديل القواعد التقليدية للرأسمالية الأميركية في عهد التنافس مع الصين.

الصين تتدخل

اشترت أكبر شركة لقطع السيارات في الصين شركة "إيه 123" في 2013 وأنقذتها بذلك من الإفلاس. بدأت الحكومة الصينية في العام نفسه أيضاً تنفيذ خطتها لإنشاء سوق محلية للسيارات الكهربائية بوتيرة مذهلة. بعد مضي عقد على ذلك؛ باتت الصين تمثل 58% من مبيعات المركبات الكهربائية عالمياً، و83% من إجمالي تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم، وفقاً لـ"بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس".

يقول خبراء في القطاع إنَّه حتى إذا نجحت سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن في إعادة إحياء الصناعة الأميركية؛ فإنَّ الولايات المتحدة تتخلف عن الصين بعقد كامل على الأقل فيما يتعلق بصنع البطاريات، من حيث التقنية والسعة المطلوبتين.

قال براين إنجل، الرئيس المنتخب لـ"نات بات إنترناشونال" (NaatBatt International)، وهي هيئة للتجارية تروج لتطوير البطاريات في أميركا الشمالية: "أحرزت الصين تقدماً من خلال اتباع استراتيجية متسقة جداً على مدى 20 عاماً مضت. نحن نبتكر كل أنواع التقنية الرائعة ثم نتخلى عنها".

بعد فترة وجيزة من انهيار "إيه 123"، اتجه بعض مهندسي الشركة إلى صناعة البطاريات الناشئة المزدهرة في الصين. أصبح أحد هؤلاء المهندسين في نهاية المطاف مليارديراً ورئيساً تنفيذياً لشركة صينية لتصنيع المواد الكربونية.

ما تزال ثلّة من المسؤولين التنفيذيين بشركة "إيه 123" تتساءل عما كان سيحدث لو كانت الولايات المتحدة قد عثرت حينذاك على وسيلة لتستمر الشركة في العمل، من خلال عقد توريد للحكومة أو حتى بيع الشركة لأخرى أميركية.

هل كان يمكن لـ"إيه 123"، لو أتيح لها القدر الكافي من الوقت والدعم، أن تصير في نهاية المطاف شركة أميركية عملاقة لصناعة السيارات تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات ودعامة أساسية في سلسلة إمداد محلية للبطاريات؟

غياب السياسة الصناعية

أمضى جيف تشيمبرلين ما يربو على عقد في مختبر أرغون الوطني محاولاً تحويل تقنية البطاريات إلى نشاط تجاري قبل أن يؤسس شركة لرأس المال الجريء في 2016. قال: "سياسة الولايات المتحدة الصناعية هي أنَّنا لا نملك سياسة صناعية. لا أدعي أنَّه علينا أن نصبح اشتراكيين أو شيوعيين، لكنَّ الدول الأخرى التي لها سياسات صناعية منذ عقود ستتفوق علينا".

بدأ ريك فولوب، رائد الأعمال البالغ من العمر 26 عاماً، يطرق أبواب معهد ماساتشوستس للتقنية في مطلع 2001 على أمل العثور على من يدعمه لتأسيس شركة لتصنيع البطاريات. كان يت-مينغ تشيانغ، أستاذ علم المواد، أحد هؤلاء الذين لبّوا دعوة فولوب. دعا تشيانغ صديقه الحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة كورنيل، بارت رايلي، للاجتماع معه ومع فولوب بشكل دوري. اهتمت المجموعة بفكرة تشيانغ لبطارية غير معزولة الأقطاب.

لدى البطاريات ثلاثة مكونات رئيسية، إذ تتكون من قطبين كهربائيين – واحد سالب والآخر موجب – وهما يخزنان ويطلقان أي شحنة، كهربائية، ومحلول كهربائي يساهم في نقل الشحنة بين القطبين. تحدد المواد المستخدمة في صناعة البطاريات كمّ الطاقة التي تخزنها وبأي تكلفة. كان حلم تشيانغ هو العثور على ثلاثة معادن تتواءم تماماً مع هيكل البطارية في الظروف الصحيحة.

بدايات "إيه 123"

أسس الثلاثي شركة "إيه 123" في صيف 2001، وسرعان ما جمعوا ثمانية مليارات دولار، وعيّنوا دايف فيو، وهو مسؤول تنفيذي كان يعمل في شركة لمعدات الطاقة في رود آيلاند، رئيساً تنفيذياً. لكنَّ الفريق أدرك خلال ستة أشهر أنَّ تحقيق حلم البطارية غير معزولة الأقطاب سيتطلب وقتاً طويلاً. في تلك الأثناء، نشر مختبر تشيانغ أوراقاً بحثية علمية عن فوسفات الحديد والليثيوم باعتباره مادة أجود، وتمكَّن تشيانغ من إقناع فيو بأن تستخدم "إيه 123" ذلك المُركَّب لإنتاج بطارية تجارية.

اكتشف فريق من الباحثين، بقيادة الأستاذ الجامعي جون غوديناف، فوسفات الحديد والليثيوم في 1995. يذكر الصحفي ستيف ليفين في كتابه (The Powerhouse)، الذي يعرض مسيرة رواد كيمياء البطارية الحديثة، أنَّ غوديناف، الذي حصل على جائزة نوبل بعد بضعة عقود، طلب من الباحثين في مختبره بجامعة تكساس في أوستن أن يستبدلوا بطارية أيونات الليثيوم بمعادن مختلفة لاكتشاف ما إذا كانت قادرة على الاحتفاظ بقدر أكبر من الطاقة دون أن تشتعل.

اختار فريق غوديناف مُركَّب الحديد والفسفور، وقام بصنع نموذج أولي من البطارية لاختباره. عند شحنها، كوّن المُركَّب هيكلاً بلورياً ذرياً استطاع نقل أيونات الليثيوم بين الجانبين بسهولة. اكتشف الفريق مادة جديدة للقطب الموجب ثبت أنَّها أرخص وأكثر استقراراً من التقنية القائمة.

في البداية، كانت بطاريات مُركَّب فوسفات الحديد والليثيوم بطيئة في شحنها وتفريغها. حلّ علماء على صلة بشركة مرافق كهربائية كندية تلك المشكلة عبر طلاء جزيئات القطب الموجب من فوسفات الحديد والليثيوم بالكربون، وهو ابتكار قادر على تحويل هذه المواد إلى مشروع قابل للتطبيق تجارياً.

في الوقت ذاته، نشرت "إيه 123"، التي كان تشيانغ مؤسساً مشاركاً فيها، مقالاً في مجلة "نيتشر ماتريالز" (Nature Materials) العلمية، تقول فيه إنَّ "تنشيط" القطب الموجب لفوسفات الحديد والليثيوم، أو حقن كميات ضئيلة من المُركَّبات المعدنية، بما فيها عنصر نيوبيوم، ساعد الإلكترونات على الانتقال بوتيرة أسرع تمكّن البطارية من إتاحة مزيد من الطاقة الفورية.

أضحى هذا الاكتشاف، الذي أسمته "إيه 123" في وقت لاحق "نانوفوسفات" (Nanophosphate)، الابتكار الرئيسي للشركة، إذ سمح للبطاريات أن تُنتج ضعفي أو ثلاثة أضعاف الطاقة الفورية مقارنةً بأي بطارية أخرى ذات حجم مشابه في السوق.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

توسعات جديدة

لم يتطلب الأمر كثيراً من الوقت لتجد "إيه 123" تطبيقات لاستخدام البطارية. فخلال أعوام قليلة، أبرمت الشركة الناشئة صفقة مع "ستانلي بلاك آند ديكر" (Stanley Black & Decker) لتوفير بطاريات من أجل خط جديد لمعدات الطاقة، وجمعت 32 مليون دولار أخرى.

بعد أن وجدت نفسها أمام موعد تسليم بعد 18 شهراً مع محدودية سيولتها النقدية، قررت "إيه 123" الاتجاه للتعهيد إلى الدول الأقل تكلفة، إذ استعانت بشركة في تايوان لتصنيع الأقطاب الكهربائية والخلايا، ثم نقلت نشاط الأقطاب الكهربائية إلى كوريا.

في سباقها نحو مضاهاة قوة التصنيع الإلكتروني في الدول المجاورة، كانت الصين متحمسة لجذب الشركة الأميركية الناشئة أيضاً. أنشأت "إيه 123" مصنعها لتصنيع الأقطاب الموجبة في منطقة اقتصادية منخفضة الضرائب خارج شنغهاي أقامتها الحكومة الصينية لمساعدة الشركات الأجنبية على خفض تكاليف الإنتاج وخلق وظائف محلية في آن معاً.

كانت هنالك خشية من سرقة الملكية الفكرية باستمرار برغم الميزات المالية. كان مسؤولو "إيه 123" التنفيذيين القادمين في زيارة من الولايات المتحدة يجدون كمبيوتراتهم الشخصية وقد حُلت صواميلها حين يعودون إلى غرفهم بالفندق.

كما وجد أحد الموظفين في مكاتب الشركة بمدينة جانغجو ذات مرة مظروفاً في سلة البريد موجهاً لشركة منافسة. فتحت الشركة المظروف لتجد مخططات أولية لعملية تصنيع القطب الموجب إلى جانب السيرة الذاتية لمهندس إنتاج في "إيه 123" سرعان ما طردته الشركة.

زيادة الحماية

انقسم المصنع إلى مبنيين مع فرض قيود على دخول كل مبنى لحماية مسحوق فوسفات الحديد والليثيوم للأقطاب الموجبة، الذي تملك الشركة حقوقه، كي لا يستطيع أي موظف صيني أن يطّلع على العملية بأكملها.

استأجر لاري بيك، أستاذ الكيمياء بجامعة ميشيغان الذي أصبح كبير علماء مواد القطب الموجب في "إيه 123"، مبنى خلف ساحة لخردة المعادن وحوّله إلى مختبر كيمياء. سحب بيك الحديد من أكوام الصفائح المعدنية وأذابها في الحمض لإنتاج البلورات النقية المطلوبة لتصنيع فوسفات الحديد والليثيوم.

في الوقت الذي قدمت فيه الحكومة الصينية الدعم لقطاع صناعة المركبات الكهربائية عبر تحويل أساطيل حافلات المدينة للعمل بالكهرباء وتقديم تخفيضات ضريبية على مشتريات المركبات الكهربائية، تطلَّع رواد الأعمال المحليون للاستفادة من الدعم الحكومي.

أسس تسنغ يوكون، الذي يحتل المرتبة 41 في قائمة أغنى أغنياء العالم الآن، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، شركة "سي إيه تي إل" في 2011 أثناء إدارته لشركة تصنع بطاريات للأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية.

اكتسبت "سي إيه تي إل" أول خبراتها في قطاع السيارات من خلال إنتاج البطاريات لشركة "بي إم دبليو" وشريكتها الصينية المحلية، ووظفت مهندسين من الغرب لاحقاً لصقل مهاراتها التصنيعية.

عيّن تسنغ في 2012 مهندس البطاريات بوب غالين وهو أميركي الجنسية، الذي أصبح لاحقاً الرئيس التنفيذي للتقنية. قال غالين: "وظيفتي كشخص أكثر خبرة كانت تطبيق التعليم القائم على التجربة، كي يتعلموا بوتيرة أسرع".

مساعي الصين

لم تكن "سي إيه تي إل" القوة الهائلة الوحيدة التي بزغت من مسعى الصين في قطاع المركبات الكهربائية. بدأت شركة "بي واي دي"، التي تزيد مبيعاتها على مبيعات "تسلا" بطرازاتها للمركبات الكهربائية والهجينة معاً، نشاطها أيضاً بصنع بطاريات للهواتف المحمولة. اشترى مؤسس الشركة، وهو الكيميائي وانغ شوان فو شركة سيارات في 2003.

بعد خمس سنوات، عرضت "بي واي دي" في معرض سيارات بكين سيارتها من طراز "إي 6" (E6)، وهي سيارة كهربائية ببطارية من فوسفات الحديد والليثيوم بإمكانها أن تقطع 300 كيلومتر في شحنة واحدة. اليوم، تستطيع سيارة سيدان من طراز "هان" (Han)، ببطاريتها من إنتاج "بي واي دي" أن تقطع أكثر من 650 كيلومتراً في شحنة واحد.

في حين بدأ رواد الأعمال الصينيون بتأسيس شركات تحقق أحلام الحزب الشيوعي في قطاع تصنيع المركبات الكهربائية؛ كان المسؤولون التنفيذيون في "إيه 123" يحققون إنجازات كبيرة في عالم البطاريات الكهربائية.

جذب أداء مثقاب "بلاك آند ديكر" الذي يعمل ببطارية من إنتاج "إيه 123" شراة آخرين مهتمين بالأمر، فقد سعت "جيليت" (Gilette) لتشغيل ماكينات الحلاقة الكهربائية الخاصة بها ببطاريات "إيه 123"، وأرادت "ماتيل" (Mattel) أن تحصل على البطاريات أيضاً لتشغيل ألعاب متطورة.

لكنَّ فولوب، الذي كان الرئيس التنفيذي لوحدة تطوير الأعمال حينذاك، كان يعلم أنَّ على "إيه 123" الاتجاه لتصنيع السيارات من أجل منافسة الشركات الآسيوية العملاقة لتصنيع البطاريات. بدأ فولوب في يناير 2008 يتواصل مع مجيب إعجاز، وهو مهندس كان يتولى إدارة المختبر التجريبي للمركبات الكهربائية بشركة "فورد" في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

"فورد" توقف التمويل

عندما تلقى إعجاز مكالمة هاتفية من فولوب يدعوه فيها إلى الغداء، كان المهندس ما يزال مضطرباً بعد ما سمع خبراً مزعجاً من رؤسائه في العمل. قبل ذلك بعام، في معرض للسيارات في واشنطن، كشفت "فورد" النقاب عن تطور هائل حققه إعجاز، وهو تصنيع سيارة "إيدج" (Edge) الرياضية الهجينة متعددة الاستخدامات التي تعمل بالهيدروجين وطاقة البطارية.

لكن بعد مضي عام كانت ثلاث شركات كبرى مصنّعة للسيارات في الولايات المتحدة تستعد للركود، فأبلغت "فورد" إعجاز أنَّها ستوقف تمويل الوحدة التي يديرها.

كان ممكناً لإعجاز أن ينضم لوحدة أخرى في "فورد"، فهو يعمل في الشركة منذ 15 عاماً. لكنَّ عرض فولوب جذب اهتمامه؛ إذ كان يبدو دوماً أنَّ العمل في مجال تصنيع البطاريات مقدَّر له.

وُلد إعجاز لأبوين باكستانيين، أحدهما متخصص في الفيزياء النووية والآخر رائد أعمال في مجال ألواح الطاقة الشمسية، في ولاية فيرجينيا حيث عمل والده أستاذاً بجامعة فيرجينيا للتقنية، وتخرجت والدته في الجامعة بشهادتي دكتوراة.

كانت الأحاديث التي تدور عادةً حول مائدة العشاء تتعلق بحظر النفط في 1973، وكيف كانت سبل الحصول على الطاقة هي سبب النزاع العالمي. انجذب إعجاز للمجال بعد أن شارك كطالب جامعي في سباق للسيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية برعاية "جنرال موتورز".

الانضمام لـ"إيه 123"

بعد أسبوع من مكالمته مع فولوب، أصبح إعجاز يرأس وحدة تصنيع السيارات لدى "إيه 123"، وسرعان ما انضم له عدد من أعضاء فريقه في "فورد". كانت الشركة الناشئة قد أبرمت صفقات لبناء نماذج أولية لـ"بي إم دبليو" و"دايملر تراك" (Daimler Truck)، كما كانت تتنافس مع "إل جي كيم" (LG Chem) لتوريد بطاريات لـ"شيفروليه فولت" (Chevvy Volt)، وهي سيارة سيدان من إنتاج "جنرال موتورز". كان لدى "كرايسلر" وحدة جديدة للسيارات الكهربائية، وكانت "إيه 123" تتنافس لتوريد البطاريات لها أيضاً.

حين انهار الاقتصاد في أواخر 2008، بدأت الأمور تتحسن لـ"إيه 123". بعد أربعة أشهر من موافقة الرئيس جورج بوش على تقديم يد العون لـ"جنرال موتورز" و"كرايسلر"، أعلن المسؤولون التنفيذيون في "كرايسلر" أنَّهم سيصممون تشكيلة من السيارات الكهربائية تعمل ببطاريات "إيه 123".

بحلول يونيو 2009، كانت الحكومة الفيدرالية قد حصلت على حصص ملكية في "جنرال موتورز" و"كرايسلر"، وسعى الرئيس أوباما لضخ مئات مليارات الدولارات على هيئة تمويل تحفيزي في الاقتصاد. حصلت "إيه 123" على جانب من ذلك التمويل كمنحة قدرها 249 مليون دولار من وزارة الطاقة الأميركية لدعم بناء مصنعين في ميشيغان.

ساهم ذلك الدعم الحكومي، إلى جانب صفقة السيارات الكهربائية مع "كرايسلر"، في الطرح العام الأولي لشركة "إيه 123" وحجمه 380 مليون دولار في سبتمبر من ذلك العام.

لم تحقق الشركة الناشئة أرباحاً، لكنَّها كانت في خضم نقاشات واعدة مع شركات تصنيع السيارات في الصين وأوروبا والولايات المتحدة، كما أنَّها أصبحت تملك ما يكفي للاستثمار في إنتاج البطاريات بكميات كبيرة، مما يمنحها القدرة على منافسة الشركات العالمية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

أساسات ضعيفة

لم يتطلب الأمر وقتاً طويلاً ليبدو رهان "إيه 123" على السيارات الكهربائية ضعيف الأساس. اشترى سيرجيو ماركيون، الرئيس التنفيذي لشركة السيارات الإيطالية "فيات" (Fiat)، "كرايسلر" (Chrysler) من الحكومة الأميركية بتخفيض كبير، ووعد بتصنيع سيارات صغيرة الحجم موفرة للوقود. برع ماركيون في التفاوض والاستراتيجية، واستطاع أن ينعش "كرايسلر"، لكنَّه لم يكن من محبي المركبات الكهربائية.

بحلول نهاية الصيف في 2009، أغلق ماركيون وحدة السيارات الكهربائية في "كرايسلر". كان فيو، الرئيس التنفيذي لـ"إيه 123"، ما يزال يأمل في صمود برنامج لتصنيع سيارة "فيات 500" (Fiat 500) الكهربائية صغيرة الحجم في الولايات المتحدة.

صمد البرنامج بالفعل، لكن برغم التصريحات العامة وما يقرب من عامين من التطوير، منحت "كرايسلر" عقد الإنتاج لشركتي "سامسونغ إلكترونيكس" و"روبرت بوش" (Robert Bosch)، إذ إنَّ الأخيرة كانت موردةً عالمية لها عقود قائمة مع الشركة.

في ظل غياب "كرايسلر" و"جنرال موتورز"، التي اختارت "إل جي" (LG) لتوريد بطاريات سيارة "شيفروليه فولت"، اضطرت "إيه 123" للتحرك سريعاً. كان من المقرر افتتاح المصانع الجديدة في سبتمبر 2010، وأبرمت الشركة من الصفقات ما يكفي لتشغيل مصانعها في ميشيغان.

عقدت الشركة صفقة لتصنيع البطاريات للشبكات الكهربائية الثابتة، وحصلت على عقد صغير مع وزارة الدفاع الأميركية، وبدأت مشروعاً مشتركاً مع شركة سيارات صينية.

وافقت "جنرال موتورز" على استخدام بطاريات "إيه 123" للنسخة الكهربائية "شيفروليه سبارك" (Chevvy Spark). كانت آفاق نشاط الشركة تبدو جيدة، لكنَّ بقاءها كان متوقفاً على ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية.

في تلك الفترة، أبرمت الشركة أيضاً تسوية لنزاع قانوني مع بعض أصحاب براءات الاختراع لفوسفات الحديد والليثيوم الذين اتهموا الشركة بنسخ عملية الطلاء بالكربون الخاصة بهم.

في مارس 2012، واجهت "إيه 123" مشكلة. ارتبطت الشركة بعقد لصناعة بطاريات لسيارة "فيسكر كارما" (Fisker Karma) الهجينة، وهي سيارة سيدان من تصميم هنريك فيسكر، أحد أشهر مصممي "أستون مارتن" (Aston Martin)، إذ يبلغ سعرها 100 ألف دولار. خلال اختبار قيادة أمام ممثلي مجلة "كونسيومر ريبورتس" (Consumer Reports)؛ توقفت سيارة من طراز "فيسكر كارما" عن العمل.

بداية النهاية

أرسلت الشركة إعجاز، الذي كان حينها نائب الرئيس لقسم هندسة البطاريات في "إيه 123"، إلى المصنع لإجراء تحقيق. توصل إعجاز إلى أنَّ المشكلة كانت من مجموعة بطاريات تشبه الأكياس شكلاً لم تكن مغلقة بإحكام، فتسرب سائل المحلول الكهربائي، وهو ما قد يتسبب في ماس كهربائي. بعد استشعاره المشكلة، توقف نظام إدارة البطارية في سيارة "فيسكر كارما" عن العمل كإجراء وقائي.

انطلاقاً من الحذر الشديد، وربما بسبب الخوف من الملاحقة القضائية، قرر فيو الإفصاح عن المشكلة علناً والإعلان عن سحب كل البطاريات التي أرسلتها الشركة لـ"فيسكر" (Fisker) واستبدالها. لم يكن الأمر هيناً، لكنَّ فيو كان يأمل أنَّ سحب البطاريات سيصقل سمعة "إيه 123" كمورد يتسم بالأمانة. لكنَّ ذلك كان سبباً في سقوط الشركة.

توقف التمويل لمشروعات "إيه 123" الأخرى بسبب شكوك في جودة المنتج. كلّفت عملية سحب البطاريات أقل بكثير من التوقُّعات، ولم تحدث حالة اشتعال نار واحدة في أي بطارية، لكن ذلك لم يهم. كانت "فيسكر"، وهي أحد العملاء الرئيسيين، في حالة اضطراب. تعرضت أجندة أوباما للطاقة النظيفة للانتقادات في واشنطن، بعد أن تقدمت "سوليندرا" بدعوى لإشهار إفلاسها في سبتمبر.

كانت الانتخابات الرئاسية ستُعقد بعد أقل من عام، وعقد الجمهوريون العزم على تحويل رهانات الإدارة الواهنة إلى مصدر للدعم قائم على الخطابة.

التصقت وصمة الخسارة بـ"إيه 123" هي و"تسلا"، التي كانت قد تلقت قرضاً بـ465 مليون دولار من وزارة الطاقة. ناشد فيو البيت الأبيض بتقديم طوق نجاة، لكنَّ طلبه قوبل بالرفض. يتذكر فيو أنَّ الرد فعلياً كان كالآتي: "لقد لعبنا دورنا، والآن بات الأمر على عاتقكم".

تقدمت "إيه 123" بدعوى حماية من الإفلاس بعد سبعة أشهر من اكتشاف عيوب التصنيع في البطاريات التي حصلت عليها "فيسكر"، وبعد مرور عقد على تأسيسها.

الصين تغنم"إيه 123"

اتجهت "إيه 123" إلى شركة "جونسون كونترولز" (Johnson Controls)، وهي موردة سيارات في مدينة ميلواكي، ولها نشاطها الخاص في مجال البطاريات، لتستفتح مزايدة على أصولها، لكنَّ شركة قطع غيار السيارات الصينية العملاقة "وانشانغ" (Wanxiang) قدمت عرضاً أفضل من "جونسون كونترولز" وشركائها.

اعترض عدد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين على فكرة أن تذهب شركة ناشئة في قطاع التقنية موّلها دافعو الضرائب لشركة أجنبية، لكنَّ تركيز دائني "إيه 123" انصبّ على الشركة التي يمكنها تقديم أكبر قدر ممكن من المال.

كان لزاماً على لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي مجموعة مكوّنة من هيئات عدة بقيادة وزارة الخزانة ومسؤولة عن مراجعة عمليات الدمج والاستحواذ بسبب مخاوف الأمن القومي، الموافقة على الاستحواذ.

في حين كانت لجنة الاستثمار الأجنبي تدرس الصفقة كان الضابط دينيس بلير يراجعها، وهو قائد متقاعد في قوات البحرية الأميركية، ومدير سابق للاستخبارات الوطنية في عهد أوباما. نشر بلير مقال رأي في صحيفة "بوليتيكو" في 20 ديسمبر 2012 أيّد فيه عرض شركة "وانشانغ"، طالما لم تجد لجنة الاستثمار الأجنبي مشكلة في الأمر.

حثّ بلير صنّاع السيارات على الإقرار بأهمية السماح بالصفقة لكل من الأمن القومي والتجارة الدولية، وكتب حينها: "هناك العديد من التقنيات الحساسة التي ينبغي للولايات المتحدة حمايتها، وصناعة بطاريات أيونات الليثيوم ليست إحداها".

آلت أغلب أصول "إيه 123" وبراءات اختراعها واكتشافاتها التقنية إلى الصين، وذهب معها إعجاز لفترة وجيزة، بعد بيع الشركة. اندرج نشاط "وانشانغ" في مجال تصنيع البطاريات تحت مظلة "إيه 123"، وتحولت "إيه 123" الجديدة من التركيز على المركبات الكهربائية والهجينة فقط إلى بطاريات للمحركات التي تتوقف عن العمل في إشارات المرور لتوفير البنزين. أضحى إعجاز الرئيس التنفيذي للتقنية في "وانشانغ"، وذهب لزيارة مقرها في مدينة هانغجو.

صدمة أخرى

خلال تلك الرحلة، طلب رئيس إعجاز الجديد منه أن يزور شركة كانت تريد التعاقد مع "وانشانغ"، وهي مورد خارجي للمواد المستخدمة في صناعة القطب الموجب. قالت "وانشانغ" إنَّها أرادت من إعجاز اختبار المورد "لحماية الملكية الفكرية لـ(إيه 123)" بالإضافة لمصالحها الخاصة.

لم يكمن السر لمسحوق القطب الموجب الخاص بشركة "إيه 123" في المكونات فحسب؛ بل كان في طريقة معالجتها، إذ يتطلب الأمر معدات خاصة للمزج ومرشحات مغناطيسية لإزالة الملوثات. كما أنَّ استخدام أطوال الأنابيب أو أنواع الآلات الخاطئة قد يُتلف الكمية بأكملها. لاحظ إعجاز أثناء جولته في مصنع المورد تشابهاً شديداً في العملية.

سأل إعجاز المورد الجديد إنْ كان يستخدم مخططات شركة "إيه 123"، وأُذهل حين جلب الرجل ملف أوراق يضم صورته كمشتبه به حين ألقت الشرطة القبض عليه بتهمة سرقة الملكية الفكرية. قال الرجل إنَّ الأمر كان سوء تفاهم فحسب. لم تكن حقوق الملكية الفكرية في الصين تُطبق بشكل صارم في تلك الفترة، وكان بعض القضاة يُحابون الشركات الصينية.

كانت خطة الحكومة على مدى 10 سنوات للهيمنة على قطاع صناعة السيارات الكهربائية على قدم وساق، إذ كان تأسيس شركة لتصنيع البطاريات بمثابة تلبية لدعوة جماعية لصناعة قومية جديدة. بدلاً من معاقبة الرجل؛ أمدته الحكومة الصينية بإعانات لمساعدته على تأسيس نشاطه الخاص. شكر الرجل إعجاز بشدة، قائلاً إنَّ "إيه 123" قد غيّرت حياته.

بعد انتهاء الزيارة، اصطحب المالك إعجاز في جولة بسيارته، ثم فتح صندوق السيارة. أراد الرجل أن يقدم لإعجاز هدية تعبيراً عن شكره. يتذكر إعجاز الموقف قائلاً: "كانت ملاءات للسرير – أغرب هدية – عليها صور خيول. اكتشفت أنَّ الرجل كان يملك مصنعاً للملاءات قبل أن يعثر على الملكية الفكرية لشركة (إيه 123)".

اتجاه جديد

عمل إعجاز في "إيه 123" لمدة عام آخر قبل أن ينتقل للعمل على مشروع السيارة الكهربائية السري بشركة "أبل" في 2014. بدأ إعجاز التفكير في الحواجز الثلاثة لتبنّي المركبات الكهربائية على نطاق واسع بعد ذلك بست سنوات، فيما كان يخضع للإغلاقات التي تسببت فيها جائحة كورونا في لوس ألتوس بولاية كاليفورنيا بصحبة زوجته وأبنائه البالغين.

تمثلت هذه الحواجز في فكرة أنَّ القلق بشأن المسافة التي ستقطعها السيارة مستمر، وأنَّ بطاريات أيونات الليثيوم التي تحتوي على النيكل أكثر عرضة للاشتعال، وأنَّ أميركا لم يكن لديها بعد شركة صناعة بطاريات محلية عملاقة لمنافسة "سي إيه تي إل" و"إل جي" و"باناسونيك".

إذا تمكّن إعجاز من تأسيس شركة تركز على بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم، الأرخص والأكثر استقراراً من البطاريات النيكل المنتشرة في الغرب، فسيتمكّن من حل المشاكل الثلاث كلها.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

شركة إعجاز الجديدة

بحلول يوليو 2020، ترك إعجاز "أبل"، وأسّس شركة "أور نيكست إنرجي" (Our Next Energy)، المسماة "وان" (One) اختصاراً. كان إعجاز يستكمل العمل الذي بدأته "إيه 123" من جوانب عدة. انتقل إعجاز إلى ميشيغان مجدداً، ويقع مكتب شركته الناشئة في ضواحي ديترويت على مسافة 1.6 كيلومتر من مركز "إيه 123" الحالي للهندسة في الولايات المتحدة.

عمل نحو سُدس موظفي "وان"، البالغ عددهم 315 موظفاً في "إيه 123" سابقاً، وبينهم مدير العمليات. كان هدف إعجاز حالياً هو: محاولة تحسين نطاق بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم، وهو ما تعمل "سي إيه تي إل" و"بي واي دي" على إيجاد حل له من خلال جحافل من مهندسي البطاريات وعشر سنوات من خبرة التصنيع بكميات كبيرة.

صممت "وان" حتى الآن بطارية انسيابية الشكل، لها الحجم ومواصفات الطاقة نفسها لدى البطارية المصنوعة من النيكل والكوبالت، لكن بسعر أدنى ودون سجل تشوبه مخالفات لحقوق الإنسان. يهدف منتج "جيميناي" (Gemini) الأكثر طموحاً إلى تصنيع بطاريات بنطاق يفوق 1100 كيلومتر لسيارات الركاب – أي ضعف النطاق البالغ 560 كيلومتراً الذي توفره سيارة "تسلا" من طراز "موديل إس" (Model S) طويل المدى.

يبدو الحماس الأولي بشأن "وان" مألوفاً بدرجة تثير الريبة. جمعت الشركة 355 مليون دولار من مستثمرين، بما في ذلك شركة "بريكثرو إنرجي فينتشرز" (Breakthrough Energy Ventures) التي يملكها بيل غيتس و"بي إم دبليو آي فينتشرز" (BMW i Ventures) و"فرانكلين تمبلتون" (Franklin Templeton)، وبلغ تقييمها 1.2 مليار دولار.

منحت ولاية ميشيغان الشركة في الخريف 220 مليون دولار على الأقل نقداً وتخفيضات ضريبية لبناء مصنع بطاريات بقيمة 1.6 مليار دولار في ضواحي ديترويت، حيث تخطط الشركة لتعيين 2100 شخص بعد أن تدخل مرحلة الإنتاج في 2024.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

قانون خفض التضخم

زارت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي سابقاً، وغريتشين ويتمر، حاكمة ميشيغان الديمقراطية، وأعضاء وفد الكونغرس للولاية مكاتب شركة "وان". في ضوء قانون خفض التضخم؛ ستدفع الحكومة لـ"وان" ما يصل إلى 6500 دولار لكل بطارية بسعة 105 كيلوواط/ساعة تنتجها الشركة الناشئة في ميشيغان.

يخلق قانون خفض التضخم حوافز لشركات السيارات أيضاً للعمل مع "وان"، وذلك بفضل قواعد وضعها جو مانشين، العضو الديموقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية ويست فيرجينيا، تشترط تصنيع البطاريات في أميركا الشمالية وتوريد المواد الخام محلياً أو من حلفاء الولايات المتحدة، لتتأهل لائتمانات المركبات الكهربائية الاستهلاكية. تُعد "وان" نموذجاً مثالياً لما يسعى بايدن لتحقيقه من خلال مشروع القانون الذي يهدف للتعامل مع أزمة المناخ.

يبدو الزخم أخيراً حليفاً لإعجاز، الذي يبلغ من العمر الآن 56 عاماً، وقد أمضى أكثر من ثلاثة عقود في القطاع. تُبدي ديترويت وبقية قطاع السيارات على مستوى العالم التزاماً كاملاً بإنتاج المركبات الكهربائية، حتى لو كان ذلك نابعاً من شعور باليأس. تخسر الشركات الغربية المصنّعة للسيارات، التي لم تتحرك بالسرعة الكافية، حصصها في السوق الصينية.

أثبتت "تسلا" أنَّ الأميركيين سيشترون المركبات الكهربائية، وطرحت "فورد" و"جنرال موتورز" سيارات حققت نجاحاً هائلاً مثل "موستانغ ماك-إي" (Mustang Mach-E) و"كاديلاك ليريك" (Cadilac Lyriq).

تشير توقُّعات إلى أنَّ المركبات الكهربائية والهجينة ستمثل قرابة نصف مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة بنهاية هذا العقد، وذلك مقارنةً بحصة تقترب من 10% العام الماضي.

هل ينجح التحفيز؟

لكنْ لا توجد ضمانات تفيد أنَّ إجراء مناورة لتحفيز شركة أميركية لتصنيع البطاريات سينجح. ربما يعتمد نجاح "وان" على إصرار مؤسسها وعلى تغلب أميركا على نزعة عرقلة الذات بالقدر نفسه. في عالم تصنيع البطاريات المحفوف بالمخاطر وهوامش الأرباح الضعيفة، قد يعني أي عيب في التصنيع – مثلما حدث مع إعجاز في "إيه 123" – نهاية أي شركة ناشئة.

تحصل "سي إيه تي إل" و"إل جي" وغيرهما من عمالقة تصنيع البطاريات في العالم على دعم كبير، إما في صورة إعانات حكومية أو مساندة من مؤسسات عملاقة. لذلك السبب نجحت "إل جي" في امتصاص صدمة حجمها 1.9 مليار دولار نتجت عن سحب بطارية سيارة "شيفروليه فولت" في 2021.

برغم أنَّ تهديدات الأمن القومي التي تمثلها الصين تبدو إحدى النقاط المعدودة التي يتفق عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي في واشنطن هذه الفترة؛ فإنَّ العديد من الأميركيين لا يستسيغ فكرة أنَّ تسلك الحكومة نهجاً أكثر فاعلية في تحويل التقنية إلى نشاط تجاري.

تكراراً لما حدث في 2012، ينتقد الجمهوريون في الكونغرس أجندة بايدن للطاقة النظيفة باعتبارها تمثل تبديداً لأموال دافعي الضرائب ومحاولة مضلّلة لتحديد الفائزين والخاسرين. يجادل الجمهوريون أنَّ ثمة مبالغة صارخة في الاستهانة بثمن قانون خفض الضرائب، كما يدققون في الشركات التي تتلقى قروضاً من وزارة الطاقة بحثاً عن شركة ستلقى مصيراً مشابهاً لمصير "سوليندرا".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تعهيد الإنتاج دون ضوابط

فيما يتعلق بكل الضجة التي ثارت حول نهب الصين السافر لحقوق الملكية الفكرية الأميركية؛ فإنَّ عواقب تعهيد الإنتاج دون ضوابط لا تجتذب القدر نفسه تقريباً من التدقيق السياسي. بعد كل هذه السنوات، ما يزال من غير الواضح من الذي كانت لديه إمكانية الحصول على الغنائم التي انطوت عليها الملكية الفكرية لشركة "إيه 123" أو إلى أي مدى جرى مشاركتها.

لكنْ ما تزال هناك آثار لتقنية "إيه 123" في سلسلة الإمداد الضخمة للبطاريات في الصين. كانت بدايات شركة "هوبي وانرون نيو إنرجي تكنولوجي" (Hubei Wanrun New Energy Technology)، وهي أحد أكبر موردي مواد القطب الموجب لفوسفات الحديد والليثيوم في العالم اليوم، كمورد لشركة "إيه 123" في مدينة جانغجو.

قال لاري بيك، كبير علماء المواد في "إيه 123" الذي عمل عن كثب مع الشركة لتطوير مادة فوسفات الحديد بدرجة النقاء المستخدمة في صناعة البطاريات، إنَّ "وانرون" كانت شريكاً أميناً. لكنْ بعد إفلاس "إيه 123"، تحررت الشركة الصينية، التي نجحت أخيراً، من أي اتفاقيات لعدم الإفصاح.

في تلك الأثناء، استثمرت "سي إيه تي إل" و"بي واي دي"، اللتان لم توجه لهما "إيه 123" أي تهم بارتكاب مخالفات، رأس مال بالمليارات للحصول على نطاق واسع وفاعلية التكاليف التي تملكها الشركتان اليوم. رفضت الشركتان الإدلاء بتعليق، وتقول "وانشيانغ" إنَّها أدارت عملياتها في "إيه 123" بطريقة "لا تؤذي ولا تضر قطاع تصنيع البطاريات في الولايات المتحدة والعلاقات الصينية الأميركية".

آلة ابتكار

لقد اعتبرت الولايات المتحدة نفسها مراراً آلة ابتكار مدفوعة بفضائل رأسمالية المساهمين. في مقال كتبه لـ"بلومبرغ بزنس ويك" منذ 13 عاماً، قال أندي غروف، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك الأسطوري في "إنتل": "نحن نتمسك بهذه القناعة، فيما نغفل إلى حد كبير عن ظهور دلائل على أنَّه برغم تغلب الأسواق الحرة على الاقتصادات المخططة، فربما توجد مساحة لتعديل أفضل".

حذر غروف آنذاك من أنَّ الولايات المتحدة ستتخلف عن الركب في كل الثورات التقنية إذا أهملت تعديل سياستها الصناعية. كتب غروف: "إذا بدا اقتراحي نابعاً من منطلق الحمائية، فليكن".

يراقب إعجاز تكشُّف تداعيات هذا التقاعس عن العمل منذ سنوات، منذ أول رحلة له إلى الصين في 2007 لعرض سيارة "فورد إيدج" الكهربائية الجديدة التي صنعها. لم تكن تقنية البطاريات الجديدة تلك معروفة في الصين حينذاك. أما الآن؛ فالصين تتحكم في سبل تصنيعها.

يُقرّ إعجاز أنَّه حتى لو واصلت الولايات المتحدة مسيرتها؛ فإنَّ هذا لن يكفي للتنافس في صناعة السيارات الكهربائية. تستطيع الشركات الصينية، التي تدخل أسواقاً جديدة في أوروبا وأميركا اللاتينية، خفض التكاليف عبر تحقيق توسع أسرع من أي دولة أخرى.

حتى لو أرادت "فورد"، الشركة التي عمل بها إعجاز سابقاً، الاستفادة من مورد محلي مثل "وان" بدلاً من شركة صينية عملاقة مثل "سي إيه تي إل"، فالأمر ليس واقعياً بعد. إذ تتعرض الشركة صانعة السيارات، كغيرها من صانعي السيارات الرئيسيين، لضغوط كبيرة لإنتاج المركبات الكهربائية، وهي تتخلف عن الركب بأشواط.

لا تملك الشركة رفاهية انتظار شركة إعجاز الناشئة لتثبت نفسها في المجال.

قال إعجاز: "حجم الأموال الذي نضخه أفضل مما رأيت من قبل، وقانون خفض التضخم يمثل خطوة أفضل مما رأيت. يمكننا تحقيق تغيير ملموس من خلال السياسات الصحيحة والقرارات السليمة. لكنَّ الأمر سيتطلب مجهوداً أكبر بكثير مما نبذله في الوقت الحالي".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك