تشديد القيود على الصادرات مع تمدد قائمة الكيانات التي تحتاج الشركات الأميركية إلى تراخيص للتعامل معها

ضوابط التصدير سلاح أميركا المفضل في وجه روسيا والصين

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حين أدرجت إدارة ترمب "هواوي تكنولوجيز" على قائمة سوداء للكيانات التجارية في 2019، قطعت معظم الشركات الأميركية علاقاتها مع "هواوي"، التي كانت آنذاك إحدى كبريات الشركات المصنعة للهواتف الذكية حول العالم. "سيغيت تكنولوجي" (Seagate Technology) كانت استثناءً بارزاً من هذا، فقد واصلت رائدة إنتاج أقراص التخزين تصدير منتجاتها إلى "هواوي" بواقع 7.4 مليون مقابل مليار دولار تقريباً.

كانت وزارة التجارة الأميركية قد أعلنت في أبريل أن "سيغيت تكنولوجي" وافقت على دفع أكبر غرامة فرضتها الوزارة على شركة أميركية لتسوية انتهاك إداري لضوابط التصدير. أبرزت الغرامة، وقدرها 300 مليون دولار، الأهمية المتزايدة لمثل هذه الضوابط في إطار تشديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. تجلت أهمية القيود على الصادرات في رد الإدارة الأميركية الحالية على الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما تلعب الضوابط ذاتها دوراً محورياً في تصعيد الولايات المتحدة لضغوطها على الصين.

تتضمن القائمة السوداء التي أعدتها وزارة التجارة، والمعروفة لدى خبراء القانون التجاري باسم "قائمة الكيانات"، أشخاص وشركات لا تستطيع الشركات الأميركية تصدير التقنيات إليها دون الحصول على ترخيص مسبق. تاريخياً، أُدرجت أسماء العلماء الأجانب والشركات الوهمية على القائمة سالفة الذكر، فضلاً عن استخدامها لقطع الإمدادات عن الجماعات الإرهابية.

لكنها توسعت خلال السنوات الأخيرة لتشمل أكثر من 600 كيان صيني، من ضمنها شركات كبرى، مثل صانعة الخوادم "إنسبور" (Inspur) و"المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات" (SMIC).

كما امتدت قائمة الكيانات لتشمل ستة شركات صينية أخرى بعدما أسقطت الولايات المتحدة منطاداً حلق على ارتفاع عالٍ في فبراير. قالت السلطات الأميركية إن الشركات الست مرتبطة ببرنامج تجسس المنطاد الصيني.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

قوة ضاربة

أشارت إدارة بايدن إلى أنه سيصعب تجنب العواقب على من يتجاهلون القيود، فقد فرض مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية، المسؤول عن إدارة قائمة الكيانات، مجموعة غرامات هذا العام على شركات أمدت روسيا بتقنيات متطورة.

كما أعلنت الحكومة في 16 مايو عن اعتقالات أولية قامت بها "القوة الضاربة للتقنيات التخريبية" حديثة التأسيس. شملت الاعتقالات رجلاً تقول الحكومة إنه سرق تقنية عسكرية على أمل تسويقها لعملاء صينيين، وروسيين مقيمين في فلوريدا بتهمة بيع قطع غيار طائرات لشركات روسية خاضعة للعقوبات.

قال ماثيو أكسلرود، مساعد وزير التجارة لإنفاذ قوانين الرقابة على الصادرات، في مؤتمر للأمن القومي عقد في واشنطن في 17 مايو: "ضوابط الصادرات تؤتي ثمارها".

في حين تزامن تشديد الرقابة على الصادرات مع انتهاج إدارة ترمب سياسات أشد تجاه الصين، إلا أنه استمر في عهد بايدن، الذي جعلت إدارته ضوابط التصدير محوراً رئيسياً في سياستها الخارجية تجاه روسيا. لقد زاد عدد الكيانات الروسية المدرجة على القائمة السوداء بأكثر من 500 شخص وشركة، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يقرب من 900 كيان تجاري منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. كما نسقت الولايات المتحدة مع نحو 40 دولة حليفة لتشديد ضوابط الصادرات، فصعبت على روسيا تحويل دفتها ببساطة صوب موردين آخرين.

تراجعت قيمة شحنات البضائع الأميركية إلى روسيا مجتمعة بنحو 90%. مع ذلك، تظهر تجربة تشديد ضوابط التصدير إلى روسيا مدى صعوبة وقف تدفق الصادرات.

لقد استقبلت الأخيرة شحنات تُقدّر بملايين الدولارات من الرقائق الإلكترونية وقطع غيار الطائرات وغيرها من المعدات عالية التقنية، جميعها أميركية الصنع، إذ تعلمت الشركات كيفية التهرب من الضوابط المفروضة على الصادرات عن طريق توجيه الشحنات عبر أطراف ثالثة مثل كازاخستان وقيرغيزستان في غالبية الأحيان.

سلاح ذو حدين

يشكل رفع ضوابط التصدير كسلاح في وجه الصين صعوبة أكبر. على سبيل المثال، صدرت الولايات المتحدة ما قيمته 6.4 مليار دولار فقط من البضائع إلى روسيا في 2021، قبل وضع الضوابط، مقارنةً بإجمالي بلغ 154 مليار دولار من الصادرات الأميركية إلى الصين في العام نفسه.

تُعتبر شركات أميركية عديدة الصين سوقاً أساسية لنمو أعمالها، لذا قد تتضرر تلك الشركات إن ردت الصين بتشديد قيودها على الواردات الأميركية، كما بدا الأمر في 21 مايو عندما حذرت مشغلي البنى التحتية الرئيسية الصينين من أن شراء منتجات صانعة رقائق الذاكرة الأميركية "ميكرون تكنولوجي" (Micron Technology) ينطوي على "مخاطر أمنية كبيرة".

يبرز أيضاً خطر تغليظ القوانين بحيث يتعذر على الحكومة فرضها على أرض الواقع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتقنيات التي يمكن أن يكون لها استخدامات تجارية وعسكرية في آن واحد. اقتبس مارتن تشورزيمبا، الزميل الأقدم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن مقولة فريدريك العظيم للتعقيب على الأمر: "من يدافع عن كل شيء، لا يدافع عن شيء"، معتبراً أن تطبيق الضوابط: "سيصبح صعباً عندما يتعلق بالتقنيات مزدوجة الاستخدام والصادرات السلعية".

تشدد جمهوري

على المقلب الآخر، يسعى صقور الجمهوريين مثل مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، لتشديد القيود المفروضة على الصادرات أكثر. استشهد ماكول بحصيلة رسوم التراخيص، التي منحها مكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة للشركات الأميركية لبيع تقنيات للشركات الصينية المدرجة على قائمة الكيانات بواقع 23 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الماضي، معتبراً أنها تعكس تراخي الضوابط الحالية.

تقدم بعض أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين في 2022 بمشروع قانون لنقل مسؤولية الرقابة على الصادرات من وزارة التجارة إلى وزارة الدفاع، اعتقاداً منهم بأن الأخيرة ستكون أشد.

مع ذلك، ما يزال الجدل يحيط بمدى فعالية ضوابط التصدير أو حتى ما يُفترض بها تحقيقه. هل تأمل الولايات المتحدة بأن تمنع الصين من تطوير التقنيات التي تملكها الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم، أم مجرد تأخير خطاها للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الريادة؟

قال كورديل هال، الذي ترأس مكتب الصناعة والأمن تحت إدارة ترمب، إن ضوابط التصدير قد تبطئ التقدم الصيني، لكنها يستحيل أن تمنع التنين الصيني من تطوير قدراته على جميع الأصعدة. بل يُرجَّح أن تضاهي الصين بمرور الوقت، واستناداً إلى أبحاثها الخاصة، التقنية الأميركية التي تُعتبر اليوم متطورة.

قال الرئيس السابق لمكتب الصناعة والأمن: "فكر في هاتفك المحمول قبل ست سنوات مقارنةً بهاتفك الحالي. ستجد أن التقنية لا تنفك تتقدم".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك