ساهم فصل الربيع الحار على غير العادة في اندلاع مئات من حرائق الغابات في أنحاء مقاطعة ألبرتا الكندية، فملأ السماء بطبقة من الدخان وأدى لإجلاء نحو 40 ألف شخص من المنطقة. تسببت حرائق أكبر مقاطعات كندا إنتاجاً للطاقة، في تراجع إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي بنسبة 20% في بعض الأحيان، وتشير توقعات إلى أنَّ تلك الحرائق ستقلص بيانات النمو الاقتصادي في مايو.
لم تطل الحرائق حتى الآن النفط الرملي في ألبرتا، التي يجعل إنتاجها 3.25 مليون برميل نفط يومياً كندا رابع أكبر منتج له عالمياً. لكن المسؤولين يحذرون أنَّ الأوضاع مواتية لاندلاع حرائق في أي مكان وفي أي وقت.
يضع ذلك الاحتمال الشركات والمستثمرين وسكان منطقة فورت ماكموري، التي تُعتبر المركز غير الرسمي للنفط الرملي وسبق أن احترقت بالكامل تقريباً منذ سبعة أعوام، في حالة تأهب قصوى.
مع استمرار الحرائق المستعرة لنحو شهر دون أي بادرة على اخمادها، يصعب التنبؤ بالتأثير الاقتصادي بأكمله.
قاب روب روتش، نائب كبير الاقتصاديين في "إيه تي بي فاينانشال" (ATB Financial)، إنَّ الحرائق "ما تزال تتسبب بأضرار بالغة". تُقدِّر الشركة التي يعمل بها روتش، ومقرها مدينة إدمونتون، أنَّ الحرائق قد تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في كندا لشهر مايو بنسبة 0.1% إلى 0.3%، حسب حجم الإنتاج الذي ستتوقف منشآته وفترة هذا الإغلاق.
ساهمت الإغلاقات في تخلف أداء أسهم شركات إنتاج الطاقة الكندية عن مؤشر بورصة تورونتو الأوسع نطاقاً خلال مايو. قدّر كريس ماكالك، محلل النفط في "ديجاردن كابيتال ماركتس" (Desjardins Capital Markets)، في مذكرة بتاريخ 18 مايو أنَّ الإنتاج تقلّص بأكثر من ملياري قدم مكعب من الغاز يومياً، وكانت رسالته للمستثمرين هي: "صلّوا من أجل هطول الأمطار".
أسوأ سيناريو
السيناريو الأسوأ هو انتشار الحرائق التي تلتهم غرب ألبرتا شرقاً، وصولاً إلى النفط الرملي. تشير تقديرات شركة الاستشارات "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) إلى أنَّ قرابة 2.7 مليون برميل من إنتاج ألبرتا اليومي من النفط الرملي، أي أقل بقليل من وسطي إنتاج الكويت في العام الماضي، موجودة في مناطق مستوى خطر الحرائق فيها "مرتفع" أو "بالغ الحدة".
يتابع جودي باتز، رئيس وحدة الإطفاء في بلدية وود بافالو الإقليمية التي تشمل فورت ماكموراي والنفط الرملي في أتاباسكا، ذلك الخطر منذ أسابيع. طلبت الوحدة التي يعمل باتز ضمنها من مسؤولين إقليميين فرض حظر على إشعال نيران المخيمات ومنع سيارات الرحلات من دخول المناطق البرية بدءاً من أواخر أبريل، وهو توقيت أبكر من المعتاد في موسم حرائق الغابات في المقاطعة. وافق المسؤولون على طلب وحدة باتز.
تستعد فورت ماكموري، التي يعيش فيها 70 ألف إنسان، لموجة أخرى من الحرائق، منذ أن تسبب حريق في 2016، كان هو أكبر الكوارث الطبيعية تكلفةً في تاريخ البلاد، بخسائر مؤمَّنة قيمتها 3.7 مليار دولار كندي (2.7 مليار دولار أميركي).
ساعدت المدينة أصحاب المنازل على خفض المخاطر عبر إزالة الأشجار القريبة من البيوت. لجأت وحدة الإطفاء إلى استخدام شاحنات أصغر حجماً يمكن توصيلها بصنابير مياه إطفاء الحرائق وفصلها عنها بشكل أسرع، لكي تيسر على فرق الإطفاء إخماد البؤر المشتعلة.
وطّد العاملون أيضاً علاقاتهم بوحدة المقاطعة المسؤولة عن مكافحة الحرائق في الغابات المحيطة بفورت ماكموري. قال باتز إنَّه في حال اندلاع حريق قرب المنطقة الآن تتجه كلتا الوحدتين لإخماده على الفور، ويجري التعامل مع أي تفاصيل مالية أو مرتبطة بجهة الاختصاص القضائي لاحقاً.
الجميع يستعدون
يعوّل المسؤولون أيضاً على تعاون السكان الذين لا يزالون يتذكرون الكارثة التي وقعت في 2016. بيّن باتز أنَّ سكان فورت ماكموري استجابوا سريعاً لقيود منع الحرائق هذا العام، بل إن بعضهم يُحمِّل بعضاً المسؤولية على وسائل التواصل الاجتماعي.
قال باتز: "نحن نعيش في قلب الغابة الشمالية وحرائق الغابات هي الخطر الأكبر الذي نواجهه، لذا فلنكن على أهبة الاستعداد. هذا هو الرأي الشائع الذي يصلني من الناس".
قد لا يكون أي قدر من الاستعداد كافياً لما يبدو أنه سيكون عاماً قياسياً للحرائق. لم تمر أكثر من ثلث المدة التي تشهد فيها مقاطعة ألبرتا موسم حرائق الغابات، الذي يمتد عادةً من مارس وحتى أكتوبر، لكن حتى الآن التهمت النيران بالفعل ما يقرب من ثمانية أضعاف المساحة التي طالتها الحرائق في موسم 2022 بأكمله.
بعدما احترق أكثر من 10000 كيلومتر مربع حتى 23 مايو، تبدو المقاطعة في طريقها لتخطي الرقم القياسي المسجل في 1981، حين احترقت مساحة قدرها 13600 كيلومتر مربع.
تُعد حرائق الغابات أحد أبرز العلامات التي تؤشر إلى تغير المناخ، إذ تخلق الحرارة الشديدة وفترات الجفاف الممتدة أوضاعاً مواتية لاندلاع الحرائق الضخمة. قالت كريستي تاكر، المتحدثة باسم "ألبرتا وايلد فاير" (Alberta Wildfire)، إنَّ الجو الدافئ على غير العادة طيلة أبريل ساهم بلا شك بأن تبدأ الحرائق "الخطيرة" قبل أوانها.
قالت تاكر: "ما لا نراه هو الأحوال الجافة والحارة التي شهدناها في نهاية أبريل ومطلع مايو. كان ذلك على غير العادة فعلاً"، أضافت أنَّ المقاطعة الآن تدخل المرحلة التي تشهد أكبر نشاط للحرائق، حين تكون الثلوج قد ذابت بالكامل تقريباً ويكون الغطاء النباتي يابساً، ما يجعله عرضة للاشتعال.
تحذيرات للسلامة
قال جون هيكي، وهو ميكانيكي من سكان فورت ماكموي يعمل في إصلاح الشاحنات الخفيفة المُستخدمة في قطاع النفط الرملي، إنَّ الدخان الناتج عن الحرائق كان موضع نقاش في عدة أحاديث حول السلامة في ورشة عمله.
بيّن هيكي أنَّ قيادات أطقم العمال تنصحهم بخفض تعرضهم للدخان والحصول على فترات راحة إذا ما كانوا يعانون من مشاكل في التنفس، وأنهم يركزون أيضاً على منع الحرائق، إذ يحثون العاملين على عدم التدخين في مناطق معينة بموقع العمل.
هيكي، الذي احترق منزله بالكامل في 2016، قال إنه يملأ خزان الوقود في شاحنته على الفور ما أن يُطلق المسؤولون تحذيرات، مضيفاً أنَّ بقية سكان البلدة كانوا يأخذون التحذيرات على محمل الجد أيضاً. قال: "إنْ عَلِمَ الناسُ أنَّ الأمور تسوء، أو طُلِبَ منهم الاستعداد للإخلاء، فهم يستعدون".