المؤسس المشارك في "غوغل" وراء تمويل شركة "إل تي إيه" لتصنيع السفن الجوية منذ 2016

خطة سيرغي برين السرية لتعود السفن الجوية إلى السماء

منطاد "باث فايندر 1"، بأنابيب مصنوعة من ألياف الكربون - المصدر: بلومبرغ
منطاد "باث فايندر 1"، بأنابيب مصنوعة من ألياف الكربون - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يرحب ألان وستون بالترحيب بزوار مصنعه بأن يقول: "مرحباً بكم في (إل تي إيه)، حيث نسعى لأن نحجب السماء". يحمل هذا الاستقبال شيئاً من الطرافة، لكنه يعبر أيضاً عن طموحات وستون، وهو الرئيس التنفيذي لشركة صناعة السفن الجوية "إل تي إيه ريسيرش أند إكسبلوريشن" (LTA Research & Exploration).

منذ تأسست في 2016 بإيعاز من سيرغي برين، المؤسس المشارك في "غوغل" الذي يدعمها، وحتى الآن أحاطت سرية تامة عمل "إل تي إيه"، التي يرمز اسمها لعبارة "أخف من الهواء" باللغة الإنجليزية. تستعد الشركة بعد سنوات من العمل لكشف النقاب عن "باث فايندر 1" (Pathfinder 1)، وهو أول سفينة جوية في ما تسعى الشركة لأن يصبح أسطولاً منها يحجب السماء.

كم تطور الطيران في 120 عاماً؟

بُنيت سفينة "باث فايندر 1" الجوية، وطولها 122 متراً أما عرضها في أوسع أجزائها فهو 20 متراً، داخل حظيرة طائرات عملاقة في ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا. يبدو شكلها من الخارج مثل أي سفينة جوية ربما تكون قد شاهدتها في صورة ما؛ فهي بيضاء اللون ومقدمتها ومؤخرتها مدببتان، كما أن لها 12 مروحة وبها مقصورة ركاب.

أما من الداخل ، فهناك تشكيلات متشابكة من أنابيب مصنوعة من ألياف الكربون ومفاصل مصنوعة من التيتانيوم لتمنحها هيكلها وصلابتها، و13 جيب هليوم توفر قوة رفع غير قابلة للاشتعال. يُعد حجمها ضئيلاً مقارنةً بالمركبات التي تخطط "إل تي إيه" لبنائها في المستقبل، لكنها أول سفينة جوية صلبة بهذا الحجم تُبنى منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

سر التمويل

ما يزال الغموض يكتنف جزئياً سبب رغبة برين بامتلاك أسطول سفن جوية. رفض برين المشاركة في عديد من المقابلات لمناقشة "إل تي إيه". لكن على مدى العامين الماضيين، سمح لي وستون بمتابعة بناء "باث فايندر 1" والمراحل الأولية من بناء الأجيال التالية.

يبدو منطق برين واضحاً بما يكفي وهو أنه يحب السفن الجوية. يرى برين ووستون أن بإمكانهما نقل البضائع بطريقة صديقة للبيئة وتوصيل إمدادات إلى المناطق المنكوبة. قد تجذب السفن الجوية الفاخرة يوماً ما الركاب ممن يودون السفر بطريقة غير مألوفة وممتعة من لندن مثلاً إلى نيويورك على مدى يومين.

يكاد نشاط السفن الجوية يكون معدوماً اليوم. توجد مناطيد تطير في أجواء الملاعب لتحمل إعلانات على جانبيها فيما تلتقط بعضها الصور، وهناك عدد محدود من السفن الجوية الصلبة التي تطير في رحلات ترفيهية في ألمانيا. هذا كل شيء تقريباً. يسعى هذا القطاع منذ فترة طويلة جداً لإدارة نشاط مزدهر ومربح.

وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، تُقدّر ثروة برين بـ105 مليارات دولار، لذلك يمكنه بناء إمبراطورية للسفن الجوية إن أراد ذلك. لا يود برين ولا ممثلوه الإدلاء بتعليق حول حجم استثماراته في "إل تي إيه"، لكن موظفيه في المصنع يقولون إن المبلغ بالتأكيد يفوق 250 مليون دولار حتى الآن.

لكن وستون يأخذ جدوى شركة "إل تي إيه" بجدية شديدة ويرغب بشدة بأن يحافظ عاملوها وعددهم 250 على وظائفهم لفترة طويلة. يسعى وستون لأن يتقن تصنيع الطرازات الأولية ويبدأ إنتاجها على نطاق واسع، ويقول: "أنا منبهر ومتحمس لاحتمال تصنيع السفن الجوية بسرعة شديدة وبفريق أصغر حجماً من ذاك الذي كان قد استُخدم في السابق، وباستخدام مواد يمكن تحمل تكلفتها. ابتكرنا عديداً من الطرق التي ستجعل ذلك ممكناً".

قد تشعر برغبة أن تجيب: "أحقاً أنت جاد؟ أنتحدث فعلاً عن سفن جوية؟"

مناطيد جديدة

هناك قلة قليلة للغاية من قراء هذا الموضوع سيكونون قد جربوا التحليق في سفينة جوية حقيقية قبلاً. حتى المناطيد غير الصلبة التي تملكها شركة "غوديير" (Goodyear) ليست ما يفكر فيه برين ووستون، فتلك المناطيد ما هي إلا أكياس ضخمة منفوخة ذات مقصورة ركاب محدودة في أسفلها.

ليس للمناطيد غير الصلبة هيكل داخلي متين، لذا لا بد من تركيب محركاتها على مقصورة الركاب، وهو ما يخلق جواً من الضجيج وعدم الارتياح للطيارين والركاب، ذلك إضافة إلى وجود أوجه قصور أخرى.

إن أردت أن تخوض تجربة التحليق في منطاد صلب حقيقي، فإن أفضل الفرص أمامك هي التوجه إلى مدينة فريدريكسهافن في ألمانيا، حيث حلّق الكونت فرديناند فون زبلين في أول رحلة بمنطاد صلب قبل 123 عاماً.

لا غيوم اقتصادية.. مبيعات الطائرات الخاصة تحلق في سماء صافية

أصبحت فريدريكسهافن، التي تطل على بحيرة كونستانس في جنوب ألمانيا ويسكنها 60 ألف إنسان، مدينة لعالم السفن الجوية، فهي تضم متحفاً للسفن الجوية حيث يمكنك أن تسير داخل نموذج جزئي لسفينة هيندنبرغ الجوية وترى كيف كانت أماكن المعيشة وغرف الطعام على متنها.

تتخلل منحوتات متنوعة للسفن الجوية شوارعها الهادئة، وتتخم متاجر الهدايا بتذكارات عن تلك السفن. حين يكون الجو ممتازاً، يحلق السياح على متن سفينة "زبلين إن تي" (Zeppelin NT) وطولها 75 متراً. تكلف رحلة مدتها 90 دقيقة نحو 800 دولار.

تظهر ميزات الطيران باستخدام السفن الجوية ما إن ترتفع بها عن الأرض؛ كانت تلك تجربتي الشخصية في وقت سابق من هذا العام. يتسم الإقلاع الأولي بالبطء والسلاسة، على عكس التجربة داخل طائرة ركاب، حين تدفعك حركة الطائرة للالتصاق بالمقعد، أو داخل طائرة هليكوبتر حين تتضرع ألا يمسَّك سوء. بعد أن ترتفع السفينة الجوية ، تجد نفسك تحلق برفق ودون جهد. تبدو التجربة وكأنها نوع من أنواع السحر. بل إن بإمكانك فتح النافذة وإخراج رأسك منها ومشاهدة الريف المذهل بالأسفل.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تاريخ السفن الجوية

شارك العالم يوماً ما حماس البلدة للسفن الجوية، فقد صنعت كل من فرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وبريطانيا مئات منها في أوائل القرن العشرين. كانت الولايات المتحدة على رأس الدول الأكثر بناءً للسفن الجوية، وكانت شركة "غوديير إيركرافت" قادرة على إنتاج 11 سفينة جوية في الشهر. أرادت الجيوش الحصول عليها للقصف والمهام الاستطلاعية. كانت هناك سفن جوية من جميع الأحجام، وكان بمقدور بعضها أداء مهام فريدة من نوعها.

على سبيل المثال، كانت البحرية الأميركية تملك نوعاً من السفن الجوية يمكنه ربط خطاف بطائرة في الجو لتزويدها بالوقود ثم يتركها لاستكمال رحلتها. بالنسبة للسياح، كانت السفن الجوية أشبه بالبواخر السياحية في السماء، إذ كانت تأخذهم من ألمانيا إلى البرازيل في بعض الرحلات.

كانت السفن الجوية هي وسيلة مواصلات للمستقبل، إلى أن وقعت كارثة هيندنبرغ في 1937. ما يزال المهووسون بما حدث يتجادلون حول كيفية انفجار تلك المركبة المنكوبة وأسبابه؛ فقد كانت ممتلئةً بالهيدروجين القابل للاشتعال، أو مغطى بمواد كيميائية قابلة للاشتعال، أو ربما تعرض للكهرباء الساكنة أو البرق أو شيء آخر لا نعرفه. أيا كان ما حدث، فقد أنهى عصر الهوس بالسفن الجوية خصوصاً للمدنيين.

المروحيات الكهربائية لا تعدو كونها هليكوبتر بحلّة جديدة

لا ينصف سيليكون فالي تاريخ السفن الجوية، فكل ما يملكه من آثار هو ثلاث حظائر للطائرات في مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في ماونتن فيو. لهذه الهياكل هيئة بيضاوية الشكل أشبه بسفن الفضائيين. إن قدت سيارتك على الطريق السريع 101 فستراها حتماً.

بدأت البحرية الأميركية العمل على حظائر الطائرات في ثلاثينيات القرن الماضي، وشُيدت بغرض ضم بعض أكبر المناطيد في أسطول الولايات المتحدة. تقع حظيرة الطائرات رقم 1 على مساحة ثمانية فدادين وهي مصنوعة من المعدن، أما "حظيرة الطائرات رقم 2 ورقم 3 فقد شُيّدتا من الخشب في وقت لاحق، وذلك لأن الحرب العالمية الثانية كانت تلوح في الأفق حينها وكانت الولايات المتحدة آنذاك في أمسّ الحاجة للمعدن. تُعد هذه الحظائر من بين أضخم الهياكل القائمة بذاتها في العالم.

شركة ناشئة

يعرف كل من برين ووستون مركز أميس للأبحاث منذ فترة طويلة. عملت "غوغل"، التي يقع مقرها الرئيسي على بعد ميلين من المركز، مع وكالة ناسا على مشروعات عدة على مر السنين.

أبرم برين ولاري بيدج، المؤسس المشارك في "غوغل"، صفقة في 2007 للتحليق بطائراتهما الخاصة من مركز أميس. عمل وستون، صاحب الباع الطويل في مجال هندسة الطيران والفضاء، في المركز كمدير برامج حتى 2013. تعرَّف برين ووستون على بعضهما البعض من خلال معارف مشتركين، ووطّدا علاقتهما في ضوء حبهما المشترك للسفن الجوية.

امتلكت شركة "إيرشيب فينتشرز" (Airship Ventures) الناشئة في 2008 إحدى الحظائر وبدأت تطرح جولات لمشاهدة المعالم الرئيسية في المدينة. اشترت الشركة سفينة جوية من طراز "زبلين إن تي"، التي استطاعت أن تحمل 12 راكباً في المرة الواحدة. كان برين هو أول من حصل على جولة على متنها، وهو كان أيضاً وراء تمويل الشركة الناشئة سراً.

قال براين هول، وهو أحد المؤسسين المشاركين والرئيس التنفيذي لشركة "إيرشيب فينتشرز"، إنَّ إدارة النشاط أثبتت صعوبتها. احتاجت الشركة وقتاً طويلاً للحصول على تصريح للسفينة الجوية وطياريها في الولايات المتحدة.

في ضوء عدم وجود بنية تحتية قائمة لدعم هذه السفن الجوية؛ بذلت الشركة قصارى جهدها لتدريب العاملين والحصول على كل ما كانت تحتاج إليه ليظل التحليق بسفينة "زبلين إن تي" ممكناً.

بمرور الوقت، توسع نشاط الشركة ليشمل الإعلانات والعمل الحكومي، لكن كان صعباً ضمان أن تكون السفينة متاحةً في المكان الصحيح في الوقت المطلوب. قال هول: "كانت لدينا ثلاثة مصادر للإيرادات وسفينة جوية واحدة فقط. كانت احتياجات أحد المصادر تتعارض مع غيره".

حلم لم يمت

قال هول إن الشركة لم تعد تملك المال بنهاية 2012. لسبب ما، رفض برين مد يد المساعدة، وأغلقت الشركة في النهاية. أراد هول الاستحواذ على مزيد من السفن الجوية وربما حتى بناء سفينة جوية أخرى أكبر حجماً، مثل "إل تي إيه".

بيّن هول أن سبيل النجاح في هذا المجال هو توسيع النشاط، مع وجود عديد من الأشخاص والأجزاء المطلوبة وسفن جوية على أهبة الاستعداد. قال: "كنا على وشك تحقيق النجاح. محبطٌ للغاية أن هذا الأمر تطلب 10 سنوات لتحقيقه".

سمح برين لشركة "إيرشيب فينتشرز" بالاندثار، لكنه لم يتخل عن الفكرة. تواصل برين و"باي شور غلوبال مانجمنت" (Bayshore Global Management)، وهي مكتب عائلته، مع كل الشركات ذات الصلة، بما فيها "لوكهيد مارتن" وشركة أصغر حجماً هي "إيروس" (Aeros)، وذلك بغرض بناء منطاد صلب أكبر حجماً.

ترك وستون وظيفته في مركز أميس للأبحاث في نهاية 2013، وأصبح مستشاراً لصالح برين. سافر وستون حول العالم، بما في ذلك إلى فريدريكسهافن لجمع المعلومات ودراسة الابتكارات السابقة.

قال وستون: "قمت بدراسة لصالح (باي شور) حول نوع السفينة الجوية التي ينبغي بناؤها ومن الذي يجب أن يبنيها". انتهى الحال بأن صنع وستون تصميمه الخاص لسفينة جوية ضخمة يمكن بناؤها داخل حظيرة الطائرات رقم 2 في مركز أميس. وافق برين على الخطة، وسرعان ما انشغل وستون بصنع النماذج الأولية وتعيين فريق جديد.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

دور ألان وستون

يبلغ وستون من العمر 66 عاماً، وهو نحيل وشعره أشيب غالباً ما تراه يرتدي الجينز وقميصاً أبيض وقبعة بيسبول سوداء. يسير وستون بخطى سريعة يتبعه مجموعة من العاملين يحاولون مجاراة ما يقول. لديه عدة أسباب تبرر شهرته، قد يكون أبرزها هو أنه رائد رياضة القفز بالحبال المطاطية.

أثناء دراسته الهندسة في جامعة أوكسفورد في السبعينيات، كان وستون أحد الأعضاء المؤسسين لنادي الرياضات الخطرة. حسب ما نعرفه، كان أعضاء ذلك النادي أول من اعتقد أن ربط شخص ما بحبل مطاطي والقفز من أعلى أحد الجسور يُعد فكرة جيدة.

جرب وستون القفز بحبل مطاطي للمرة الأولى في إنجلترا، ثم أعاد الكرّة من أعلى جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو. تمكن وستون من الفرار من شرطة سان فرانسيسكو عن طريق قطع الحبل المربوط به ليسقط في الماء، ثم قفز في قارب كان بانتظاره ولحق بسيارة هروب أوصلته إلى المطار.

يتمتع وستون، الذي حلّق أيضاً في إحدى المرات حول مجلسي اللوردات والعموم البريطانيين في طائرة فائقة الخفة مرتدياً زي غوريلا وهو يعزف آلة الساكسفون، بقدر من الجرأة تبلغ حد الوقاحة.

تطوير "باث فايندر 1"

عمل وستون في القوات الجوية الأميركية حيث عمل في مبادرة الدفاع الاستراتيجي، التي اشتهرت باسم برنامج حرب النجوم، لتطوير درع دفاعي ضد الصواريخ في الفضاء أُنشئ خلال عهد الرئيس رونالد ريغان، إلى جانب مشاركته في مشروعات أخرى. كانت وظيفة وستون بالأساس هي صناعة أسلحة الفضاء. انتهى الحال بوستون في مركز أميس للأبحاث بوكالة ناسا في 2006، حيث تولى مسؤولية مشروعات عدة، بما فيها تطوير مركبة قمرية منخفضة التكلفة.

على مدى الأعوام القليلة الأخيرة، عمل وستون وفريقه داخل حظيرة الطائرات رقم 2 وطوّرا "باث فايندر 1" شيئاً فشيئاً، ومركز عملهم الرئيسي هو الحظيرة، التي تتيح مساحة واسعة أرضيتها مغطاة بطبقة من الإيبوكسي الأبيض ثم مساحة كبيرة خالية حتى الهيكل المقوّس للسقف الخشبي على ارتفاع نحو 60 متراً.

إحياء مشروع "لون" دون صاحبته "غوغل" ودون بالونات

حوّلت "إل تي إيه" أحد جوانب الحظيرة إلى منشآت مؤقتة للإنتاج؛ واحدة للإلكترونيات وأخرى لألياف الكربون وثالثة للمعدن، وهكذا. هناك مساحة عمل مكتبية في مقطورة في مرآب بالخارج.

تبدو السفينة الجوية "باث فايندر 1" على هيئة سيجار منتفخ جداً. يوجد مزلاج معدني كبير في طرف المقدمة لربطها بصاري إرساء، وهناك سلسلة من المراوح التي تعمل بالكهرباء على طول بدن السفينة. أما مقصورة الركاب الموجودة في أسفل منتصف البدن، فهي تكفي لاثنين من الطيارين وعدد محدود من الركاب. أما مؤخرها فله أجنحة بيضاء ضخمة.

يضم البدن الرئيسي نفسه أنابيب مصنوعة من ألياف الكربون مثبّتة بمفاصل من التيتانيوم. تنقسم المساحة الداخلية إلى نحو 12 قسماً، يحتوي كل منها على خزانات ممتلئة بالهليوم أو ما تسميه "إل تي إيه" خلايا. تقيس أجهزة استشعار الليزر حجم الهليوم وتُقدِّر قوة الرفع المتاحة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تطورات كبيرة

يُفضل برين لو أن السفينة كانت تستخدم الطاقة الخضراء مثل خلايا الوقود. لكن في الوقت الحالي، يرسل محركان يعملان بالديزل، مربوطان ببدنها، الطاقة المطلوبة إلى بطاريات أيونات الليثيوم التي تدير المراوح. ستساهم ألواح شمسية على ظهرها في توفير مزيد من الطاقة. يعمل منطاد "باث فايندر 1" بالكامل عبر أسلاك، أي أن آلات التحكم والتوجيه إلكترونية، على عكس الوصلات الميكانيكية التي كانت تُستخدم سابقاً.

تمثل المواد المستخدمة وحدها تطورات كبيرة في التصميم. في الماضي، كانت المناطيد الصلبة مصنوعة من الخشب والمعدن. أمضى وستون وفريقه سنوات في تطوير أنابيب من ألياف الكربون أكثر متانة وأخف وزناً، إلى جانب الأربطة والمواد اللاصقة المطلوبة لتثبيتها والمفاصل المصنوعة من التيتانيوم، بالشكل المطلوب.

أُجريت تجارب مشابهة على خلايا الهليوم وبدن السفينة للعثور على مواد قوية ومرنة بما يكفي لتحمل الحركة المتموجة في الجو وحرارة الشمس اللافحة.

حققت "إل تي إيه" بعض أكبر إنجازاتها في مرحلة التجميع. تاريخياً، كانت شركات مثل "غوديير" تستخدم عدداً كبيراً من السقالات لبناء المركبة طبقة تلو الأخرى، وهو ما كان يعني أن المهندسين كانوا ينفذون عمليات دقيقة على ارتفاعات شاهقة، وكانت الإصابات شائعة. قال وستون: "قديماً كان الناس يصعدون على سلم ارتفاعه 30 متراً".

استطاعت "إل تي إيه" تطوير نظام يُدوِّر هيكل السفينة بأكمله، ما يُمَكِّن المهندسين من العمل على مستوى الأرض تقريباً، دون الحاجة لتعريض أنفسهم للخطر. تطلب إنجاح ذلك الأمر أجهزة ليزر قادرة على قياس موقع كل أنبوب ومفصل على متن السفينة ومشغلات لتحريك الكتلة العملاقة مسافة مليمترين في المرة الواحدة بدقة تامة.

نظام جديد

كان كايل كيبلي، الذي كان في السابق يكتب برمجيات لتنظيم عروض الألعاب النارية الضخمة، صاحب فكرة نظام تدوير هيكل السفينة الجوية. يحب كيبلي السفن الجوية منذ طفولته، وهو يبني نماذجها بنفسه بغرض التسلية.

التقى كيبلي بوستون على الإنترنت حينما كانت "إل تي إيه" تبحث عن مواد لنماذجها الأولية صغيرة الحجم، ووجد كيبلي نفسه وقد حصل على وظيفة أحلامه. قال كيبلي: "كانت هناك شركات ناشئة ومشروعات أخرى للسفن الجوية. لكنها واجهت مشكلات، ليس بسبب قرارات خاطئة ولكن بسبب صعوبات مالية، فالأمر يتطلب مليارديراً".

نظراً لعدم وجود أعداد كبيرة من المهندسين المتخصصين في السفن الجوية؛ اضطرت "إل تي إيه" لتعيين عديد ممن حوّلوا مسارهم المهني وكانوا على استعداد لتلقي تدريب. على سبيل المثال، اعتاد أوغست لانغ العمل في مجال الفنون البصرية أما دانييل زيبروفيتش، وهو مهندس ميكانيكي أيضاً، فعمل بتصميم الأثاث.

شركة ألمانية ناشئة تخطط لإطلاق "التاكسي السريع" لنقل الأقمار الصناعية إلى الفضاء

في بداية عملهما في "إل تي إيه"، توليا تنظيف ذرق الطيور من على ظهر الأنابيب المصنوعة من ألياف الكربون قبل زيارات برين للموقع. لكنهما سرعان ما انتقلا لتصميم الممرات الداخلية في "باث فايندر 1". قال لانغ: "أحب السفن الجوية مثلما أحب الفن. إنها فرصة فريدة من نوعها حقاً لبناء شيء رائع جداً".

في مايو 2022، عقدت "إل تي إيه" مؤتمراً صحفياً في مدينة أكرون داخل حظيرة طائرات أكبر حجماً اسمها "إيردوك" (Airdock). كان ذلك الحصن الضخم أسود اللون رباعي الجوانب الذي شُيد في 1929، مهداً لبعض أعظم سفن "غوديير" الجوية.

لكن كما حال أكرون نفسها، مرّت حظيرة الطائرات بأوقات عصيبة. أقسم وستون أمام مجموعة من مسؤولي المدينة والصحفيين على أن يُعيد أيام مجد السفن الجوية من جديد، كما أصبح "إيردوك" جزءاً من توسعات "إل تي إيه".

خطوات أكبر

سيُكشف النقاب عن "باث فايندر 1" في كاليفورنيا، ثم ستبدأ سلسلة طويلة من الاختبارات قبل أن تنطلق في السماء الواسعة. قال وستون إن قوة رفعها تبلغ 28 طناً ويمكنه التحليق لمسافة 3700 كيلومتر في رحلة واحدة. سيبلغ طول خليفة "باث فايندر 1"، التي ستُبنى في أكرون، 185 متراً، وستكون قادرةً على تحليق أسرع وأطول إضافة لنقل حمولة أكبر.

بيّن وستون أن سفن "إل تي إيه" الجوية قد تتمكن يوماً من نقل حمولة تصل إلى مائتي طن لكل منها، أي تقريباً 10 أضعاف الحمولة التي تستطيع طائرة مثل "بوينغ 737" نقلها.

قد يبدو الأمر مبالغاً فيه، لكن وستون وبرين والقلة القليلة الموجودة في مجال السفن الجوية مقتنعون للغاية أن المناطيد بإمكانها أن تكون وسائل عملية تعتمد على الطاقة الخضراء لنقل البضائع ويمكنها التنافس مع الطائرات والقطارات والسفن. يهتم برين اهتماماً خاصاً بالإغاثة في حالات الكوارث، ويقول إن السفن الجوية تلعب دوراً فريداً من نوعه في هذه الحالات أيضاً.

لا تحتاج السفن الجوية لأي مدرج أو بنية تحتية ضخمة لتوصيل الإمدادات إلى المناطق المتضررة. قال وستون، مشيراً إلى أنه قد يتعذر الوصول إلى الموانئ والمطارات والطرق: "عندما تصل إلى منطقة منكوبة، فأنت عادةً تصل والمكان يشوبه الدمار. هنا تلعب السفينة الجوية دوراً في المساعدة".

أحلام تعود للحياة

هذا الحديث مصدر سعادة بالغة لسكان أكرون. يبدو أن جميع من يحضرون فعاليات "إل تي إيه" يروون قصصاً عن مشاهدتهم لسفن "غوديير" الجوية أثناء تحليقها في طفولتهم، وكانوا يودون أن يحظى أطفالهم بالتجارب نفسها. قالت أندريا ديلينغ، التي ترعرعت في ولاية أوهايو وتعمل طياراً للسفن الجوية كما أنها الآن نائب الرئيس لعمليات الطيران في "إل تي إيه": "كلما سمعنا صوت سفينة جوية كنا نخرج ونلوح لها".

عيّنت الشركة بالفعل عدداً من الطيارين المخضرمين في التحليق بسفن "غوديير" الجوية من البلدة، كما أنشأت برامج لتوظيف الطلاب بجامعة أكرون. قال مايك باومغارتنر، وهو مهندس متقاعد عمل في مرحلة ما في "إيردوك" لصالح "غوديير إيروسبيس" (Goodyear Aerospace) ويعمل الآن مستشاراً لشركة "إل تي إيه": "رؤية تلك الأشياء التي يرجع تاريخها إلى 100 عام تعود للحياة أمر مثير جداً".

رغم ذلك، يتساءل بعض محبي السفن الجوية عمّا إذا كان برين سيلتزم بالاستثمار المطلوب ليستمر عمل الشركة. تقود كاثرين بورد منطاد "زبلين إن تي" في ألمانيا، كما أنها عضو منذ فترة طويلة في نادي النخبة الصغيرة من طيّاري السفن الجوية.

تشير بورد إلى أن السبب الوحيد لاستمرار رحلات "زبلين" هو أنها تحصل على دعم غير معتاد من مؤسسة الكونت زبلين وعوائد براءة الاختراع المرتبطة بعمله. قالت بورد: "كان ذلك هو أول مشروع للمناطيد يحصل على الوقت والمال المطلوبين لتحقيق إنجاز متميز. تحصل عديد من هذه المشروعات على بضعة ملايين أو حتى مليار دولار، لكنها تنفد بسرعة."

لا يكشف برين عن أي معلومات في الوقت الحالي، وما يزال أغلب موظفي الشركة يعملون بموجب ميثاق للولاء وعدم إفشاء الأسرار، ويشيرون إلى برين باسم "باي شور غلوبال" بدلاً من اسمه. عند سؤاله عن دور برين في العمليات اليومية، يقول وستون: "أود أن يكون تركيز المحادثة على مهمة الإغاثة الإنسانية وتصميم السفينة الجوية نفسه".

لكن هناك معلومة مهمة تنامت إلى علمنا أثناء إعداد هذا التقرير، وهي أن برين يود بشدة أن يكون على متن أول رحلة للسفينة الجوية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك