كريستوفر فيباخر ينوي توسيع نطاق تركيز الشركة إلى ما يتجاوز أمراض الدماغ الصعبة مثل الزهايمر وباركنسون

رئيس "بيوجين" يريد عقاقير ريادية لكن ليس على حساب الربحية

مقر شركة "بيوجين" في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
مقر شركة "بيوجين" في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تمثل أمراض ألزهايمر وباركنسون والتصلب الجانبي الضموري بعضاً من أصعب معضلات الطب والدواء. تسعى شركة "بيوجين" لأن تنتج عقاقير لكل من تلك الأمراض، وهو هدف طموح قد يحقق إنجازات طبية، لكنه حتى الآن لم يثمر سوى عن نجاحات تجارية محدودة.

هنا تكمن المشكلة التي يسعى لحلها كريستوفر فيباخر، رئيس "بيوجين" التنفيذي الجديد. استمر تركيز شركة التقنية الحيوية التي بدأت نشاطها منذ 45 عاماً بشكل كبير على بعض أكثر المجالات صعوبة في أدوية الأعصاب، رغم خفض عديد من كبرى شركات صناعة الأدوية نشاطها في تلك المجالات.

رغم أن ذلك قد يبعث الأمل في نفوس المرضى ممن هم في أشد الحاجة للحصول على علاج، فالأمر لم يكن مجزياً من الناحية المالية لـ"بيوجين" بعد. طرحت الشركة عقاقير لمرضيّ ألزهايمر والتصلب الجانبي الضموري في السوق، لكن لا يُرجح أن تحقق تلك الأدوية عائدات كبيرة للشركة في المدى القصير.

انكمشت مبيعات "بيوجين" سنوياً منذ 2019، إذ ازدادت حدة المنافسة التي تواجهها عقاقير مرض التصلب اللويحي المتعدد في مجموعة المنتجات الأساسية للشركة. ارتفعت أسهم الشركة 16% فقط على مدى السنوات الخمس الماضية، مقابل صعود 71% في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".

فشل تجاري

أول عقار لمرض ألزهايمر من إنتاج الشركة، وهو "أدوهيلم" (Aduhelm) الذي أُقر في الولايات المتحدة في 2021، فشل تجارياً بعدما رفضت شركة "ميديكير" (Medicare)، وهي كبرى شركات التأمين لمرضى ألزهايمر، إتاحة تغطية تأمينية له.

حصل عقار ثانٍ لألزهايمر، وهو "ليكيمبي" (Leqembi) الذي طوّرته "إيساي" شريكة "بيوجين"، على موافقة مستعجلة في الولايات المتحدة في يناير، وستحصل "بيوجين" على نصف أي أرباح يحققها العقار في الولايات المتحدة، رغم التوقعات ببطء ارتفاع المبيعات.

كما تواجه الشركة منافسة محتملة من عقار سجّل نتائج إيجابية في 3 مايو من إنتاج شركة "إيلي ليلي آند كو".

عيّنت الشركة فيباخر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "سانوفي" وله باع طويل في إبرام الصفقات، في نوفمبر للعثور على مصادر أخرى للنمو إلى أن تبدأ الشركة في تحقيق أرباح من مبيعات "ليكيمبي". كان فيباخر هو العقل المدبر وراء استحواذ "سانوفي" على شركة "جينزايم" (Genzyme) للتقنية الحيوية مقابل 20 مليار دولار في 2011.

أول المهام المطلوبة من فيباخر هي تحديد حجم الجهد الذي ينبغي أن تستثمره "بيوجين" في علم الأعصاب بدلاً من بذله في مجالات علاجية أرسخ، مثل علم المناعة أو الأمراض النادرة، إذ ترتفع أسعار العقاقير في تلك المجالات ويصبح الوصول بها للسوق أسهل.

مكافحة ألزهايمر

قال فيباخر في مقابلة إن تطوير عقاقير للجهاز العصبي المركزي "كان مجالاً مهملاً لسنوات عديدة... الوضع الحالي لا يلبي احتياجات كثيرة جداً. نحن نريد بشدة أن نواصل العمل على ذلك"، مشيراً إلى ألزهايمر باعتباره أحد الأمراض التي تعتزم الشركة مواصلة الاستثمار به. يضيف فيباخر أن في الوقت نفسه "علينا الصمود كشركة".

يوضح فيباخر، 63 عاماً، أنه لا يريد القضاء على روح "بيوجين" في التعامل مع أمراض تمثل تحدياً من خلال تجارب تنطوي على بعض المخاطر. قال: "نحن بحاجة لتحقيق إنجاز أو اثنين بوضوح، هذا في صميم (بيوجين). لكننا لا نريد مجموعة متكاملة من إنجازات فلكية".

تستهدف أغلب عقاقير الشركة التي تخضع للتجارب أمراض الدماغ المستعصية مثل ألزهايمر وباركينسون ومتلازمة إنجلمان. خلال خمس سنوات، يرغب فيباخر في خفض هذا الرقم إلى أقل من النصف من خلال التوسع في مجالات أخرى.

فيما قد تخفض التكاليف مجدداً كجزء من برنامج تهدف الشركة من خلاله لخفض النفقات بغرض النمو، يتطلع فيباخر أيضاً لإبرام صفقات. أشار فيباخر إلى أن الأمراض الوراثية وعلم المناعة وعلم النفس من المجالات التي قد تتوسع فيها "بيوجين"، وذلك عبر الدمج والاستحواذ.

قال فيباخر إن "بيوجين" قد تنفق ما يصل إلى 10 مليارات دولار على الدمج والاستحواذ، لكنها لن تبرم أي صفقات كبيرة قبل النصف الثاني من هذا العام على أقل تقدير.

ريادة فريدة

ابتكرت "بيوجين"، التي تأسست في 1978، أحد أول العقاقير لعلاج فيروس التهاب الكبد (C)، كما كان لها السبق في عدد من الأدوية لعلاج التصلب اللويحي المتعدد، التي حققت أرباحاً كبيرة لسنوات. عند دخول بهو الشركة بمقرها في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، تجد لافتة توضح لهم أنهم في مقر أقدم شركات التقنية الحيوية المستقلة في العالم.

تعرض في مكعبات زجاجية قوارير من عقاقير "بيوجين" التي حصلت على الموافقة لعلاج مرض التصلب اللويحي المتعدد وضمور العضلات الشوكي وغيرهما من الأمراض.

اليوم، يتراجع اسم "بيوجين" في مجال أدوية مرض التصلب اللويحي المتعدد مع ظهور عقاقير جديدة ومنافسة عامة. يُسمي فيباخر ما يحدث "جبل الجليد الذائب" لدى الشركة. ما تزال علاجات مرض التصلب اللويحي المتعدد تولِّد نصف عائدات "بيوجين"، لكن حصة الشركة تتضاءل سنوياً.

كما تتراجع تدريجياً مبيعات عقار لعلاج ضمور العضلات الشوكي في ضوء ظهور علاجات أحدث. قالت لورا تشيكو، وهي محللة في "ودبوش سيكيوريتيز" (Wedbush Securities): "سؤال المليون دولار الآن هو كيف تعود الشركة للنمو. الأشهر الـ12 المقبلة مهمة جداً لبدء تنفيذ الخطة وتحديد الاستراتيجية وتوضيح جوانبها".

اتخذ فيباخر خطوات تراكمية فقط حتى الآن. في أبريل، انسحبت الشركة من دراسات المراحل المتأخرة لأحد عقاقير السكتة الدماغية، كما أوقفت دراسات حول علاج آخر للسكتة الدماغية لفترة مؤقتة. عيّن فيباخر رئيساً جديداً لوحدة تطوير الشركات لاقتناص شراكات والقيام بعمليات استحواذ، كما أنه يعمل أيضاً على تعيين رئيس أبحاث جديد بحلول الصيف.

عقاقير طورتها "بيوجين"

قال كينيث كايتين، الأستاذ بكلية الطب في جامعة تافتس، إن أغلب العقاقير التي تعكف "بيوجين" على تطويرها، باستثناء عقارين لمرض الذئبة، ما تزال تركز على أمراض المخ والجهاز العصبي، وهو مجال تصل فيه 6% فقط من العقاقير التي تدخل مرحلة التجارب على البشر إلى السوق، وهذا نصف إجمالي معدل نجاح العقاقير.

يُعد عقار "بيوجين" الجديد لعلاج نوع نادر من مرض التصلب الجانبي الضموري من نفس أسلوب العلم الذي ينطوي على مخاطرة والذي انتهجته الشركة في السنوات الأخيرة. بعد اعتماده في الولايات المتحدة الشهر الماضي، يُعد عقار "كالسودي" (Qalsody) الأول من نوعه الذي يستهدف سبباً جينياً كامناً وراء الشلل العضال، وهو بروتين سام يسبب نحو 2% من حالات الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري.

يقول أخصائيو الجهاز العصبي إن الحصول على تلك الموافقة يمثل إنجازاً مهماً من الناحية العلمية. لكن من الناحية المالية، فهو ينطوي على زخم أقل بكثير.

نظراً لأن "كالسودي" يعالج نوعاً نادراً من المرض، فإن المحللين يتوقعون أنه سيحقق أرباحاً تبلغ 200 مليون دولار في ذروة المبيعات السنوية، أي أقل بكثير من مستوى المليار دولار أو أكثر الذي يتوق إليه المستثمرون. تجري الشركة تجارب على عقار لمرض التصلب الجانبي الضموري التي قد تنجح على نطاق أوسع، لكنه ما يزال في مرحلة التجارب الأولية على البشر.

قال بول ماتيس، المحلل في شركة "ستيفل"، إن "بيوجين" لا تحتاج لأن تتخلى عن رغبتها في علاج الأمراض ذات المخاطر والعالية والمجزية، لكن المستثمرين يودون أن تتحلى الشركة بقدر أكبر قليلاً من الحصافة في خطواتها. أضاف: "يرغبون برؤية المزيد من التوازن والمزيد من الانضباط".

نقاط مشرقة

إحدى النقاط المشرقة هي أنَّ عقاراً جديداً تطوره الشركة مع شريكتها "سيج ثيرابيوتيكس" (Sage Therapeutics) قيد مراجعة الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة. العقار الجديد مصمم لكي يظهر مفعوله خلال أيام بدلاً من الفترة التي تتطلبها كل العقاقير الحالية وتبلغ أسابيع. تشير تقديرات المحللين إلى أن هذا العقار قد يحقق مليار دولار سنوياً بحلول 2029.

لكن في نهاية المطاف، فإنَّ مستقبل "بيوجين" يعتمد بشدة على ما سيحدث مع عقار "ليكيمبي"، عقار علاج ألزهايمر الذي طوّرته شريكتها القديمة "إيساي". قال سالم سيد، المحلل في "ميزوهو" (Mizuho)، إن آفاق مبيعات العقار تمثل نحو ثلث قيمة "بيوجين" السوقية حالياً.

أنفقت شركتا "بيوجين" و"إيساي" مليارات على تجارب عقارات علاج ألزهايمر قبل أن تجدا أخيراً عقاراً يبطئ تقدم المرض بوضوح. رغم أن العقار حصل موافقة مستعجلة في الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام، فإن المبيعات عند أقل مستوى، وذلك لأن "ميديكير" لا تغطيه بعد. لكن ذلك الوضع قد يتغير في وقت قريب ربما يكون يوليو، إن حصل العقار على موافقة كاملة.

حتى إن حدث ذلك، ما يزال فيباخر يتوقع نمو سوق عقاقير ألزهايمر تدريجياً فيما يتبنى النظام الطبي العلاجات المتاحة، التي يجب تلقيها حقناً في منشأة طبية، فيما تطوِّر شركات الأدوية عقاقير من الجيل الثاني تتسم بمزيد من الفعالية وسهولة الاستعمال. يؤكد فيباخر أن "بيوجين" ملتزمة بمواصلة العمل على مكافحة مرض ألزهايمر على المدى الطويل، وأن ما عليه هو إقناع المستثمرين بأن يصبروا.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك