مع سهولة الحصول على معدلات فائدة أعلى في أماكن أخرى، تواجه الشركة تراجعاً في الودائع لديها

ضخامة الوحدة المصرفية لدى "تشارلز شواب" تجلب المتاعب

تشارلز شواب في 1981  - المصدر: بلومبرغ
تشارلز شواب في 1981 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يعتبر بوب تومسون تقاعده هانئاً، إذ يعيش في مدينة إنديانابوليس الأميركية مع كلبته ستيلا، وهي من فصيلة ويلش تيرير، ويغطي نفقاته من مدخرات 4 عقود قضاها يعمل محاسباً. استودع تومسون تلك المدخرات لدى "تشارلز شواب"، شركة الاستشارات والتخطيط المالي التي يعتمد جانب كبير من نشاطها على أحد أميز أعمدة النظام المالي الأميركي. قال تومسون: "كان لديّ انطباع رائع عن (شواب)".

أما اليوم فتدور تساؤلات في ذهن تومسون. لقد تأثرت "تشارلز شواب" بالأزمة التي اجتاحت المصارف في الولايات المتحدة منذ انهيار "سيليكون فالي بنك"، إذ فقدت أسهم الشركة ثلث قيمتها في مارس، في أسوأ تراجع شهري منذ 1987.

في ضوء الأخبار عن متاعب الشركة التي يقع مقرها في ويستليك بولاية تكساس، تساءل تومسون إذا ما كان ينبغي له أن يقلق، وقال: "كان تكرار سماع ذلك الاسم باطّراد مخيفاً".

مصرف أم إدارة ثروات؟

فوجئ عديد من الناس بفكرة أن "تشارلز شواب" جزء من أزمة المصارف أصلاً. إن سألت عن طبيعة نشاط "تشارلز شواب"، فإنك حتماً ستسمع أجوبة مثل أنها شركة وساطة، أو إدارة ثروات، أو شركة صناديق استثمار. لكنّ في قلب أنشطة الشركة مصرفاً هو أحد أكبر مصارف الولايات المتحدة، وتفوق ودائعه 300 مليار دولار.

يُعَدّ البنك مركزاً للأموال غير المستثمَرة في السوق، كما أنه يوفر خدمة الشيكات وبطاقات الصراف الآلي، بما يجعل الشركة مركز خدمات مالية شاملاً لعملائها، البالغ عددهم 34 مليون عميل أغلبهم من الأثرياء.

استنتج تومسون في نهاية المطاف أنه لا شيء يدفعه إلى القلق؛ الأوراق المالية التي تحتفظ بها "تشارلز شواب"، كالأسهم والسندات، وصناديق الاستثمار، وأسهم أسواق المال وغير ذلك، منفصلة قانوناً عن الشركة وبمعزل عمَّا يحدث في البنك.

كما أن الحسابات البنكية تحت حماية المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بما يصل إلى 250 ألف دولار لكل مُودِع في كل بنك ولكل نوع من أنواع الحسابات (على سبيل المثال، يحصل الأزواج ممن لديهم حسابات منفصلة ومشتركة على تغطية أكبر). تقول "تشارلز شواب" إن 86% من حساباتها دون الحدود المؤمَّن عليها.

ملاذ آمن

يحبذ مسؤولو الشركة التنفيذيون أن يصفوها لعملائهم بأنها "ملاذ آمن خلال الأزمات"، لكن الشركة بدأت تواجه مصاعب جمّة بسبب وحدتها المصرفية. شهدت تلك الوحدة، حالها حال غيرها من المصارف، تراجع قيمة أصولها مع ارتفاع أسعار الفائدة، إذ بلغ حجم الخسائر غير المحققة للشركة في ميزانيتها العمومية بنهاية العام الماضي نحو 28 مليار دولار. في الوقت نفسه نقل المودعون أموالهم سعياً وراء عوائد أعلى.

لكن "تشارلز شواب" ليست مثل "سيليكون فالي بنك"، إذ إن عملاءها لا يتركّزون في قطاع شركات التقنية الناشئة غير المستقرّ، كما أن نسبة أكبر بكثير من الودائع لديها مضمونة، لذا فهي ليست عرضة بنفس القدر للتهافت على سحب الإيداعات.

عملاقة الوساطة الأميركية "شواب" تسجل أسوأ أداء شهري منذ 36 عاماً

لكن ما تواجهه "تشارلز شواب" بدلاً من ذلك هو مشكلة تتطور بوتيرة أبطأ لا حلول سهلة لها. رغم أن البنك كان جزءاً رئيسياً من نجاح الشركة فيما مضى، فهو قد يثقل كاهلها الآن.

لو كانت تلك الشركة متجراً، فستكون شبيهةً بمتجر "وول مارت"، لأنه ينتشر في كل مكان كما يقدّم خيارات عديدة. أترغب بالاستثمار في سهم "أبل"؟ استخدم حساب وساطة تقدّمه "تشارلز شواب". هل تحتاج إلى مساعدة لتدّخر من أجل دراستك الجامعية؟ تحدث إلى أحد مستشاري "تشارلز شواب" في أي من الفروع التي يفوق عددها 400 فرع. أتبحث عن استثمار رخيص في مؤشر ما؟ بإمكانك شراء وثائق صندوق متداول تابع لـ"تشارلز شواب"، ولو كانت شركة الوساطة التي تتعامل معها هي "فيديليتي" (Fidelity) أو غيرها.

يمكنك أيضاً شراء حصص من صناديق شركات أخرى عبر موقع "تشارلز شواب" الإلكتروني، مثلها مثل سلاسل المتاجر العملاقة، تدين "تشارلز شواب" بنجاحها لمبدأ واحد رئيسي، هو انخفاض التكاليف.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

بدايات "تشارلز شواب"

أسس تشارلز شواب شركته التي تحمل اسمه في سبعينيات القرن الماضي، وأحرج بها شركات الوساطة في وول ستريت. لقد استفاد شواب من تخفيف القيود على عمولات السمسرة وقدّم خصماً ضخماً على تكاليف التداول مقارنةً بما كانت الشركات المنافسة تطلبه، كما سعى لجذب المستثمرين الذين أرادوا اختيار الأسهم بأنفسهم بدل تلقّي المشورة من مندوبي مبيعات.

ازدهر نشاط الشركة فيما كانت حسابات التقاعد الفردية وانتعاش أسواق الأسهم لفترة ممتدة تجذب مزيداً من الأميركيين نحو الاستثمار، لأنها اكتشفت أنه حتى من لديهم مال وفير لا يحبون أن يشعروا أنهم يدفعون أكثر مما يجب.

حين بدأت "تشارلز شواب" تنحرف قليلاً عن هذه المبادئ خلال أزمة انهيار شركات التقنية في مطلع الألفية برفع أسعارها إلى أعلى مما تتقاضاه منافساتها، مثل "إي-تريد" (ETrade) و"أمريتريد" (Ameritrade)، تَدخَّل المؤسس شخصياً وحلّ محلّ رئيسها التنفيذي آنذاك دايفيد بوترك.

انخرط شواب في خفض التكاليف وأطلقت الشركة حملة إعلانية شعبية كان شعارها "تَحدَّث إلى تشك"، وهو اسم تودُّد لمن يحملون اسم تشارلز. افتتحت الشركة وحدتها المصرفية في 2003.

لقد تراجعت عمولات الشركات في أرجاء القطاع بعدما أصبح نموذج الوساطة بعمولات منخفضة هو الوسيلة التي استخدمتها الأغلبية لشراء الأسهم. سارت "تشارلز شواب" في 2019 على نهج تطبيقات التداول التي حققت نجاحاً لدى ظهورها، مثل "روبن هود" (Robinhood)، فألغت عمولتها. في بعض النواحي يمثل السعي بلا هوادة لخفض الأسعار أصل المتاعب الحالية التي تواجهها الشركة.

تعاملات بلا مقابل

إن سبق أن تساءلتم عن كيفية تحقيق الشركة أرباحاً عبر تقديم صفقات بلا مقابل، فإن جانباً كبيراً من الإجابة سيكون وحدتها المصرفية. تحصل "تشارلز شواب" على جانب كبير من إيراداتها من حسابات التحويل، أي عبر تحويل مبالغ من حسابات وساطة بها أموال غير مستثمَرة إلى حسابات مصرفية خارج ساعات العمل المصرفي. تُعيد "تشارلز شواب" استثمار هذه السيولة، وتحقّق أرباحاً من الهامش بين سعر الفائدة الذي تدفعه للعميل ودخلها من الفوائد.

أزمة المصارف تظهر تصدعات في إمبراطورية "شواب" الأميركية

بعد أن بدأت الشركة تعرض تعاملات بلا مقابل، استحوذت "تشارلز شواب" على "تي دي أمريتريد". ثم جاءت الجائحة فسجلت معاملات الأفراد نموّاً كبيراً. وصلت أحجام التداول في "تشارلز شواب" إلى مستويات قياسية، فارتفعت العوائد واحتاجت الشركة إلى استثمارها.

ضخّت الشركة أموالاً في السندات الحكومية والأوراق المالية بضمان الرهن العقاري التي تضمنها وكالات أميركية، لكن حين أطلق مجلس الاحتياطي الفيدرالي في 2022 حملة قوية لكبح التضخم، ارتفعت أسعار الفائدة بشدة. تنخفض قيمة السندات حين ترتفع أسعار الفائدة، لذا تأثرت محفظة "تشارلز شواب" رغم ارتفاع تصنيفها الائتماني.

في تلك الأثناء بدأ المودعون في البنك يتخذون قرارات الاستثمار بأنفسهم، فهم من ذاك النوع من العملاء. قال جيم إينجل أستاذ المالية بجامعة جورج تاون: "تجذب (تشارلز شواب) عادةً المستثمر الذي يدير أمواله بنفسه: شخصاً على قدر من الثقة والحنكة بحيث يستطيع اتخاذ قراراته الاستثمارية بنفسه".

تدفع الشركة الآن لعملائها 0.45% على أدوات الودائع النقدية، لكن يسهل تحقيق 10 أضعاف هذا المبلغ عبر صناديق أسواق النقد أو شهادات الإيداع.

لأن "تشارلز شواب" أشبه بمركز تسوق، بإمكانك إجراء ذلك التحويل عبر موقع الشركة الإلكتروني مباشرة. بلغة وول ستريت، حين يبحث العملاء عن عائد أفضل لأموالهم غير المستثمَرة، يُسمَّى ذلك "فرز السيولة النقدية"، لكنه أيضاً أمر منطقي، وهو تَصرُّف معتاد من عملاء "شواب" الحذرين. تقول الشركة في الواقع إنها تشجّع عمليات إعادة تخصيص الأموال تلك.

وضع غير مستدام

تراجعت الودائع البنكية في "تشارلز شواب" 41 مليار دولار إلى 325.7 مليار دولار، في الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، بانخفاض 11%. على مدى العام الماضي تراجعت الودائع 30%.

تعزّز الشركة وضعها عبر الاقتراض بأسعار فائدة أعلى، ما جعلها أكبر مقترض من "فيدرال هوم لون بنك أوف دالاس" (Federal Home Loan Bank of Dallas)، فقد كان إجماليّ ما اقترضته الشركة من "فيدرال هوم لون بنك" 45.6 مليار دولار بنهاية مارس، بارتفاع من 12.4 مليار دولار في نهاية العام.

"تشارلز شواب كورب": ودائع العملاء تراجعت 30% في الربع الأول

لم تكُن "تشارلز شواب" اقترضت على الإطلاق من منظومة "فيدرال هوم لون بنك" حتى نهاية 2021، وتشعر مؤسسات وول ستريت بالقلق من أن هذا الوضع غير مستدام. قال مسؤولون تنفيذيون في "تشارلز شواب" إن ذلك الاقتراض مؤقَّت.

لكن لا تزال "تشارلز شواب" تحقق الأرباح، فقد أعلنت أخيراً ارتفاع أرباحها المعدلة 12% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. لكن قال مسؤولون تنفيذيون إن حركة أموال العملاء تُظهر علامات انحسار، فقد أبلغ مسؤولون تنفيذيون لدى الشركة منهم رئيسها التنفيذي والت بتينغر المستثمرين في مكالمة بعد أحدث إعلان للأرباح، أن العملاء يميلون إلى نقل الأموال خارج الحسابات القابلة للتحويل بكميات كبيرة دفعة واحدة.

أضافوا أن الأصول عادةً ما تبقى ضمن نظام الشركة البيئي، حتى حين يسحب العملاء الودائع. رغم ذلك تحقّق الشركة أرباحاً من الحسابات القابلة للتحويل أكثر من تلك التي تحقّقها من الرسوم على صناديق أسواق المال.

هل تبيع دَيناً قبل أجله؟

هذه ليست المرة الأولى التي أحرج الشركةَ فيها تسليطُ الأضواء على تعاملها مع أموال العملاء. دفعت "تشارلز شواب" العام الماضي 187 مليون دولار لجهات تنظيمية لتسوية مزاعم بأن خدمتها الروبوتية للاستشارات، التي تقدّمها عبر الإنترنت بلا مقابل، سبّبَت خسائر لعائدات عملاء عبر تخصيص أموال كسيولة بأكثر مما يجب. لم تُقِرّ "تشارلز شواب" بالاتهامات الموجهة إليها، ولم تنفِها.

الرئيس التنفيذي لـ"شواب": الوساطة المالية بالمستقبل ستكون أشبه بـ"أوبر"

قالت قيادات الشركة إنه يوجد احتمال "يكاد يكون معدوماً" بأن تُضطرّ إلى بيع أيّ من أدوات الدَّين التي تحوزها وقيمتها مئات مليارات الدولارات قبل استحقاقها. أضافت كما أن لدى "تشارلز شواب" عديداً من التدفقات المالية الداخلة لتعزيز السيولة، وتشير إلى وجود مصادر تمويل أخرى حجمها 300 مليار دولار، بما فيها خط ائتمان الشركة من "فيدرال هوم لون بنك" والدعم الطارئ الذي قدّمه الاحتياطي الفيدرالي لجميع البنوك منذ انهيار "سيليكون فالي بنك".

تشمل مصادر التمويل الأخرى شهادات الإيداع. بيعت شهادات إيداع من "تشارلز شواب" قيمتها نحو 19 مليار دولار عبر شركات وساطة منافسة، وهو ما اعتُبر تدفقات داخلة دعمت أصول الشركة في مجال خدمات المستثمرين في الربع الأول.

الآفاق المستقبلية

إلى أين تتّجه "تشارلز شواب" من هذا الحال؟ أشار أحد المحللين الذين يفكرون في هذا السؤال إلى احتمال أن تتخلص الشركة من الوحدة المصرفية برُمّتها كملاذ أخير. رفض بتينغر تلك الفكرة خلال مقابلة مع "سي إن بي سي" (CNBC) قائلاً: "لن نفكر بهذا على المدى القصير".

لكن سيواجه بنك "تشارلز شواب" على الأرجح مشهداً جديداً من حيث القواعد التنظيمية. لقد زاد انهيار مصرفَي "سيليكون فالي بنك" و"سيغنتشر بنك" متتاليين التدقيق الذي تواجهه بنوك لم تكن تُعتبر مؤسَّسات كبيرة إلى حدّ يمنعها من الفشل. قال كايل فويت، المحلل في شركة "كيف بروييت آند وودز" (Keefe Bruyette & Woods): "نتوقع احتمالاً كبيراً بحدوث تغيرات تنظيمية".

أعرب إنجيل، الأستاذ بجامعة جورج تاون، عن اعتقاده أن المستثمرين في أسهم "تشارلز شواب" سيُعيدون على الأرجح تقييم آفاق الشركة. لكن ماذا عن عملائها؟ إنجيل أحد عملاء الشركة، ولن يُخرِج أمواله منها.

يوضّح إنجيل أنه يشعر بالثقة بسبب علمه بأن المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع تضمن ودائعه. قال: "دعني أتحدث بصفتي عميلاً لدى (شواب) منذ 1983: أنا لا أكترث على الإطلاق" حيال هذه المتاعب التي تواجهها الشركة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك