بعدما استقطبت تكساس شركات عملاقة من أمثال "تسلا" و"أوراكل" بفضل ما تقدّمه من ضرائب منخفضة وقيود ناظمة مخففة وعقارات زهيدة التكلفة، باتت هذه العوامل الثلاثة نفسها تجذب صناعة ارتبطت تاريخياً بولاية كاليفورنيا التقدمية، هي الطاقة الشمسية.
لقد ارتفع إنتاج الطاقة الشمسية في ولاية تكساس النفطية في غضون ثلاث سنوات فقط بما يعادل 12 مفاعلاً نووياً، لتكاد تتخطى كاليفورنيا كأكبر منتج للكهرباء من المزارع الشمسية، فيما تحتل أصلاً المرتبة الأولى على صعيد طاقة الرياح، ما يجعلها السوق الأكبر للطاقة النظيفة في الولايات المتحدة.
يُعزى هذا الإنجاز العظيم بالنسبة لولاية يكاد اسمها يكون مرادفاً للوقود الأحفوري، إلى الفلسفة التي تمسّك بها الجمهوريون في تكساس حتى وقت ليس ببعيد، والتي تقوم على عدم تدخل الحكومة في قطاع الأعمال.
توفّر تكساس تسهيلات في الاستحصال على التراخيص لإقامة مشاريع الطاقة الشمسية وربطها بالشبكة الكهربائية، بعيداً عن أي تعقيدات. كما تضم يداً عاملة رخيصة وخبرات محلية في مجال الطاقة، إلى جانب وفرة أشعة الشمس وإباحة كثير من الأمور.
قال دوغ لوين الذي سبق أن عمل على مشاريع تتعلق بسياسات الطاقة في تكساس ويعمل حالياً مستشاراً لصالح شركات الكهرباء: "لا داعي للحصول على أذونات هنا... من الأسهل إنجاز الأمور في تكساس".
تكساس رائدة مستقبلية للطاقة الشمسية مع ازدهار الطلب
معارضة الجمهوريين
إلا أن مطوّري مشاريع الطاقة الشمسية قد يضطرون لمواجهة انتهاء العصر الذهبي لهذا التساهل قريباً، حيث تسعى إدارات الولاية إلى جانب المجلس التشريعي الذي يهيمن عليه الجمهوريون ليحدّوا من سرعة تحوّل الشبكة الكهربائية نحو الطاقة الخضراء.
إذ يشكك المسؤولون الجمهوريون في إمكانية الاعتماد على الطاقة المتجددة المتقلبة بقدر الاعتماد على الكهرباء المنتجة من الوقود الأحفوري، وقد تقدّموا لهذه الغاية بمشاريع قوانين تهدف إلى تعزيز استخدام الغاز الطبيعي.
يقول المرتابون من الطاقة الخضراء إنهم يسعون لتجنب تكرار الفشل الكارثي للشبكة الكهربائية الذي حصل في 2021 وخلّف مئات القتلى، والذي نسبوه للاعتماد على الطاقة المتجددة، رغم أن المحللين وجدوا أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق معامل الكهرباء العاملة على الوقود الأحفوري.
تأتي هذه المعركة في إطار حملة سياسية أوسع يقودها الزعماء الجمهوريون في الولاية، حيث يسعى حاكم تكساس غريغ أبوت لأن يتصدى للشركات التي يقول إنها تمنح الأولوية لأهداف يتبناها الحزب الديمقراطي مثل مكافحة التغير المناخي، على حساب مصالح أصحاب الأسهم، وذلك في سياق معارضة الحزب الجمهوري للاستثمارات المسؤولة بيئياً واجتماعياً وحوكمياً التي تحتكم في قراراتها المتعلقة بتوزيع رأس المال إلى هذه المعايير الثلاثة.
ماسك: العالم يحتاج إلى 10 تريليونات دولار للتحول الكامل إلى الطاقة النظيفة
قال باري رابي، الأستاذ في جامعة ميشيغان الذي يركز على السياسة البيئية "من شأن ذلك أن يعرقل بالفعل توسع الموارد المتجددة في الولاية"، معتبراً أن ما يجري هو جزء من موجة أوسع مناهضة للطاقة النظيفة تجتاح ولايات أخرى منتجة للوقود الأحفوري مثل أوهايو وفيرجينيا الغربية.
تضييق على الطاقة النظيفة
تقدّم الجمهوريون في تكساس بمجموعة من مشاريع القوانين المعدّة لتوسيع استخدام الطاقة الكهربائية المُنتجة من الغاز، لعلّ أبرزها مشروع قانون يدعو لإنفاق أموال دافعي الضرائب على بناء معامل للغاز.
حسب إحدى شركات الكهرباء العاملة في تكساس، قد تصل تكلفة الخطة التي حظيت بتأييد مجلس الشيوخ في وقت سابق هذا الشهر، وتدعمها شركة وارن بافيت "بيركشير هاثاوي" إلى 18 مليار دولار، وهي تخضع للدراسة حالياً في مجلس النواب.
كما تقدّم المشرّعون الجمهوريون باقتراح قانون آخر ينص على دفع الأموال لمشغلي المولّدات، بالأخص المولدات العاملة على الغاز الطبيعي حتى تعمل في الأوقات الحرجة من العام. كما سعوا لتشديد القيود على إصدار التراخيص لمشاريع الطاقة المتجددة، وتعهدوا بمنع المشاريع الخضراء من الاستفادة من برنامج قيد الدرس يمنح إعانات للشركات مقابل خلقها فرص عمل.
تشير توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن تكساس ستحصل على نحو 40% من حاجتها من الكهرباء هذا العام من مصادر خضراء، وفيما هذه النسبة أقل من تلك المسجلة في كاليفورنيا وهي 52%، فذلك يُعزى إلى كون تكساس سوقاً أوسع، فهي في الواقع تنتج كمية طاقة متجددة (باستثناء المائية) أكبر من أي ولاية أخرى منذ 2014 بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة.
اللافت أن الولاية نجحت بتحويل الشبكة نحو الطاقة الخضراء بدون تدخل حكومي يلزم المرافق بشراء الطاقة المتجددة، على عكس المسار الذي كانت قد سلكته كاليفورنيا. قفز إنتاج الطاقة في الولاية وسعتها التخزينية بنحو 44 ألف ميغاواط على مرّ العقد الماضي، حسب شركة تشغيل الشبكة المحلية.
بالمقابل، لم يرتفع توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري، بالأخص الغاز، إلا بواقع 944 ميغاواط، بعد أخذ خروج المعامل القديمة من الخدمة في عين الاعتبار.
إيرادات ضخمة
يرجح الباحثون في "بلومبرغ أن إي أف" أن يصل حجم إنتاج الطاقة الشمسية في تكساس إلى نحو 16 ألف ميغاواط خلال السنوات الثلاث المقبلة، حسب التقديرات المستندة إلى المشاريع قيد الإنشاء التي سبق وحصلت على التمويل.
إلى ذلك، يُتوقع أن تصبح ولاية تكساس المستفيد الأكبر من قانون المناخ التاريخي، الذي أصدرته الولايات المتحدة العام الماضي بهدف جذب استثمارات بنحو 66.5 مليار دولار لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الضخمة ومشاريع تخزين الطاقة بحلول نهاية العقد، حسب توقعات البيت الأبيض.
يأتي ذلك لمصلحة الإيرادات الضريبية التي تتلقاها الحكومة المحلية في تكساس ومالكي العقارات الراغبين بتأجير أراضيهم، إذ يُتوقع أن تجمع مقاطعات تكساس ضرائب على الإيرادات تصل قيمتها إلى نحو 16 مليار دولار من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومشاريع التخزين الحالية والمخطط لها، على امتداد فترة عمل هذه المشاريع، بحسب تحليل أجراه الباحث في جامعة تكساس في أوستن جوشوا رودز. كما يتوقع رودز أن تصل أرباح أصحاب العقارات في الولاية حيث 93% من الأراضي هي ذات ملكية خاصة إلى نحو 22 مليار دولار، واصفاً بعض مشاريع القوانين المقدمة في تكساس الساعية لعرقلة الطاقة المتجددة بأنها "قصيرة نظر".
نعمة للمدارس المحلية
ستتدفق بعض هذه الأموال إلى شمال شرق تكساس، حيث تشيّد شركة "إنفينيرجي" (Invenergy) واحدة من أكبر المزارع الشمسية في الولايات المتحدة. وسيكون المشروع الممتد على مساحة 72 كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة أكبر من مانهاتن، قادراً على تزويد أكثر من ربع مليون منزل بالكهرباء.
في مقاطعة فولز التي يسكنها 17 ألف نسمة وتقع على بعد 160 كيلومتراً شمال شرق مدينة أوستن، أغدقت المزارع الشمسية بنعمها على المدارس المحلية لما تسهم به من ضرائب عقارية، حسب جيمس روزيبروك، المشرف على مقاطعة روزبود- لوت المدرسية المستقلة.
قال روزيبروك إن إيرادات مشاريع الطاقة الشمسية في العام الماضي مكّنت المقاطعة من تجنب تقليص الوظائف وزيادة الرواتب وجذب معلمين جدد، رغم أن مقاطعته المدرسية كانت تدفع الرواتب الأقل في المنطقة سابقاً. يُتوقع أن ترتفع الإيرادات بنسبة 50% هذا العام لتصل إلى 180 ألف دولار ما إن يبدأ العمل بمشاريع المزارع الشمسية الجديدة.
قال: "بالنسبة لنا، يتعلق الأمر بقدرتنا على مكافأة طاقمنا مالياً والتخطيط لزيادة الأجور مستقبلاً وضمان استقرارنا المالي على مدى 15 إلى 20 سنة مقبلة... لا شيء هنا إلا حقول الذرة والمراعي، فلا توجد كثير من المؤسسات لفرض ضرائب عليها".