حين كانت قوات روسيا تصطف لغزو أوكرانيا في أوائل العام الماضي، هوجمت أنظمة الكمبيوتر التي تستخدمها مولدوفا المجاورة لإدارة عملياتها الأمنية على طول حدودها البالغ طولها 1220 كيلومتراً مع أوكرانيا.
هذا الهجوم الذي لم يسبق لمولدوفا التعرض له من قبل وكان من الممكن أن يعطل قدرتها على التعامل مع تدفق اللاجئين الأوكرانيين والحبوب، تلته سلسلة اختراقات مشابهة.
مع تقدم وتيرة الحرب، نشرت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية لروسيا مزاعم كاذبة تهدف إلى تشويه سمعة الحكومة المولدوفية، وقصف المتصيدون السلطات المولدوفية بآلاف التهديدات المفبركة.
في أغسطس، اخترق قراصنة خوادم البريد الإلكتروني التي يستخدمها مكتب رئيس مولدوفا؛ وفي نوفمبر، نشر متسللون أيضاً آلاف الرسائل الخاصة التي زعموا أنها سُرِقت من آنا ريفينكو، وزيرة الشؤون الداخلية في مولدوفا، وسيرجيو ليتفينينكو، الذي كان يشغل منصب وزير العدل آنذاك.
يقول المسؤولون في مولدوفا إن حملة الهجمات الإلكترونية والمعلومات المضللة تواصلت مع استمرار الحرب، ويصفونها بأنها محاولة متعمدة لتقويض، أو حتى عزل، حكومة صديقة للغرب في بلد متاخم لمنطقة الحرب.
يمكن أن تؤدي الحرب الإلكترونية هذه، جنباً إلى جنب مع الضرر الاقتصادي الناجم عن الحرب، إلى زعزعة الاستقرار بشكل كبير. تقول ريفينكو: "يريدون إرهاب الشعب لإثارة شعور دائم بالذعر والخوف. هذا اختبار لم نمرّ به منذ استقلالنا".
لم ترد وزارة الخارجية الروسية على طلب للتعليق على الأمر.
دعم أميركي
مُنيت مجموعات المتسللين الروس بفشل غير متوقع في أوكرانيا نفسها، فيما توقع عدد من الخبراء أن يستخدم نظام بوتين الهجمات الإلكترونية لزعزعة استقرار الحكومة أو لتدمير المرافق.
يعزو الخبراء قدرة أوكرانيا على الدفاع عن أنظمة الكمبيوتر الخاصة بها جزئياً إلى الدعم الذي تلقته من شركات التقنية الأميركية، بما فيها "غوغل" و"مايكروسوفت".
في مولدوفا، يبدو أن روسيا ومجموعات القرصنة التابعة لها تعمل بلا رحمة على اختراق دفاعات البلاد الضعيفة نسبياً. قال غوستاف غريسيل، زميل السياسة البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لم تعد روسيا مهتمة حتى بإخفاء الهجمات. فهم يهاجمون بوحشية بأي طريقة ممكنة. أمن مولدوفا ليس قوياً بشكل خاص، لذا فهي تعاني من هذا الوضع".
سبق أن كانت مولدوفا عضواً في الاتحاد السوفيتي وقد استقلت عنه منذ 1991. الدولة التي يسكنها 2.6 مليون نسمة هي إحدى أفقر دول أوروبا، حيث تأثرت بشدة بالغزو الروسي. تقول الأمم المتحدة إن نحو 800 ألف أوكراني لجأوا إلى البلاد منذ بدء الحرب. أعادت أوكرانيا توجيه حوالي 60% من صادراتها من الحبوب عبر أراضي مولدوفا بسبب إغلاق طرق الشحن في البحر الأسود، وفقاً لحكومة مولدوفا. إضافة لإدارة حدودها الممتدة مع أوكرانيا، تتعامل البلاد مع منطقة يسيطر عليها الانفصاليون الروس، تسمى ترانسنيستريا.
قالت ريفينكو إن الهجوم الإلكتروني على أدوات إدارة الحدود كان من الممكن أن يعطل إدارة اللاجئين وأمن الحدود وتدفق الحبوب، لكنه أُحبط قبل أن يتسبب بأضرار كبيرة، وقد رفضت الإدلاء بتفاصيل أكثر تحديداً.
بيّن متحدث باسم وكالة تقنية المعلومات والأمن السيبراني في مولدوفا المعروفة اختصاراً باسم "ستيسك" (Stisc)، أن أكثر الهجمات التي تواجهها بلاده شيوعاً هي محاولات حجب الخدمة التي تستهدف إغراق مواقع الويب الحكومية في مولدوفا بما يفوق طاقتها من المستخدمين ودفعها لتقطع اتصالها بالإنترنت.
كانت هناك أيضاً حملة مستمرة بواسطة رسائل التصيد الاحتيالي الإلكترونية التي تستهدف الحسابات الحكومية، إذ تلقت أكثر من 1300 رسالة من هذا النوع في أوائل 2023.
قال سيرجيو تيو، مدير أمن المعلومات، إن شركة "مولدتيليكوم" (Moldtelecom) التي تملكها الدولة، وهي أكبر شركة اتصالات في مولدوفا، "تتعرض باستمرار للهجمات الإلكترونية". وقد تباينت درجة تعقيدها بين هجمات حجب الخدمة إلى هجمات "متقدمة مستمرة" عادة ما ترتبط بمخترقين حكوميين.
شهدت الشركة تسعة حوادث على الأقل بين فبراير ونوفمبر من العام الماضي، وقد وصفها فريقها الأمني بأنها "رئيسية" أو "حرجة"، وفقاً لوثيقة اطلعت عليها "بلومبرغ بيزنس ويك". قال تيو إن الشركة لم ترصد أي تسرّب للبيانات نتيجة لتلك الهجمات.
تقويض الحكومة
كانت الحكومة الأوكرانية قد قالت إنها تمتلك أدلة موثّقة على وجود خطة روسية للإطاحة بالحكومة المولدوفية، فيما حذر منسق الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي في بيان في مارس من أن روسيا تحاول إضعافها.
بعد يومين من البيان، قالت السلطات المولدوفية إنها عطلت جماعات مدعومة من روسيا زعمت أنها تلقت وعوداً بمدفوعات قيمتها 10 آلاف دولار للتسبب باضطرابات خلال الاحتجاجات في تشيسيناو، عاصمة مولدوفا. اعتقلت الشرطة عشرات الأشخاص وصادرت مبلغاً قدره ملايين من اليورو، وفقاً لريفنكو.
أقامت أوكرانيا دفاعات ضد الهجمات الإلكترونية رداً على سنوات من القرصنة الروسية، بينما بقيت مولدوفا أقل جاهزية بكثير، ما يجعلها أكثر عرضة للتهديدات الخارجية، ولديها أربعة أشخاص فقط مكلفون بالدفاع الإلكتروني يعملون داخل "ستيسك"، وفقاً لمتحدث باسم الوكالة. هناك فرق صغيرة منفصلة من الخبراء السيبرانيين يعملون داخل جهاز الاستخبارات والجيش في مولدوفا.
قالت ناتاليا سبينو، التي ترأست فريق "ستيسك" للدفاع الإلكتروني حتى مايو من العام الماضي، إن البلاد بحاجة إلى وكالة أقوى تُعنى بالاستجابة للطوارئ الإلكترونية. أضافت: "لا توجد وكالة مسؤولة بعينها. تجري وراء الكواليس أمور مؤذية، ولا أحد يدري بذلك". وصفت الهجمات التي كشفت عنها الحكومة المولدوفية بأنها "قطرة في محيط".
تلقت الدولة بعدما اندلعت الحرب دعماً للأمن السيبراني من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وحزم تمويل من كلٍ من المفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة بهدف المساعدة في تعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني لديها.
كما أعدّت قانوناً لإنشاء وكالة كالتي تدعو سبينو لإنشائها، لكن الوضع يتطلب العجلة. تقول سبينو: "ليس لدينا متسع من الوقت للتفكير".