كانت أول مرة يُفترض فيها أن تنتهي مسيرة دونالد ترمب في اليوم الذي باشر فيه حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2016. يومها، بعدما ترجّل المرشح الجديد من مصعد ذهبي في "برج ترمب" (Trump Tower)، شنّ هجوماً ضد المهاجرين المكسيكيين، قائلاً: "إنهم يجلبون المخدرات. هم مسؤولون عن الجريمة، ومغتصبون".
خشيت النخبة السياسية نتائج هذا المشهد العنصري، ووصفت ترمب بأنه شخصية مثيرة للانقسام، بل انتظرت أن ينحسر الدعم المقدّم إليه، لكنه ازداد.
استغرق الأمر وقتاً أطول حتى يستقر في وجدان الساسة والصحفيين أن ترمب، من خلال بعض الكيمياء الغريبة لتأثير شخصيته، ببساطة لا يخضع لقوانين الجاذبية السياسية نفسها التي تنطبق على السياسيين الآخرين، وأنه سرعان ما تزول عنه أي شائنة.
الفضائح التي سرعان ما تُنهي مسيرة أي شخصية أخرى لم تُفشِل مسيرته، وعدد تلك اللحظات كان مذهلاً. كان الخبراء قد أعلنوا أن أمره انتهى حين طُعن في بطولة جون ماكين في وقت الحرب، لكن لم ينتهِ. وفي مناسبة أخرى، طالبه الناس بالاعتذار عن هجوم شنّه بحق أسرة مسلمة لجندي أميركي لقي حتفه، لكنه لم يعتذر. تخلّى عنه الجمهوريون عندما تسرب التسجيل، متوقعين أنه سيضطر إلى الانسحاب، لكنه ظل في السباق إلى أن فاز.
يشبه ترمب نجم سلسلة أفلام رعب في الثمانينيات، فهو مثل فريدي كروغر من فيلم "كابوس شارع إلم" (A Nightmare on Elm Street) أو مايكل مايرز من فيلم "هالوين" (Halloween). هو تلك الشخصية التي يتعذر التخلص منها. هناك دائماً فيلم آخر قيد الإعداد تنتظره جماهير المعجبين بفارغ الصبر. إذا أخضعته للتحقيق، يعود. يكرر ذلك، فيبقى. هل صوّت لإخراجه من منصبه؟ لقد بدأ تمرداً وسعى ليبقى بالقوة.
كيف تؤثر مشكلات ترمب القانونية في ترشحه للرئاسة في 2024؟
ترمب الحتمي
عندما فشل كل ذلك، لم يرتدع ترمب ولم يتقاعد ليتفرغ لممارسة الغولف، ولن يتنحَّ عن المشهد، على الأقل ليس لفترة طويلة، فقد تقدم ببساطة للترشح للرئاسة مجدداً. ها هو يعود إلى المشهد المألوف المتمثل في كونه السياسي المفضل لدى الجمهوريين، وتصدّر استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات التمهيدية الرئاسية على حساب مجموعة مرشحين قلقين، يبدو أنهم جميعاً يشعرون أن ترمب أمر لا مفرّ منه ولن يغادر المشهد أبداً.
إذا كانت هناك مجموعة أحرص على خروج ترمب من زملائه القلقين فهي مجموعة الديمقراطيين. لقد هلّلوا جميعاً حين وجّه ألفين براغ، المدّعي العامّ لمقاطعة مانهاتن، الاتهام إلى الرئيس السابق في مطلع أبريل 34 تهمة جنائية بتزوير سجلات تجارية في ما يتعلق بمدفوعات مالية سرية لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز.
كانت تلك فضيحة سياسية أخرى يُفترض أنها ستُنهي مسيرته، لكنها أثبتت أنها لم تعدُ كونها مطباً في مسيرته حين انتشرت أخبار هذه القضية في أكتوبر 2016 (ينفي ترمب وجود علاقة حميمة مع دانيلز، ودفع بأنه غير متورط في الاتهامات التي وجّهها براغ).
لكن مرة أخرى، لم يتراجع ترمب أو يبتعد، بل فعل ما يفعله دائماً عندما يتورّط بنتائج تصرفاته، فألقى خطاباً غاضباً، متحدياً فيه كثيراً من الأسى على نفسه، وقد حظي باهتمام محطات الأخبار والصفحات الأولى في الصحف. قالت حملته إنها جمعت 12 مليون دولار في الأيام التي أعقبت توجيه لائحة الاتهام، وزاد تقدمه في استطلاعات الرأي حول انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للرئاسة.
ترمب يهيمن مجدداً على استطلاع مبدئي لمرشحي الرئاسة في 2024
أياً كانت العواقب التي يُفترض أن يواجهها ترمب يوماً ما بسبب مشكلاته القانونية، فلا يبدو أن تراجع شعبيته السياسية بين الجمهوريين هو أحدها، بل على العكس من ذلك، فقد زادوا تضخيم حضوره في كل مناسبة.
لكن هناك فرصة حقيقية، لأن المدّعين العامّين لم يُنهوا ملف ترمب، وقد تكون هناك تهم إضافية قيد الإعداد، لا سيما في جورجيا، حيث يدرس المدّعي العامّ هناك اتهامات ابتزاز وتآمر مرتبطة بجهوده لإلغاء انتخابات 2020، وفي وزارة العدل الأميركية، حيث يشرف مدّعٍ عامّ خاصّ على تحقيقين فيدراليين بشأن ترمب، أحدهما لتلاعبه بوثائق سرية، والآخر في مسعاه لإلغاء فوز جو بايدن.
لا بد أن ذلك كله كفيل بأن يجعل ترمب يتغلغل في وجدان الجميع في المستقبل المنظور. بالطبع إذا استعاد الرئاسة فستكون هناك أربع سنوات أخرى من الدراما التي يغذيها ترمب. أما إذا خسر، بطريقة أو أخرى، فستكون الحال كذلك أيضاً على الأرجح.