كانت الولايات المتحدة الدولة الأولى والوحيدة في العالم التي أوصلت الإنسان إلى سطح القمر، إلا أن وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) غابت بشكل لافت عن السباق الدولي لإرسال العربات القمرية الروبوتية إلى الجرم الفلكي.
حطّت أول عربة قمرية روبوتية تابعة للاتحاد السوفياتي على سطح القمر في سبعينيات القرن الماضي، فيما باءت محاولة الهند بالهبوط على سطح القمر بالفشل عام 2019. حالياً، توجد عربة قمرية وحيدة تعمل على سطح القمر، هي العربة الصينية "يوتو – 2" البالغ وزنها 136 كيلوغراماً والتي جابت على مدى السنوات الأربع الماضية حوالي 500 متر في الجانب البعيد من القمر، وأرسلت صور الصخور إلى الأرض.
في غضون ذلك، يعمل كل من اليونان واليابان والإمارات العربية المتحدة على إعداد برامجها الخاصة لتطوير العربات القمرية.
إنفوغراف: أميركا أكثر المنفقين على استكشاف الفضاء
الآن يبدو أن حفنة من الطلاب في جامعة "كارنيغي ميلون" سيسبقون هم أيضاً "ناسا" إلى القمر. فقد بدأ زهاء 300 طالب بالعمل على تطوير عربة قمرية أسموها "أيريس" ويخططون لإرسالها إلى القمر على متن مركبة تجارية مصممة للهبوط على القمر من المقرر أن تنطلق في الرابع من مايو.
عربة قمرية صغيرة
التحق طالب الفيزياء نيكولاي ستيفانوف حين بلغ عمره 19 عاماً بالمشروع بعدما شاهد إعلاناً ترويجياً له يحمل شعار "لا تعطيك الحياة فرصة ثانية لتكون الأول". بما أنه لم يكن له أي خبرة، عرض أن يحضر القهوة للأشخاص الذين يتولّون الأعمال التقنية. لكن انتهى الأمر بستيفانوف، 22 عاماً، في وظيفة أخرى فقد أصبح مدير التحكم بالمهمة، فحين تهبط العربة على سطح القمر، سيشرف هو على سير الأمور بسلاسة.
يقارب حجم العربة القمرية "أيرس" حجم علبة أحذية، ووزنها أقلّ من كيلوغرامين، ما يجعلها العربة القمرية الأصغر والأخفّ وزناً التي قد تصل إلى القمر. كما أنها العربة الأولى المصنوعة من ألياف الكربون بدل الألومينيوم، فقد تعمّد صانعوها أن تكون صغيرة الحجم حتى يتمكنوا من تسديد تكلفة الرحلة على متن مركبة تجارية إلى القمر. تتولّى شركة "أستروبوتيك تكنولوجي" (Astrobotic Technology) المنبثقة عن جامعة "كارنغي ميلون" عملية الهبوط، ناقلةً 14 حمولة إلى سطح القمر. في حين لم تكشف جامعة "كارنيغي ميلون" عن سعر تذكرة سفر "أيريس"، إلا أن تكلفة المشروع ككلّ قاربت 800 ألف دولار.
غطت الجامعة جزءاً من التكلفة إلى جانب إسهامات مانحين أفراد، حيث نجم جزء من التبرعات عن حملة تمويل جماعي لمشاريع جامعة "كارنيغي ميلون" القمرية. ستُرسل أسماء المتبرعين الـ900 ومعظمهم من الطلاب، إلى القمر ضمن ملفّ نتحمله "أيريس".
اليابان تفشل في منافسة صواريخ إيلون ماسك الفضائية
القطاع الخاص يغزو القمر
صحيح أن "أيريس" ليست واحدة من أقوى أدوات المراقبة العلمية، فهي لا تحوي إلا كاميرا واحدة في مقدمتها وأخرى في ظهرها ما يجعل التمييز بين الصخور ذات الظل والحفر صعباً، إلا أنها تتميز عن غيرها من العربات القمرية بكونها خفيضة الازتفاع عن السطح، ما يعني أن كاميرتها قادرة على التقاط صور مقرّبة لغبار القمر. رغم محدودية قدرات "أيريس"، لا شكّ أنها خطوة كبيرة بالنسبة للقطاع الخاص في مجال الفضاء. فيتوقع أن تصبح أول عربة قمرية لم تصنعها حكومة دولة تهبط على جرم فلكي. قال ستيفانوف "نريد أن نفتح الفضاء أمام الجميع."
إلا أن النجاح ليس مضموناً، فحتى لو تمكنت "أيريس" من تخطّي عملية الإطلاق ونجت من الذبذبات الفضائية والحقول الكهرومغناطيسية القوية وتمكّنت من الهبوط على سطح القمر، سيتعين عليها مواجهة درجات الحرارة المرتفعة والتحديات المرافقة للتنقل على سطح القمر.
يكفي شحن بطارية "أيرس" لخمسين ساعة، يأمل صانعوها أن تكفي لتلتقط العربة الصور وترسلها إلى الأرض. وحين تنفد بطاريتها ستبقى العربة على سطح القمر.
يركز برنامج الفضاء الأميركي الرسمي على كوكب المريخ أكثر من القمر، إذ سبق أن أرسلت "ناسا" خمس عربات إلى الكوكب الأحمر، كانت أولاها في 1997، وهي تخطط لإرسال أول عربة لها، وهي عبارة عن مركبة آلية يبلغ وزنها 453 كيلوغراماً تحمل اسم "فايبر" إلى القمر في نوفمبر 2024 لإجراء مسح لموارد القمر والسعي لتحديد مكان وجود الجليد ومدى تركيزه.
سكن البشر في الفضاء
من جانبها، تتوقع "كارنيغي ميلون" أن يصبح طلابها جزءاً أساسياً من عمليات استكشاف القمر، وهي تخطط لبناء عربة قمرية أخرى من صنع الطلاب ضمن مشروع "مون راينجر" (MoonRanger) وتكلفته خمسة ملايين دولار تمولها "ناسا".
لقد صُمّم مشروع "مون راينجر" للتوجّه نحو القطب الجنوبي للقمر بحثاً عن الجليد الذي يُعتقد أنه مدفون على عمق نحو متر تحت القشرة القمرية. بالتالي، ربما تكون هذه العربة مرشحة مناسبة لمرافقة مهمة البحث عن المياه على سطح القمر التي تخطط لها "ناسا" وتتضمن هبوط رائدَيْ فضاء أميركيين على القطب الجنوبي للقمر في 2025، بحيث يصبحان أول شخصين يطآن سطح القمر منذ ما يزيد عن نصف قرن.
سبق لقائدة المشروع راوين دوفال، 28 عاماً، أن عملت لدى "ناسا" وهي حالياً طالبة دكتوراه في جامعة "كارنيغي ميلون".
ترى دوفال أن العربات القمرية ستمهّد الطريق لعيش البشر في الفضاء الخارجي، وهو أمر حتمي بنظرها. يمكن للعربات القمرية أن تهيئ مناطق الهبوط، ثمّ تبني مساكن من خلال استخراج الهيدروجين والأكسيجين من التربة القمرية (الغبار القمري) لاستخدامها لإنتاج المياه والهواء ووقود الصواريخ.
قالت دوفال "الروبوتات هي الطريقة المناسبة لتحديد أفضل المواقع والموارد التي يمكن أن يتجه إليها البشر".