قادرة على إنتاج كميات هائلة من الصباغ في غضون يومين إذا توفرت لها المياه والمغذيات

بكتيريا الصباغة تقلل مخلفات صناعة الأزياء البريطانية

أكوام أربطة من النسيج الملوّن - المصدر: بلومبرغ
أكوام أربطة من النسيج الملوّن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تستهلك صناعة الأزياء عالمياً تريليونات اللترات من الماء كل عام لتصنع الملابس، ويذهب جلّ ذلك لصبغ المنسوجات، وهو مسبب رئيسي للتلوث أيضاً.

لقد سخّرت شركة تقنية حيوية في المملكة المتحدة البكتيريا لتحاكي ألوان الطبيعة وتمكنت من إنتاج أصباغ مستخدمةً كميات محدودة من الماء مقارنة بالطرق التقليدية كما أنها لا تعتمد على مواد كيميائية سامّة.

تتحرى شركة "كلرفيكس" (Colorifix)، التي تتخذ مقراً في نورويتش في إنجلترا، الأرياش والحشرات والنباتات التي لها ألوان كتلك التي تريدها، ثم تتعرف رقمياً على تسلسل الحمض النووي المسؤول عن الصبغة الطبيعية وتوجه بكتيريا لإنتاج اللون.

"رالف لورين" تسعى لتقليل هدر المياه بتغيير طريقة صباغة الملابس

تُغذى البكتيريا الدقيقة، عبر عملية تخمير تشابه صنع الجعة، بالماء والسكر والخميرة والمنتجات النباتية الثانوية، فتنتج خلال يومين كمية كبيرة من صباغ سائل يمكن استخدامه في الآلات المعتادة لدى شركات الصباغة.

قال أور ياركوني، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ "كلرفيكس": "طالما أننا نوفر لها الماء والتغذية، فستستمر بالانقسام والنمو وإنتاج اللون".

ألطف بيئياً

أظهر تحليل الأثر البيئي الذي أعدته الشركة العام الماضي أن الصباغة باستخدام عملية "كلرفيكس" تتطلب مياهاً أقل بنسبة 81% وغازاً طبيعياً أقل بنسبة 41% مقارنة مع الطرق التقليدية.

قال ياركوني إن توفير الطاقة ناتج عن حاجة البكتيريا إلى درجة حرارة 37 درجة مئوية فقط لإنتاج الصباغ، مقارنة مع ما بين 80 و130 درجة مئوية باستخدام الطرق القياسية.

هذا ليس حلاً مثالياً بالكامل، لأنه ما يزال يتعين على شركات الصباغة تحضير النسيج باستخدام ما يسمى بالتبييض النصفي، الذي يتطلب مدخلات مائية وكيميائية وطاقة.

لطالما استُخدمت الأصباغ الطبيعية في تلوين الأقمشة. أما صناعة الأزياء الحديثة فغالباً ما تستخدم أصباغاً اصطناعية أقل تكلفة وتحقق نتائج أكثر اتساقاً، لكنها بالمقابل تحتوي على مركبات كيميائية ضارة بصحة الإنسان والبيئة.

حلول غير تقليدية لتدوير المخلَّفات في برلين

تسبب عمليتا صباغة المنسوجات ومعالجتها خُمس تلوث المياه الصناعي حول العالم، وفقاً لتقرير من "إيلين ماك آرثر" (Ellen MacArthur Foundation)، وهي مؤسسة خيرية تدعو لإنشاء اقتصاد دائري، وهو مفهوم يتضمن تقليص النفايات وتحقيق أقصى استفادة من المواد وتجديد الطبيعة.

حتماً ستتفاقم المشكلة، إذ يُتوقع أن تنمو عائدات سوق أصباغ النسيج العالمية إلى حوالي 16.1 مليار دولار بحلول 2030، بزيادة حوالي 50% من 10.7 مليار دولار في 2021، وفقاً لشركة أبحاث السوق "بولاريس" (Polaris).

قال هيرال باتيل، الرئيس العالمي للبحوث المستدامة والموضوعية في بنك "باركليز"، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "نعتقد أن الصناعة بحاجة لأن تتحول سريعاً نحو بدائل أكثر استدامة". بيّن أن الأصباغ الصناعية تستخدم في نحو 90% من الملابس، وقال إنه حتى مع ظهور ابتكارات "هناك معوقات عديدة يجب التغلب عليها لإثبات الجدوى التجارية".

جهود خضراء

استثمرت علامة الأزياء السريعة "هينيس آند موريتز" (Hennes & Mauritz)، التي تهدف للحصول على جميع موادها من مصادر مُعاد تدويرها أو أكثر استدامة بحلول 2030، حوالي 130 مليون كرونة سويدية (12.1 مليون دولار) في شركة "كلرفيكس" منذ 2018، عبر ذراع رأس المال الجريء التابع لها.

كما استثمرت شركة البيع بالتجزئة في شركة "ألكيمي تكنولوجي" (Alchemie Technology) البريطانية التي توفر عملية تصنيع رقمية لصباغة المنسوجات.

وتتعاون الشركة بشكل وثيق أيضاً مع كلٍ من "إيموغو" (Imogo) السويدية التي صمّمت تطبيقاً لرش الأصبغة، و"أوفيسينا+39" (Officina+39) الإيطالية التي تصنع مساحيق الصباغة من مخلفات الملابس المستعملة والمنسوجات.

من أجل صناعة أكثر استدامة

قالت نيلي ليندبورغ، أخصائية الاستدامة في "اتش آند ام" (H&M)، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "تعتبر عملية الصباغة مجالاً رئيسياً تجب معالجته حتى تمضي الأزياء لتكون صناعة أكثر استدامة".

كانت خطط "اتش آند ام" لإطلاق تشكيلة أزياء باستخدام تقنية "كلرفيكس" في 2021 قد واجهت تحديات إنتاج غير متوقعة لا علاقة لها بمعالجة "كلرفيكس"، لكنهما تجريان محادثات حول سبل استخدام العلامة التجارية لهذه التقنية.

كانت "بانغايا" (Pangaia)، وهي علامة تجارية للأزياء المستدامة، قد أنتجت سُترة بقلنسوة زرقاء باستخدام صبغة "كلرفيكس" وباعتها مقابل 150 جنيهاً إسترلينياً (181 دولاراً) على موقعها عبر الإنترنت.

الاقتصاد الدائري.. هل يُنقِذ العالَم من كابوس النفايات؟

كما استُخدمت صبغة "كلرفيكس" لتلوين فستان بلون أزرق داكن من تصميم "ستيلا مكارتني" (Stella McCartney) عُرض في معرض في أمستردام في 2018.

قال ياركوني إن شركته تقيم أبحاثها وتطويريها في إنجلترا ولديها فرع تصنيع في البرتغال، ويتمثل نشاطها الرئيسي في التوريد لدور الصباغة ولديها عملاء في البوسنة وإيطاليا والبرتغال وتتوسع في تركيا والهند وسريلانكا.

تكاليف أعلى

نوّه ياركوني أن تكلفة عملية المعالجة لدى "كلرفيكس" تزيد بنحو 20% عن الطرق التقليدية، لكن الصباغة لا تشكل سوى حوالي 8% من تكاليف الإنتاج الإجمالية.

أضاف: "أكبر مشكلة لدينا الآن هي الطاقة الإنتاجية"، مشيراً لوجود مباحثات لإنتاج ألوان لعدد من العلامات التجارية في مراحل متباينة بين إنتاج فعلي وتخطيط. قال: "هناك طلب كبير تقابله محدودية عرض للغاية".

كما تطوّر الشركة صباغاً يمكنه أن يساعد بتوفير حماية ضد الميكروبات والفيروسات يمكن استخدامه في نهاية المطاف في قطاع الرعاية الصحية. قال ياركوني: "الصبغة عبارة عن لون وردي جميل حقاً، وهي فعّالة بما يزيد عن 90% فيما يتعلق بالحيلولة دون بقاء فيروس كورونا والإنفلونزا على القماش".

نشأت فكرة "كلرفيكس" في نيبال، حيث كان ياركوني والمؤسس المشارك جيم أجيوكا يطوران جهازاً يراقب ما إذا كانت المياه شديدة التلوث بالزرنيخ بحيث لا تصلح للشرب. عندما فحصا الشوائب الأخرى التي أصابت المياه، اكتشفا أن معظمها مواد كيميائية تُستخدم في صناعة النسيج.

أوحى لهما ذلك بابتكار طريقة جديدة لصبغ الأقمشة تحدّ من التلوث، ومُنيت بانتكاسات في بداياتها لدى اختبار جودتها، مثل تلاشي الألوان بعد أسبوعين من ارتداء الملابس أو بعد غسلها، لكن ياركوني قال إن نقاط الخلل عولجت وأصبحت جودتها الآن تُضاهي الأصباغ الاصطناعية.

قال ياركوني إن الأصباغ الطبيعية يمكن أن تحل يوماً ما محل الأصباغ الاصطناعية إلى حد كبير، رغم أن ذلك قد يستغرق عقوداً. أضاف: "ما هي إلا مسألة وقت لكي يكون نطاق المنتج كبيراً بما يكفي، حتى نتمكّن من صنع كل الألوان لكل الأقمشة بنفس السعر، فما الذي سيدفع أي إنسان ليختار ألواناً أخرى؟ تحوّل صناعة يتطلب جيلاً."

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك