الأسواق تراهن على إنقاذ البنك المركزي من رمال التيسير المتحركة تحت قيادة كازو أويدا

هل يتخلى بنك اليابان عن التيسير النقدي تحت قيادته الجديدة؟

مقر بنك اليابان في طوكيو - المصدر: بلومبرغ
مقر بنك اليابان في طوكيو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كانت لبنك اليابان تجربة رائدة في التحفيز النقدي قبل عقد. فقد راكم البنك المركزي حيازاته من أدوات الدين الحكومية بشكل كبير، ثم اتجه لتحديد سقف للعوائد على تلك الديون دعماً لخطة "آبينومكس"، التي سُميت باستلهام من مسعى جريء لرئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي لإنعاش اقتصاد اليابان من وهنه.

اقترنت تلك الإجراءات بتحديد سعر فائدة مرجعي سلبي، وهو ما أدى لأن يكون لتلك السياسات النقدية تأثير مزدوج يضاهي تشغيل آلات عملاقة لطباعة النقد بكامل طاقتها دون توقف.

أما وقد تجاوزت معدلات التضخم آفاق المستهدفات المقبولة لدى بنك اليابان، فيتعين على صانعي السياسة التفكير ملياً في أفضل السبل لجعل سياسة البنك المركزي تتمحور حول نمو الأسواق، لا إخافة المستثمرين.

هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجهه كازو أويدا، 71عاماً، الذي رُشح لمنصب محافظ البنك المركزي في 14 فبراير. قال أويدا، وهو أستاذ جامعي وعضو سابق في مجلس إدارة بنك اليابان، علناً إنه سيستكمل مسيرة هاروهيكو كورودا، الذي شغل منصب محافظ البنك المركزي على مدى عشر سنوات.

مع ذلك، تشير التوقعات إلى أنه فور تنصيبه في أبريل، سيتخذ أويدا خطوات لإنهاء سياسة التحكم في منحنى العائد، التي هدفت إلى تحديد سقف للعوائد على الديون الحكومية طويلة الأجل كوسيلة لتشجيع البنوك على الإقراض.

هروب الاستثمارات

أدى الجمع بين سياسات نقدية، مثل التحكم في منحنى العائد والتيسير الكمي، إلى جعل بنك اليابان أكبر مالك للأسهم والسندات الحكومية في اليابان، إذ تبلغ ميزانيته 735 تريليون ين (547 مليار دولار)، أي ما يعادل 130% من الناتج المحلي الإجمالي.

مع ذلك، يقول نقاد إن هذه السياسات أجبرت المستثمرين اليابانيين على الهرب إلى الأسواق الخارجية لتحقيق عائدات ملحوظة على استثماراتهم، بدل محاولة نفخ الروح في الاقتصاد.

على سبيل المثال، استثمر مديرو الأموال اليابانيون وحدهم أكثر من 3 تريليونات دولار في الأسهم والسندات الأجنبية، حيث يكنزون أكثر من نصف هذه الاستثمارات في الولايات المتحدة.

فيما تحوز النخبة الاستثمارية، التي تضم شركات التأمين العملاقة وصناديق المعاشات التقاعدية، ما قيمته أكثر من تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، فضلاً عن شرائها سندات دول مثل أستراليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا.

لكن إذا رفع بنك اليابان أسعار الفائدة بوتيرة سريعة جداً، فقد يرجع الكثير من تلك الاستثمارات إلى اليابان.

قال روب سوبارامان، رئيس قطاع أبحاث الأسواق العالمية لدى شركة "نومورا هولدينغز" للاستثمار والخدمات المصرفية: "لقد لجأت اليابان لسياسات نقدية شديدة التيسير لفترة أطول من أي اقتصاد آخر. من ثم، قد يؤدي التحول عن هذه السياسات إلى تغييرات اقتصادية هيكلية كبيرة، مثل إعادة جزء كبير من الاستثمارات الضخمة في محافظ الإيرادات الثابتة بالخارج لموطنها في اليابان".

أما إذا تحدى أويدا التوقعات وتمسك بسياسات التيسير النقدي، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث العكس مع تخلص المستثمرين من الأصول اليابانية. ستعرض هذه التداعيات سمعة الين طويلة الأمد كعملة ملاذ آمن للخطر، ما سيتسبب بدوره في انخفاض قيمة الين مقابل الدولار الأميركي والعملات الأخرى.

تغيير مرتقب

كان بنك اليابان، تحت قيادة كورودا، قد تمسك بسياسة نقدية متساهلة حتى في ظل ارتفاع التضخم ورفع نظرائه العالميين لأسعار الفائدة. اعتبرت التقديرات في طوكيو أن ارتفاع الأسعار كان عابراً باعتباره نتيجة ثانوية لارتفاع أسعار السلع المستوردة مثل الغذاء والنفط، وأن الأسعار ستتراجع إلى مستوى معتدل في نهاية المطاف.

غير أن التضخم برهن على ثباته أكثر مما كان متوقعاً، مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية إلى 4% سنوياً في ديسمبر، وهو ضعف هدف بنك اليابان البالغ 2%.

كما ارتفعت الأجور الاسمية في ديسمبر بأسرع وتيرة لها منذ 1997، فيما يتابع المراقبون الجولة الحالية من المفاوضات بين الشركات والنقابات عن كثب بحثاً عن دلائل على أن العمال اليابانيين سيتمكنون من انتزاع زيادات أجور تفوق المعتاد.

قالت أليسيا غارسيا-هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى شركة "ناتيكسيس": "لدي شعور بأن اليابان جاهزة للتحول عن سياسات التيسير مثل أسعار الفائدة السلبية والتحكم في منحنى العائد. لهذا سبب بسيط، وهو أن معدل التضخم الأساسي تجاوز الهدف الذي حدده بنك اليابان، فيما تتزايد الأجور بسرعة".

تجلت احتمالية حدوث اضطراب في السوق استجابةً لتحول بنك اليابان عن سياسة تحديد سقف للعائدات في ديسمبر، عندما قرر البنك المركزي السماح بزيادة العائدات على السندات الحكومية لأجل 10 سنوات إلى حوالي 0.5% ارتفاعاً من الحد السابق البالغ 0.25%، مع تثبيت أسعار الفائدة المرجعية طويلة وقصيرة الأجل.

قال كورودا إن الخطوة سالفة الذكر هدفت إلى تحسين أداء السوق، فيما اعتبر كثيرون أنها ترسي دعائم تفكيك برنامج التحكم في منحنى العائد برمته في نهاية المطاف. لقد أجبر هذا التصور البنك المركزي على شراء سندات حكومية بميزانيات غير مسبوقة لمنع العائدات من تجاوز الحد الجديد. أنفق بنك اليابان في يناير وحده 23 تريليون ين.

في ظل هذه الظروف، قد يجد أويدا أنه ليست لديه خيارات سوى تقليل طابعات النقود فور توليه منصبه بحلول الربيع.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك