أنشأت "رويال داتش بتروليوم" في 1902 مصفاة نفط في روتردام على ضفة نهر يصب في بحر الشمال بالجوار، ثم نقلت موقع تلك المنشأة عدّة كيلومترات في تخوم مجرى النهر قرب قرية برنيس، ودأبت تكرر نفطاً تجلبه من آبار امتيازاتها في جزيرة سومطرة، التي كانت حينها مستعمرة لهولندا وهي اليوم جزء من إندونيسيا.
كان النفط آنذاك يُكرر غالباً لإنتاج كيروسين للتدفئة والإنارة. إلا أن النفط السومطري الذي جلبته الشركة الناشئة كان خفيفاً ومنخفض الكبريت، فبدا مناسباً لاستخدامات جديدة مثل تشغيل السيارات، التي كانت تكتسب رواجاً كألعاب للأثرياء حينذاك.
كي تواجه عملاقة النفط الأميركية "ستاندرد أويل"، اندمجت الشركة الهولندية بعد خمس سنوات مع منافسة إنجليزية يديرها الأخوان ماركوس وصاموئيل صموئيل، اللذين طوّرا نوعاً جديداً من السفن تنقل النفط بكميات ضخمة. سمّيا كل ناقلات النفط في أسطولهما المتنامي بأسماء أنواع الأصداف البحرية، تذكيراً بنشاط والدهما في الاستيراد والتصدير، إذ كان يجلب تحفاً مرصعة بالأصداف من شرق آسيا إلى إنجلترا.
زاد الإقبال على منتجات النفط بشدة على مدى القرن التالي، وتوسعت معه "رويال داتش شل" لتواكب الطلب. أصبحت مصفاة النفط في برنيس اليوم أكبر مصفاة من نوعها في أوروبا وتمتد على مساحة أكثر من خمسة كيلومترات مربعة وتُسمى مجمّع شل للطاقة والكيماويات في روتردام.
يتدفق سنوياً عشرين مليون طنّ نفط إلى خزانات المجمّع ووحدات تكريره ومنظومات التكسير المحفز الشاهقة، عبر عشرات آلاف الكيلومترات من الأنابيب، فيُحوّل إلى بنزين وديزل ووقود طائرات وكيمياويات تُستخدم لصنع اللدائن ومعقمات الأيدي.
وحدة خضراء
تُقام حالياً وحدة جديدة في المجمّع قادرة على تحويل فضلات الحيوانات وزيت الطهي المستخدم إلى ديزل ووقود طائرات. حين تدخل وحدة الإسترات المعالجة مائياً والأحماض الأمينية الخدمة في 2024، يُنتظر أن تنتج زهاء 820 ألف طنّ من الوقود الحيوي يومياً، ما سيجعلها إحدى أكبر منشأة من نوعها في أوروبا.
هذه هي الخطوة الأولى في مسار تحوّل أوسع تطمح له الشركة حول العالم، إذ تزمع استبدال وحداتها التي تناهز ستين وحدة، واحدة تلو أخرى، أو أن تعيد تخصيصها لأغراض جديدة، على أن يطال هذا التحوّل كلاً من مدخلات ومخرجات هذه المنشآت.
تُزمع خفض كمية النفط الداخل وزيادة كمية منتجاتها الصديقة للبيئة. كما سيبدأ المصنع بالتخلي عن الوقود عموماً، إذ إن الوقود الحيوي يتسبب بانبعاثات كربونية لدى احتراقه أيضاً. كما ستنتقل منشأة برنيس لإنتاج المواد الكيميائية لصناعة البلاستيك وزيوت التشحيم والقار المستخدم في صناعة الإسفلت، وغيرها من المنتجات التي لا تتطلب أي احتراق.
قال مدير عام المصنع يوس فان واينسين متحدثاً في مكتبه المطل على غابة من الأنابيب: "سنغلق بعض الوحدات لكننا سنبني مكانها مزيداً من المنشآت الجديدة… سنغير بصمتنا ومحفظة منتجاتنا“.
هذه هي الفكرة العامة على الأقل.
بصمة كربونية كبرى
تطمح ”شل" ثالث أكبر شركة نفط وغاز دولية من حيث القيمة السوقية بعد "إكسون موبيل" و"شيفرون" لتحقيق أمر لم يسبقها إليه كثيرون. في 2020، أعلن رئيسها التنفيذي آنذاك المهندس الكيميائي الهولندي بن فان بوردن أن الشركة ستحقق حياد الانبعاثات الكربونية بحلول 2050.
بتبنيها هذا الهدف ضمن المهلة الزمنية المحددة، تبدو سياسة "شل" منسجمة مع التحول الضروري في نظام الطاقة العالمي لإبقاء زيادة حرارة الكوكب دون 1.5 درجة مئوية، وهو الحدّ الذي تعهدت به 193 دولة وقّعت على اتفاق باريس للمناخ.
تُعد هذه الزيادة الحد الأقصى الذي تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة إنه في حال البقاء على مستوى أدنى منها، قد يتمكن العالم من تجنب الآثار الأكثر تدميراً للاحترار العالمي.
لا يقتصر هدف "شل" على خفض الانبعاثات الناجمة عن أنشطتها، بل يمتد إلى الانبعاثات الأضخم التي يتسبب بها زبائنها، ومنهم ملايين الأشخاص الذين يشترون وقود السيارات من محطاتها.
أعلنت بعض شركات الطاقة الأوروبية العملاقة الأخرى تعهدات مشابهة تحت ضغوط حكوماتها المحلية وبعض مساهميها. كانت شركة ”بريتيش بيتروليوم“ البريطانية قد تعهدت بأن تحيد انبعاثاتها وانبعاثات عملائها أو أن تعوضها بحلول 2050، عبر تخفيض إنتاج النفط فيما تبني نشاطاً تجارياً واسعاً في مجال الطاقة المتجددة.
كما أن شركة "توتال" الفرنسية، التي غيرت اسمها إلى "توتال إنرجيز" (TotalEnergies) كي تشمل هويتها أكثر من النفط والغاز، تقوم باستثمارات كبرى في مجال الطاقة المتجددة أيضاً.
بطء أميركي
إلا أن المشهد مختلف في الولايات المتحدة، حيث لا إجماع عاماً بعد حول إلحاح التغير المناخي، وما تزال الشركتان الأميركيتان المنافستان "أكسون موبيل" و"شيفرون" بطيئتان في الالتزام بمكافحة الاحترار العالمي. إلا أن فان بوردن الذي ترقى في صفوف شركة "شل" وهو يعمل في وحدات الغاز والتكرير لديها ومن ذلك فترة في برنيس، يرى أن التقاعس قد يوحي بسلوك غير مسؤول مالياً في عالم يتجه نحو طاقة أقل اعتماداً على الكربون.
قال فان بوردن في مقابلة في مكتبه في لندن في نوفمبر قبل بضعة أسابيع من نهاية ولايته رئيساً تنفيذياً للشركة: "إن كنت ترغب بنموذج أعمال قابل للاستدامة على المدى الطويل، لا خيار أمامك سوى المشاركة في تحول الطاقة… لماذا أستثمر في قطاع ربما يبلغ ذروته في السنوات القليلة المقبلة؟".
لا بد أن شكل "شل" المحايدة للكربون سيختلف أيما اختلاف عن الشركة الحالية. إذ كانت كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي عن الشركة وعملائها قد بلغت 1.4 مليار طنّ في 2021، أي أكثر من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن دولة بحجم اليابان، وهي ثالث أكبر اقتصادات العالم.
أقوال أم أفعال
حققت "شل" ومنافساتها أرباحاً قياسية من استخراج ومعالجة ونقل وبيع والمضاربة في أسعار النفط والغاز في ظل ارتفاع أسعار النفط العام الماضي على خلفية الحرب في أوكرانيا.
لم تثمر حتى الآن جهود عملاقة الطاقة لخفض انبعاثات الكربون عن نتائج كافية، بعد أن تعرقلت مساعيها بفعل تغير أولويات الإدارة والتلكؤ بالالتزام بهوامش الربح الأقل التي تتسم بها الطاقة منخفضة الكربون.
فيما أكد رئيس ”شل“ التنفيذي الجديد وائل صوّان لدى إعلان أرباحها في 2 فبراير الالتزام بخطة تحييد الكربون، إلا أن الشركة قالت إنها لا تعتزم زيادة الإنفاق على وحدة الطاقة المتجددة العام المقبل رغم الأرباح غير المتوقعة التي حققتها العام الماضي.
في غضون ذلك، يشهد العالم حول "شل" تحولاً متواصلاً، فقد أسهمت على مدى العقدين الماضيين تطورات تقنية متسارعة وغير متوقعة في خفض أسعار الطاقة المتجددة.
يُرجح أن تستمر أسعار بطاريات أيونات الليثيوم تراجعها بعد ارتفاع مؤقت طرأ العام في الماضي مع انحسار الوباء، ما سيسرّع اعتمادها في المركبات الكهربائية وأيضاً في الشبكة الكهربائية، حيث قد يساعد تخزين الطاقة على المستوى الصناعي بالتعويض عن تقطعات الكهرباء التي تولدها الرياح والشمس.
يتطلب الالتزام بالقوانين الأوروبية الجديدة تسريع بناء منشآت الطاقة المتجددة وحظر استخدام محركات الاحتراق الداخلي في السيارات الجديدة ابتداءً من 2035، كما تفرض هذه القوانين تكاليف متزايدة على الانبعاثات من خلال نظام لتحديد سقف لها وتنظيم تبادلها.
جزء من الحل
في الولايات المتحدة، يتضمن قانون المناخ الذي وقّعه الرئيس جو بايدن ويُسمى قانون الحد من التضخم لعام 2022 دعماً سخياً لزيادة إنتاج الطاقة الخضراء والمركبات الكهربائية واستبدال السخانات العاملة على الغاز في المنازل بالتدفئة الكهربائية.
رغم أن هذا التحول أتى متأخراً وأبطأ مما يطالب به عديد من الناشطين وعلماء المناخ، إلا أنه يحصل بالفعل. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا يمكن لشركات مثل "شل" التي لطالما كانت جزءاً من المشكلة أن تصبح جزءاً من الحل.
تعود مساعي "شل" الجدية للتوسع لأبعد من قطاعي النفط والغاز إلى عام 1997، حين أنشأت الشركة وحدة أطلقت عليها تسمية "شل إنترناشونال رينيوابلز" (Shell International Renewables). قالت الشركة في تقرير صدر في 1998 تحت عنوان "الأرباح والمبادئ– هل الاختيار ضرورة؟" إن "الموارد المتجددة هي أحد أنشطة الأعمال الأساسية الجديدة لدينا وتؤكد على عزمنا الاستثمار في مجالات تتسم بالنمو المستدام“.
تعاونت "شل" في 2001 مع شركة الكهرباء الألمانية "إي. أون" (E.ON) ووحدة تابعة للشركة الصناعية العملاقة "سيمنز" لتصنيع ألواح شمسية في هولندا وألمانيا. أصبحت "شل" لفترة وجيزة أكبر مصنّعة ألواح شمسية في العالم بعد استخواذها على حصة شريكتيها في المشروع في 2002.
منتج صيني رخيص
لكن على امتداد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، قدمت الصين إعانات ضخمة لقطاع الطاقة الشمسية في البلاد، فمنحت الصانعين أراض مجانية وعفواً ضريبياً وقروضاً بفوائد منخفضة لتعزيز الإنتاج. أسهم ذلك في خفض أسعار الألواح الشمسية بوقت أقصر بكثير مما كان يتوقعه معظم الخبراء فأخرج الشركات المنافسة من السوق، التي فاضت بتقنيات كهروضوئية صينية الرخيصة.
أغلقت "شل" معاملها الرئيسية في أوروبا وحاولت عبثاً الانتقال نحو تقنية الخلايا الشمسية الأكثر كفاءة. قال فان بوردن لاحقاً: "لم يكن ذلك قط خياراً جيداً على صعيد الأعمال، لم نستطع أن ننجح في ذلك“.
أوقفت الشركة في نهاية العقد مساعيها لتوسيع محفظتها في مجال طاقة الرياح التي كانت تشكل الجزء الأكبر من أعمالها في قطاع الطاقة المتجددة. ضمت بعدها "شل" ما تبقى من أعمالها في مجال الطاقة المتجددة إلى قسمها الضخم المتخصص بالغاز الطبيعي. ينتج الغاز الطبيعي انبعاثات أقل من النفط عند حرقه وأقل بكثير من الفحم، لذا غالباً ما تعتبره شركات الطاقة وقود المرحلة الانتقالية في عملية تحوّل الطاقة.
نجاح شركات أخرى
نجحت شركات أخرى في هذا المضمار. انسحبت "شل" في 2008، من مشروع طاقة الرياح "لندن أراي" (London Array) في الساحل الجنوبي لبريطانيا، وباعت جزءاً من حصتها في المشروع إلى شركة "أورستد" (Orsted)، التي كانت معروفة حينها باسم "دي أو إن جي إنيرجي" (DONG Energy) إشارةً للنفط والغاز الطبيعي الدنماركي.
اتفقت "أورستد" مع شركائها على إنفاق 2.2 مليار جنيه إستريليني (2.9 مليار دولار حينها) لبناء 175 عنفة رياح شكّلت وقتها أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم. باعت الشركة الدنماركية ذراعها المتخصصة بالغاز الطبيعي لتصبح اليوم أكبر شركة طاقة رياح بحرية في العالم، حيث تجاوز إجمالي طاقتها لإنتاج الطاقة المتجددة أربع مرات طاقة "شل" في نهاية 2021.
استعانت "شل" في 2018 بإليزابيث برينتنون، وهي أتت من خارج الشركة وكانت قد ساعدت في بناء أعمال الشركة الاسترالية "أيه جي إل إنيرجي" (AGL Energy) في مجال الطاقة المتجددة.
جلبت برينتون معها استشاريين من شركة "ماكنزي" (McKinsey) واقترحت إنشاء قسم ضمن "شل" يكون مسؤولاً عن توليد الطاقة الكهربائية وعن جزء من عمليات الشركة في مجال تداولات الكهرباء التي بدأت تحقق نمواً، وهما مجالان ينضويان تحت إدارة قسم الغاز الطبيعي، ما يلغي بالتالي معظم عمليات إعادة الهيكلة التي طرأت إثر فشل مشروع الألواح الشمسية.
هدفت هذه المناورة إلى تعزيز أنشطة الأعمال هذه وضمان نموّها بغض النظر عن عمليات "شل" في مجال الوقود الأحفوري. قالت برينتون في أسئلة وأجوبة نشرت على موقع الشركة في 2020: "أن تصبح شركة طاقة محايدة للكربون مهمّة ضخمة جداً... لن توصلنا خطط الأعمال التي نعتمدها اليوم إلى هذا الهدف، يجب تغيير خططنا مع الوقت ومع التغير الذي يطرأ على المجتمع وعلى عملائنا".
إلا أن هذا لم يُنفذ قط، وانتقلت برينتون بعد ذلك بفترة وجيزة للعمل على شؤون الاستدامة في شركة "مايكروسوفت". لقد رفضت التعليق على هذه المقالة.
استقالات واسعة
كانت مغادرة برينتون جزءاً من موجة استقالات أوسع، إذا أظهرت دراسة داخلية أجريت في 2021 أن أكثر من 80% من الموظفين من خارج الشركة الذين انضموا إلى أقسام "شل" المعنية بالطاقة المتجددة وغيرها من الأنشطة التجارية منخفضة الكربون غادروها في خلال أربع سنوات، حسب مسؤول تنفيذي سابق شارك في التكليف بإعداد الدراسة وطلب عدم الكشف عن اسمه لتناوله صاحب عمله السابق.
تحدث هذا المدير التنفيذي إلى جانب خمسة آخرين إلى بلومبرغ بزنيسويك طالبين عدم كشف أسمائهم، ووصفوا مساراً متشابهاً مروا به، فقد انضموا إلى الشركة بتفاؤل وأمل أن يفتح لهم اسمها وميزانيتها أبواب فرص عظيمة، لكنهم خُذلوا مع الوقت.
كانت قطاعات الطاقة الجديدة التي حاولت "شل" دخولها غالباً ما تسيطر عليها شركات أصغر قادرة على التحرك أسرع. إلا أن متحدث باسم "شل" قال إن أنشطتها في مجال الطاقة المتجددة والجديدة تسجل نسب تناقص موظفين أقل من المعدل العام في القطاع وحققت "نمواً وتطوراً ملحوظين".
طموح كبير
المعضلة الأساسية التي تعيق جهود "شل" هي أنه برغم توقع بلوغ استخدامات النفط وربما الغاز أيضاً ذروتهما خلال عقد أو عقدين، إلا أن هذه الأنشطة التجارية تبقى مدرّة لأرباح جمّة. حققت "شل" العام الماضي أرباحاً سنوية بلغت 39.9 مليار دولار، محطمة الرقم القياسي الذي كانت قد سجلته في 2008 حين بلغت أرباحها 28.4 مليار دولار.
في المقابل، لم تثبت كثير من تقنيات الطاقة البديلة المتوفرة اليوم جدواها على مستوى الاستخدام واسع النطاق، أمّا تلك التي لديها سجل جيد فهي أقل ربحية بكثير من النفط والغاز.
"شل" تعتزم تركيب 50 ألف شاحن سيارات كهربائية في شوارع بريطانيا بحلول 2025
قال مايكل ليبريتش، الرئيس التنفيذي السابق لبلومبرغ إن إي أف والاستشاري في مجال الطاقة الذي سبق وقدم استشارات لـ"شل": "وصلنا اليوم إلى مرحلة تقرّ فيها الشركات الكبرى في مجال النفط والغاز أن التغير المناخي واقع، والمجتمع يتوقع منها التعامل معه".
لكنه استدرك قائلاً أن الشركات "غير قادرة على التصرف بالسرعة التي تدّعيها لأن ما يبقي الأنوار مضاءة من حيث الأساس هو النفط والغاز، وهو القطاع الوحيد الذي يحقق لها المال".
يُعزى جزء من المشكلة التي واجهتها "شل" لكبر طموحها. قال فان بوردن إن الشركة تتوقع أن تصبح "شركة ضخمة جداً في مجال الكهرباء"، فلا يقتصر توسعها على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بل تتعداهما نحو بناء شبكة لشحن المركبات الكهربائية وتُستخدم ذراعها في مجال تداول الكهرباء لشراء الطاقة المتجددة من منتجين آخرين وبيعها للعملاء.
تبدو هذه الفكرة منطقية، بما أنه استناداً إلى معظم النماذج فإن إزالة الكربون ستتطلب على أرض الواقع زيادة عدد وأنواع الأشياء التي يعتمد تشغيلها على الكهرباء وليس طاقة الاحتراق.
نموذج أعمال مختلف
لكن إذا ما قدمت "شل" نفسها على أنها شركة طاقة كهربائية، سيتعين أن تتقن مجال عمل يختلف تماماً عمّا تمرست فيه طيلة تاريخها. يتركز النفط والغاز الطبيعي بكميات تجارية في أماكن محدودة على كوكب الأرض، وفي معظم الأحيان يكون اكتشاف هذه الاحتياطيات صعباً ومكلفاً.
أمّا نقل الوقود إلى الأماكن التي يريد البشر أن يحرقوه فيها، أي على امتداد الكرة الأرضية، فيتطلب شبكة دولية من ناقلات النفط والصهاريج وخطوط الأنابيب.
في حال الغاز الطبيعي، يتطلب ذلك منشآت لتسييل الغاز وموانئ ضخمة متخصصة. تتقاضى شركات الوقود الأحفوري مبالغ طائلة مقابل منتجاتها نظراً لندرة هذه الموارد وحالة عدم اليقين المحيطة بها. حين تنخفض الأسعار، يمكن للمنتجين أن يخفضوا الإنتاج وينتظروا أن تعمل عوامل العرض والطلب لصالحهم.
تختلف الطاقة الكهربائية في ذلك، بالأخص تلك المولدة من الطاقة المتجددة، إذ لا تنقيب عن أشعة الشمس أو الرياح، كما أن نقل الكهرباء التي تولدها حول العالم ليس عملياً. لا تستخرج شركات الكهرباء سلعة قيّمة يمكنها تخزينها أو نقلها أو التمسك بها، بل تقدّم خدمة.
كما أن بيع الكهرباء للناس كي يتمكنوا من استخدامها في منازلهم على نطاق واسع يتطلب التعامل مع مجموعة من القوانين التي تحكم الأسواق والتي تتباين مع تباين الولايات والدول. قال أتول أريا، كبير مسؤولي استراتيجيات الطاقة في شركة "أس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايت" (S&P Global Commodity Insights) إن قطاع الكهرباء "نشاط تجاري أكثر محليةً" فيما أن "قطاع النفط، سواء كنت في ألاسكا أو تكساس أو في بحر الشمال أو في الشرق الأوسط، فهو متشابه جداً".
هوامش ربح أقل
يقول عديد من موظفي "شل" إن تلكؤ الشركة في تكييف عقليتها قوّض جهودهم، فمديرو "شل" التنفيذيون معتادون على عالم النفط والغاز عالي المردود رغم أنه محفوف بالمخاطر، لذا يترددون في الموافقة على استثمارات رأسمالية في مزارع رياح ومصفوفات طاقة شمسية هوامش ربحها أدنى ولو كان مضموناً.
قال مادس نيبر، الرئيس التنفيذي لشركة "أوسترد" الرائدة في طاقة الرياح، إن مردود أي مشروع لطاقة الرياح قد لا يتجاوز 1% بعد احتساب تكلفة رأس المال. في المقابل، تستهدف أرقام "شل" المنشورة عوائد تتراوح بين 20% و25% من مشاريع التنقيب عن الغاز والنفط.
اقترح المستثمر والناشط دانيال لوب في نهاية 2021، تقسيم الشركة، بحيث تفصل أقسامها المتخصصة بالغاز الطبيعي المسال والموارد المتجددة والتسويق عن القطاع التاريخي الذي اشتهرت به. إلا أن "شل" دافعت علناً عن نهجها الشمولي ولم تساير هذا الاقتراح. مع ذلك، تتجه "شل" نحو تحقيق بعض أهدافها المتعلقة بالكربون.
غياب الخطط الواضحة
يُستخدم "بروتوكول غازات الدفيئة" على نطاق واسع كمعيار لتصنيف الانبعاثات تحت فئات مختلفة لتقدير الأثر المناخي للمؤسسة ككل. انبعاثات النطاق الأول هي تلك التي تنتجها المؤسسة مباشرة، وفي حالة "شل" يعني ذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان من المصافي ومنصات الغاز والشاحنات التي تنقل منتجاتها.
أمّا انبعاثات النطاق الثاني فهي غير مباشرة ينتجها موردو الطاقة للشركة، مثل الغاز الطبيعي الذي تحرقه معامل الكهرباء التي تملكها شركات المرافق التي تشتري منها "شل" الكهرباء.
تخطط "شل" لتخفيض انبعاثاتها من النطاقين الأول والثاني من 83 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون في 2016 إلى 41 مليون طنّ في 2030 (انخفضت هذه الانبعاثات في 2021، وهو آخر عام أفضحت فيه عن حجم انبعاثاتها، إلى 68 مليون طن).
إلا أن كمية انبعاثات النطاقين الأول والثاني لا تتجاوز 10% من إجمالي بصمة الشركة الكربونية، فالانبعاثات الأكبر تنتج عن النطاق الثالث، أي الوقود التي تبيعه للناس والشركات لتحرقه محركات سياراتهم وشاحناتهم وطائراتهم.
لا تملك "شل" أي خطط واضحة للتخلص من هذه الانبعاثات. يظهر على موقع الشركة الالكتروني مخطط انسيابي يشير إلى الأهداف المناخية لاستراتيجية (Powering Progress) التي اعتمدتها الشركة ويضمّ فقاعتين، الأولى تمثّل 1.3 مليار طنّ من ثاني أكسيد الكربون في 2021 والثانية تمثّل صفراً في 2050، دون الإشارة إلى الخطوات المزمعة فيما بين الزمنين.
التمسك بالغاز
حتى أن اللهجة التي تستخدمها "شل" في الحديث عن مسار انبعاثاتها تبدو أقل حسماً بين وقت وآخر، بالأخص حين تخاطب المساهمين بدل الرأي العام. قالت الشركة في آخر تقاريرها السنوية: "هدفنا المتعلق بتحييد الانبعاثات بحلول 2050 يرتبط بالتقدم الذي يحققه المجتمع في هذا الإطار، فثمة احتمال كبير بألا تتمكن "شل" من تحقيق هدف تحييد الانبعاثات في حال لم يحييد المجتمع انبعاثاته".
بدأ إنتاج "شل" للنفط يتراجع ببطء بعد بلوغه الذروة في 2019، لكن ذلك يُعزى جزئياً لتحويل الشركة تركيزها إلى الغاز الطبيعي. كان صوّان، الرئيس التنفيذي الجديد للشركة الذي سبق أن أدار محركي أرباحها، أي نشاطها التجاري في مجال تسييل ونقل الغاز الطبيعي وذراعها المتخصصة بالتنقيب عن الوقود الأحفوري واستخراجه، قد أوضح أنه لا يتعجل التخلي عن الغاز. بيّن في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ في 2 فبراير إن الأعمال "تستمر في النمو في عالم بحاجة ماسّة للغاز الطبيعي، وأعتقد أنه سيحتاجه لفترة طويلة".
"شل" تحقق نتائج أعمال قياسية مع ازدهار أعمال الغاز
استمرار الانبعاثات
كذلك، لن يُترجم بالضرورة كل خفض للانبعاثات تحتسبه "شل" إلى تراجع في كمية الكربون التي تخرج إلى الغلاف الجوي للأرض. تهدف الشركة إلى خفض الانبعاثات من النطاقين الأول والثاني والثالث بـ120 مليون طنّ بحلول نهاية العقد الحالي من خلال تمويل مشاريع لإعادة تأهيل الغابات والأراضي العشبية وغيرها من المساحات الطبيعية حول العالم.
بما أن هذه النباتات تمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، يمكنها تعويض الانبعاثات التي ستستمر شركات مثل "شل" بالتسبب بها. إلا أن عديداً من علامات الاستفهام كانت قد برزت حول هذا الحل الموصوف على أنه يستند إلى الطبيعة.
كانت شركة البحوث المتخصصة بتعويض الكربون "سيلفيرا" (Sylvera) قد وجدت أن 31% فقط من المشاريع التي شملتها دراستها حققت التأثير المناخي المأمول.
نشطاء مناخ يتهمون "شل" بـ"التمويه الأخضر"
حتى الآن، يُعزى معظم التقدم الذي حققته "شل" على صعيد خفض الانبعاثات إلى بيع آبار نفط ومصافٍ تمتلكها في الولايات المتحدة والدنمارك وألمانيا.
على الرغم من أن هذه الانبعاثات حُذفت من حسابات "شل"، فهذا لا يعني أنها قد أُزيلت من الغلاف الجوي. قال ديمتري لافلور، المحلل في منظمة "غلوبال كلايمت إنسايت" (Global Climate Insights) "لا يجب بيع تلك الأصول إلى طرف آخر"، معتبراً أنه إذا كانت الشركة تكترث فعلاً لخفض الانبعاثات "فعليها أن تنهي العمل بهذه الأصول تماماً".
هل يفوت الأوان؟
شغل لافلور سابقاً وظيفة جيوفيزيائي في حقول غاز طبيعي تتبع "شل"، أولاً في المملكة المتحدة وهولندا ثم في أستراليا. قال: "في إحدى المراحل، أصبح من الواضح لي أن التغير المناخي مسألة مثيرة للقلق فعلاً، ورأيت أن "شل" لا تبذل ما يكفي من الجهد في هذا الصدد".
أشار إلى أنه عرض على مديريه استكشاف الطاقة الحرارية الأرضية التي تستخدم تقنيات مشابهة للتنقيب عن النفط والغاز لاستخراج الحرارة الجوفية واستعمالها في توليد الطاقة المتجددة، لكن الشركة لم تعر اقتراحه أي أهمية. استقال لافلور في 2012 ليعمل على أطروحة دكتوراه تركز على الطاقة والتغير المناخي.
لقد صرّح متحدث باسم "شل" أن لدى الشركة اليوم سبعة مشاريع طاقة حرارية أرضية في هولندا. قال لافلور: "توجد الكثير من الأمور التي يمكن أن تقوم بها "شل"، فنظراً إلى مستوى خبراتها ومهاراتها في إدارة المشاريع، هي قادرة على تنفيذ مشاريع بالغة التعقيد".
تفاخر "شل" بأن خبراتها الهندسية في الحفر بالمياه العميقة والعمل في أماكن نائية وصعبة تمنحها تفوقاً في بناء مزارع الرياح. لكن بنظر لافلور، ما تزال "شل" شركة متمسكة بالتقاليد كما تركها قبل عقد. قال: "هذه ليست الوتيرة المطلوبة نظراً إلى السرعة التي نحتاجها... إذا لم تقم بتخفيضات كافية خلال العقد المقبل، فسيفوت الأوان على إبقاء زيادة حرارة الأرض دون 1.5 درجة".
حكم قضائي
تواجه الشركة انتقادات مماثلة أمام المحكمة. أصدرت هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة في هولندا تنظر في دعوى مقدّمة من مجموعة من المنظمات البيئية حكمها في 2021 بأن تخفّض "شل" كل انبعاثاتها من النطاق الأول والثاني والثالث بنسبة 45% بحلول 2030، وليس بعد عقدين من ذلك.
استأنفت "شل" الحكم واعتبرت أنه لا يجوز أن يُنتظر منها النجاح فيما فشلت بتحقيقه حكومات الدول حتى الآن. قالت مريان فان لون، رئيسة وحدة "شل" في هولندا: "يجب أن يشمل تحوّل الطاقة السوق بكاملها"، لا أن يكون مسألة تتعلق بـ"قضية أمام محكمة أو بشركة واحدة".
زادت "شل" فعلاً استثماراتها في التقنيات المتجددة والتقنيات منخفضة الكربون التي تتحدث عنها منذ عقود في السنوات الأخيرة من عهد فان بوردن. اشترت في السنتين الماضيتين شركة تطوير الطاقة الشمسية الهندية "سبرنغ إنيرجي" (Sprng Energy) مقابل 1.6 مليار دولار وشركة الطاقة المتجددة الأميركية "سافيون" (Savion) مقابل مبلغ لم تفصح عنه.
كما وافقت على دفع نحو ملياري دولار لشركة "نايتشر إنيرجي بيوغاس" (Nature Energy Biogas) في الدنمارك التي تحوّل روث الحيوانات إلى غاز طبيعي. تستثمر "شل" أيضاً في جهودها الخاصة في مجال الطاقة المتجددة، إذ زادت الإنفاق على وحدتها المتخصصة بالطاقة المتجددة وحلول الطاقة إلى مبلغ قياسي بلغ 3.5 مليار دولار في 2022، أي بنسبة تزيد نحو 50% عن تلك المسجلة في 2021.
لكن في المقابل استثمرت "شل" أكثر من ضعفي هذا المبلغ أي 8.1 مليار دولار في عمليات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه العام الماضي. قال صوّان في اتصال لمناقشة الأرباح في فبراير إن الاستثمارات المستقبلية في الموارد المتجددة وغيرها من التحولات في مجال الطاقة سنخضع لتقييم أكثر دقة.
أضاف: "سنحرص على أن تؤول هذه الاستثمارات إلى مجالات نرى فيها بوضوح عوائد جذابة لصالح مساهمينا".
استخدام الهيدروجين
تقع شبه جزيرة صناعية استُصلحت على مدى عقود في بحر الشمال على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً غرب مصفاة برنيس، حيث تحيط مساحات شاسعة من التربة الرملية بتجمع من المقطورات.
في حال سارت الأمور وفق المخطط، ستضمّ هذه المنطقة 10 وحدات تحليل كهربائي، يوازي حجم كل منها حجم حاوية شحن، تعمل على فصل المياه إلى أكسجين وهيدروجين، حيث سيُطرح الأكسجين في الجو فيما يُخزن الهيدروجين ليستخدم كوقود غاز مضغوط خال من الكربون.
وقفت ليس خروينيندال، المشرفة على المشروع المسمى "هولاند هيدروجين 1" بملابس العمل تنظر إلى نموذج مصغّر عنه، وقالت مشيرة إلى وقود الهيدروجين: "بما أنه جزئيات فهو قابل للنقل".
فيما تسعى "شل" لدخول مجال الطاقة الكهربائية، إلا أنها ما تزال تعتمد على استمرار الحاجة إلى الجزئيات القابلة للنقل. فرغم التقدم المبهر الذي حُقق أخيراً على صعيد تقنيات البطاريات، إلا أن البطارية القوية بما يكفي لتشغيل طائرة أو سفينة ضخمة، تحتاج إلى مساحة واسعة لن تترك مكاناً لركاب، أو لبضائع.
كما أن الصناعات الثقيلة مثل صناعة الصلب ستظل بحاجة لحرارات مرتفعة تولّدها عمليات الاحتراق.
يقدّم وقود الهيدروجين حلاً محتملاً للمسألتين. فلا ينبعث منه أي كربون عند حرقه، كما يمكنه تشغيل مركبة دون احتراق عبر تفاعل كهروكيمائي في خلية وقود.
زد على ذلك أن الهيدروجين أحد مكوّنات الأسمدة وغيرها من المنتجات الكيميائية المنتجة في برنيس. كما يطرح حلاً محتملاً لمشكلة تخزين طاقة الرياح والطاقة الشمسية عبر تحويلها بواسطة محلل كهربائي إلى وقود خال من الانبعاثات يُحرق في معامل الكهرباء عند انحسار الرياح أو عند ارتفاع الطلب.
قال أريا من "إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايت": "سنرى كثيراً من الاستثمارات الضخمة في الهيدروجين، كما أن العالم الذي سيقوم على تشغيل كل شيء كهربائياً سيعتمد بشدّة على الهيدروجين".
إنشاء سوق للهيدروجين
يقدّر فان بوردن تكلفة مشروع "هولاند هيدروجين 1" بنحو مليار دولار، وسيكون أكبر بعشر مرات من ثاني أكبر مشروع مشابه في أوروبا حالياً. يُتوقع أن ينتج زهاء 60 طنّاً من الهيدروجين في اليوم.
لضمان خلو العملية من الكربون، فإن الكهرباء اللازمة لتشغيل وحدات التحليل الكهربائي سيكون مصدرها مزرعة رياح بحرية تعمل "شل" على بنائها مع شركة المرافق الهولندية "إنيكو" (Eneco).
لكن حتى إن انتشر استخدام الهيدروجين على نطاق واسع جداً، فسيظلّ دوره في نظام الطاقة العالمي أصغر بأشواط من الدور المناط بالنفط والغاز اليوم، وكي تنجح "شل" في نشاطها التجاري في مجال الهيدروجين، لا بد أن تبني سوقاً له.
ينطبق الأمر نفسه على الوقود الحيوي الذي ستبدأ الشركة بضخه من برنيس. رغم أن لديها الخبرة الكيميائية والهندسية لإنتاج الوقود الحيوي إلا أن إنتاجه أغلى بمرتين أو ثلاث من الوقود الأحفوري. لذا ستبقى هذه المنتجات تخصصية إلى أن يتغير ذلك.
ينطبق الأمر نفسه أيضاً على تقنية احتجاز الكربون وتقنيات التخزين التي ما تزال غير مجدية اقتصادياً، والتي تقول "شل" وغيرها من شركات الطاقة إن من شأنها جعل احتراق الوقود الأحفوري شبه خالٍ من الانبعاثات.
ترتبط "شل" بعلاقات قائمة أصلاً مع عملاء تجاريين وباعة التجزئة ستحتاجهم لتبيع الهيدروجين والوقود الحيوي، فالشركة هي واحدة من أكبر موردي وقود الطائرات إلى شركات الطيران والديزل للشاحنات، ولديها سجل حافل بطرح أنواع جديدة من الوقود وإنشاء أسواق لها.
كانت "شل" في الستينيات رائدة في بناء معامل تسييل الغاز وموانئ شحنه، التي لولاها لبقي الغاز الطبيعي منتج آبار نفط ثانوياً واعداً لكنه غير عملي.
حثّ على دور أكبر
هناك أيضاً مسألة أموال النفط والغاز، إذ يتوقع فان بوردين أن تستخدم "شل" عاجلاً أو آجلاً مخزونها النقدي لتمويل سطوتها في مجال الطاقة الجديدة.
قال: "سأستغرب إن لم تكن لتقوم بخطوة أو خطوتين كبيرتين على صعيد محفظتها، قد يكون ذلك في مجال الكهرباء أو ربما الوقود الحيوي. ستحل اللحظة التي ستكون هذه الخطوة مناسبة فيها، سيظهر هدف وسيبدو جذاباً وسنكون جاهزين له".
بالنسبة بالنظر لشركة بحجم "شل"، يعني ذلك أمراً أكبر حجماً من استثماراتها السابقة، يرى فان بوردن إنه قد يكون أشبه بـ52 مليار دولار قد أنفقتها لشراء شركة الغاز الطبيعي "بي جي غروب" (BG Group)، التي كانت أساسية في بدء الشركة تخفيف اعتمادها على النفط.
حتى الآن، يبدو أن الشركات التي تبذل الجهد الأكبر للدفع قدماً في تحوّل الطاقة والتربح منه هي الشركات الصينية، التي تهيمن على صناعة الخلايا الشمسية والمبتكرون الأوروبيون الذين حوّلوا طواحين الهواء من مجرد آثار ريفية إلى شركات صناعية عملاقة.
أنفقت شركات الكهرباء وغيرها من المطورين تريليونات الدولارات لإنشاء معامل الكهرباء التي تستند إلى الطاقة المتجددة، فيما أسهم صانعو البطاريات وشركات سيارات، أبرزها "تسلا"، في انتشار المركبات الكهربائية.
بمعنى آخر، لم يكن عمالقة الطاقة التقليديون هم من قادوا هذا التحوّل.
لكن حتى أشد منتقدي "شل" يرون أن لديها دوراً مهماً تلعبه. قال مارك فان بال، مؤسس مجموعة "فولو ذيس" (Follow This): "(شل) لديها الذكاء والمليارات والانتشار العالمي لتسريع عملية التحوّل".
أضاف فان بال، الذي تنشط مجموعته في مجال المناخ وتستخدم قرارات المساهمين للضغط على شركات نفط كبرى منها "شل" لخفض المزيد من الانبعاثات: "لقد قالت الشركة أخيراً: نعم سنقوم بالتحوّل لكن ببطء... إذا كانت تريد تحوّلاً ببطء، فكان يجب أن تبدأ في 1990. لا يوجد متسع من الوقت للتصرف ببطء الآن".