عاد نيلسون بيلتز من عطلة على طريقة المليارديرات في مطلع يناير ليخوض معركة انتزاع مقعد له في مجلس إدارة "والت ديزني"، فقال لشركة الترفيه العالمية إن رائحتها مقززة. لم يستخدم المشارك في تأسيس صندوق "تريان فند مانجمنت" للاستثمار النشط تلك الكلمات حرفياً، لكن عندما يقول أحدهم إن "عجلة توازنها يعتريها تصدع جلي"، فما الذي قد يقصده سوى ذلك؟
"ديزني" تخطط لإلغاء 7000 وظيفة وتوفير 5.5 مليار دولار من التكاليف
يجني مديرو صناديق التحوط النشطة أموالهم عبر تحري أوجه قصور كتلك، معتقدين بإمكانية تحسين أداء تلك الشركات كما يقول دليل قواعد الاستثمار النشط، الذي يعتبر بيلتز أحد أشهر من وضعوه.
عادةً ما تكون صراعات الصناديق النشطة مع الشركات العملاقة الشهيرة، التي ينتقي أسهمها مجموعة من أشرس الأثرياء المتعطشين للشهرة، مفعمة بالتطورات.
لكنها لم تكن كذلك خلال السنوات القليلة الماضية، حيث شهدت سوق الأسهم صعوداً ملحوظاً لدرجة أن مديري الصناديق النشطة تجشموا عناءً للعثور على أهداف مثيرة للاهتمام بين الشركات الكبرى. ومن ثم، سعوا وراء الشركات الأصغر والأضعف والأكثر رتابة.
حملات متعددة
بدت الأمور مختلفة جداً بعد مرور شهر تقريباً على بداية 2023. على سبيل المثال، وجدت شركة "باير" الألمانية العملاقة، التي تقف وراء صناعة كل شيء من الأسبرين إلى مبيدات الأعشاب الضارة، نفسها في مرمى هجوم ضارٍ شنه جيف أوبن في غضون ساعات من انتقادات بيلتز لإدارة "والت ديزني".
كان أوبن قد اضطلع بأدوار استثمارية عدة تراوحت بين مدير صندوق نشط تحول إليه من دور المستثمر الساعي للبناء كما كان مساهماً معارضاً في بعض الأحيان. بعد بضعة أيام، أعلنت شركة "إليوت مانجمنت" لإدارة الاستثمارات استحواذها على حصة في عملاقة التقنية "سيلزفورس"، وهو حدث ظهر عبره أوبن أيضاً.
دخل مستثمر ثالث غمار المعركة الاستثمارية بحلول نهاية الأسبوع مع إفصاح صندوق "فاليو أكت كابيتال" عن الاستحواذ على حصة في "سيلزفورس"، فضلاً عن تحقيقه هدفاً عجز الآخرون عن تحقيقه وهو انتزاع مقعد في مجلس إدارة عملاقة التقنية كي يشغله رئيسها التنفيذي ميسون مورفيت.
صندوق التحوط "تريان" يشتري حصة في "يونيليفر"
تفوق القيمة السوقية المجمعة لشركات "والت ديزني" و"باير" و"سيلزفورس" 400 مليار دولار، كما تحظى علاماتها التجارية بشهرة واسعة تضمن تصدرها عناوين الصحف الرئيسية.
لعبت عوامل مثل تغيير القواعد والسأم من القائمين على إدارة الشركات الذين تنقصهم الكفاءة أدواراً هامة في دفع صناديق استثمار كبرى ذات إدارة نشطة إلى الواجهة مجدداً، لكن التغيير يبدأ بتوافر الأموال واختيار التوقيت المناسب شأنه في ذلك شأن العديد من الأمور.
تحول الاستثمار النشط، خلال أزيد من عقد قبل جائحة "كوفيد-19"، من استراتيجية هامشية إلى رياضة دموية سائدة في عالم الشركات. اجتذب هذا التحول، الذي تعززه حملات ناجحة ضد شركات كبرى مثل هجوم بيلتز على "بروكتر آند غامبل" وبيل أكمان ضد "كنديان باسيفيك ريلواي" و"إليوت مانجمنت " ضد "إيه تي أند تي"، مالاً كثيراً.
عودة قوية
كانت صناديق التحوط النشطة ترفل مكتنزةً بالمال ومتأهبةً لاغتنام فرص استثمارية في 2020 حين باغتها "كوفيد-19"، فبات الضغط على الشركات لتتخذ إجراءات من قبيل تسريح موظفين أو رفع سعر ركوب الأفعوانية مستهجناً في ظل الأزمة الإنسانية.
بدا أن مديري صناديق الاستثمار النشطة أدركوا الحاجة لنهج ألطف، لذا أبطأوا تنفيذ خططهم؛ بل إن بعضهم تخلى عن نمط الاستثمار النشط برمته، بينما ركز آخرون على شركات أصغر يمكنهم مهاجمتها دون جذب انتباه سلبي من الصحافة والساسة.
انتعشت أكبر صناديق الاستثمار النشطة بمجرد أن استقر العالم إلى وضع طبيعي جديد في ظل "كوفيد-19" وقد اجتذب مديرو تلك الصناديق كثيراً من الأموال. لكن لماذا لم يحدث ذلك في وقت أبكر؟ حسناً، لقد احتفظ عدد من كبرى الشركات حول العالم بقيمتها السوقية المعهودة أو اقتربت من ذلك بعد الخروج من أزمة الوباء، ما صعب على المساهمين المعارضين التذمر من أوجه قصور لديها.
لكن تلك أيام انقضت، فقد تراجعت خلال العام الماضي القيمة السوقية لعملاقات التقنية والدواء، وتقريباً جميع الشركات الكبرى. لذا، بات جمع حصص مؤثرة سريعاً أقل تكلفة على مديري صناديق الاستثمار النشطة، كما يرجح أن يقتنع المستثمرون الآخرون بأفكار جديدة تستهدف رفع أسعار أسهم تلك الشركات مجدداً.
لماذا تفوقت الإدارة النشطة للاستثمارات في 2021؟
قال مديرو الصناديق سالفة الذكر إن شكوكاً تحيط بإجراءات حوكمة شهدتها تلك الشركات خلال الإغلاقات.
تقدم "سيلزفورس" مثالاً جيداً في هذا الصدد. كانت أكبر شركة برمجيات متخصصة بتطبيقات إدارة علاقات العملاء حول العالم قد ضمت الممثل ماثيو ماكونهي، ومغني الراب "ويل.آي.أم" الذي نصب نفسه "مانحاً فكرياً"، إلى اجتماعات عمل رفيعة المستوى سعياً لتطوير استراتيجية الشركة، وفقاً لصحيفة "فاينانشيال تايمز".
كما اعتلى الرؤساء التنفيذيون المشاركون للشركة منصة الاحتفال في مؤتمر "دريم فورس"، وهو احتفال سنوي بإنجازات الشركة التي تبرز "سحر التقنية واللحظات المميزة ومعجزة التواصل البشري"، مرتدين آذان أرانب من المخمل.
قد يتحمل المستثمرون تكلفة مثل هذه الفعاليات على اعتبار أنها هزلية حين تكون السوق صاعدة. لكن ذلك قد يشكل تناقضاً صارخاً حين تقول بعد ثلاثة أشهر إنك ستطرد نحو ثمانية آلاف موظف وسط تباطؤ نمو المبيعات.
مفترق طرق
من مثال ذلك ما فعله بيلتز عندما ظهر في "والت ديزني" بحصة تقدر بـ900 مليون دولار واضعاً الانضمام لمجلس الإدارة نصب عينيه، فقد صوّر إدارة الشركة على أنها لا تتمتع بالكفاءة. في غضون ثلاث سنوات، عينت عملاقة الترفيه بوب تشابيك مديراً تنفيذياً جديداً، وتورطت في خلاف سياسي حول حقوق مجتمع الميم، ثم فصلت تشابيك لتعيد توظيف سلفه بوب إيغر، فضلاً عن إخفاقها بتحقيق توقعاتها للأرباح، بل وخفضت توقعات إيراداتها المقبلة.
قال بيلتز إن الشركة كانت أمام مفترق طرق، فإما أن تمضي قدماً في طريق مظلم يفضي لتدمير قيمتها أو أن تسمح له باستعادة سحرها عبر خطة طرحها على موقع "ريستور ذا ماجيك"، الذي يستخدمه لإبقاء المراقبين على اطلاع دائم على حملته.
رفضت "والت ديزني" انتقادات بيلتز، قائلةً إن خبرته في مجالس إدارة شركات الصابون والكاتشب لا يمكن نقلها إلى قطاع الترفيه.
الإدارة النشطة في سوق الأسهم حاضرة بقدر ما كانت قبل الغزو الخامل البالغ 11 تريليون دولار
يفضل مديرو صناديق الاستثمار النشطة ملاحقة الشركات العملاقة، جزئياً لأن حجمها الكبير يعني أن هناك كثيراً يمكن استهدافه. قد تصبح "سيلزفورس" بمثابة كيس ملاكمة لصندوق "إليوت مانجمنت" الذي قد يلوح بقبضته لدفعها نحو خفض الوظائف وزيادة الأسعار ومبيعات الأصول وإعادة شراء الأسهم وتجميد رواتب التنفيذيين وتجهيز طائرات الشركة بوسائد أرخص.
يفتح ذلك المجال أمام احتمالات لا حصر لها، وكلٌّ منها يجعل الشركة واستثمار "إليوت مانجمنت"، على حد سواء، أكثر قيمة من الناحية النظرية.
كما تمنح الشركات الكبرى صناديق الاستثمار النشطة درجة من الحماية ضد المخاطر التي يوفرها حجمها. قد يعتقد بيلتز، الذي تضفي نظارته وشعره الأبيض على شخصيته بعداً ساحراً، أن الطريقة الوحيدة لجعل مجلس إدارة "والت ديزني" أسعد مكان على وجه الأرض هي منحه مقعداً على طاولته.
لا شك أنه يدرك أيضاً أنه برغم عيوب الشركة، ليس مرجحاً أن يفقد سهمها كامل قيمته إن لم يحصل على مقعد في مجلس إدارتها.
دعم تنظيمي
عُززت الظروف المواتية لصناديق الاستثمار نشطة الإدارة في سبتمبر، عندما أدخلت هيئة الأوراق المالية والبورصات قواعد جديدة تحكم انتخابات مجالس الإدارة. الزمت التعديلات المسماة قواعد الوكيل العامة الشركات بتضمين ترشيحات الصناديق النشطة لمقاعد مجلس الإدارة على بطاقات التصويت التي ترسلها للمساهمين.
تعين على مديري صناديق الاستثمار النشط فيما مضى إرسال بطاقات تصويت منفصلة خاصة بهم عبر البريد. كان ذلك إجراءً مرهقاً ومكلفاً، خاصة في الشركات الكبيرة، التي تميل لتضمين قائمة مستثمريها نسبة كبيرة من المستثمرين الأفراد الذين يمتلكون عدداً ضئيلاً من الأسهم. لم يكلف مديرو صناديق الاستثمار نشطة الإدارة أنفسهم عناء محاولة الوصول إلى كل ناخب محتمل. لكن الآن عليهم أن يفعلوا ذلك على نفقة الشركة التي يتنازعون على إدارتها.
خسائر "أداني غروب" السوقية تصل إلى 120 مليار دولار متأثرة بمراجعة "MSCI"
كما يخدم الصراع مع أكبر العلامات التجارية في أميركا رسالة تسويقية مهمة بالنسبة للصناديق النشطة، حيث تلعب دوراً في التأكيد على الصورة التي رسموها لأنفسهم باعتبارهم مقاتلين مصلحين يتمثلون النبي داوود في دحره لجالوت، وهي حيلة استراتيجية تتجاهل حقيقة أن هؤلاء المساهمين المعارضين غالباً ما يكونون أكثر ثراءً من الذين يعارضونهم.
قد يصعب التخلي عن هذه الصورة، حتى حين لا تكون أموالك على المحك. حتى أكمان، الذي قال العام الماضي إنه "تقاعد نهائياً" عن البيع على المكشوف كمستثمر نشط، وهو المسعى الذي وصفه بأنه "أكثر أشكال الاستثمار النشط صخباً"، لم يستطع الابتعاد عن الصراع مؤخراً. فقد ألقى المستثمر النشط بثقله في الحملة التي شنتها "هيندنبورغ ريسيرش" للأبحاث ضد مجموعة "أداني" وشطبت عشرات مليارات الدولارات من قيمة كيانات مجموعة الشركات الهندية على اختلافها. قال أكمان لمتابعيه على "تويتر" البالغ عددهم 603 آلاف متابع إن الهجوم بدا "ذا مصداقية كبيرة ومدروساً على نحو جيد جداً".