أنفقت الشركة 2.6 مليار دولار من أجله لكن تبين أن نظام العلاج قد يكون مرهقاً للعديد من المرضى

عقار "نستله" لعلاج الحساسية من الفول السوداني يفشل

صورة تعبيرية عن عقار مضاد للحساسية من الفول السوداني - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن عقار مضاد للحساسية من الفول السوداني - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما طرحت ”نستله“ عقارها المضاد للحساسية من الفول السوداني في الأسواق لأول مرة في 2020، بدأ روبرت وود، مدير قسم حساسية الأطفال في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور، يستعد ليعالج به الأطفال الذين يتعهدهم.

لكن سرعان ما منع "كوفيد-19" التعامل المباشر مع المرضى، لذا كان وود وزملاؤه يتحدثون بشأنه مع نحو ألف مريض ويقترحون عليهم أن يفكروا باستخدامه حين ينحسر الوباء.

جاءت الاستجابة صادمة، فقد اهتم ستة أشخاص فقط بالدواء الذي قيل إنه يغير قواعد اللعبة في مجال الحساسية القاتلة، وهو العقار الأول من نوعه الذي أقرته السلطات الأميركية.

لم يعالج وود أي مريض بعد بعقار ”بالفورزيا“ (Palforzia)، وليس وحيداً في ذلك. يبدو أن أطباء ومرضى من كاليفورنيا إلى ألمانيا تجاهلوا الدواء واعتمدوا عوضاً عنه على وصفة مجربة صحيحة: تجنب الفول السوداني واحمل حقنة أدرينالين للطوارئ.

اعترف رئيس ”نستله“ التنفيذي مارك شنايدر بذلك في نوفمبر، معلناً أن الإقبال على الدواء كان بطيئاً. استحوذ شنايدر في 2020 على الشركة التي طورت ”بالفورزيا“ لقاء 2.6 مليار دولار ودفع بذلك علاوة مذهلة بلغت 174% في مسعاه لدفع "النشاط التجاري العلمي إلى المستوى التالي"، كما استحوذ على صانعي فيتامينات مثل ”بيوريتانز برايد“ (Puritan’s Pride) و“سولغار“ (Solgar).

تبحث تلك الشركة عن شارٍ لها، وتقول شركة الأغذية السويسرية العملاقة إنها ستضطر لتقبل سعر أخفض من قيمة الصفقة الأصلية، أي أن ذلك قد ينذر بشطب أصول كبيرة فيما تواجه أعمال البقالة الأساسية لديها ضغطاً من التضخم.

خارج خبرتها

ربما لم تكن الشركة التي اشتهرت بمنتجات مثل كبسولات ”نسبريسو“ وشوكولاتة ”كيت كات“ مالكاً مناسباً متمكناً من تعقيدات إدارة شركة أدوية متخصصة، لكن شنايدر يسعى لإيجاد طرق جديدة للنمو بما يتماشى مع ميله الاستراتيجي نحو منتجات الصحة والعافية.

قال مارتن ديبو، المحلل لدى ”جيفريز“ (Jefferies)، إن الرئيس التنفيذي "يتطلع لاستحواذات في مجالات جديدة، وهذا بطبيعته يحمل مخاطرَ… كانت (بالفورزيا) دلالة على ذلك".

كررت "نستله" التزامها بالأغذية الصحية في رسالة عبر البريد الإلكتروني وقالت إن ”بالفورزيا“ آمن وفعال ويحل مشكلة تباين التأثير التي قد تعيق الفاعلية أو تثير رد فعل تحسسي في العلاجات الأخرى الأقل شدة.

الحساسية من الفول السوداني حالة منتشرة استعصى علاجها على كبريات شركات الأدوية لسنوات. يعانيها في الولايات المتحدة 6.1 مليون إنسان، وفق مجموعة أبحاث الحساسية الغذائية غير الربحية. عموماً، يعانيها نحو 2% من شعوب دول الغرب.

اعتقدت ”نستله“ أنها وجدت الحل حين وافقت على شراء ”ايميون ثيرابيوتيكس“ (Aimmune Therapeutics)، صاحبة عقار ”بالفورزيا“، فقد طورت تلك الشركة أول مانع للحساسية من الفول السوداني يفوز بموافقة الجهات التنظيمية الأميركية.

المنتج عبارة عن بروتين الفول السوداني معبأ في كبسولة وموصف كدواء بعدما وافق متطلبات التجارب السريرية الصارمة لإدارة الغذاء والدواء بشأن السلامة والفعالية. يرفع ”بالفورزيا“ ببطء عتبة الحساسية لدى الأطفال عبر تعريضهم لكميات صغيرة من مكونه تُرفع تدريجياً. لكن العملية تتطلب التزام الآباء والأطفال بنظام متطلب يستمر أكثر من عام.

تُعطى الجرعات الأولى في عيادة أخصائي الحساسية خلال جلسة قد تستغرق ما يصل إلى أربع ساعات تشمل مراقبة أي رد فعل مناعي. ثم تُزاد الكمية ببطء على مدى ستة أشهر تقريباً، ما يتطلب زيارة الطبيب كل أسبوعين تتخللهما جرعات يومية في المنزل. يلي ذلك فترة متابعة.

يقول موقع ”بالفورزيا“ على الويب إنه ينبغي تناول الدواء في وقته على الدوام، ويفضل أن يكون مصحوباً بوجبة. كما يجب ألا يتلقى الأطفال جرعة إضافية منه إن فاتهم تناوله ليوم واحد، وينبغي خلط المسحوق الموجود في الكبسولة مع أطعمة ليست شديدة السخونة أو السيولة، ويجب ألا يمارس الأطفال الرياضة لمدة ثلاث ساعات بعد تناولها. كذلك يجب تخزين المنتج في الثلاجة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الحصيلة النهائية

فكرت بريسيلا هيرنانديز من سكان كاليفورنيا بإعطاء ”بالفورزيا“ لابنها زاكي، 10 أعوام، الذي يعاني الحساسية منذ كان رضيعاً. لكنها قررت الاستمرار بتجنب الفول السوداني بدل ذلك، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ابنها يعاني حساسية من أغذية أخرى.

قالت: "على الأقل أعرف كيف أتحكم بهذا الوضع… نتجنبها فنأكل في المنزل ونعمد إلى الممارسات التي سبق أن تعلمناها“.

كما أن ”بالفورزيا“ لا يخلو من مخاطر، فقد عانى نحو 9% من الأطفال خلال التجارب السريرية ردود فعل مناعية خطيرة عند زيادة جرعاتهم.

خلص المعهد الألماني لجودة وكفاءة الرعاية الصحية إلى أن ”بالفورزيا“ لا يتفوق على حل تجنب الفول السوداني. قالت دانييلا بروكشات، رئيسة قسم الأمراض المزمنة لديه، إن الأطفال الذين يتناولون العقار ما يزالون مضطرين لحمل حقن أدرينالين، ما يعني أنهم "يستمرون بتقييد نظامهم الغذائي ونمط حياتهم“، وأضافت أنهم عادة ما يتعرضون للحقن أكثر ممن يتجنبون الفول السوداني.

برغم محتوياته المتواضعة، هو دواء باهظ الثمن. تقدر اللجنة البريطانية التي تقيم فعالية تكلفة الأدوية أن سعره حين تشتريه خدمة الصحة الوطنية يبلغ حوالي 5162 جنيهاً إسترلينياً (6220 دولار) لكل مريض في إنجلترا.

ينصح بول تيرنر، طبيب الحساسية في إمبريال كوليدج في لندن، المرضى بالتحول إلى الفول السوداني المجروش في أسرع وقت ممكن بعد البدء بالعلاج، لأن في ذلك ”تسخيراً أفضل للموارد المالية المحدودة لدى نظام الرعاية الصحية". تقول ”نستله“ إن ذلك قد يعرض المرضى للخطر.

أما وود في جونز هوبكنز، فيقول إن مركز الحساسية كان سيخسر مالاً لو أنه اعتمد ”بالفورزيا“، وهو أمر كان على استعداد لفعله لو كان هناك اهتمام كافٍ بين المرضى. عندما سئل عما إذا كان بعض المرضى ذهب إلى مؤسسات أخرى للحصول على ”بالفورزيا“، أجاب وود على الأرجح لا. انضم عدد قليل منهم لتجربة سريرية لعقار حساسية آخر هو ”زولير“ (Xolair) من شركة ”روش“ رغم أن معظمهم "ما يزالون مرضى في عيادتنا ممن اعتبروا أن الجدوى لا تستحق العناء".

كان شنايدر من نستله عملياً في إنهاء الشركات التي لا تتناسب مع استراتيجيته للصحة والتغذية والعافية في أعقاب حملة المستثمر الناشط دان لوب في 2017. لقد باع وحدة الأمراض الجلدية التابعة للشركة، وحصصاً في شركة آيس كريم، كما أوقف استثمار نستله منذ فترة طويلة في شركة ”لوريال“ (L’Oréal).

لقد جلبت له هذه التحركات قدراً من المال يمكن أن يسخره في استثمارات. جاء شنايدر إلى ”نستله“ في 2016 وله باع في مجال الرعاية الصحية بعدما قاد المجموعة الطبية الألمانية ”فريسينيوس“ (Fresenius). لذا دفع اعترافه بمشاكل ”بالفورزيا“ في ندوة استراتيجية في برشلونة أواخر العام الماضي مستثمرين لاستجوابه حول استثماراته الصحية الأخرى.

يرى باسكال بول، المحلل لدى ”ستيفل“ (Stifel)، أن هذا كان حدثاً لا يتكرر بالنسبة لشنايدر الذي أدار ”نستلة“ بمهارة. قال: ”ما يزال مارك شنايدر يتمتع بثقة المستثمرين… لقد غفروا هذا الخطأ، لكن لا ينبغي أن يتكرر“.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك