غضب الديموقراطيون حين أعلنت ”ميتا بلاتفورمز“ في 25 يناير أنها ستسمح بعودة دونالد ترمب ليستخدم منصات ”فيسبوك“ و“إنستغرام“ بعد تعليق استمر عامين سببه "التحريض" المرتبط بأعمال الشغب في الكابيتول عام 2021، وكان حنقهم متوقعاً.
وصف النائب آدم شيف من كاليفورنيا عودة ترمب إلى المنصة بأنها ”خطيرة“، وانتقد شيف والسيناتور شيلدون وايتهاوس من رود آيلاند قرار الشركة في رسالة مفتوحة لرئيس الشؤون العالمية لدى ”ميتا“ نيك كليغ واعتبراه "لا يُبرر"، وأصرّا على "أنه لا ينبغي تفعيل حسابه“.
تركزت معظم الانتقادات العامة على القلق من أن ترمب قد يستخدم 34 مليون متابع على ”فيسبوك“ لزرع بذور مزيد من العنف والتضليل. يعبّر الديمقراطيون وراء الكواليس عن خشيتهم من أن تعزز عودته إلى المنصة حملته في انتخابات 2024 الرئاسية، إذ ما يزال كثير منهم يعزو تغلبه على هيلاري كلينتون في 2016 لممارسات خبيثة عبر ”فيسبوك“.
لكن برغم كل الجدل الدائر حول عودته المحتملة، لا يُرجح أن تشكل ”فيسبوك“ خلاصاً لترمب في انتخابات 2024، فقد تغيرت كثير من العوامل التي جعلت استغلال حملته لتلك المنصة مبتكراً وفعالاً. قلّده ساسة آخرون، فأطبقت ”فيسبوك“ على استخدام عديد من أساليبه بعدما تعرضت لانتقادات.
يشير خبراء إلى أن ”فيسبوك“ لم تعد سلاحاً سياسياً كما كانت إبان صعود ترمب، لأنها اختارت تخفيف التركيز على السياسة. قال كايل ثارب، وهو استراتيجي سياسي سابق ومؤلف نشرة ”إف دبليو آي دبليو“ الإخبارية، التي تتعقب السياسات الرقمية: "إنها ليست أداة المشاركة العضوية القوية التي كانتها في 2016 أو في 2020".
منصة للتبرعات
لجأ ترمب إلى ” فيسبوك“ أساساً ليجمع المال وليبني دعماً لحملته لأن جامعي التبرعات الجمهوريين ذوي السمعة الطيبة لم يتعاملوا معه جرّاء سمعته المنتشرة كمتعصب ومشاكس.
أصبحت المنصة في 2015 مسرحاً له بشكل أو آخر، فاستغلها بالكامل وجنى عبرها الجزء الأكبر من ربع مليار دولار جمعتها حملته عبر الإنترنت. كما أصبح اليوم جميع الساسة وبينهم ترمب يستخدمون ”فيسبوك“ باستمرار لجمع الأموال.
رغم تعليق حسابه الشخصي بعد هجوم 6 يناير، سُمح للجنة ترمب المشتركة لجمع التبرعات المسماة ”أنقذوا أميركا“، وهي وسيلته الرئيسية لجمع التمويل السياسي، بمواصلة جمع الأموال عبر المنصة، كما أنفقت ما لا يقل عن 2.2 مليون دولار على إعلانات ”فيسبوك“ إبان تعليق حسابه. لذا قد لا تنتج عودة ترمب مكاسب مفاجئة تداني ما يتوقعه بعض الناس.
إن عاد ترمب إلى ”فيسبوك“ ستكون أدوات حملته محدودة. نقلت بلومبيرغ بيزنس ويك لأول مرة في 2016، أن حملة ترمب استخدمت ”فيسبوك“ لإجراء عملية مكثفة خفية لثني الناخبين السود غير المتكررين (الذين يُفترض أنهم من مؤيدي كلينتون) عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، لا سيما في ولاية فلوريدا المتأرجحة.
لقد تمكنت الحملة من ذلك باستخدام "المنشورات المظلمة" على ”فيسبوك“، وهي منشورات غير متاحة للعامة تتحكم الحملة بتوجيهها نحو من تختار. قال مدير الحملة للشؤون الرقمية براد بارسكال: “يراها فقط الناس الذين نريد أن يروها". لكن رد الفعل العام الذي أثاره هذا السلوك دفع ”فيسبوك“ لحظر هذه الممارسة المثيرة للجدل.
لعبة "أناليتيكا"
ينطبق ذلك على طريقة أخرى استخدمتها حملة ترمب في 2016، حين جمعت بطريقة غير مشروعة بيانات عشرات ملايين مستخدمي فيسبوك الخاصة دون علمهم أو موافقتهم.
كان سلاحها السري في هذا المسعى شركة ”كامبريدج أناليتيكا“ (Cambridge Analytica) لاستخراج البيانات في لندن، وكان يدعمها مانح جمهوري ثري يرأس صندوق تحوط هو روبرت ميرسر. كما كان رئيس حملة ترمب ستيف بانون عضواً في مجلس إدارتها.
أقصى الاحتجاج الدولي الذي نشأ حين ظهور هذه الممارسات ”كامبريدج أناليتيكا“ من ”فيسبوك“ ودفع إلى إفلاسها في 2018. يعرض موقع الشركة على الويب اليوم إعلانات لعلاجات ضعف الباءة.
لم يتبنّ ترمب موقفاً واضحاً حيال العودة إلى ”فيسبوك“، فقد قال عبر ”فوكس نيوز“ (Fox News) إن الشركة "تحتاج إلينا أكثر مما نحتاج إليها". يعتقد معظم الجمهوريين المقربين من عمليته السياسية أنه لن يكون قادراً على تفويت جمهور من عشرات الملايين يمكنه استعادته عبر العودة إلى ”فيسبوك“ و“إنستغرام“ و“تويتر“، التي أعاد مالكها الجديد إيلون ماسك تفعيل حسابه فيها في 19 نوفمبر، لكن ترمب لم يغرد عبره بعد.
يقرّ بعض حلفاء الرئيس السابق بأن ”فيسبوك“ تفتقر اليوم لاتساع الجمهور الذي كانت تحظى به سابقاً، لكنهم يعتقدون أن عودة ترمب إليها ستكون عاملاً فارقاً مهماً فيما قد يكون تزاحماً جمهورياً في السباق إلى كرسي الرئاسة.
قال مات أوكزكوفسكي، مستشار البيانات الرئيسي لحملات ترمب الرئاسية لعامي 2016 و2020: "كانت قدرة ترمب على التحدث مباشرة عن نفسه دائماً أقوى أسلحته… لطالما كانت قدرته على أن يكون مرحاً ومباشراً وغير نمطي وكذلك تحدثه بطريقته الخاصة هي أكبر ما يميزه عن الجمهوريين الآخرين وهو ما يستجيب له الناخبون“.
لا ينفي خصوم ترمب، الديمقراطيون والجمهوريون، أن تصرفاته الملفتة للانتباه عبر وسائل التواصل الاجتماعي هيمنت على حملتيه الرئاسيتين الأخيرتين ورسمت شكلهما. لكن ترمب يواجه عقبتين أخريين على الأقل من ”فيسبوك“ في سعيه لاستعادة دوره كقائد سياسي في انتخابات 2024.
أولاهما هي أن الشخصيات المحافظة البارزة مثل ترمب وتاكر كارلسون ودان بونجينو لا يسترعون قدراً من الاهتمام يداني ما كانوا يستجلبونه قبلاً، وذلك بفضل تعديل واضح في خوارزميتها.
قال ثارب: "تتلقى صفحات (فيسبوك) المحافظة الرئيسية مشاركةً عضويةً أقل بكثير مما كان قبل عامين فقط". تُظهر بيانات ”كراود تانغل“ (CrowdTangle) أن عدد الإعجابات والمشاركات والتعليقات يبلغ تقريباً عُشر ما كان عليه في 2020.
ثانيهما قد لا تكون معالجة ”فيسبوك“ للمحتوى السياسي المثير للجدل تأثيراً على ترمب بل هو مجاراة ”تيك توك“. تتنافس ”فيسبوك“، كما سواها من المنصات الاجتماعية، مع تطبيق مشاركة الفيديو الصيني عبر إعطاء الأولوية لمحتوى الفيديو العمودي القصير، وهو نموذج لم يتقنه ترمب أبداً.
قد يتمكن ترمب من التكيف والازدهار، لكن إن لم يفعل، فقد ينتهي به الأمر باعتباره الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة من رواد الأعمال الذين ازدهروا عبر ”فيسبوك“ وانهاروا حين غيرت الشركة اتجاهها.