تستعيد مدينة النور مكانتها في قمة المشهد الفني الأوروبي بفضل جهود مكثفة واستقطاب الفنانين

باريس تسعى لاحتلال مكانة لندن الفنية

صورة تعبيرية - الشرق/بلومبرغ
صورة تعبيرية - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تُوجت باريس أبرز عواصم أوروبا للفن المعاصر في أكتوبر عندما أتاها أثرياء العالم لحضور الدورة الافتتاحية لمعرض جاء اسمه بلا ألق "باريس+ بار آرت بازل".

سرق المعرض الشهير خانة "المعرض الدولي للفن المعاصر" في غران باليه في انقلاب فني، فقد كان الأخير يُقام في الموعد والمكان ذاتهما.

جال جامعو التحف الأثرياء وقيّمو المتاحف والصحفيون والحشد الأنيق من متابعي الفن بين افتتاحات المعارض والمتاحف في مشهد احتفالي صاخب لعروض متفوقة لم يُسمع بها قبل عقد.

قال كامل مينور، الذي لمعرضه أربعة أماكن في المدينة: "اعتاد الناس التفكير في باريس عل أنها مدينة متاحف فقط، وكأنها عجوز تفتقر للحيوية... لكنها باتت تضج بالطاقة والجمهور وجامعي التحف الفنية".

تعمل باريس هذا العام لتعزيز مجموعة مؤسسات فنية معاصرة منها العام والخاص، على حد سواء، وتوسيع الشبكة المتنامية من الفنانين الذين يعيشون في المدينة.

قال مينور: "جميع الجهات الفاعلة، بما فيها المؤسسات الفنية الخاصة والمتاحف والمعارض وجامعي التحف، تدرك تماماً العصر الذهبي الذي نشهده. لكننا بحاجة لأن نعمل بجد لاستدامة زيارة الجمهور لباريس وإبقائها نابضة بالحياة".

غالباً ما تُحاك نهضة باريس من خيوط تراجع لندن ما بعد الاتحاد الأوروبي، لكن معظم المنتسبين لعالم الفن يقولون إنها ليست منافسة يخرج منها خاسر ورابح. فما تزال سوق الفن في لندن قوية، إذ تحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين وتلي الثلاثة فرنسا رابعةً، وفقاً لمصرف "يو بي إس" السويسري.

لقد كانت عروض المتاحف الأخيرة في العاصمة البريطانية رائعة، بما في ذلك معرض "سربنتين" (Serpentine) للنحاتة والشاعرة باربرا تشيس ريبود الذي سيغلق أبوابه هذا الشهر، والمعرض الاسترجاعي الضخم لأعمال لوسيان فرويد بالمتحف الوطني.

بداية التجديد

لكن يبدو أنه ما يزال هناك مزيد، فقد تأتى جلّ تجديد مكانة باريس نتاج ضخ رؤوس أموال ضخمة من بارونات الرفاهية في سوقها الفنية.

يعود تاريخ حركة التجديد إلى افتتاح متحف "مؤسسة كارتييه للفن المعاصر"، الذي صممه المهندس المعماري جون نوفيل، في 1994. لكنها بلغت ذروتها مع افتتاح برنارد أرنو، أغنى أغنياء العالم ورئيس مجلس إدارة " إل في إم إتش"، متحف "مؤسسة لوي فيتون" في 2014.

صمم فرانك غيري المتحف سالف الذكر على هيئة مركب شراعي يطفو بين أشجار غابة بولونيا ليعكس فكره المتجدد، حيث عرض لاحقاً أعمالاً عالمية تخطت من حيث نطاقها وميزانياتها تلك المعروضة لدى معظم المتاحف العامة.

تبع ذلك افتتاح متحف "لافاييت أنتسيبيسيون" (Lafayette Anticipations) عام 2018، وهو معرض فني معاصر متعدد الطوابق صممه "مكتب الهندسة المعمارية الحضرية" (OMA) الذي أسسه ريم كولهاس بدعم من مجموعة "غاليري لافاييت" (Galeries Lafayette Group) وعائلة مولان.

بعد ثلاث سنوات، افتتح فرانسوا بينو، مؤسس شركة "كيرينغ" (Kering)، متحفه الذي جُدد على هيئة نجمة في مبنى بورصة التجارة السابق في باريس. أعاد المعماري الياباني تاداو أندو تخطيط المبنى، وسرعان ما تحولت ردهته الضخمة المقببة إلى محفل فني عالمي.

تضافر جهود

تتصدر الحكومة الفرنسية نظيراتها الأوروبية في تمويل الفنون بفارق كبير، حيث خصصت أكثر من 4 مليارات يورو (4.2 مليار دولار) لقطاع الثقافة العام الماضي، فيما أنفقت ألمانيا 2.3 مليار يورو.

من جانبها، ضخت المتاحف الخاصة الجديدة أموالها مجتمعةً في الساحة الفنية الباريسية، حيث اشترت الأعمال من المعارض الكبيرة والصغيرة، على حد سواء.

قال ألكسندر هيرتلنغ، أحد مؤسسي معرض "باليس هيرتلنغ" للفن المعاصر: "جميعهم يقيمون معارض بالتعاون مع فنانينا ويشترون أعمالهم". كما أشار هيرتلنغ إلى أن أمناء ومديري المتاحف الخاصة: "يأتون إلى المعرض، ويتابعون طوال الوقت ما يجري في باريس".

ساعد هذا الدعم في تعزيز وتوسيع الساحة الفنية، حيث افتُتح نحو 12 معرضاً في باريس خلال السنوات القليلة الماضية، وسيُفتتح مزيد منها ومن ذلك معرض "هاوزر أو ويرث" (Hauser & Wirth) العملاق السويسري للفن المعاصر والحديث، الذي يخطط لافتتاح موقع مساحته 800 متر مربع في الدائرة الثامنة هذا العام.

تسهم كل هذه المعارض والمؤسسات المترابطة في تعزيز تجارة الأعمال الفنية في المدينة. كانت باريس الوجهة السياحية العالمية الأولى في 2022، وفقاً لتقرير من "يورومونيتور إنترناشيونال" (Euromonitor International) لأبحاث السوق، وستكون سعيدة بجذب مزيد من الزوار عبر المؤسسات الفنية الفرنسية والمعارض الجديدة والعروض التي لا حصر لها.

كان متحف "لوفر" قد استقبل 7.8 مليون زائر العام الماضي، أي أقل بنسبة 19% فقط عن تعداد زواره قبل تفشي "كوفيد".

يخطط التجار لاستدامة هذا الوضع الصاخب بدءاً من تحويل باريس، إحدى أكثر المدن غلاءً حول العالم، إلى موطن للفنانين العظام مرة أخرى وليس للفن الراقي فحسب.

قال مينور، مستعرضاً الإسكان المدعوم والاستوديوهات في إطار الجهود المبذولة: "نرحب بالفنانين ونساعدهم على إثبات وجودهم. مهم أن تكون دائماً في قلب الإبداع".

تؤتي هذه التحركات ثمارها، فقد قال هيرتلنغ: "ما يحدث في باريس هو تحول المشهد الفني إلى جزء من الحياة اليومية. لقد بدأ الفنانون بالارتياح للعيش في باريس" للمرة الأولى منذ عقود، ما يغذي بدوره المتاحف بمواد فنية جديدة، إضافة لجذب مزيد من المعارض وجامعي التحف إلى هذه المنظومة.

استطرد هيرتلنغ: "تضفي كل تلك العوامل مجتمعةً على المدينة حيوية من نوع جديد تماماً. إنها مجرد البداية".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك