تحمي الحكومة الصينية بعضاً من شركات صناعة الرقائق الإلكترونية في البلاد عبر سخاء الدعم فيما يُصعّب ضعف الطلب الأمور على مصنّعي الرقائق الإلكترونية في كل مكان من العالم.
لكن صناعة أشباه الموصلات في الصين تواجه أيضاً مشكلة لا تُقلق نظيراتها في أماكن أخرى، وهي العداء المستمر الذي تُظهره حكومة الولايات المتحدة. يمكن أن تحاول بكين الخروج من هذا المشكلة بإنفاق المال أيضاً، لكن قد تكون هناك أمور في صناعة أشباه الموصلات المتقدمة لا يمكن للمال أن يشتريها.
لطالما كانت صناعة الرقاقات الصينية متأخرةً عن نظيرتها الأميركية ومعتمدةً على على التقنية والمعرفة الغربية. قضت إدارة بايدن جزءاً كبيراً من 2022 محاولةً التوصل لسبيل كي تمنع الصين عن هذه التقنية بعد سنوات من التوتر المتصاعد، لتحاول إبطاء تقدمها في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات العسكرية.
بيّنت ريفا غوجون، المديرة في مجموعة "روديوم" (Rhodium Group) أن هذا قد يعني أن تراوح صناعة أشباه الموصلات في البلاد في مكانها. أضافت: "تعمل الولايات المتحدة على وضع كتاب قواعد جديد هنا".
قبل الإعلان عن هذه السياسات، كانت بعض الشركات الصينية قد بدأت بسد الفجوة بينها وبين الشركات الرائدة عالمياً.
سياسات محبطة
تصنع شركة "يانغتزي ميموري تكنولوجيز" (Yangtze Memory Technologies) رقائق إلكترونية للذواكر المحمولة، وهي أساسية في خطط الصين لبناء مكانة عالمية في مجال صناعة الرقائق، وتجري محادثات لتوريد منتجاتها إلى "أبل" في صفقة ستمثل تأكيداً متنامياً على براعة الشركة المتزايدة.
أعلنت الولايات المتحدة في أكتوبر عن تقييدات تصدير أعاقت قدرة عديد من الشركات الصينية ومنها "يانغتزي" بالحصول على آلات الإنتاج، وفي 15 ديسمبر كانت "يانغتزي" واحدة من 36 شركة وُضعت على قائمة كيانات تلزم من يوفر لها توريدات تقنية أميركية بالحصول على إذن واشنطن، ما تسبب بتفويت فرصة "يانغتزي" للاضطلاع بأي توريدات إلى "أبل" على المدى القريب.
زادت جهود الولايات المتحدة في إبقاء التقنية المتقدمة بعيدة عن متناول الصينيين الضغوط على حكومة الرئيس شي جين بينغ لبناء قدرات صناعة الرقائق الصينية.
قال البروفسور في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو باري نوتون: "إنهم قلقون فعلاً بشأن الحظر على الرقائق الإلكترونية، وكان ردهم على المدى الطويل بأنهم سيسرعون صناعة الرقائق الإلكترونية لديهم".
طبّق شي نظام "الأمة المتكاملة" على الطراز السوفييتي لتشجيع الشركات التي تملكها الدولة ومعاهد الأبحاث والشركات الناشئة في القطاع الخاص على التوصل إلى تقنية بديلة. يهدف أحد هذه الجهود لتنمية هندسة لصناعة أشباه الموصلات تُسمى "آر آي إس سي– في" (RISC-V) ستحل محل الحاجة لمخططات أولية للرقائق الإلكترونية تصنعها شركة "آرم" (Arm) البريطانية لأشباه الموصلات، وتُستخدم الآن في غالبية الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى.
كما ضخت الصين أيضاً الأموال في الرقاقة المعروفة باسم تقنية الجيل الثالث للرقائق الإلكترونية، التي تستند لاستخدام مواد جديدة مثل كربيد السيليكون ونترات الغاليوم، وهي مواد لم تسيطر عليها الدول الأجنبية بعد.
يركز بعض التنفيذيين على الأبحاث الخاصة بالتغليف المتقدم والتي تعد بأشباه موصلات ذات قدرات أعلى عبر تجميع الرقائق القديمة بطرق جديدة.
ضرر نافع
قد تعود السياسات الأميركية بنتائج عكسية، بأن تقدم إحباطاً سياسياً يفيد الصين فيما تؤخر المحتوم فيما يخص التقنية ذاتها. قال أحد أصحاب رأس المال الاستثماري في الصين طلب عدم الكشف عن هويته نتيجة قلقه من انتقام بكين أو واشنطن: "قد يجعل هذا الحياة صعبة لثلاث أو أربع سنوات، لكنه ليس إلا حرصاً على قليل وإضاعة لكثير، فهم سيخسرون سوق الصين".
كانت الصين تحاول بناء صناعة أشباه موصلات متطورة منذ عدة سنوات، وإن كانت قد واجهت عثرات كبيرة في الطريق. أدت مليارات الدولارات التي تدفقت إلى هذه الصناعة إلى تحقيقات جنائية في فساد البيروقراطيين والتنفيذيين النافذين في صناعة أشباه الموصلات، ومنهم مدير أضخم صندوق رقاقات تدعمه الدولة ورئيس مجلس الإدارة السابق لعملاقة صناعة الرقائق الإلكترونية المحلية "تسينغهوا يونيغروب" (Tsinghua Unigroup)، ولم يرد أي منهما على طلبات التعليق في وقت الإعلان عن التحقيقات.
سيمتد هذا التحقيق المناهض للفساد خلال 2023 وقد تسبب في توتر الرئيس شي بشأن استراتيجية مبنية على إعانات هائلة. تدرس إدارته الآن دعم الصناعة بمساعدات أقل، ويعود ذلك جزئياً إلى أن كوفيد 19 ألقى بأعباء كبيرة على مالية الحكومة.
في النهاية، يبدو أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين على التقنية المتطورة عبارة عن لعبة عض أصابع. سيكون على الولايات المتحدة الحفاظ على توجه طبقتها السياسية المنقسمة في الاتجاه نفسه وإقناع اليابان وهولندا وغيرهما من الحلفاء الرئيسيين بالاستمرار في مسايرة خططها في الوقت نفسه.
قد تصبح الشؤون الجيوسياسية مع الصين أصعب بمرور الوقت. بينما أظهرت الصين فيما سبق قدرة على الالتزام بخطة طويلة الأمد حتى إن انطوت على فترات من عدم الراحة. يراهن شي على قدرته على الصبر في موضوع الرقائق الإلكترونية.