تقترب أبرز مصادر التمويل الطارئ لخدمات رعاية الأطفال في الولايات المتحدة من النفاد مهددة بضرب قطاع يحمل ما يفوق طاقته في موطن ضعفه: محاولة الإبقاء على موظفيه منخفضي الأجور في سوق عمل ضيق.
أنفق مزودو خدمات رعاية الأطفال معظم الإعانة التي تلقوها عبر خطة الإنقاذ الأميركية لفترة الوباء وبلغت 24 مليار دولار على زيادة أجور ومكافآت المدرسين لمنعهم من الاستقالة والالتحاق بوظائف برواتب أعلى.
مع اقتراب انتهاء خطة الإنقاذ الفيدرالية، يقول مقدمو الخدمة إنهم أمام خيارين إما إلغاء زيادات الأجور أو رفع قيمة الرسوم الدراسية ما قد يدفع بعض الآباء لسحب أطفالهم من مراكز الرعاية.
برغم أن القانون يلزم الولايات بتوفير التمويل حتى آخر سبتمبر، يتوقع العديد من مزودي هذه الخدمة نفاد التمويل قبل ذلك بوقت طويل، فقد بيّن استطلاع من الرابطة الوطنية لتعليم الصغار أن نحو 22% منهم يتوقعون نفاد التمويل في يناير.
قالت رينيه لوث بيرش، مالكة ورئيسة مركز "ديسكفر ماجيكال مومنتس دايكير"، في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا: "لا أدري ما يمكننا فعله لتحقيق الاستقرار إن توقفت المنح الحكومية".
زادت أجور المعلمين في المركز بأكثر 40% من 14 دولاراً في الساعة قبل الوباء إلى 20 دولاراً خلال العامين الماضيين.
أكدت لوث بيرش ضرورة زيادة الأجور الممولة من منح خطة الإنقاذ الحكومية لمنع موظفيها من الالتحاق بوظائف برواتب أعلى بأماكن أخرى مثل "تارغيت" (Target)، أو مزودي الإنترنت قرب المركز، وكلاهما يوفر مزايا أفضل.
تداعيات اقتصادية
رغم قائمة انتظار من صفحتين، تبقى 4 فصول من إجمالي 14 فصلاً دراسياً بمركز "ديسكفر ماجيكال مومنتس دايكير" خاوية بسبب نقص المعلمين. بيّنت لوث-بيرش أن نحو 126 طفلاً فقط قد يُقبلون فيما يمكنها قبول 184 طالباً وفقاً للعدد الإجمالي المرخص للمركز استقباله.
يُمثل نقص الموظفين مشكلة شائعة بين مزودي خدمات رعاية الأطفال بكافة أنحاء البلاد، ما اضطر نحو نصف المراكز لخفض عدد الأطفال لديهم، إذ انخفضت أعداد موظفي قطاع رعاية الأطفال بالولايات المتحدة 8% مقارنةً بمستويات ما قبل الوباء مع نقص 84400 موظف في القطاع منذ فبراير 2020، وفقاً لبيانات حكومية.
تُلقي معاناة هذا القطاع بظلالها على الاقتصاد الأوسع. إذ قالت ماري دالي، رئيسة البنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو في 16 ديسمبر خلال فعالية افتراضية استضافها معهد أميركان إنتربرايز: "نحتاج لمزودي رعاية أطفال أكثر حتى يُمكن للناس الانخراط في قوة العمل وهو ما لا يتوفر لدينا، لقد عانينا من نقص الخدمة قبل الوباء والآن أصبح النقص حاداً".
يرى كثيرون أن نقص مزودي خدمة رعاية الأطفال وارتفاع تكلفتها سببهما الأبرز هو انخفاض نسبة مشاركة من هم في سن العمل بالولايات المتحدة في قوة العمل مقارنةً مع اقتصادات متقدمة أخرى مثل ألمانيا واليابان وبريطانيا.
أجور متدنية
بلغ إجمالي مدفوعات خطة الإنقاذ الأميركية، التي أصبحت قانوناً في مارس 2021، لدعم قطاع رعاية الأطفال 39 مليار دولار صُرف 24 مليار دولار منها لبرامج الرعاية المباشرة عبر كل ولاية على حدة، واستُخدم المبلغ المتبقي جزئياً لتعزيز برنامج مساعدة الأسر منخفضة الدخل على تحمل تكاليف التعليم.
لن تنجح اقتصادات مزودي خدمات رعاية الأطفال لولا المنح الحكومية، التي قد تترك الصدوع التي يعاني منها القطاع منذ ما قبل الوباء بوقت طويل وكادت تدخله في أزمة دون معالجة.
تُمثل الأجور نحو 70% من إجمالي تكلفة رعاية الأطفال بالمنزل أو المراكز والسبب في ذلك جزئياً متطلبات اللوائح التي تُلزم بتوظيف عدد كبير من الموظفين نسبةً إلى عدد الأطفال الصغار لأغراض السلامة والتعليم.
في ظل الأجور المنخفضة، التي عادةً ما تكون أعلى بقليل من الحد الأدنى للأجور، تزداد صعوبة جذب الموظفين والإبقاء عليهم، خاصةً وأن أغلب الوظائف لا تتضمن مزايا مثل التأمين الصحي.
زادت تكلفة المرافق والأغذية ومستلزمات الفصول الدراسية نتيجة ارتفاع الأسعار خلال السنوات القليلة الماضية، ما زاد الضغط على أرباح مزودي الخدمة. تزامن ذلك مع بلوغ ضيق سوق العمل أعلى مستوياتها منذ عقود، ما خفض القدرة التنافسية لمزودي الخدمة مع الأجور التي تدفعها "ماكدونالدز" و"أمازون" في بعض الولايات البالغة ما بين 18 و20 دولاراً في الساعة.
وظائف طاردة
قالت وانزي موروفي، كبيرة الباحثين والمشاركة في رسم سياسات مركز دراسة التوظيف لدى مزودي رعاية الأطفال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: "كان لدينا نقص بموظفي الرعاية قبل الوباء وساء الحال ليصبح حرجاً بعد الوباء مع نضوب موارد التمويل الأخرى. السؤال الآن كيف سيحدث التعافي؟".
اضطرت كيه تي كورنغولد، مديرة مركز أطفال مونتيسوري في ويست هاريسون في نيويورك لأن تخفض بعض الأجور التي دعمتها المنح الحكومية عقب تلقيها 20% فقط من قيمة المنحة الحكومية الأولى. حاولت كورنغولد جاهدة تعيين موظفين جدد، لكنها واجهت صعوبات شديدة.
بينما تسعى كورنغولد لإشغال 4 وظائف شاغرة، أشارت إلى أنها عينت 19 شخصاً العام الماضي لم يحضروا في أول يوم عمل أو استقالوا خلال أسبوعين، ورغم نجاحها بتعيين 3 موظفين جدد، تبقى حصيلة 2022 متقاربة مع حصيلة 2021.
قوائم انتظار
كشف مسح من الرابطة الوطنية لتعليم الأطفال الصغار أن 43% من مراكز رعاية الأطفال ستضطر لرفع رسومها نتيجة توقف المنح الحكومية. كما أن ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال، التي تداني أقساط الرهن العقاري الشهرية لدى بعض العائلات، تدفع عدداً من الأميركيين للتسرب من العمل، إذ تراجعت نسبة من تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً من العاملين أو الباحثين عن عمل لثالث شهر على التوالي منذ سبتمبر.
قال ديفيد بيرش، أحد مديري "ديسكفر ماجيكال مومنتس": "شهدنا مزيداً من الحالات العام الماضي حيث يعمل أحد الوالدين فقط والآخر يبقى في المنزل لرعاية الأطفال".
انتقلت جينيفر موشينسكي، التي تعمل بمجال جمع التمويل والتسويق، إلى منزل جديد معدّ لقضاء عطلات في ويلفليت بولاية ماساتشوستس من مدينة جيرسي في نيو جيرسي بصحبة زوجها أثناء الوباء. حاولا خلال العامين الماضيين أن ينتقلا إلى بوسطن، حيث تتوافر فرص عمل أكثر، لكن ندرة خيارات رعاية ابنهما (18 شهراً) تعيق ذلك.
لقد سجلت موشينسكي ابنها في قوائم الانتظار لدى ثلاثة مراكز للرعاية النهارية في بوسطن منذ كانت في شهر حملها السادس في أبريل 2021، لكنها لم تتلق ردوداً منهم.
تعمل موشينسكي بدوام جزئي، بينما تتوافر وظيفة بدوام كامل في إحدى المؤسسات التي تتعاون معها، وهي ترغب بأن تتقدم لشغل وظيفة لديها لو توفر مركز لرعاية طفلها. قالت موشينسكي: "لا يمكنني الموائمة بين وظيفتي ورعاية ابني في حال العمل بدوام كامل فيما أن دوام رعاية الأطفال جزئي. الأمر غير ممكن".
أظهرت خطة الإنقاذ الأميركية ما يُمكن أن يقدمه الدعم الفيدرالي لمزودي خدمات رعاية الأطفال. رغم دعم الحزبين اقتراح زيادة الأموال الفيدرالية للقطاع في الماضي، لم يحصل القانون المقترح على دعم كافٍ لإقراره في الكونغرس. رغم إدراج رعاية الأطفال ضمن جدول الأعمال التشريعي الرئيسي لخطة إعادة البناء، لم تُدرج ضمن الحزمة النهائية المتفق عليها.
قالت دون ميرسكي، المديرة التنفيذية لمركز "ماونت كيسكو" لرعاية الأطفال بمقاطعة ويستشستر في نيويورك، الذي يستقبل نحو 145 طفلاً من مختلف الأعمار: "أتعجب من ذاكرة الناس الضعيفة. لقد كنا محوريين بدايةً أما الآن فلا نُذكر في المناقشات".