يعتقد عديد من المراقبين أن لجنة التجارة الفيدرالية في ظل إدارات سابقة كانت نمراً من ورق. لكن لينا خان، رئيسة اللجنة التي عيّنها الرئيس جو بايدن، تتعامل بقوة مع مخاطر احتكار السوق ولا تتردد في اللجوء إلى القضاء لتأكيد شكوكها، فلم تكتفِ بنجاحاتها البسيطة وقفاً لبعض صفقات الدمج بين شركات صغيرة، لكنها تصدّت في 8 ديسمبر لأكبر التحديات فرفعت دعوى قضائية لإبطال صفقة استحواذ "مايكروسوفت" على "أكتيفيجن بليزارد" مقابل 69 مليار دولار.
ترتكز دعوى لجنة التجارة الفيدرالية على أن إدماج أفضل صانع وحدات تحكم للألعاب وإحدى أكبر شركات الألعاب عبر الإنترنت قد يعوق استفادة المنافسين من ألعاب "أكتيفيجن"، مثل لعبة إطلاق النار الشهيرة "كول أوف ديوتي" (Call of Duty).
لجنة فيدرالية تقرر رفع دعوى ضد صفقة "مايكروسوفت" و"أكتيفيجن"
أعلنت "مايكروسوفت" أنها ستدفع بقوة في الدعوى المرفوعة بالمحكمة الداخلية للوكالة خلال المحاكمة الصيف المقبل. كان مسؤولو مكافحة الاحتكار قد فشلوا قبلاً بإقناع محاكم بنقض صفقات إدماج بين شركات تعمل في أسواق متقاربة، مثل فشل دعوى وزارة العدل لوقف إدماج شركتي "إيه تي آند تي" (AT&T) و"تايم وارنر" (Time Warner) في 2018.
تولية مفاجئة
أشاد إصلاحيون وسياسيون من منتقدي تساهل الإدارات السابقة حيال تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار بلجوء خان إلى القضاء لوقف الصفقات. قال بن سيروتا، محامي مكافحة الاحتكار لدى "كوبري أند كيم" (Kobre & Kim) إنّ لجنة التجارة الفيدرالية أصبح لديها "نهج مختلف". أضاف سيروتا: "يعتقد العاملون في أي صناعة أن الإدماج يثير المشكلات أو يزيد السيطرة على السوق، ما يطرح التساؤل: هل يمكننا منع الأمر؟".
فاجأ بايدن قطاع الأعمال في يونيو 2021 بتعيين خان (33 عاماً)، أستاذة مكافحة الاحتكار بكلية الحقوق في جامعة كولومبيا، رئيسة لوكالة مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك. كان قد رشحها لتكون واحدة من المفوضين الديمقراطيين الثلاثة لدى لجنة التجارة الفيدرالية، ولم يعلن عن توليتها قيادة اللجنة التي تأسست منذ 108 أعوام إلا بعدما وافق مجلس الشيوخ على الترشيح.
برزت قيادة خان، وهي أصغر من تقلد رئاسة لجنة التجارة الفيدرالية على الإطلاق، باتخاذها لأول إجراءات صارمة ضد الاندماج، وخصوصاً بين منصات التقنية.
إصلاح النهج
طعنت اللجنة في يوليو ضد استحواذ "ميتا بلاتفورمز" المقترح على شركة الواقع الافتراضي الناشئة "ويذين أنليميتد" (Within Unlimited)، واتهمت "ميتا بلاتفورمز" في القضية التي تنظرها محكمة فيدرالية في كاليفورنيا بالسعي لاحتكار سوق الواقع الافتراضي الناشئة، مستخدمة النهج الذي استخدمته قبلاً باستحواذها على "إنستغرام" و"واتساب" المنافستين المحتملتين لمنصة وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لها، "فيسبوك".
"ميتا" تستغل دعوى مكافحة الاحتكار لطلب معلومات سرية عن 100 شركة منافسة
قالت خان، خلال خطاب في أحد المؤتمرات في أكتوبر، إنّ لجنة التجارة الفيدرالية تركز على طرق استخدام المنصات الرقمية لعمليات الإدماج كي تحتفظ بسيطرتها على السوق في ظل تسارع التطور التقني. أضافت: "نعيش اليوم فترة تحوُّل تقني في مجالات الحوسبة السحابية أو تقنية الاستجابة للأوامر الصوتية أو الواقع الافتراضي، ويجب أن ننتبه إلى ما يحدث في تلك المجالات، وخصوصاً في ما يتعلق بالإدماج".
نفت خان فكرة توجه اللجنة تحت قيادتها "لمناهضة الإدماج"، وقالت في 6 ديسمبر لعدد من المديرين التنفيذيين: "لدينا فريق ذو مواهب متميزة وموارد محدودة للغاية، لذا نركز على ألّا ننفق تلك الموارد على الاستكشاف. أحد الدروس المستفادة على مدى عقدين أن هناك ما فات لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل، وأنه كان هناك بعض الخلل في النظر ببعض الصفقات. نحاول الآن إصلاح ذلك".
نجاحات خان
منذ تولت خان رئاسة اللجنة في يونيو 2021، رفعت لجنة التجارة الفيدرالية دعوى قضائية لمنع استحواذ شركة "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) المقترح على "إيروجيت روكيتداين" (Aerojet Rocketdyne)، وكذلك ضد مسعى "إنفيديا" (Nvidia) لشراء "إيه آر إم" (ARM) من "سوفت بنك"، وبالفعل انهارت الصفقتان بسبب معارضة اللجنة. كما تخلت 3 مجموعات مستشفيات عن مسعى للإدماج بعدما رفعت اللجنة دعوى قضائية ضدهم. كذلك فعلت مجموعة "غريت أوت دورز " (Great Outdoors)، مالكة شركة "باس برو شوبس أند كابيلا" (Bass Pro Shops and Cabela)، التي كانت تسعى للاستحواذ على شركة "سبورتسمانز ويرهاوس" (Sportsman's Warehouse).
"لوكهيد مارتن" توقف شراء "إيروجيت" بعد رفع "التجارة الفيدرالية" دعوى قضائية لمنع الصفقة
قال مات كينت، المدافع عن التنافس لدى منظمة المستهلك غير الهادفة إلى الربح، "ببلك سيتيزين" (Public Citizen)، إنّ خان "تواصل تحذير كبرى شركات التقنية وغيرها بطرق قضائية، ما يُعَدّ أمراً جيداً وتغييراً في مسار لجنة التجارة الفيدرالية".
انتقادات لإدارتها
بعيداً عن عمليات الإدماج، بدأت لجنة التجارة الفيدرالية تحت قيادة خان عملية طموحة هذا الصيف لوضع قواعد بشأن خصوصية المعاملات عبر الإنترنت، وأجبرت مزودة خدمة الهاتف عبر الإنترنت "فوناغ" (Vonage) التابعة لشركة "إريكسون" (Ericsson) إعادة 100 مليون دولار للمستهلكين وتسهيل عملية إلغاء الاشتراك، إضافة إلى تسوية دعوى قضائية ضد "هارلي دافيدسون" (Harley Davidson) لاعتمادها نهجاً إقصائياً في صيانة منتجاتها ترى اللجنة أنه حد بشدةٍ من قدرة المستهلكين على استخدام ورشات مستقلة.
تعرضت خان لانتقادات من قطاع الأعمال ومؤيديه، واتهمها المفوضون الجمهوريون في اللجنة بحجبها لمعلومات وبالتخلي عن قواعد تقاسم الشراكة والتعاون بين الحزبين، كما رفعت غرفة التجارة الأميركية، التي دعت لجنة التجارة الفيدرالية لإصدار قائمة "الممارسات الضارة ببيئة العمل" للشركات، دعوى قضائية هذا الصيف تتهم اللجنة بعدم إصدار إفصاحات عامة بشأن إجراءات التصويت والاتصالات مع الجهات التنظيمية الدولية.
التشدد في التدقيق لمكافحة الاحتكار لا يعني إلغاء كل الصفقات
أشار الجمهوريون إلى أنهم بعد سيطرتهم على مجلس النواب في يناير سيزيدون التدقيق في ممارسات خان، واتهمها جيم جوردان، النائب عن ولاية أوهايو وكبير الجمهوريين في اللجنة القضائية، باتباع "نهج تطرفي مناهض للسوق الحرة".
قرارات فردية
تراجعت معنويات فريق العمل في اللجنة لأدنى مستوياتها على الإطلاق بعد سنوات كانت تمثل فيها أفضل الأماكن للعمل في المؤسسات الحكومية الفيدرالية، إذ اشتكى الموظفون من افتقار خان إلى التواصل وانفرادها باتخاذ قرارات دون الرجوع إليهم. في استطلاع لآراء الموظفين خلال الفترة من مايو إلى يوليو هذا العام، أفاد 44% فقط بأنهم يكنّون احتراماً كبيراً لقيادة لجنة التجارة الفيدرالية، فيما أشار 32% إلى نيات بمغادرة اللجنة خلال عام، وفقاً لأحد الأشخاص الذين شاهدوا نتائج الاستطلاع، لكنه غير مخول بالتصريح بشأنها لأنها لم تُعلَن بعد.
قالت إليزابيث ويلكنز، الرئيسة المؤقتة للموظفين: "تأخذ الإدارة العليا نتائج الاستطلاع بقدر كبير من الاهتمام، وتسعى لخلق بيئة عمل تساهم في إتمام الموظفين أعمالهم الهادفة التي يؤدونها نيابة عن الشعب الأميركي على أفضل وجه".
قال باري نيغرو، محامي مكافحة الاحتكار لدى "فرايد وفرانك وهاريس وشرايفر آند جاكوبسون" (Fried, Frank, Harris, Shriver & Jacobson)، إن دعوى وقف اندماج "مايكروسوفت" مع "أكتيفيجن" لم تكن مفاجأة لأنها تتعلق بمنصات رقمية تعمل في قطاع التقنية وتحقق تكاملاً في الأعمال، وهي كل المجالات التي أكدت خان أنها تتطلب تدقيقاً صارماً.
أضاف نيغرو، الذي كان أحد كبار مسؤولي وزارة العدل الساعين لإحباط اندماج "تايم وارنر" و"إيه تي آند تي": "إذا فازوا فسيحققون انتصاراً كبيراً... لكن إذا خسروا فأعتقد أنهم سيحاولون ذلك مراراً لأنهم يحاولون تغيير القانون، لذا قد يحتاجون إلى رفع وخوض عدد من القضايا قبل أن يصبحوا مؤثرين".