حين ننظر إلى ما حل بإمبراطورية سام بانكمان فريد الرقمية سنرى أن علامات التحذير كانت عديدة، فقد كانت "إف تي إكس" (FTX) شبكة شركات خارجية يشوبها التداخل. خلطت الشركة مالها بأموال العملاء وكانت ممارساتها الحوكمية ضعيفة إلى منعدمة أحياناً أما إفصاحاتها فنادرة. لكن كان هناك مشاهير، بل كثير منهم.
هناك إجماع لدى المدعين العامين والدائنين على سؤالين: كيف سُمح بحدوث ذلك؟ وما الذي يمكن فعله لمنع حدوثه مرة أخرى؟
فقاعة العملات المشفرة بقيادة "إف تي إكس".. الأسوأ من نوعها
بيّن انهيار "إف تي إكس" أن أجزاءً كثيرةً من قطاع الأصول الرقمية يزدهر في المناطق الرمادية تنظيمياً والفجوات القانونية، ما يزيد الدعوات لسّن قوانين ولوائح جديدة. يتفق رغم ذلك عديد من الخبراء أنه رغم وجود الشركة خارج نطاق الولاية القضائية للولايات المتحدة فقد كان من شأن وضع اختبارات وإجراءات استباقية أن يمنع انهيار "إف تي إكس".
قالت كارلا ريس، أستاذة القانون المساعد في "إس إم يو ديدمان سكول أوف لو" (SMU Dedman School of Law): "إدارة (إف تي إكس) مركزية مثل أي كيان مؤسسي آخر. المشكلة ليست عدم وجود القواعد بل عدم اتباعها".
برزت خلال مقابلات خبراء الأوراق المالية وتصريحات النواب والجهات التنظيمية 5 مجالات هامة بحاجة إلى تركيز الكونغرس والجهات التنظيمية عليها.
خلط الأصول
ظهر نقص حماية أصول العملاء كعامل رئيسي في سلسلة فشل العملات المشفرة، وكانت "إف تي إكس" الحالة الأوضح، حيث أقرضت أموال العملاء لصندوق التحوط "ألاميدا ريسيرش" (Alameda Research) التابع لها لدعم صفقات محفوفة بالمخاطر.
لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قاعدة تحمي المستهلك وتضمن أصول العميل في حال إفلاس شركات الوساطة، لكن حسابات العملاء المشفرة لا تتمتع بنفس الحماية لأن شركات التشفير قاومت التسجيل لدى اللجنة بدعوى عدم خضوع الرموز المشفرة لقواعدها.
رفض غاري غينسلر، رئيس اللجنة الذي أرّق مؤيدي التشفير، هذا الطرح وكذلك سلفه في عهد ترمب جاي كلايتون. اعتمد كلاهما على قرار للمحكمة العليا الأميركية في 1946 كمقياس، وفيه قال القضاة إن أي أصل يقع ضمن اختصاص لجنة الأوراق المالية والبورصات طالما يمول مستثمرون شركة بقصد التكسب عبر الاستفادة من جهود قياداتها. لذا فإن اللجنة تعتبر أن كافة الرموز المشفرة تقريباً تقع تحت سلطتها حالها حال الأوراق المالية.
انهيار "إف تي إكس" يطال كبار وصغار المستثمرين حول العالم
قال جيمس كوكس، الأستاذ المتخصص بقانون الشركات والأوراق المالية في كلية القانون بجامعة ديوك، إن أبرز خطوة يستطيع الكونغرس اتخاذها ربما هي التأكيد بأن أغلب العملات المشفرة هي أوراق مالية. أضاف كوكس: "بمجرد أن تعتبر أوراقاً مالية ستخضع لكافة القواعد التي تُطبق على باقي الأوراق المالية وكذلك القانون العام الأشمل من تلك القواعد".
تحظر لجنة تداول السلع الآجلة، التي تُشرف الآن على بعض مشتقات العملات المشفرة. الخلط بين أموال العملاء، لكن تطبيق قواعدها ينحصر على عقود المبادلة والعقود الآجلة وليس التداولات الفورية للسلع. فيما يتفق أغلب الخبراء أن "بتكوين" سلعة وليست ورقة مالية، لا توجد جهة تنظيمية فيدرالية تُشرف على السلع المشفرة حالياً ما يتطلب تعديلاً من الكونغرس لحماية المستثمرين.
فصل مهام العمل
تلغي الخدمات والمنتجات التي تقدمها بعض شركات التشفير الخطوط الفاصلة بين مهام العمل وهذا يضر بالعملاء. تُعد تداولات العملات المشفرة مثالاً صارخاً على ذلك التجاوز، حيث تقوم المنصات بمهام عديدة بينها صناعة السوق وخدمات التداول والمقاصة وإقراض الأوراق المالية في آن معاً.
يؤكد النقاد، ومن بينهم غينسلر، أن نظام عمل تلك الشركات يزخر بالمشاكل. على النقيض، عادةً ما تُقدم شركات الخدمات المالية التقليدية خدمات متنوعة لكنها غير متداخلة لأنها تطبق قواعد الجهات التنظيمية ذات الصلة، لذا يُطالب الخبراء بضرورة تطبيق تلك القواعد على العملات المشفرة أيضاً.
مزيد من الإفصاح
لا تفصح العملات المشفرة في الغالب عن المخاطر فيما يمثل الإفصاح ركيزة أساسية لتنظيم الأسواق المالية الأميركية. لم تكن هناك أية تفاصيل عن عشرات الشركات غير الأميركية التابعة لـ "إف تي إكس"، ورغم معرفة مزيد من المعلومات عن الوحدة الأميركية "إف تي إكس يو اس" تبقى هناك فجوات كبيرة لكونها شركة خاصة مغلقة غير مدرجة.
يمكن لقواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات المطبقة حالياً على مُصدري الأوراق المالية ومستشاري الاستثمار تقليل ضبابية التشفير، لكن الأمر يحتاج لدعم الكونغرس.
قالت رييس من "اس ام يو": "أرغب بمعرفة المزيد عن الكود الذي نتجت عنه الرموز" لأنه يمكنني وقتها، على سبيل المثال، أن أعرف ما إذا كان يُمكن لمصدري الرموز المشفرة التلاعب بأسعارها.
المحكمة تسمح لـ"إف تي إكس" بإخفاء هوية أكبر 50 دائناً
طلبت بعض جهات تنظيم الأوراق المالية في الولايات من الكونغرس زيادة متطلبات الإفصاح للشركات التي تزيد قيمتها عن 700 مليون دولار. مثل هذا الإجراء من شأنه، رغم أنه لا يركز على العملات المشفرة، أن يلفت انتباه المستثمرين لعمالقة التشفير. من بين الخيارات المطروحة أيضاً معاملة منصات التشفير مثل بورصات الأوراق المالية، التي تتبع قواعد خاصة للتسجيل والإفصاح.
معايير الإعلان
ساهمت الإعلانات اللافتة للانتباه، وخاصة التي اعتمدت على مشاهير مثل توم بريدي، لاعب كرة القدم الأميركية لدى فريق تامبا بي بوكانيرز، والممثل مات ديمون في ازدهار شركات تشفير مثل "إف تي إكس" ونجاحها بجذب أعداد كبيرة من الأفراد العاديين للاستثمار فيها، كما ظهرت إعلانات "إف تي إكس" وشركات تشفير أخرى خلال المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأميركية في فبراير، التي يشاهدها أكثر من 112 مليون.
كيم كاردشيان وفلويد مايويذر يواجهان اتهامات بالاحتيال لترويج عملة مشفرة غامضة
تمنع قواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات الأفراد من الترويج للأوراق المالية دون الكشف عن تفاصيل المدفوعات التي حصلوا عليها في المقابل. استخدمت اللجنة سلطتها بالفعل وغرمت مشاهير مثل كيم كارداشيان لترويجها للعملات المشفرة، لكن الإجراء هنا يعتمد على ما إذا كان الرمز المشفر يُعامل معاملة الورقة المالية أم لا، كما يُمكن للجنة التجارة الفيدرالية المُشرفة على الإعلانات الخادعة أو غير العادلة اتخاذ إجراءات من جانبها.
حوكمة الشركات
الافتقار للحوكمة كان أبرز أوجه قصور "إف تي إكس" المثيرة للدهشة. نصح جون راي، الذي يدير "إف تي إكس" الآن، محكمة ديلاوير المشرفة على إجراءات الإفلاس عدم الوثوق بأية بيانات مالية. قال راي إن أغلب الشركات التابعة لم تعقد مجالس إداراتها اجتماعات إطلاقاً.
حذرت إريكا وليامز رئيسة أكبر هيئة رقابة محاسبية أميركية الشهر الماضي من عدم قدرة الولايات المتحدة على مراجعة عمليات التدقيق على أعمال شركات التشفير الخاصة مثل "إف تي إكس". قالت وليامز على مبدأ إعلام المعنيين إنه ينبغي على المستثمرين الحذر وأن يطرحوا مزيداً من الأسئلة على مزودي العملات المشفرة وفي حالة عدم حصولهم على إجابات كافية، يتعين التأهب لمخاطر مرتفعة.