درج غانغافالي ناغا سوريش على نهج آبائه الذين زرعوا الذرة ونخيل الزيت والأرز في فيجاياوادا بشرق الهند معتمدين على تحري الطقس بالنظر إلى السماء وتقدير الرطوبة بتحسس حبات التراب وعلى التدوين لحساب العوائد والأسعار وتوقيت الزراعة والري وحجم المحصول.
لكنه اتجه منذ أربعة أعوام للاستعانة بالتقنية في تخطيط مزرعة أسرته الممتدة على مساحة 38 فداناً. يعتمد حالياً على توجيهات خدمة متخصصة لاتخاذ قرارات هامة، مثل تحديد كمية البذور التي يغرسها وتوقيت الزراعة وفقاً لبيانات مترية تحدد درجة حرارة التربة ومعدل الرطوبة، وصور الأقمار الصناعية الخاصة بتوقعات الطقس محلياً، وكذلك بعض أدوات الذكاء الاصطناعي.
قال سوريش وهو يقف وسط حقل مكتظ بسيقان الذرة: "تساعدني التقنية على استخدام المواد والعمالة بكفاءة أعلى وزيادة دخلي بنحو 30%".
تنبؤ بمعايير علمية
يرجع فضل دعم جهود سوريش لتطوير العمل إلى شركة "كروبين تكنولوجي سوليوشنز" (Cropin Technology Solutions) ومقرها في بنغالور، وهي تعمل على إنشاء خدمة سحابية عالمية متخصصة بالزراعة.
يستفيد من خدمات الشركة الناشئة 7 ملايين مُزارع منتشرين في 100 دولة من خلال 250 عميلاً من بينهم عملاق البذور "سينجينتا" (Syngenta)، وشركة السلع الاستهلاكية "يونيليفر" (Unilever)، وحكومتي الهند ونيجيريا، ومؤسسات دولية مثل البنك الدولي.
قال الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي كريشنا كومار إن إيرادات "كروبين" السنوية تبلغ عشرات ملايين الدولارات. جمعت الشركة حتى الآن 33 مليون دولار تمويلات، ويداني تقييم الشركة 500 مليون دولار في جولة التمويل المُقبلة، التي من شأنها أن تعزز مساعي "كروبين" لتصبح قاعدة بيانات متخصصة في الزراعة تشبه "ويكيبيديا" تتيح للمزارعين توجيهات باستخدام هواتفهم الذكية.
قال كومار، 41 عاماً: "نسعى خلال عقد لنصبح كرة بلورية يطالعها المزارع ليتنبأ بمعلومات عن حجم المحصول أو الأسعار الخاصة بمزرعته".
رؤية ثاقبة
أشار كومار إلى ان "كروبين" لم تلق اهتماماً من الصناديق الاستثمارية مع انطلاق أعمالها في 2010، حيث لم تركز الصناديق وقتها على شركات التقنية الزراعية، وانصب اهتمام المستثمرين على تمويل شركات التجارة الإلكترونية الناشئة التي تربط المزارعين بالمشترين.
لم ينضم إلى "كروبين" أبرز مستثمريها وهم "بينينكست" (Beenext) من سنغافورة ومؤسسة "بيل آند ميليندا غيتس" (Bill & Melinda Gates) إلا في 2017 و2018 على التوالي. لكن قطاع التقنية الزراعية بدأ يجتذب مزيداً من الاهتمام. جمعت شركات التقنيج الزراعية المدعومة من مستثمري رأس المال المخاطر 2.5 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو عبر 204 صفقة، حسب بيانات شركة "بيتش بوك" (PitchBook).
قال فينيت راي، الشريك الإداري في "أفيشكار كابيتال" (Aavishkaar Capital)، التي تركز على الاستثمار في قطاع التقنية الزراعية: "تحقيق أرباح من الزراعة صعب للغاية، وهو تحدٍ بارز تواجهه الشركات الناشئة، فلم يهتم المستثمرون بالتقنية الزراعية لأكثر من عقد لكن الأمر يتغير لتصبح في الصدارة خلال العقد المقبل".
تعزز ظروف السوق صحة وجهة نظر داعمي التقنية الزراعية في ظل غصات سلاسل التوريد وتغير المناخ وغزو روسيا لأوكرانيا التي دفعت لتفاقم أزمة الغذاء وتزامن ذلك مع توقع ارتفاع عدد سكان الأرض إلى 10 مليارات بحلول 2050.
توقع بحث أجراه معهد ماكينزي العالمي إسهام التقنية الزراعية بنحو 500 مليار دولار في الناتج الإجمالي العالمي بحلول 2030 بزيادة 7% إلى 9%.
انتحار بسبب الديون
اتساع تركيز "كروبين" غير شائع بين الشركات الناشئة في مجال التقنية الزراعية، التي تهتم بجانب محدد من القطاع أو محصول بعينه أو رقعة جغرافية صغيرة.
بين المنافسين الرئيسين للشركة يأتي مركز البيانات الخاص بالشركات "أزور فارم بيتس" (Azure FarmBeats)، الذي تُجربه "مايكروسوفت" بهدف تعزيز النمو وجعله أكثر دقة. عينت "كروبين" في أبريل 2021 راجيش جالان صاحب الخبرة التي تمتد لعقدين في "مايكروسوفت" وساهم بإطلاق إصدارات مبكرة من "أزور" و"أزور فارم بيتس" أثناء عمله رئيساً تنفيذي للتقنية.
أعرب كومار، المهندس السابق في "جنرال إليكتريك" الذي ينحدر من عائلة مزارعين، عن ذهوله من موجة انتحار المزارعين المُثقلين بالديون في الهند، وقال إن تأسيسه "كروبين" بهدف مساعدتهم، لكن وقت التأسيس لم يكن هنالك انتشار كافٍ للهواتف الذكية وكان أغلب الموجود منها يعمل على شبكات الجيل الثاني البطيئة وكان جلّ المزارعين والبنوك وتجار تجزئة البذور وبائعو الأسمدة يعتمدون على الورقة والقلم.
استهدف كومار وشريكه في التأسيس كونال براساد وهو زميله في المدرسة الإعدادية، حل مشكلة ضعف تدفق المعلومات وتأثيرها السلبي على صنع القرار لدى كافة العاملين بالقطاع. في 2016، نجحت "كروبين" في تجميع ومعالجة بيانات 100 محصول في عشرات الدول ومثال على ذلك نجاحها في تحديد توقيت جفاف حقول الأرز في كاليفورنيا، أكبر منطقة إنتاج أرز السوشي بالولايات المتحدة، إلى حد لا يمكن معه إنقاذ المحاصيل.
ملايين المزارعين
تعمل "كروبين" مع "رين فورست الاينس" (Rainforest Alliance)، أحد موردي "ستاربكس" للتنبؤ بهجمات الأمراض على مزارع الكاكاو في أميركا الجنوبية قبل 15 من وقوعها، ما يساعد المزارعين على تفادي الخسائر. تطرح الشركة الآن ذلك النموذج ليستفيد منه الملايين من مزارعي الشاي والقهوة والكاكاو حول العالم، كما تساعد مزارعي الذرة لدى شركة "باير" (Bayer) في البرازيل ومزارعي الخيار بالولايات المتحدة من خلال التنبؤ باحتياجات الري وهجمات الآفات وحجم المحاصيل.
في نيجيريا التي تستهلك كمية كبيرة من الخبز، ساعدت "كروبين" في تحديد إجمالي المساحة المزروعة قمحاً والتنبؤ بحجم الإنتاج السنوي والواردات المطلوبة. انخفض معدل الخطأ العام الماضي بشكل قياسي إلى 8% فقط، حسب "كروبين"، التي اتفقت معها نيجيريا على تمديد التعاقد لعامين إضافيين.
في الهند، التي تطبق أكبر برنامج تأمين زراعي في العالم يشمل 140 مليون مزارع، تساهم بيانات "كروبين" التي تغطي المنطقة المركزية فقط بالوصول لمعيار دقيق للإنتاجية يسمح بحصول المزارعين في القرى الذين يقل إنتاجهم عن المعدل القياسي على تعويضات كاملة. تعاقدت مع الشركة لزيادة التغطية لربع مساحة الدولة في 2023.
يعتقد كومار أن أبرز التحديات أمام الشركات الناشئة في مجال التقنية الزراعية هو صعوبة التواصل المباشر مع المزارعين، الذين يصعب عليهم تحمل تكلفة التقنية أو غياب الثقة والوقت الكافي. يملك 85% من بين أكثر من 580 مليون مزارع حول العالم مساحات زراعية صغيرة تقل عن 4 أفدنة، فبدأت "كروبين" كي تصل إليهم ببيع تقنيتها بأسعار محددة للمستخدم أو للهكتار لشركات بيع البذور أو الأسمدة أو مقرضي المزارعين أو مشتري المنتجات.
الحذر مطلوب
سوريش واحد من نحو 15 ألف مزارع في الهند تعاقدت معهم "سينجينتا" لزراعة بذور الذرة والأرز وعباد الشمس والقمح التي تملك براءة اختراعها. تدفع الشركة رسوم الخدمة لصالح "كروبين" وتوفر التوجيهات للمزارعين المعتمدين الآن عبر ممثلين عن "كروبين" بدلاً من التطبيق.
ينصح بول ميلر، نائب الرئيس والمحلل الرئيسي في شركة "فورستر ريسيرش" (Forrester Research) المزارعين الذين سبق أن تضرروا من مؤسسات الائتمان الصغيرة بالحذر من عروض التقنية الزراعية. قال ميلر: "يحتاج المزارعون أن تكون أعينهم مفتوحة عند دخول تلك الارتباطات والإصرار على الاحتفاظ بملكية بياناتهم على سبيل المثال، كما يتعين عليهم أيضاً مراجعة توقعاتهم لأن نماذج البيانات الزراعية قد تكون سهلة البناء بينما يصعب تعديلها لتناسب جيولوجيا وطقس ومحاصيل محددة".
قال كومار إن قاعدة بيانات "كروبين" تضم معلومات تمتد إلى 13 عاماً جمعتها من 92 دولة حول 10 آلاف نوع من 500 محصول. أضاف: "تدرج كافة الشركات الزراعية في البلدان التي تواجه ضغوطاً سكانية وتغيرات مناخية التقنية على جدول أعمالها للمساعدة في تحسين العمليات والكفاءة والإنتاج، وسوف يمتد تأثير التقنية ليشمل الصناعة بالكامل ويتطلع إليها كل مستثمر رئيسي".
