شركات التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي تعين مسلمي الولايات المتحدة على الاستثمار الحلال

كيف تتيقن أن استثمارك حلال؟

جو برادفورد في مكتبه الكائن في منزله في هيوستن - المصدر: بلومبرغ
جو برادفورد في مكتبه الكائن في منزله في هيوستن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وجد الشيخ جو برادفورد مساحته الخاصة في عالم يكتظ بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يوزعون نصائح مالية، فالرجل المتخصص بالشريعة الإسلامية يثقف متابعيه حول سبل الاستثمار الحلال.

لدى الشيخ برادفورد نحو 85 ألف متابع على منصات "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر" تزخر تعليقاتهم بأسئلة حول الاستثمارات الحلال والحرام. تعكس هذه الاستفسارات التحديات التي يواجهها جيل من المسلمين الواعين مالياً وتقنياً الذين يسعون لاكتشاف كيف تنطبق التعاليم الإسلامية التقليدية على كافة الأمور، من الأسهم إلى الرموز غير القابلة للاستبدال.

بعض تعاليم الشريعة واضحة وصريحة، فتحرّم على المسلم الملتزم بدينه الربح من الفائدة أو من بيع لحم الخنزير أو من الأسهم المرتبطة بالمنكرات مثل القمار والكحول والأفلام الإباحية. يعني ذلك بشكل عام السماح بالاستثمار في أسهم شركات التقنية الضخمة مثل "أبل"أو "تسلا"، ولكن استبعاد الشركات المالية مثل "جيه بي مورغان تشيس أند كو". كما أن امتلاك أسهم في " بيركشاير هاثاواي" مثلاً محرّم بسبب حيازاتها الضخمة في شركات التأمين على الممتلكات والتأمين ضد الحوادث التي تحصد إيرادات عالية من الفائدة المتأتية من الاستثمار بالسندات.

لكن سرعان ما تتعقد الأمور أكثر، مثلاً الاستثمار في "نتفلكس" محيّر بما أن بعض برامجها الأصلية، مثل برنامج تلفزيون الواقع "تو هوت تو هاندل" (Too Hot to Handle) حيث يخسر المشاركون المال إذا ما أقاموا علاقة مع مشاركين آخرين، يمكن النظر إليها على أن تروّج لتعدد العلاقات. حتى أن الاستثمار في شركة البقالة العملاقة "وولمارت" موضع شكّ بما أنها تبيع الكحول ولحم الخنزير والتبغ. كما تُستبعد بعض الشركات في حال كانت ديونها تزيد عن 33% من قيمتها السوقية، وهي نسبة تتحرك باستمرار لدى بعض الشركات. اليوم، فيما ترتفع معدلات الفائدة بعد عقد حافظ فيه الاحتياطي الفدرالي على معدل فائدة قريب من الصفر، فإن الشركات التي اقترضت بكثافة قد تتجاوز هذا الحدّ. تُظهر بيانات بلومبرغ أن نحو نصف الشركات المدرجة على مؤشر "راسل 2000" ستفشل في اختبار نسبة الدين إلى القيمة السوقية.

قطاع مترسخ عالمياً

يقوم قطاع التمويل الإسلامي حول العالم على أسس مترسخة وتُقدّر قيمته بنحو 3.6 تريليون دولار، منها 630 مليار دولار في صكوك إسلامية. بدل إقراض الأموال لمقترض تقليدي مقابل فائدة، يملك أصحاب الصكوك حصة من الأصل الذي يدعم الدين ويحصلون على إيرادات من الأرباح التي يحققها.

ما يزال الاستثمار الحلال جديداً نسبياً في الولايات المتحدة حيث يشكّل المسلمون 1% من إجمالي عدد السكان. غالباً ما كان الجيل الأكبر سناً من المسلمين في الولايات المتحدة يلجؤون للاستثمار في شراء المنازل أو الذهب أو اختيار بعض الأسهم التي يوصي بها أصدقاؤهم والتي يوافق عليه مجتمعهم بشكل غير رسمي.

ينطبق الأمر نفسه في كندا. قال جواد كناني، 32 عاماً، وهو يعمل في شركة أدوية في مونتريال إن والديه المهاجرين كانا ينظران بريبة إلى أسواق الأسهم العامة بعدما شهدا فضحية المحاسبة في شركة "إنرون" وغيرها في بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. قال بنظرهما "كانت الأموال النقدية لا يُعلى عليها".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

قلّ اهتمام الكثيرين بالتمويل الإسلامي بسبب هذه التعقيدات، لكن ذلك بدأ يتغير مع التطور التقني والتحولات التي طرأت على التركيبة السكانية. قال برادفورد الذي يعمل في مجال التثقيف الاستثماري منذ 2015 إن ما يجري هو "نوع من التطور المزدوج". أصبح بعض المسلمين من أصحاب الدخل المرتفع أكثر التزاماً بدينهم مع تقدمهم بالسن ويرغبون بتعديل محافظهم الاستثمارية وفق ذلك. هنالك أيضاً "جيل جديد كامل ربما لم يكن أهليهم على قدر من الثراء" لكنهم يملكون المال اليوم ويرغبون بأن يستثمروا لأول مرة.

بدأت تسمية مستقيم، وهي استشارية رعاية صحية في سنترفيل بولاية فيرجينيا وقد بلغ عمرها 27 عاماً، تهتم بالاستثمار خلال فترة التدرب في الجامعة حين شرح لها أحد المديرين عن أهمية خطة التقاعد. قالت: "زرع ذلك بذور اهتمام". لكن كانت مستقيم تدرك أن الفائدة محرّمة لذا راحت تبحث عبر الإنترنت لتستكشف كيفية تجنبها حين تستثمر. قالت: "تحدثت مع بعض الأقارب حول الاستثمار، لكنهم لم يكونوا يعرفون الكثير".

تطبيق للأسهم الحلال

إلى جانب المثقفين الماليين مثل برادفورد، تعمل شركات ناشئة في مجال التقنية المالية ومنتقي الأسهم الحلال والصناديق الخاصة المتداولة في البورصة على سد الفجوة. أسهم نشوء شركات سمسرة بلا رسوم في جعل قطاع التمويل بمتناول المسلمين الذين يلتزمون بقواعد خاصة جداً.

قال أمير رحمن، المؤسس الشريك لشركة الأسهم الخاصة "فجر كابيتال" في دبي، والرئيس السابق للاستراتيجية في "إتش إس بي سي أمانة"، ذراع التمويل الإسلامي لمصرف "إتش إس بي سي"، إن هذه المنصات منخفضة التكلفة تتيح إمكانية خدمة عملاء "سبق تجاهلهم أو اعتُبروا غير مربحين".

يمكن للراغبين بتداول الأسهم استخدام أدوات للتحقق من استثماراتهم مثل أداة "زويا فاينانس" (Zoya Finance) التي أُطلقت في 2020 وستضيف قريباً منصة للتداول. يمكّن التطبيق مستخدميه أن يستكشفوا الشركات الحلال بقدر الإمكان، وكذلك أيها ليست كذلك مع شرح الأسباب. يتضمن قسم الأسئلة الشائعة على "زويا" نصيحة مفادها: "الهدف أن تقدم الإرشادات، ودائماً الله أعلم".

أسس سعد مالك، المدير التنفيذي السابق في "جيه بي مورغان" أداة "زويا" مع مهندس خدمات ويب سابق في "أمازون". مالك الذي تربى على فكرة أن الاستثمار هو أشبه بالقمار الذي حرّمه الدين الإسلامي، قال:"غياب المعرفة يثير المخاوف". يسهل أن نرى كيف ينشأ هذا الخوف في ظلّ الارتباك الناجم عن بعض الأدوات المالية الجديدة. حرّم المجلس الديني في إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية، امتلاك العملات المشفرة العام الماضي لأنها تتضمن سمات من المقامرة، فيما سمح المجلس الديني في ماليزيا المجاورة بتداول الأصول الرقمية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

خطط تقاعد حلال

لا يملك المسلمون الملتزمون كثيراً من الخيارات فيما يخصّ مدخراتهم التقاعدية، فقليل من خطط التقاعد الأساسية في الولايات المتحدة تتوافق مع الشريعة الإسلامية بما أنها كثيراً ما تتضمن سندات تدفع فوائد أو أسهماً غير مطابقة للشريعة. تُظهر بيانات شركة "ألايت" (Alight) المتخصصة بخدمات المزايا الوظيفية أن نحو نصف أصحاب العمل فقط يقدمون حسابات وساطة ذات توجيه شخصي تتيح للمسلمين الاستثمار الحلال. في حال عدم توفر أي حلّ آخر، يُنصح المسلمون عادةً بتحري الخيارات الأميل للحلال وتطهير أرباحهم من خلال التبرع بالنسبة المستثمرة بحيازات غير متوافقة مع الشريعة.

يعمل خواجة صديقي، 33 عاماً، كطبيب منذ تسع سنوات لم يعرض عليه خلالها أيّ من أصحاب عمله خطة تقاعد حلال. ليحافظ على ما يسمّيه "أخلاقياته المالية"، يتجنب صديقي تماماً المساهمة بالخطة التقاعدية ويستثمر أمواله التقاعدية في حساب تقاعد شخصي من نوع "روث أي أر أي" (Roth IRA) بدل ذلك، ولا يسهم فيه صاحب عمله بمبلغ مكافئ.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تواجه إلين، 27 عاماً، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الكامل لأن شركتها لا تحبذ الحديث إلى وسائل الإعلام، تحدياً مماثلاً. حين اعتنقت الإسلام العام الماضي، أدركت أن عليها تعديل خطتها التقاعدية. وجهت رسالة إلكترونية إلى الجهة التي تزوّد شركتها بالخطة التقاعدية لتسأل ما إذا كانوا يقدمون تمويلاً حلالاً، فتلقت "إجابة معلبة لم تساعد".

توجهت إلين بعدها إلى قسم الموارد البشرية في شركة الهندسة التي تعمل لديها في هيوستن لطلب إدراج تمويل متوافق مع الشريعة الإسلامية كأحد الخيارات. قالت: "ينبئني شعوري أنهم سيرفضون"، وفي هذه الحالة تعتزم طلب حساب وساطة ذي توجيه شخصي. قالت ألين إنها تشعر أنها "مجبرة أن تكون الشخص الذي يرفع صوته" لصالح زملائها المسلمين.

عوائد أقل

ليس واضحاً عدد المسلمين الذين يفضلون الاستثمار وفقاً للقواعد الإسلامية، فحتى في البلدان ذات الغالبية المسلمة حيث تكثر الخيارات المتوافقة مع الشريعة، يفضّل البعض التعامل مع المصارف والاستثمار التقليدي. حين يختار المسلمون الاستثمارات الحلال، قد يجدون أن العوائد تختلف عن الاستثمارات التقليدية. أول صندوق استثمار مشترك أميركي متوافق مع الشريعة كان صندوق الدخل أمانة الذي تأسس عام 1986 ويملك أصولاً بقيمة 1.5 مليار دولار. تشمل حيازاته أسهماً في شركة الأدوية العملاقة "إيلي ليلي أند كو" (Eli Lilly & Co.) وشركة مايكروسوفت. في السنوات الخمس الماضية حتى منتصف نوفمبر، ارتفعت قيمة الحصص فيه 17% مقارنة مع 52% لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" فيما كان تباين إجمالي الإيرادات أقرب عند 59% و68% على التوالي. كان صندوق جديد يحمل اسم "أمانة غروث" (Amana Growth) قد تفوّق على المؤشر المقياسي، فقد قفز 59%، مضاعفاً إجمالي أموال المستثمرين. قال بوريس خينتوف، رئيس الاستثمارات المستدامة في شركة الاستشارات الاستثمارية عبر الإنترنت "بيترمينت" (Betterment): "على الناس أن يختاروا الأمر الذي يهمّهم أكثر"، مشيراً إلى أن استثناء قطاعات كاملة من المحفظة الاستثمارية يعني "الانحراف عن عوائد السوق" على المدى الطويل. تقدّم "بيترمينت" محافظ استثمارية للمستثمرين القلقين حيال المسائل البيئية والاجتماعية، لكنها لا تقدم محافظ مصممةً لتتلاءم مع توجهات المستثمرين الدينية.

قال سهيل الحريش وهو صيدلاني في فينيكس بلغ عمره 39 عاماً ويستخدم الوساطة ذات التوجيه الشخصي ليستثمر مدخرات التقاعد التي تقدمها وظيفته في صندوق حلال: "نحن كلنا بشر، لذا نريد أفضل العوائد". كان قد جمع المال من أقاربه لمتابعة دراساته العليا لأن الاستحصال على قرض لم يكن وارداً بالنسبة له. قال: "أفضّل أن تكون عوائدي أقل قليلاً من أن أخاطر بعلاقتي مع الله".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي

قصص قد تهمك