تفضل مصافي النفط دفع غرامات مالية بما أن تكلفتها أقل من الاستثمار في الحدّ من التلوث

مصافي النفط الأميركية تجد أن الغرامات أرخص من خفض التلوث

غازات الاحتباس الحراري تنبعث في الجو من مداخن ملوِثة - المصدر: بلومبرغ
غازات الاحتباس الحراري تنبعث في الجو من مداخن ملوِثة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يمر طريق (أي-15) السريع في شمال يوتاه بين سفوح جبال واساتش المكللة بالثلوج ومياه بحيرة سولت لايك الكبرى المالحة ممتداً إلى إحدى أقل بقاع الولايات المتحدة تضرراً من البشر. لكن زوارها يمرون في طريقهم إليها بخمس مصافي تكرير للنفط تلوث الهواء بثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين والبنزين وغيرها من الملوثات.

رغم أن تلك المصافي من أصغر منشآت تكرير النفط الخام في البلاد، إلا أن كمية غازات الدفيئة المنبعثة منها لكلّ برميل تتجاوز مستوى انبعاثات معظم المنشآت الأكبر حجماً. يضاعف موقع هذه المصافي في أعلى جبال الروكي تأثير انبعاثاتها بأشواط، بالتالي تشكّل مصافي سولت لايك خطراً على الصحة العامة وعلى المناخ أيضاً.

قالت جورو والكر من منظمة الحفاظ على الموارد الطبيعية "ويسترن ريسورس أدفوكيتس" (Western Resource Advocates): "يعيش الناس على مسافة جدّ قريبة... لا بد من القيام بكل شيء لضمان الحد من الانبعاثات الناجمة عن المصافي".

غرامات منخفضة

يسلّط هذا الواقع الضوء على ثغرات تعتري القوانين الناظمة لمصافي النفط، فبرغم أثرها البالغ في الاحترار العالمي، إلا أن وكالة حماية البيئة الأميركية لا تضبط بشكل مباشر انبعاثات غازات الدفيئة منها. تشمل القوانين الناظمة التي تطبقها الوكالة بعض الملوثات الخطرة الأخرى، إلا أن الغرامات غالباً ما تكون مخففة ما يحول دون الالتزام بالقوانين، وفي عديد من الحالات تفتقر الوكالة للصرامة الكافية.

نظراً لقلّة عدد الأنابيب التي تربط منطقة الخليج بالسواحل الغربية، عادة ما يتعين إنتاج الوقود المستخدم في الإقليم الجبلي محلياً. تظهر بيانات وكالة حماية البيئة أن كمية انبعاثات غازات الدفيئة للبرميل الواحد الناجمة عن 10 من أصل 13 مصفاة في مونتانا ويوتاه ووايومينغ أكبر من الوسطي في الولايات المتحدة. يوازي خفض هذه الانبعاثات لتبلغ المعدل الوطني تأثير توقيف أكثر من 800 ألف سيارة عن السير. يوازي تأثير خفض الانبعاثات الناجمة عن كلّ مصافي النفط في البلاد إلى هذا المعدل سحب ستة ملايين سيارة إضافية من على الطرقات.

تطرح هذه الانبعاثات إشكالية كبرى في المناطق المشابهة لسولت لايك حيث تحاصر الجبال الملوثات لأسابيع خاصة في الشتاء. يتفاعل نور الشمس الشديد في المرتفعات مع أكسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة المنبعثة من المعامل لتكوين الأوزون الذي وصفته كايت بندر التي تعمل على جودة الهواء في رابطة الرئة الأميركية (American Lung Association) بأنه أشبه "بضربة شمس تصيب الرئتين".

تلكؤ المصافي

ترتبط انبعاثات المصافي بعدة عوامل مثل نوع النفط الخام المستخدم والكمية المُعالجة والتجهيزات المعتمدة. من شأن تحديث الوحدات القديمة وتركيب أجهزة تستخدم الحرارة الناجمة من إحدى الوحدات من أجل تشغيل وحدات أخرى أو التقنيات التي تحبس الكربون وتخزنه أن يخفف من الانبعاثات. لكن في بعض المصافي تفوق تكلفة التجهيزات الجديدة الغرامات المترتبة على المخالفات.

حددت وكالة حماية البيئة 2020 كتاريخ نهائي لإنجاز الجزء الأخير من مسعى مؤلف من ثلاث مراحل يرمي لخفض كمية الكبريت في البنزين. لكن بعد إتمام المرحلتين الأوليتين، تلكأت بعض المعامل حيال تبني التحسينات الأخيرة، حسب جورج هويكسترا، الموظف السابق المخضرم لدى "بريتيش بتروليوم" و"أموكو أويل" (Amoco Oil) الذي يعمل حالياً استشارياً في القطاع. شرح هويكسترا أن تركيب جهاز يخفض الكبريت في مصفاة تنتج 50 ألف برميل في اليوم يكلّف نحو 125 مليون دولار، فيما أن الغرامات المترتبة على عدم الامتثال للقواعد تبلغ نحو 18 مليون دولار سنوياً. قال إن بعض المصافي "اختارت ألا تستثمر في ذلك".

تكون قيمة الغرامات أقل بكثير من ذلك في بعض الأحيان. صنفت الوكالة معمل شركة "بيغ ويست أويل" (Big West Oil) في منطقة سولت لايك على أنه يرتكب مخالفة "ذات أولوية" لقانون الهواء النظيف منذ يناير 2020 على الأقل، إلا أنها لم تغرّم الشركة إلا 344 ألف دولار خلال هذه الفترة. قالت وكالة حماية البيئة إنها "تواصل العمل مع شركائها في الولاية لتحقيق عدالة أكبر لناحية الحجم والغرامات" بهدف ضمان الامتثال للقوانين الاتحادية.

غياب الدافع

لم تستجب "بيغ ويست" لطلب التعليق، وكذلك امتنعت شركة التكرير في المنطقة "هولي فرونتيير" (HollyFrontier). قال تايلر كروزيش، المتحدث باسم شركة "شيفرون"، التي لديها معمل واحد في المنطقة، إن الشركة قامت "باستثمارات كبرى في أجهزة مكافحة التلوث، ما مكّن المصفاة من تخفيض انبعاث الملوثات المعيارية، بنسبة 88% بين 1990 و2021". أضاف: "دفع الغرامات بدل الاستثمار لتحسين أدائنا البيئي يتعارض مع قيمنا كشركة". قالت شركة "ماراثون بتروليوم" (Marathon Petroleum) في بيان إن انبعاثات الملوثات المعيارية على مستوى الشركة ككل انخفضت 54% بين 2002 و2021.

دعا جيريمي نيكولس، مدير برنامج المناخ والطاقة في منظمة "وايلد إيرث غارديانز" (WildEarth Guardians) البيئية كلاً من وكالة حماية البيئة والمشرّعين في الولايات لتطبيق ضغوط أكبر على مصافي النفط. أشار إلى أن الشركات في القطاع باتت تعتبر أن دفع الغرامات بدل اتخاذ الخطوات اللازمة لخفض الانبعاثات هو "نهج معتاد"، مضيفاً أن الغرامات "لا تسبب أي ألم لها ولا تؤثر قطعاً على أهدافها الاقتصادية النهائية، لذا لا يوجد ما يحفزها على تحسين أدائها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك