يوفر منتزه كثيف الشجر في كينغز ماونتن بولاية نورث كارولينا متنفساً للتمتع بالطبيعة لسكان مدينة شارلوت القريبة، حيث يضم بركة ساكنة تعيش فيها سلاحف وأسماك إلى جانب أنماط الحياة البرية في المنتزه. يصل عمق البحيرة البراقة لنحو 45 متر بعد عقود من تراكم هطولات الأمطار فوق منجم الليثيوم المعطل، الذي تسعى شركة "ألبيمارل" (Albemarle)، أكبر منتج للمعدن الفضي المائل للبياض في العالم لاستئناف تشغيله.
يمثّل هذا المشروع ركيزة أساسية في خطة صانعي السيارات لإطلاق أول سلسلة إمدادات أميركية كاملة من بطاريات السيارات الكهربائية وخفض الاعتماد على الصين.
لا بديل عن الليثيوم لصنع بطاريات السيارات الكهربائية، وتخطط "ألبيمارل" لمعالجة الليثيوم المستخرج من كينغز ماونتن إذا نجحت بإعادة تشغيل المنجم عبر مصنع ستفتحه الشركة جنوب شرق الولايات المتحدة.
التزمت شركات صناعة السيارات ومن بينها "جنرال موتورز" و"فورد موتور" بالاستثمار في إنشاء مصانع جديدة محلياً لتصنيع خلايا بطاريات السيارات الكهربائية.
قال كينت ماسترز، الرئيس التنفيذي لشركة "ألبيمارل": "تتطلع الصناعة لتأمين سلسلة توريد محلياً ونحاول وضع أساس لتلك الصناعة عن طريق الليثيوم".
قدرات محدودة
تتصدر أستراليا والصين على التوالي قائمة المنتجين الرئيسيين لليثيوم. تملك الولايات المتحدة خامس أكبر احتياطي عالمي من المعدن لكن لا يوجد فيها سوى منجم ليثيوم نشط واحد فقط في سيلفر بيك بولاية نيفادا، حيث تشرف "ألبيمارل" على عمليات تشغيلية صغيرة. هنالك بضعة مناجم ليثيوم أخرى مقترحة إلا أنها مشاريع في مراحلها الأولى وتواجه الشركات التي تشرف عليها عقبات بيئية ومعارضة محلية.
كما يكتنف الضعف قدرة الولايات المتحدة في معالجة الليثيوم، فتعتمد مصانع بطاريات السيارات الكهربائية في البلاد استيراد المواد الخام من الخارج.
هيمنة صينية
تهيمن الصين في المقابل على سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية و79% من القدرة على تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم عالمياً، مقابل 5.5% فقط للولايات المتحدة وفق شركة "بنشمارك مينيرال إنتليجنس" (Benchmark Mineral Intelligence)، التي تقدم خدمات استشارية متعلقة بالمعادن المهمة للحكومات.
يقول آندي ميللر، كبير مسؤولي العمليات في "بنشمارك": "يتسبب الاعتماد على بلد واحد، بغض النظر عن تلك الدولة في قلق كثير من الحكومات".
أميركا لا تستطيع مجاراة الثقل الصناعي للصين
تزداد أهمية تعزيز استخراج الليثيوم عالمياً لمواكبة توقعات زيادة إنتاج السيارات الكهربائية بعدما شهد تباطؤاً نسبياً بسبب ركود السوق في الفترة 2018-2020 ما تسبب بتراجع الاستثمار في مشاريع جديدة. ارتفعت أسعار الليثيوم في الصين بأكثر من 100% هذا العام مع ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية.
قال إيلون ماسك، رئيس شركة "تسلا" التنفيذي، خلال مؤتمر هاتفي للتعليق على الأرباح في أكتوبر، إن الليثيوم "باهظ الثمن"، وقالت الشركة إن قيود سلسلة توريد البطاريات "معوق رئيسي" لنمو سوق السيارات الكهربائية.
تشير تقديرات "بلومبرغ إن إي إف" للحاجة لزيادة إمدادات الليثيوم 5 أضعاف بنهاية العقد مع الزيادة الثورية في إنتاج السيارات الكهربائية.
إعادة التشغيل
كان منجم "ألبيمارل" في كينغز ماونتن مصدراً لليثيوم المستخدم في مشروع مانهاتن، وهو برنامج الحكومة الأميركية لصنع أول قنبلة ذرية، وقد توقف عن العمل منذ الثمانينيات.
تتوقع الشركة إعادة تشغيل المنجم في 2027 بسعة إنتاج أولية 50 ألف طن متري سنوياً وذلك بالتزامن مع تشغيل مصنع قادر على معالجة 100 ألف طن من الليثيوم المُستخرج والمنتجات الكيماوية المعاد تدويرها مثل بطاريات الليثيوم والنيكل والكوبالت.
تجهيزات معقدة
في البداية لابد من تجفيف المستنقع وقطع الأشجار ليأتي دور الجرافات والشاحنات والمجارف والناقلات وتُسفع الصخور البيضاء المستخرجة من الحفرة المفتوحة وينتج عن ذلك قطع من خام سبودومين المعدني ثم تُحمى تلك الصخور النارية ويبدأ ترشيحها بحمض الكبريتيك لينتج عنها في النهاية بقايا رمادية فضية تُحول إلى ليثيوم.
قال نيك غيتا، مدير محفظة في "فرانكلين إيكويتي غروب" (Franklin Equity Group)، التي تملك أسهماً في "ألبيمارل": "انظر لمكان يشبه المنتزه وفكر: كم يحتاج من الوقت لتحويله إلى مركز إنتاج واسع النطاق؟... هذا يوضح المشكلات التي تواجه رفع مستويات الإنتاج لتلبية الطلب القوي ليس في الولايات المتحدة وحدها، لكن بشكل عام".
بيروقراطية أميركية
متوقع أن تكمن أكبر التحديات بالحصول على الموافقات اللازمة فيدرالياً وعلى مستوى الولايات والمقاطعات. رغم أن الرئيس جو بايدن فعّل أخيراً قانون الإنتاج الدفاعي لعام 1950 بغرض تشجيع الإنتاج المحلي للمواد الأساسية اللازمة للتحول في قطاع الطاقة، إلا أن إدارته أظهرت تقلباً فيما يتعلق بمنح التصاريح. أصبحت "أيونير" (Ioneer)، مورد الليثيوم لشركتي "فورد" و"تويوتا"، غير قادرة على تطوير مشروع تعدين في نيفادا لأن الأراضي العامة القريبة من الموقع موطن لزهور الحنطة السوداء البرية المهددة بالانقراض.
يُتوقع زيادة الطلب على السيارات الكهربائية بدعم من قانون خفض التضخم الذي أقره الكونغرس أخيراً وينص على إمكانية التأهل لائتمان ضريبي يبلغ 7500 دولار على مشتريات المركبات الكهربائية طالما احتوت بطارياتها على معادن مستخرجة أو تمّ تصنيعها في دولة لديها اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة، وكذلك بعض المكونات التي يتم تصنيعها أو تجميعها في الولايات المتحدة.
تبني "جنرال موتورز" 4 مصانع لإنتاج خلايا البطاريات الأميركية، كما لدى "فورد موتور" مشروع مشترك مع "إس كيه إنوفيشن" (SK Innovation) في كوريا الجنوبية يتضمن استثمار 11.4 مليار دولار على إنشاء 3 مصانع للبطاريات ومصنع لتجميع السيارات الكهربائية في تينيسي وكنتاكي. كما تسعى "فولكس واجن" لبدء تصنيع خلايا بطاريات داخل الولايات المتحدة، فيما اختارت "باناسونيك"، المورد القديم للبطاريات لشركة "تسلا" مدينة كانساس لبناء مصنع بطاريات.
قال رام شاندراسيكاران، المحلل الرئيسي لقطاع النقل في شركة "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie) للخدمات الاستشارية: دون إمدادات ليثيوم محلية للبطاريات "ستواجه الولايات المتحدة خطر التخلف عن الركب... نشهد تحولاً كبيراً نحو المركبات الكهربائية على نطاق واسع. يكاد يكون بدهياً أنه على الولايات المتحدة أن تسعى لجعل جزء من سلسلة التوريد محلياً ليصبح لديها سيطرة أفضل عليها".