حين تجول ديب مينيكوس، كبيرة باحثين لدى شركة "دريسكولز" (Driscoll’s) الحائزة على دكتوراه في التكثير النباتي من جامعة أوهايو، في حقل الفراولة لا تتفقد الثمار فقط بل غالباً ما تتفحص الأوراق والسويقات الصغيرة المنبثقة من الجذور، وهي الأجزاء المهمة المعروفة بالممتدات لأنها موضع نمو الزهور والثمار.
قالت مينيكوس: "نرغب بنبات صغير قصير الأوراق ذو ممتدات بطول محدود لأننا لا نريدها أن تلامس التراب".
يستغرق تطوير نوع جديد من الفراولة في "دريسكولز" 5 سنوات على الأقل، حيث يبدأ بمحصول من 25 ألف نبتة متميزة وراثياً تنمو داخل حقل التكاثر قرب مقر الشركة الرئيسي في واتسونفيل بولاية كاليفورنيا.
الوصول للأفضل
تغربل مينيكوس وزملاؤها تلك النبتات لاختيار 250 منها لاستنساخها وإعادة زراعتها ثم تمحيص أفضلها وصولاً لاصطفاء واحدة منها. تهدف من ذلك لزراعة ألذ أنواع الثمار وأكثفها مع خفض تكلفة الأسمدة والمبيدات واليد العاملة.
قالت مينيكوس إن تحديد أفضل الصفات الجينية للحصول على أسهل محصول للنباتات يعود اليوم إلى "الملاحظة والتلمس ونريد أن تكون لدينا بيانات أفضل ومزيد من البيانات الكمية وهنا يأتي دور (مينيرال)".
تشبه "مينيرال" اللجوء إلى "غوغل" للحصول على معلومة. يستخدم المشروع، الذي يخضع لعناية شديدة من مختبر الابتكار الشهير "إكس" (X) التابع للشركة، كاميرات وتقنية تَعلّم الآلات لمساعدة المزارعين على اتخاذ قرارات أفضل.
ابتكرت "مينيرال" بالتعاون مع "دريسكولز" مركبات آلية أكبر قليلاً من سيارة "سمارت" المدمجة تكسوها أجهزة استشعار وكاميرات لفحص صفوف المحاصيل من أعلى لأسفل وجمع البيانات لتعريف المزارعين أي النباتات تزدهر وأيها لاطائل منها.
مركبة آلية
تُسمى تلك العملية "تحليل الأنماط الظاهرية" ويصفها إليوت غرانت، مدير "مينيرال" العام، بأنها تحدٍ كبير للمزارعين. قال: "انخفض سعر الاستنساخ الجيني بشدة لكنك لا تعرف سلوك النبات الذي تنتجه هندسياً... ما يزال المزارعون وباحثو المحاصيل يذهبون للحقول بشريط قياس ودفاتر لتدوين الملاحظات".
كانت أول عربة من "مينيرال" تسير على 4 عجلات كتلك التي تقوم عليها الدراجات الهوائية وتحمل كاميرا، وكان مهندسو الشركة يدفعونها دفعاً في الحقول قرب واتسونفيل في 2017. تتصل تلك الكاميرا بما يشبه برنامج "ويمو" للقيادة الذاتية الذي تستخدمه "غوغل". تطور الإصدار الحالي وأصبحت عجلات المركبة تسمح لها بالسير في مختلف التضاريس وتحمل 6 كاميرات تلتقط صوراً للنباتات من زوايا مختلفة، إضافة إلى مستشعرات ليزر ونظام تحديد الموقع لتفادي الاصطدام بالعقبات. يقود العربة فني من "مينيرال" مستخدماً جهاز تحكم عن بعد، بينما تؤكد الشركة أن مركباتها الجوالة ذاتية القيادة.
تعاون صيني
تستكشف "مينيرال" أيضاً أجهزة استشعار يُمكن توصيلها بجرارات المزارع التقليدية، وطرق أخرى لزيادة تدفق البيانات باستخدام الصور التي تلتقطها مُسيرات طائرة والأقمار الصناعية وحتى الهواتف الذكية.
كما تختبر "غوغل" في "ديسكرولز" إصدارات من تقنية زراعية بالتعاون مع أكثر من 12 شركة أخرى من بينها "سينجينتا" (Syngenta)، شركة الزراعة الصينية العملاقة التي تملكها الدولة التي تطور البذور والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب لمحاصيل الغذاء الأساسية مثل فول الصويا والذرة والقمح.
تستخدم "سينجينتا" عربات "مينيرال" الجوالة لتطوير خوارزميات الحد من نمو حشائش قطيفة النخيل، التي تقضي على مزارع بأكملها إن تفشت داخلها، وقد يسمح ذلك لعملاء "سينجينتا" بمزيد من التحديد باستخدام مبيدات الأعشاب بدلاً من رش حقول بأكملها.
مشاريع لم تكتمل
قال غرانت: "بعد ساعة ستقول لم أعد أطيق النظر إلى سنبلة قمح أخرى، لكن العربة الجوالة ستفحص كل حبة. لا يمكن للمزارعين أن يفعلوا ذلك".
يدرك غرانت أن كثيراً من الناس لا يعلمون ارتباط ذلك النوع من الأعمال بشركة "غوغل" أو مختبر "إكس"، الذي اشتهر بتطوير تقنيات تبدو مأخوذة عن كتب الخيال العلمي، فإلى جانب السيارة ذاتية القيادة، كان هناك الكمبيوتر المثبت بالوجه "غلاس" (Glass)، و"لوون" (Loon) التي تستخدم بالونات الهواء الساخن لتوفير الاتصال بالإنترنت. و"وينغ" (Wing) لتسليم الطرود باستخدام طائرة بدون طيار. وتوربينات الرياح الطائرة "ماكاني" (Makani)، وكذلك شركة "فيريلي" (Verily) للبحوث الطبية التي كانت بدايتها السعي لتطوير عدسات لاصقة تشتمل على أجهزة الكمبيوتر المدمجة.
لم تحقق أي منها هدفها المزمع. حيث أخفقت "غلاس" لدى المستهلكين كما اقتصر تطبيق "وينغ" على عدد قليل من المشاريع التجريبية، وأوقفت عمليات "لوون" و"ماكاني"، بينما جمعت "فيريلي" مليارات من مستثمرين من خارج الشركة، لكنها أوقفت مشروع العدسات اللاصقة وركزت على تطبيقات تقليدية ونماذج أعمال أكثر وضوحاً مثل تحسين قواعد البيانات الطبية.
تطبيقات عملية
قال أسترول تيلر، كبير تنفيذيي مختبر "إكس"، إن الفكرة تتمحور حول البعد عن الابتكارات المبهرة التي لا تؤدي لأعمال مفيدة والاتجاه لجهود أجدى يمكنها أن تدر أرباحاً على المدى الطويل للشركة الأم "ألفابيت".
لم تستقر "مينيرال" بعد على نموذج عمل، لكن تيلر الملقب رسمياً بأنه "قائد المشروعات الطموحة" يتوقع التوصل لنموذج وعندها يمكن انفصال الشركة مثلما حدث مع "وايمو" و"فيرلي". قال تيلر: "ربما لا يبدو الأفق مشرقاً وساطعاً" لكن آلة فحص أوراق الفراولة تعمل جيداً وتعجب عملاء مثل "دريسكولز" وتساعدهم في عملهم الأساسي.