حتى في عالم صناديق التحوط الذي يتسم بضغوط شديدة وارتفاع الأجور، يُفترض بالشخص الذي يختار أسهماً للاقتناء وأخرى للبيع على المكشوف أن يكون مميزاً. اكتسبت صناديق التحوط اسمها من النهج الذي ابتكره ألفريد وينسلو جونز قبل سبعة عقود. إضافة للمراهنة على ارتفاع سعر الأسهم المفضلة لديهم أو ما تسميه وول ستريت أسهم الأمد الطويل أو الاقتناء، فهم يراهنون على انخفاض سعر الأسهم الأخرى لبيعها على المكشوف، كما يستخدمون الرافعة المالية لزيادة مكاسبهم.
تكمن الفكرة في أن المستثمر الذي يتمتع بمهارة حقيقية لاكتشاف الشركات الجيدة والسيئة على حد سواء سيعمل على التحوط ضد انخفاضات السوق الأوسع، طالما أن تراجع أسهم البيع أكبر من تراجعات أسهم الاقتناء، إلى جانب استعداد العملاء لدفع رسوم ضخمة وهي تبلغ عادةً 2% من الأصول سنوياً، إضافة إلى 20% من الأرباح لقاء هذه اللمسات السحرية.
لكن أداء هؤلاء السحرة المحتملين تراجع، وكان ذلك حين احتاجهم عملاؤهم لتخفيف الضربات التي يتلقونها من أشرس تخارجات من السوق منذ أكثر من عقد. تراجعت صناديق تحوط الأسهم 15% هذا العام، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ. تبدو "تايغر غلوبال" (Tiger Global) العائدة لتشايس كولمان في أسوأ حال بين كبار اللاعبين، حيث خسرت نحو 52%. بينما تراجعت "دي 1 كابيتال بارتنرز" (D1 Capital Partners) العائدة لدان سونديم 28%، وهبطت "بيلهام كابيتال" (Pelham Capital) التي يملكها روس ترنر 32.5%. كما شهدت شركة "لون باين كابيتال" (Lone Pine Capital) التي يديرها ستيف ماندل تراجعاً في الأصول على مستوى الشركة بنسبة 42% وصولاً إلى 16.7 مليار دولار.
تخارجات كبيرة
يسحب المستثمرون المحبطون مليارات الدولارات من صناديق الاقتناء والبيع على المكشوف، فقد سحبوا 25 مليار دولار حتى أغسطس، وهو أكبر مبلغ بالنسبة لأي نوع من صناديق التحوط هذا العام، وفقاً لموقع تتبع بيانات صناديق التحوط "إيفيستمنت" (EVestment). تجاوز صافي السحوبات على مدى خمس سنوات 100 مليار دولار. بينما تبدو صناديق الاقتناء والبيع على المكشوف مهيمنة على هذه القطاع الذي تبلغ قيمته 4 تريليونات دولار، بأصول تبلغ قيمتها نحو 683 مليار دولار، فإنها على وشك أن تأتي في الترتيب الثاني وراء ما يُسمّى الصناديق متعددة الاستراتيجيات، التي تستثمر عبر فئات أصول متعددة وغالباً ما تديرها فرق مديرين أقل شهرة وأكثر قابلية للاستبدال. تقلصت فجوة الأصول الخاضعة للإدارة بين الاستراتيجيتين لأدنى مستوى على الإطلاق عند نحو 27 مليار دولار في أغسطس، بعدما كانت 235 مليار دولار قبل عام واحد فقط، وفقاً لموقع " إيفيستمنت" (EVestment).
كان تراجع صناديق التحوط التي تستخدم استراتيجية اقتناء وبيع الأسهم على المكشوف ماضياً على مر سنوات. ربما يكمن جزء من المشكلة في أنهم خرجوا من عادة التحوط. أُعيد صقل تكتيكات عديد من المديرين خلال عقد من أسعار الفائدة المنخفضة التي أدت لارتفاع أسعار الأسهم. كما يمكنهم كسب المال من خلال الرهانات ذات الرافعة المالية على الأسهم التي ترتفع أسعارها كثيراً. لكن كمجموعة، كان أداء صناديق التحوط بالأسهم أقل من أداء صندوق مؤشر "إس بي آند بي 500" البسيط في سنوات السوق الصاعدة القوية مثل 2013 و2019. الآن استحوذت المحافظ المحملة بأسهم شركات النمو والتقنية وقليل من عمليات البيع على المكشوف على معظم ما تراجع في السوق.
حلم وكابوس
قال أندرو بير، مؤسس "داينامك بيتا إنفيستمنت" (Dynamic Beta Investments) ومقرها في نيويورك، الذي يحاول تقليد عوائد صناديق التحوط بتكلفة منخفضة: "من الذي ظنّ أن دفع 20% من الأرباح للأشخاص الذين اختاروا ببساطة شراء أسهم شركات التقنية فكرة جيدة؟ كانت هيكلية رسوم صناديق التحوط بمثابة حلم للمديرين وكابوس للمستثمرين".
تميز القدرة على بيع الأسهم على المكشوف، أي اقتراض الأسهم وبيعها على أمل إعادة شرائها لاحقاً بسعر أقل، صناديق التحوط عن الصناديق المشتركة والصناديق المتداولة في البورصة. لكن البيع على المكشوف لم يكن ناجحاً لغالبية العاملين في انتقاء الأسهم في العقد الماضي. ساعدت أسعار الفائدة القريبة من الصفر خلال معظم ذلك الوقت حتى أضعف الشركات على البقاء وشجعت الشركات على اقتراض الأموال لإعادة شراء أسهمها، ما ساعد على إبقاء أسعار الأسهم مرتفعة. كما عنت أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً أن صناديق البيع على المكشوف كانت تحصل على فوائد أقل على الأموال النقدية التي تحتفظ بها مؤقتاً بعد بيع الأسهم إضافة لتفويت توزيعات أرباح الأسهم، ما جعل هذا التكتيك أكثر تكلفة.
كما لم يفلح المديرون في تمييز أفضل الشركات عن أسوأها. يظهر مؤشران جمعتهما مجموعة "غولدمان ساكس" للرهانات المفضلة لصناديق التحوط أنه خلال التراجعات الرئيسية في السوق، كانت اختياراتهم للاقتناء أسوأ من بيعهم على المكشوف، كما ارتفعت الأسهم التي باعوها على المكشوف في الفترات التي ارتفعت فيها السوق. انخفضت الأسهم المفضلة لدى صناديق التحوط بنسبة 1% هذا العام فيما انخفضت الأسهم التي باعتها على المكشوف 20% فقط. بعبارة أخرى، تخسر صناديق التحوط أكثر في الأسهم التي اعتقدت أنها سترتفع أكثر كمجموعة مما تخسره في الأسهم التي اعتقدت أنها ستنخفض.
أثر السوق الصاعدة
تعزو جيليان ماكنتاير، مؤسسة "221 بي كابيتال بارتنرز" (221B Capital Partners) التي أجرت بحثاً حول بيع الأسهم على المكشوف في صندوق التحوط الخاص بالملياردير كريس هون، ذلك لضعف أداء مجموعة المواهب المتضائلة. لم يكن هناك حافز كبير لمديري الأموال لتطوير محللين قادرين على اكتشاف الشركات المعيبة حين سادت السوق الصاعدة لوقت طويل. قالت ماكنتاير، التي اتخذت عنوان شرلوك هولمز في شارع بيكر اسماً لشركتها: "انخفض العدد المطلق للبائعين على المكشوف في 2021 وربما وصل إلى أدنى مستوياته". أشارت إلى أن البائعين على المكشوف يخضعون أيضاً لمزيد من التدقيق من جانب السلطات الأميركية، ما يجعله عملاً محفوفاً بالمخاطر.
شكّل مستثمرون أفراد متسلحين بحسابات وساطة بلا عمولة وخبرة مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي إضافة جديدة إلى مشكلات البائعين على المكشوف. فقد تلاحموا معاً العام الماضي لرفع أسعار أسهم تُباع على المكشوف على نطاق واسع مثل "غايم ستوب" (GameStop) و"إيه إم سي إنترتينمنت هولدينغز" (AMC Entertainment Holdings). أغلق صندوق التحوط العائد للعبقري غابي بلوتكين شركة "ميلفين كابيتال مانجمنت" (Melvin Capital Management) بعد وقوفه إلى الجانب الخطأ من طفرة أسهم التجزئة وخسارته لأكثر من نصف أصوله. قالت شركة "سيترون ريسيرش" (Citron Research) العائدة لأندرو ليفت العام الماضي إنها ستتوقف عن تقديم تحليل البيع على المكشوف بعد 20 عاماً من تقديمها لهذه الخدمة.
كما كانت هناك كثرة في صناديق التحوط لبيع وشراء الأسهم، ما يعني مطاردة مزيد من المتداولين للفرص نفسها، حيث إن أكثر من ثلث مديري صناديق التحوط الذين تتبعهم شركة الأبحاث "بريكين" (Preqin) وعددهم نحو 8000 متخصصون بالمراهنة على الأسهم وضدها. قال إدواردو رولي نائب رئيس الاستثمار في مجموعة "يو بي إس" (UBS Group AG) لحلول صناديق التحوط التي تستثمر في الصناديق نيابة عن عملاء: " هناك ازدحام. أصبح المستثمرون الأفراد أكثر تطوراً وذكاءً وتنظيماً، الأخير سيخرج، وسيبقى الاثنان الآخران، فلنرَ".
تراجع واسع النطاق
ما يزال هنالك مئات مليارات الدولارات يشغلها منتقو الأسهم الأفراد. وما يزال هناك طلب على مهارة الاستثمار في الأسهم ضمن الشركات الاستثمارية الضخمة متعددة الاستراتيجيات مثل "ميلينيوم كانجمنت" (Millennium Management) و"بوينت 72 أسيت مانجمنت" (Point72 Asset Management)، كل ما في الأمر هو أن هؤلاء المديرين عموماً لا يحصلون على فرصة لتأسيس أعمال تحمل أسماءهم كما يعملون لدى رؤساء قادرين على طردهم. يمكن للمديرين الراغبين في وضع رهانات مركزة أو التركيز على قطاعات مرغوبة لدى فئة من المستثمرين مثل التقنية الحيوية أن يستمروا بالازدهار بمفردهم، كما يمكن ذلك لمن يحتفظون بتوازن صفقات البيع والشراء ليجعلوا أموالهم أقل ارتباطاً بمؤشرات مثل إس آند بي 500. قال صندوق "يوريكا" (Eureka) الذي تبلغ قيمته 24.4 مليار دولار والذي يديره صندوق مارشال وايس للتحوط في لندن لعملائه الشهر الماضي إن صافي تعرضه للسوق اقترب من الصفر وسجل مكاسب بنسبة 4.2% خلال سبتمبر، حسب وثائق المستثمرين.
فقد أكثر من نصف مديري صفقات شراء الأسهم وبيعها الذين يبلغون بلومبرغ عن أرقام أدائهم 10% أو أكثر حتى بتاريخ 22 سبتمبر من هذا العام، و80% منهم سجلوا تراجعات، حتى بعض الذين لديهم سجل إنجازات قوي يستسلمون. حقق شين غامبينو الذي أسس "هيرون باي كابيتال" (Heron Bay Capital) في 2015، مكاسب سنوية قدرها 18.6% متغلباً بذلك على مؤشر "إس بي آند بي 500" منذ إطلاق الصندوق، لكن مع ذلك أغلق صندوق التحوط الخاص به وانتقل مع فريقه إلى صندوق التحوط الأكبر متعدد الاستراتيجيات "إيسلير كابيتال" (Eisler Capital) في الأول من سبتمبر. بيّن للعملاء أن جمع رأس المال كان "صعباً للغاية" على صناديق التحوط ذات المدير المنفرد ولا تملك قواعد أصول ضخمة.
بدأ نحو 140 صندوق تحوط جديداً لبيع وشراء الأسهم العمل هذا العام. ورغم أن هذا قد يبدو على أنه نمو، لكن المقارنة هي مع متوسط يزيد عن 550 صندوق تحوط جديداً سنوياً في السنوات العشر الماضية، كما تظهر بيانات "بريكين". قال رولي من "يو بي إس"، وهو أحد أكثر الداعمين النافذين لصناديق التحوط، إن إعادة ضبط للقطاع قد تأتي لتترك اللاعبين الأقوى فقط. أضاف: "سيتراجع تأسيس صناديق جديدة ويُحتمل أن يتقلص عدد الصناديق. هذا ليس سيئاً".