شهدت شركة صناعة الحقائب المشهورة بهيكلها الصلب "أواي" (Away) فضيحة في ديسمبر 2019 بعد أربعة أعوام من إنشائها، حين اشتكى عمال ساخطون علناً بشأن ظروف العمل، ما حرك تحقيقاً إعلامياً بيّن أنه كان متوقعاً من الموظفين العمل لأوقات طويلة وأن يتجنبوا أخذ إجازات خلال ذروات الانشغال وأن يستجيبوا للرسائل ليلاً وخلال نهاية الأسبوع، وأن يجعلوا احتياجات العملاء أولوية فوق كل شيء.
هذه معايير شائعة في عديد من الشركات الناشئة عموماً، رغم أنها غير مثالية. قالت ليزلي فينزيغ، مؤسسة ورئيس شركة المشاريع التي تركز على النساء "غراهام أند ووكر" (Graham & Walker): "الشركة الناشئة ليست مجال عمل للساعين لوظيفة دوامها بين 9 صباحاً و5 مساءً... تتحرك هذه الشركات سريعاً وتنمو سريعاً، وأي شخص يعمل لدى إحداها يجب أن يتوقع بيئة سريعة الحركة وأن يحب التحديات".
تعرضت رئيسة "أواي" التنفيذية حينئذ، ستيف كوري، لانتقادات علنية لابتداعها ثقافة عمل قاسية مدفوعة بنهجها الذاتي في العمل على مدار الساعة. استقالت مؤقتاً ثم عادت لتغادر مجدداً بعد بضعة أشهر دون عودة. رفض ممثل عن كوري طلب بلومبرغ بيزنس ويك للتعليق.
ألقت دراسة نُشرت نتائجها في يوليو الضوء على عقلية ربما كانت سائدة في تلك الشركة، فقد اتضح أن الموظفين لا يتوقعون إصراراً من المديرات على العمل مطولاً لذا فهم لا يستجيبون حين يُطلب منهم العمل الإضافي. حتى في الشركات الناشئة، فقد بحثت أولينكا كازبرتزيك مع باحثين آخرين لمدة عقد في بيانات ساعات عمل نحو ربع مليون موظف لدى أكثر من 58000 شركة ناشئة في البرتغال، واكتشفوا أن العمال يعملون ساعات إضافية أقل بنسبة 7% تحت إدارة نسوية كما أنهم يعملون أقل بنسبة 1% خلال ساعات العمل الاعتيادية. قالت كازبرتزيك، مؤلفة الدراسة الرئيسية وأستاذة الاستراتيجية وريادة الأعمال في كلية إمبريال كوليدج للأعمال في لندن: "إنه اكتشاف محبط للغاية من بعض النواحي... حتى لو مولنا نساءً وسخرنا لهن حاضنات أو آليات تسريع، فإن تمييزاً لدى الموظفين قد يحدد ما إذا كانت مشاريعهن ستنجح في النهاية".
استفاضة الدراسة
ابتكر الباحثون تجربة لاستكشاف عمق هذا الأمر، فاستعانوا بموظفين عبر الإنترنت لشركة تحليلات بيانات وهمية أوكلوا لهم مهمة التعرف على صور لمديرين تنفيذيين. طلب المؤسسون الوهميون من الموظفين بعد نهاية ساعات العمل أن يضيفوا بعض البيانات للصور. استجاب معظم الموظفين حين أتى الطلب من مالكي الشركة الوهمية الذكور، أما حين طلبت نظيراتهم ذلك كان العمال أميل للرفض، حتى أن من وافق عمل لفترات أقل. لكن كان جديراً بالملاحظة أن جودة إنجاز المهام لم تتباين سواء كان المدير ذكراً أم أنثى، ما يدل على أن حجم العمل لصالح المرأة فقط هو الذي يتأثر وليس جودته. ما قاله مبرمجو الصور عندما طُلب إليهم شرح سلوكهم يتلخص من حيث الأساس بأنه يسهل رفض طلب امرأة. قال بيتر يونكين، أستاذ الإدارة المشارك في كلية لوندكويست للأعمال بجامعة أوريغون وهو من المشاركين في الدراسة: "يشعر الناس بأنه يسهل أن يحتجوا لامرأة بالتزام عائلي وينتظرون منها تفهماً... أما مع رجل فهم يفترضون أنه يتعين عليهم أن يوافقوا فحسب، وأن المؤسسين الذكور لن يتفهموا التوازن بين العمل والحياة وأنهم سيعاقبونهم مستقبلاً".
عادة ما يمر التمييز دون أن يلاحظه أحد في التجربة الفردية اليومية حتى حين يكون واضحاً. تميل الشركات للتركيز على أوجه عدم المساواة المنظورة التي يمكن إصلاحها مثل تباين الأجور بين الجنسين، كما قالت إيزابيل سولال، أستاذة الإدارة المساعدة في إيسيك بزنس سكول في باريس. هي لم تشارك في البحث، لكنها أثنت على "مزجه بين البيانات الواقعية والتجريبية لنتمكن من رؤية مشكلة إدارية حقيقية في سياقها"، إضافة لدراسة التمييز الآتي من المرؤوس تجاه من يديره.
يطرح المستثمرون باستمرار أسئلة على النسوة اللائي يؤسسن شركات حول نواياهن بشأن تنظيم أسرهن كما يدققون في قدرات البارعات منهن فيما لا يتعرض المؤسسون الذكور للتجربتين، كما تقول أميليا سودا، المسؤولة عن تسريع القيادة لدى "فيميل فاوندرز" (Female Founders)، وهي جمعية أوروبية تضم 60 ألف شخص بارز في مجال تسريع القيادة والتشغيل. كان التمييز من أسفل الهرم نحو الأعلى الذي وجده الباحثون جديداً عليهم. قالت سودا: "كان رد فعلي الأولي هو عدم تصديق أن هذا التمييز موجود أيضاً من طرف الموظفين. تركز النساء المؤسسات لدينا حقاً على مسألة ثقافة العمل وتتحدثن كثيراً عن التأكد من أن يكون لكل شخص عبء عمل معقول وأن يشعر أنه مشمول بدلاً من القول: أهلاً بك لدينا كثير من العمل لننجزه".
يقول الباحثون إن النساء المديرات في كل مكان قد يواجهن التحدي ذاته، لكن المشكلة تلحق ضرراً بالشركات الناشئة خصوصاً لأن العمل الإضافي هناك أمر حيوي نظراً لأنه يتوجب على فرق صغيرة تحقيق إنجازات كبرى. ينجز الموظفون الأقل إنتاجية عملاً أقل، ما قد يؤدي لهبوط المبيعات والأرباح والنتائج طويلة الأجل. قالت كازبرتزيك: "النمو المرتفع ينشأ عن موظفين يبذلون هذا الجهد الإضافي"، وترى أنه ينبغي أن يكون قادة الشركات الناشئة قادرين على تحفيز موظفيهم على العمل لوقت إضافي على أساس تضمين هيكل الأجور النموذجي لحقوق ملكية للموظفين، بحيث يكسب الجميع إذا نجح المشروع في النهاية.