فيما تُصعّد الولايات المتحدة من حملتها لتقويض صناعة أشباه الموصلات الصينية، تحاول أوروبا، التي أحرزت بعض النجاح، تفادي التعرض لتداعيات تلك الحرب.
ترتكز المساعي الأوروبية في الأساس إلى شركة "إيه إس إم إل" (ASML) الهولندية لصناعة معدات صناعة الرقائق وهي إحدى أبرز شركات التقنية في أوروبا، حيث إنها من عدد قليل من منتجي ما يُسمّى أنظمة الطباعة الحجرية المتطورة اللازمة لصنع أشباه الموصلات من الدرجة المتوسطة، والوحيدة في أوروبا المصنّعة للمعدات اللازمة لصنع الرقائق الأكثر تطوراً، ما يضعها في دائرة الضوء لدى صانعي السياسات.
لم تَبع "إيه إس إم إل" أي أنظمة طباعة حجرية بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة لعملاء صينيين قبلاً، وتحاول إدارة بايدن في سعيها لمنع الصين من تطوير قدراتها على تصنيع أشباه موصلات متقدمة، دفع حكومة هولندا لحجب معدات "إيه إس إم إل" القديمة المسمّاة معدات الطباعة الحجرية بالإغراق فوق البنفسجي العميق، التي يمكن دمجها مع تقنية أخرى لصنع رقائق متقدمة.
معارضة أوروبية
قال مسؤولون اشترطوا عدم كشف هوياتهم نظراً لحساسية المفاوضات، أن المفوضية الأوروبية وكذلك حكومتا هولندا وألمانيا قاموا بحملة ضغط منسقة لمعارضة فرض قيود على شركة أوروبية مهمة، خاصة وأن الشركات الأميركية المنافسة مستمرة بالتعامل مع الشركات الصينية، كما رأوا أن تلك القيود لن تكون مفيدة في ظل أن "إيه إس إم إل" التي حققت 15% من إيراداتها في الصين العام الماضي، باعت عديداً من تلك المعدات لشركات صينية.
كثّفت الولايات المتحدة جهودها في مطلع أكتوبر لفرض قيود أشد على ممارسة الأعمال التجارية في الصين، واستقبلت "إيه إس إم إل" وداعموها السياسيون تلك الإجراءات بارتياح، حيث لن تتأثر الشركة بشكل مباشر بالقيود الجديدة، التي تزيد من صعوبة بيع منافسيها في الولايات المتحدة مثل "أبلايد ماتريالز" (Applied Materials) و"لام ريسيرش" (Lam Research) لمعدات صناعة رقائق متطورة للصين. كما حذّرت الشركتان المستثمرين من تأثر نتائجهما المالية بالقيود الجديدة بشكل كبير.
لم تعلّق وزارة التجارة الأميركية، المسؤولة في الغالب عن وضع القواعد والإنفاذ المباشر على شركات معينة أو على مفاوضاتها مع حكومات أخرى، لأن "إيه إس إم إل" ليست شركة أميركية، ما يحد من سطوة الولايات المتحدة على عملياتها. لكن استخدامها عادةً لمكونات من الولايات المتحدة يمنح واشنطن قدراً من النفوذ عليها، إذ طبقت من قبل ضوابط بشأن تصدير المنتجات التي تأتي ربع مكوناتها على الأقل من الولايات المتحدة. لكن يقول كبار المسؤولين الأميركيين حالياً إنه يمكن إخضاع المنتجات التي تحتوي على أي مكونات أو ملكية فكرية أميركية لمتطلبات الحصول على موافقة واشنطن على تصديرها، ويزيد ذلك التفسير الواسع للقواعد من صعوبة التفاف "إيه إس إم إل" عليه.
تراجع ومحاذير
كان الأوروبيون يخشون أن تشمل السياسة الأميركية الجديدة على قواعد تؤثر على معدات الطباعة الحجرية بالإغراق فوق البنفسجي العميق. قال رئيس "إيه إس إم إل" التنفيذي بيتر فينينك في بيان بالتزامن مع إعلان الأرباح الفصلية في 19 أكتوبر أن التقييم الأولي للقيود الجديدة أنها لا تنطبق على منتجات الشركة التي تُصدّر من هولندا. كما قال روجر داسن، مدير الشركة المالي، في مؤتمر هاتفي للتعقيب على الأرباح، إن التأثير المباشر محدود إلى حد ما نتيجة "حقيقة أننا شركة أوروبية والتقنية الأميركية فيها محدودة".
رغم ذلك فقد تأثرت "إيه إس إم إل" بشكل غير مباشر بالقيود الجديدة التي فرضتها إدارة بايدن، وانخفضت أسهم الشركة بنحو 19% خلال الأيام التي أعقبت إعلان 7 أكتوبر، لكنها تعافت نسبياً بعد تسجيل الشركة أرباحاً قوية.
طلبت "إيه إس إم إل" من موظفيها في الولايات المتحدة التوقف عن خدمة ودعم عملائها في الصين إلى أن تنتهي من تقييم القواعد الجديدة. تحتاج الشركة لتراخيص كي تصدر منتجات محددة تتضمن مكونات أميركية إلى عملاء صينيين.
مواجهة أطلسية
تخاطر الولايات المتحدة ببدء مواجهة مع أوروبا إن استمرت بفرض قيود جديدة على معدات الطباعة الحجرية بالإغراق فوق البنفسجي العميق، ولم يتضح بعد مدى إمكانية إقناع المسؤولين لنظرائهم الهولنديين بفرض قيود إضافية على مبيعات معدات الطباعة الحجرية بالإغراق فوق البنفسجي العميق، لكن المؤكد أن الحليفين لم يتوصلا بعد لأرضية مشتركة، حيث تُعدّ الصين ثالث أكبر شريك تجاري لهولندا بعد ألمانيا وبلجيكا.
برغم أن أسوأ مخاوف "إيه إس إم إل" لم تتحقق على الأرجح في ظل التحركات الأميركية الأخيرة، لكن ذلك لا يعني عدم تأثرها بمزيد من التصعيد في الصراع بين الولايات المتحدة والصين، فإذا سعت واشنطن لزيادة الضغط على قدرات خصمها على تصنيع الرقائق، سيكون منطقياً أن تُبقي المُنتج المهيمن عالمياً على معدات صناعة الرقائق هدفاً لها.