لا يستقلّ جون ستانكي، رئيس شركة "إيه تي آند تي" (AT&T) التنفيذي، عادةً طائرة الشركة لمجرد حضور إطلاق مشروع لا تتعدى قيمته 39 مليون دولار لتوسعة الشبكة، لكنه ذهب إلى إيفانسفيل في إنديانا مرتدياً سترة زرقاء تحمل شعار "إيه تي آند تي فايبر" (AT&T Fiber) حيث صافح الساسة المحليين، والتقط صوراً مع سكانها وموظفيه.
يدلّ تغيُب ستانكي عن يوم تتابع فيه الاجتماعات في مقر الشركة الرئيسي في دالاس لحضور حفل وضع حجر الأساس لمشروع محلي على مدى الأهمية التي يوليها لتوسيع شبكة الألياف الضوئية الخاصة بشركة "إيه تي آند تي". إذ يعدّ المشروع جزءاً من استراتيجيته لإعادة تركيز عمل الشركة على تقديم خدمات اتصالات أوسع بعدما تخلت عن حلم التحول إلى قوة إعلامية. يضع ستانكي الآن نصب عينيه تمويلاً اتحادياً يقدر بنحو 100 مليار دولار مخصص لنشر تقنية النطاق العريض.
رغم أن إنديانا واحدة من 21 ولاية تقدم فيها "إيه تي آند تي" خدمات الاتصالات، إلا أن الشركة ستعلن قريباً عن توسعها في أسواق خارج منطقتها التقليدية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الخطة، لكنهم لا يريدون الإفصاح عنها للمنافسين قبل الإعلان الرسمي. أولى هذه المناطق هي مدينة ميسا في أريزونا، حيث وعدت "إيه تي آند تي" بتوفير خدمات الاتصالات عبر الألياف الضوئية في سوق كانت تقدم فيها خدمة الاتصالات اللاسلكية فقطـ، ما يعدّ خطوة أولى منذ عقود خارج نطاق نشاطها الحالي.
"ستارلينك" توفّر خدمات الإنترنت في الفلبين قبل نهاية 2022
ركزت جولة ستانكي التي امتدت سبع ساعات وشملت ست محطات توقف في إنديانا على مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو واحد من عدة شراكات من هذا النوع تنخرط فيها "إيه تي آند تي" في المنطقة. ينص عقدها مع مقاطعة فاندربورغ على وجوب تخصيص الشركة مبلغ 29.7 مليون دولار لبناء شبكات ألياف ضوئية تؤمن تقنية النطاق العريض فائق السرعة لما لا يقل عن 20 ألف منزل وشركة. يضاف إلى ذلك مبلغ 9.9 مليون دولار من أموال خطة الإنقاذ الأميركية المخصصة للمقاطعة التي تأتي في إطار ضخ أموال فيدرالية للمساعدة في التعافي من جائحة كوفيد 19.
ارتفاع التكلفة
تقدم بلدة إيفانسفيل نموذجاً لكيفية عمل شركة "إيه تي آند تي" مع الحكومات المحلية بهدف الوصول لمن لديهم اتصال ضعيف أو معدوم بالإنترنت، على حد قول ستانكي، الذي تحدث أثناء احتساءه القهوة في مقهى "كومفورت باي ذا كروس آيد كريكيت" في ماين ستريت في إيفانسفيل. أضاف: "لابدّ من بناء العلاقات. كان مفوضو المقاطعة في غاية الحماسة، ومع التزامنا الاستثماري إلى جانب التمويل الحكومي، بات لدينا نموذج يمكننا في رأيي تطبيقه في عديد من المجتمعات".
"أمازون" تشتري عشرات مركبات إطلاق الأقمار الصناعية لتتنافس مع "ستارلينك"
ما يزال على شركة "إيه تي آند تي" حل بعض مشاكلها الخاصة، إذ انخفض سعر سهمها لأدنى مستوياته منذ 28 عاماً تقريباً، حيث بلغ سعره 15.31 دولار في 17 أكتوبر.
أسدلت الشركة الستار على استراتيجية البث والإعلام التي لم يحالفها الحظ، ففككتها سريعاً بأسعار مخفضة، مع إحالة أعمال شركة "دايركت تي في" (DirecTV) للبث عبر الأقمار الصناعية التي تقلص حجمها إلى شركة الأسهم الخاصة الخاصة "تي بي جيه" (TPG) ودمج الشركة التي تملك "إتش بي أو" (HBO) مع "ديسكفري" تابعة "وارنر براذرز"، مع ذلك ستبقى "إيه تي آند تي" تتحمل ديوناً بقيمة 155 مليار دولار كما عليها دفع توزيعات أرباح سنوية بقيمة 8 مليارات دولار وأن تنفق على بناء شبكات جيل خامس وألياف ضوئية عالية التكلفة.
يتمحور نموّ قطاع حزم النطاق العريض في الولايات المتحدة حول خدمة الاتصالات اللاسلكية المنزلية، حيث تُرسل الإشارات إلى مبنى عليه جهاز توزيع لإنشاء اتصال داخلي بالإنترنت. يقول ستانكي إن الإشارات اللاسلكية مفيدة في بعض المناطق الجغرافية لنقل النطاق العريض، لكنه يفضل الألياف الضوئية نظراً للقيود على سعة الموجات الهوائية، في حين يُتوقع ازدياد الطلب على حركة البيانات. رغم استفادة الشركات المنافسة مثل "تي موبايل يو إس" (T-Mobile US) و"فرايزون كوميونيكيشن" (Verizon Communications) من نمو النطاق العريض المنزلي اللاسلكي اليوم، إلا أن ستانكي يقول: "إنه مجال لا يعتمد عليه كثيراً".
تقول شركتا "تي موبايل" و"فرايزون" إن سرعات خدمات النطاق العريض المنزلي اللاسلكي التي تقدمها توازي سرعة بعض الخطوط الأرضية المتوفرة أو تتفوق عليها، وتٌقدمها فقط في المناطق حيث سعة الشبكة الكبيرة.
هل خطة "بايدن" لتوسيع تقنية النطاق العريض جريئة بما يكفي؟
تعد اتصالات الألياف الضوئية بين أكثر أنواع التوصيلات المرغوبة نظراً لأنها توفر سعة وسرعات عالية تصل إلى 1 غيغابت في الثانية وأسرع حتى، لكن تركيبها باهظ التكلفة، فمن أجل خدمة مدينة أو ضاحية ما، يجب أن يمتد فرع أسلاك الألياف الضوئية من جذع أساسي، إما على أعمدة أو في خنادق وصولاً إلى الموزع. عادة ما تبلغ تكلفة هذه الوصلة التي تعرف باسم "الميل المتوسط" حوالي 1000 دولار لكل منزل، كما يكلف ربط منزل من ذلك الموزع حوالي 1000 دولار إضافية. ترتفع التكاليف كثيراً لدى توسيع الألياف الضوئية في الأرياف.
أماكن خارج التغطية
يقول روجر إنتنر من شركة "ريكون أناليتكس" (Recon Analytics): "تمثل معادلة الإنفاق تحدياً، فمهما كانت تكلفة بلوغ أول 80% من تغطية شبكة الألياف الضوئية، فإنك ستتكلف هذا المبلغ مرة أخرى للوصول إلى نسبة تغطية 95%، ثمّ ستتكلف كل ذلك مجدداً للوصول إلى نسبة 99%".
لدى شركة "إيه تي آند تي" فرصة لتضع يدها على جزء من التمويل الفيدرالي الجديد لحزمة النطاق العريض البالغة قيمته 95 مليار دولار، ويهدف لتوفير الإنترنت عالي السرعة في أجزاء من الولايات المتحدة ما تزال تعاني من بطء الخدمة. كشفت الإغلاقات والعزلة خلال فترة الوباء عن حاجة كبيرة لربط المنازل بالإنترنت كما يجب ليتمكن الناس من مواصلة الدراسة والعمل.
تقع إيفانسفيل في مقاطعة فاندربورغ في الطرف الجنوبي من الولاية، وهي ثالث أكبر مدينة في ولاية إنديانا. يمثل البيض 85% من سكان المقاطعة، ويعيش حوالي 15% من سكانها تحت خط الفقر. كما أن حوالي 35% من السكان ليس لديهم خدمة نطاق عريض على خط الهاتف الأرضي. تقول شركة "إيه تي آند تي" إنها ملتزمة بالوصول إلى حوالي ربع منازل مقاطعة فاندربورغ، حيث تقدم شركات أخرى خدماتها أيضاً، بينها شركة "تشارتر كوميونيكيشن" (Charter Communications) و"مترونت" (MetroNet)، و"أستوند برودباند" (Astound Broadband) العائدة لشركة "ستونسبيك بارتنرز" (Stonespeak Partners) وهي شركة ملكية خاصة، بالإضافة إلى شركات أخرى.
لا تُعزى الفجوة الرقمية المحلية دائماً إلى المداخيل المنخفضة. تمتلك سارة بيتريج وزوجها توم مزرعة مساحتها 40 هكتاراً، وتضم 80 رأساً من الماشية شمال إيفانسفيل، إضافة إلى منزل كبير مع بركة تحيط بها المناظر الطبيعية، لكن تصادف أن موقعه في منطقة غير مغطاة بالخدمة، إلى إن أوصلت "إيه تي آند تي" الخدمة إليهما. قال بيتريج: "كانت الطريقة الوحيدة للحصول على خط ألياف ضوئية هي دفع ثروة لتوفير خط بكلفة 6 دولارات لكل قدم، أي ما يصل إلى آلاف الدولارات".
تلتزم شركة "إيه تي أند تي" بثلاثة معايير مهمة عند توسيع نطاق خطوط الألياف الضوئية في سوق ما، تتمثل بالوصول إلى الأشخاص الذين يعانون من نقص الخدمات، وتحقيق الربح، وأن تكون المزود الأول لخدمات خطوط الألياف الضوئية إلى المنازل في المنطقة. تقول الشركة إنها لا ترغب في تكرار إنشاء شبكات الألياف الضوئية إذا كانت توجد شبكات لشركات أخرى، كما لا ترغب بتشغيل شبكة مجتمعية تملكها البلدية.
شراكات مع القطاع العام
وقعت "إيه تي آند تي" ومدينة بونفيل المجاورة في يوليو عقداً بقيمة 4.4 مليون دولار لتمديد شبكات الألياف الضوئية إلى 4000 موقع في المدينة. تساهم بونفيل بمبلغ 990 ألف دولار في المشروع من أموال خطة الإنقاذ الأميركية. حضر تشارلي وايت رئيس بلدية بونفيل، وهو ديمقراطي يشير إلى نفسه على أنه بقعة زرقاء في بحر أحمر، المؤتمر الصحفي في إيفانسفيل الذي ضغط خلاله ستانكي على المفتاح المجازي لتفعيل خدمة الألياف الضوئية في مقاطعة فاندربورغ. قال وايت، الذي حاولت بلدته دون جدوى بناء شبكة الألياف الضوئية الخاصة بها تحت الأرصفة كجزء من جهود تحديث محلية في 2017: "هناك كثير من مقدمي الخدمات، لكننا كنا نبحث عن شركاء لجعل المدينة مكاناً أفضل، وشعرنا بسرور بالغ عندما أعادت (إيه تي آند تي) النظر في نموذج أعمالها واتخذت خطوات تقدمية في هذا الشأن".
تتنافس كل من "تشارتر" (Charter) و"فرايزون" و"فرونتير كوميونيكشن" (Frontier Communication) و"لومين تكنولوجيز" (Lumen Technologies) وعشرات شركات خدمات الألياف الضوئية الأصغر وشركات المرافق والتعاونيات البلدية للحصول على صفقات مماثلة بين القطاعين العام والخاص.
قالت تامي باركر المحللة في "غلوبال داتا" (GlobalData): "ثمة شعور لدى شركات الاتصالات الكبيرة مثل (إيه تي آند تي) بأنهم إذا لم يتعاملوا مع البلديات في عمليات نشر شبكات الألياف الضوئية فسيفعل ذلك شخص آخر، لذا أصبحوا أكثر انفتاحاً على هذه الشراكات مما كانوا عليه في الماضي".
كانت الألياف الضوئية نجمة بعض قصص الازدهار والكساد في الماضي. جذبت توقعات الطلب مفرطة التفاؤل على سعة الشبكة خلال عصر دوت كوم فائضاً من مزودي خدمات الألياف الضوئية، ما أدى في النهاية لانهيار كبير للصناعة أسقط شركات سبق أن حلّقت أسعار أسهمها عالياً مثل "وورلد كوم" (WorldCom) و"غلوبال كروسينغ" (Global Crossing)، لكن ستانكي يقول إن الوضع الذي يغذيه الطلب على الألياف الضوئية اليوم مختلف.
على عكس فترات الازدهار السابقة التي تضمنت زيادة مفرطة في المعروض من مسارات الألياف الضوئية فائقة السعة لخدمة الشركات الكبيرة، يقول ستانكي: "هذه الألياف الضوئية للجميع، ما نبنيه الآن هو الميل الأخير. يصعب أن تقول إن هنالك سعات فائضة في الميل الأخير. إنه المكان الأصعب الوصول إليه، ونتيجة لذلك فهو الأكثر استدامة ".