بقلم: Max Chafkin
يستخدم أصحاب رأس المال الاستثماري"منحنى لام" لشرح كيفية عملهم أو لدى شطبهم لخسائر مادية في أحيان أكثر. يبين هذا المنحنى أن الصناديق الناجحة تجنح لتسجيل خسارة قبل أن تعلن أرباحاً كبيرة، فتبدو بذلك عوائدها بشكل حرف لام في الرسم البياني. يستحوذ أصحاب رأس المال الاستثماري على حصص في مجموعة شركات ناشئة يُتوقع فشلها بحكم تعريفها، ثم يأملون أن تتحول إحداها أو اثنتان منها إن كانوا محظوظين جداً إلى ما يشبه "غوغل" بينما تندثر البقية. يستغرق هذا سنوات، وقد يبلغ الأمر مبلغاً يجعل أذكى المستثمرين يبدو أخرق بشكل لا يُصدّق ولا يكاد يمكن تبريره. يظهر هذا المنحنى حيناً فيبرر ما حدث لكنه لا يظهر في أحيان أخرى أبداً.
يعيش بيتر ثيل واحدة من لحظات انتظار ظهور منحنى "لام" نتيجة أداء محفظته السياسية الأخير. فقد تعاون هذا الرأسمالي المغامر خلال الانتخابات التمهيدية مع الرئيس السابق دونالد ترمب ليساعد على فوز اثنين من موظفيه السابقين وهما جيه دي فانس وبليك ماسترز بترشيحات الحزب الجمهوري، ولم يشغل أي منهما منصباً سياسياً من قبل أو بدا أن له أي شأن بالترشح إلى مجلس الشيوخ الأميركي. قدم ثيل تمويلاً بواقع 15 مليون دولار لكل سباق، ما أضفى على الفور شرعية على فانس وماسترز وجعل من ثيل أحد أكبر المتبرعين الجمهوريين. قدّم لهما ترمب مصداقية حملة "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" وتبنّى المرشحان مواقف التبعية الأيديولوجية فصفّقا لألمعية ترمب التي تصفها الكلمات وأنكرا شرعية تصويت 2020 وهاجما كل من اعتقد بخلاف ذلك. روّج المرشحان لنظرية "الاستبدال العظيم"، وهي نظرية مؤامرة عنصرية وانتقدا مخاطر "اليقظة" وكانا حاضرين بنشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي طوال الوقت في كل أيام الأسبوع.
أخطاء سياسية
تعمل هذه الاستراتيجية رغم الغرابات، فقد أتى فانس وماسترز بأخطاء ارتكباها قُبيل ولوجهما الحياة السياسية كان من شأنها إغراق أي مرشح أقل صلاتٍ، فقد سمّى فانس ترمب "هتلر أميركا"، بينما أيّد ماسترز عدم تقييد الهجرة إلي أميركا قبل أن يلف على ذلك ليجعل إنشاء جدران حدودية محوراً لحملته الانتخابية. تأهّل فانس في حلبة مكتظة في أوهايو، وتمكّن ماسترز من منافسيه في أريزونا.
ثم فرض الواقع نفسه فقد أثبت الموقف اليميني المتطرف الذي سمح لماسترز وفانس بالتغلب على خصوم ممن يدعمون كذلك حملة ترمب "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" أنه يمثّل مشكلة في حملة الانتخابات العامة. بدا هذا صحيحاً بشكل خاص في ولاية أريزونا، وهي الولاية التي فاز فيها جو بايدن في 2020 ويواجه فيها ماسترز السيناتور مارك كيلي رئيس مجلس الشيوخ الحالي الذي يملك حاضنة تمويل جيدة، حيث تراجع ماسترز في كل استطلاع رأي حتى الآن. كان أداء فانس أفضل بقليل في ولاية أوهايو، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى أنه متعادل تقريباً مع الديمقراطي تيم رايان. لكن هذا لا يجلب كثيراً من الاطمئنان في ولاية فاز فيها السيناتور روب بورتمان الجمهوري المنتهية ولايته، بأكثر من 20 نقطة في 2016.
استطلاع يظهر ارتفاع شعبية "بايدن" والديمقراطيين قبل انتخابات التجديد النصفي كما تأخر كل من فانس وماسترز كثيراً في جمع التبرعات. فوفقاً لآخر الملفات المقدمة لهيئة الانتخابات الفيدرالية، جمع رايان نحو ستة أضعاف ما جمعته مساهمات حملة فانس الانتخابية؛ بينما جمعت حملة كيلي أكثر من 10 أضعاف ما جمعته حملة ماسترز. دفعت هذه الأرقام إلى جانب استطلاعات رأي ضعيفة حول مرشحين آخرين مؤيدين لترمب في بنسلفانيا وجورجيا الجمهوريين للحذر من أن ينتهي المطاف بتسبب مرشحي ثيل بخسارة الحزب الجمهوري فرصة بلوغ الأغلبية المسيطرة في مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي، التي يُنتظر أن يهيمن فيها الجمهوريون.
رأى الاستراتيجيون الجمهوريون منذ فترة طويلة مخرجاً واضحاً كما كتبت في يوليو، إذ يمكن أن يقدّم ثيل "خطة إنقاذ" لمرشحيه المتعثرين، ويمنحهم ما يكفي من المال لمواجهة هجمات الديمقراطيين، لكن هذا لم يحدث حتى الآن على الأقل. قال موقع "بوك نيوز" (Puck News) و صحيفة "واشنطن بوست" أن ميتش ماكونيل الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ قد ضغط على ثيل مراراً لدعم فانس في أوهايو وإنقاذ ماسترز في أريزونا، موضحاً أنه سيكون على صندوق القيادة في مجلس الشيوخ وهو لجنة العمل السياسي التي يرأسها ماكونيل، سحب الأموال من سباق ماسترز لمحاولة إنقاذ فانس في أوهايو. ضخت لجنة ماكونيل للعمل السياسي 28 مليون دولار في أوهايو في نهاية أغسطس وأعلنت أنها ستلغي شراء إعلانات بقيمة 8 ملايين دولار في ولاية أريزونا، لتترك ماسترز متأخراً عن كيلي في سباق المال.
حتى الآن رفض ثيل إلحاح لجنة ماكونيل، ما أدى لمواجهة بين الملياردير وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ليترك المقربين من ماكونيل محبطين ومرتبكين. لا يبدو أن ثيل يتخلى عما يبدو أنه سباقات يمكن الفوز بها فحسب، بل إنه يتخلى أيضاً عن أحد أقرب رفاقه. عمل ماسترز كمساعد كبير لثيل لسنوات، وشارك في تأليف كتاب ثيل "زيرو تو وان" (Zero to One ) وأدار صندوق ثيل الاستثماري الشخصي ومؤسسته. الآن وعلى حد تعبير أحد حلفاء ماكونيل، فإن ماسترز وفانس "معلقان وظيفياً". قال الشخص الذي تحدث شرط عدم كشف هويته لأنه يعمل في السياسة الجمهورية: "إنني في حيرة شديدة من كيفية توصله إلى قرار إنفاق 30 مليون دولار على الانتخابات التمهيدية وعدم إنفاق أي دولار في الانتخابات العامة... هذا مذهل".
لا يفاجئ هذا متابعي مسيرة ثيل المهنية على الإطلاق. يعرف شركاء الأعمال القدامى ثيل باعتباره استراتيجياً مكيافيلياً قادراً على معاملة أي شخص كأصل يشتريه ويبيعه. أثناء تأليفي لكتاب "ذا كونترارين" (The Contrarian) عن ثيل، سمعت قصصاً لا حصر لها من زملاء سابقين حيث يبدو فيها ثيل ملتزماً تماماً بشركة ما، ثم يقطع علاقاته بها بكل برود إن كان ذلك يفيده، وأحياناً تتعارض قرارات العمل هذه مع مصالح أقرب أصدقائه.
حدثت أشهر واقعة من هذا النوع قبل 20 عاماً، عندما عزل ثيل إيلون ماسك في انقلاب سري في مجلس إدارة "باي بال" بينما كان ماسك يقضي شهر العسل. بعد طرد ماسك، كما كتبت، هدد ثيل بترك الشركة تتداعى إن لم يزد مجلس الإدارة مكافأته. أصبح بعد بضع سنوات أول مستثمر خارجي في "فيسبوك" وهي "ميتا بلاتفورمز" الآن وعمل كمرشد لمارك زوكربيرغ. لكن ولاءه لـ"فيسبوك" خبا بسرعة لدرجة أنه باع معظم أسهمه بعد وقت قصير من الطرح العام الأولي للشركة. سبب استعداد مرشحي ثيل لمهاجمة "فيسبوك" رغم علاقة ثيل بزوكربيرغ كان أحد الألغاز الدائمة بالنسبة لكثيرين من متتبعي الحملة الانتخابية هذا العام، وتكمن الإجابة في أن ثيل كان قد بدأ بقطع تلك العلاقات قبل ذلك بسنوات.
رغم حدوث نوع من التقارب مؤخراً بين ثيل وترمب، بالطبع نظراً لحاجة مرشحي ثيل الماسة لتأييد ترمب للفوز بالانتخابات التمهيدية، إلا أن ثيل لم يلعب دور الحليف المخلص خلال رئاسة ترمب، وبدأ الابتعاد عن ترمب بمجرد أن ساعده على الفوز في انتخابات 2016 تقريباً، وخلال الفترة الانتقالية الرئاسية بدا ثيل أكثر تركيزاً على تهيئة الظروف التي من شأنها السماح لشركاته بالفوز بعقود حكومية أكثر من تركيزه على التأثير الأيديولوجي. اختار ثيل التزام الصمت بدلاً من دعم ترمب في 2020، محافظاً على أوراق اعتماده لدى اليمين المتطرف مع تجنب انجراره إلى فضائح ترمب العالمية.
تطهير من المعتدلين
تبدو تكتيكات ثيل في التفاوض الخشن مع ماكونيل منطقية أيضاً عند التفكير بها على أنها مستقاة من خلفيته في رأس المال الاستثماري. يريد أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية الفوز بالطبع، لكن الربح المتواضع ليس هدفهم، كما يُعرف عنهم أنهم يسعون لإحداث "الاضطراب"، ويضعون رهانات عالية المخاطر على الشركات التي قد تنهار، لكن لديهم القدرة أيضاً على إعادة تعريف صناعات بأكملها. هكذا يعمل أصحاب رأس المال الاستثماري على تعويض خسائر أماكن أخرى من محفظتهم ويدفعون منحنى "لام" إلى الأعلى. أشار ثيل في وقت مبكر من حملة الانتخابات التمهيدية إلى أن هدفه كان دفع الحزب الجمهوري إلى اليمين وتطهيره من المعتدلين المؤسسيين، بقدر انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين نفسه. لقد أراد إحداث اضطراب، وليس الحصول على أغلبية بمقعد واحد في مجلس الشيوخ.
سيسعد الاستراتيجيون الجمهوريون بالطبع بأغلبية في مجلس الشيوخ، ونتيجة لذلك وجدوا أن الخيارات التي اتخذها فانس وماسترز في مسار حملاتهما الانتخابية مربكة ومدمرة للذات. فلماذا مثلاً تحدث فانس عن الإجهاض في بيئة أوهايو التي يمكن لأي جمهوري الفوز فيها بمهاجمة بايدن فحسب؟ لماذا يتحدث ماسترز على تويتر عن التمييز الإيجابي بينما يمكنه التحدث عن التضخم فحسب؟ لكن بالنسبة إلى ثيل ربما كان رفض هذين المرشحين للاعتدال يمثل سمة وليس خطأ. فقد ضمن ثيل عبر استثماره مبالغ ضخمة في شخصيات يمينية متشددة عديمة الخبرة مثل فانس وماسترز أنه في حال انتخاب الرجلين فسيدينان بالولاء له، وليس لماكونيل.
حتى الآن لم تقدّم لجنة العمل السياسي برئاسة ماكونيل أي أموال إضافية لماسترز، رغم سفره إلى أريزونا لجمع التبرعات، في خطوة قد تشير إلى بداية حل وسط، خاصة إذا استطاع ماسترز إظهار تقدم في استطلاعات الرأي. لدى ماكونيل وثيل أسباب كثيرة لحل الأمور، فإذا خسر فانس وماسترز، فسيكون ذلك سيئاً جداً للجمهوريين وغير مثمر بالنسبة لثيل الذي سيحافظ على نفوذ لدى الحزب، فلديه الآن سجل حافل في دفع مرشحيه إلى مقدمة المرشحين الجمهوريين، لكن استحقاقاته على الحزب الجمهوري ستضعف عما هي عليه اليوم. قال حليف ماكونيل: "محرج للغاية أن تخصص كل هذا الوقت والجهد لهؤلاء المرشحين ليفشلوا جميعاً... الخسارة لن تساعدك في حربك الأهلية على الحزب الجمهوري".