تكبدت العملات الرقمية خسائر تقدر بتريليونيْ دولار في قيمتها السوقية منذ نوفمبر تأثراً بما يسمى "شتاء التشفير" ودخل عدد من المستثمرين فيها في سبات. لكن يات سيو، رئيس شركة "أنيموكا براندز" (Animoca Brands) في هونغ كونغ، اتخذ وضع الهجوم.
جمعت "أنيموكا"، أكبر مستثمر بمشاريع "بلوكتشين" في آسيا، محفظة ضخمة من شركات التمويل والألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي ليتجاوز عددها الإجمالي حاجز 340 شركة. أوضح سيو أن الهدف من هذه الخطوة هو منح الناس السيطرة على ممتلكاتهم الافتراضية وتفكيك إمبراطوريتي "ميتا بلاتفورمز" و"مايكروسوفت" اللتين يصفهما بأنهما "ديكتاتوريات رقمية".
جاءت استراتيجية سيو استناداً لانهيار العملات الرقمية في 2018، عندما حول استوديو ألعاب الفيديو الصغير الخاص به إلى شركة تستثمر بالعملات المشفرة. اشترت الشركة الناشئة حصة في الشركة المصنعة للعبة "كريبتوكيتيز" (CryptoKitties)، وهي لعبة رقمية تشبه بوكيمون لكنها تقدم قططاً افتراضية يمكن شراؤها وبيعها بأموال رقمية. استمرت "أنيموكا" بالشراء لتصبح بعد أربعة أعوام فقط إحدى أكثر المستثمرين نفوذاً في صناعة التشفير بدعم من شركة "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital) والملياردير جورج سوروس.
قال سيو: "إذا قيل إن هذا شتاء تشفير، فإن 2018 كان عصراً جليدياً للعملات المشفرة... حان وقت استخدام رأس مال أكثر وليس أقل".
حارس بوابة
قد يصبح سيو حارس بوابة من نوع مختلف إن نجحت الاستراتيجية. يتشابه الاستثمار المقدم من "أنيموكا" مع استثمارات شركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) أو بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" التابعة لسام بانكمان فرايد في الولايات المتحدة، ويُنظر إليه باعتباره توثيقاً لشرعية شركة تشفير ناشئة في آسيا، بينما يثير غيابه القلق. لقد أصبح دفتر شيكات سيو سلاحاً أكثر قوة الآن بعدما باتت "أنيموكا" إحدى المنظمات القليلة المتبقية المستمرة بالاستثمار، وقد يأتي هذا بنتائج عكسية شديدة إن لم يكن هذا الانكماش مماثلاً لعام 2018.
قال بريان لو، الشريك المؤسس في شركة "إنفينيتي فينتشرز كريبتو" (Infinity Ventures Crypto)، التي تُعتبر "أنيموكا" أحد داعميها: "بإمكان (أنيموكا) الاستثمار في أي مرحلة وفي أي وقت يريدونه.. الناس يقولون: إنهم في كل مكان، لذا إذا لم تستثمر بك (أنيموكا)، فما هو عيبك؟"
مسيرة سيو المهنية في عالم ريادة الأعمال بدأت في التسعينيات، حين أنشأ عدداً من شركات البرمجيات، منها واحدة كان عليه أن يدعمها باستخدام بطاقته الائتمانية الشخصية. هذه الشركة الناشئة كانت تُعرف باسم "أوت بليز" (Outblaze) وباعت نشاطها في مجال المراسلة السحابية لشركة "إنترناشيونال بيزنس ماشينز" (International Business Machines) أثناء فترة الركود العالمي في 2009، ما أتاح له المشاركة بتأسيس "أنيموكا" في 2011 واستكشاف شغفه بألعاب الفيديو. ساعد الاستوديو بإنتاج مئات الألعاب للهاتف المحمول لكنه فشل بجني الأرباح باستمرار، وعندما مرت الشركة بأحلك أيامها، سرح سيو نصف موظفيه ووافق على بيع الأسهم بقيمة مخفضة لزيادة رأس المال.
كانت قطط "كريبتوكيتيز" بمثابة طوق نجاة، فقد ساعدت معرفة "أنيموكا" بسوق الألعاب الصينية بالحصول على حقوق توزيع "كريبتوكيتيز" في المنطقة. كانت بعض القطط تُتداول مقابل أكثر من 100 ألف دولار لكل منها في الذروة في أواخر 2017. عندما فتر السوق في العام التالي، اشترت "أنيموكا" حصتها في مبتكر اللعبة "دابر لابس" (Dapper Labs)، التي تبين أنها رهان رابح، إذ تقدر قيمة "دابر" الآن بـ7 مليارات دولار. ثم استحوذت "أنيموكا" على مطور تطبيق ميتافيرس يُعرف بـ"ساندبوكس" (Sandbox) مقابل 5 ملايين دولار، التي ساعدت بإقناع "سوفت بنك" وداعمين آخرين باستثمار 93 مليون دولار خلال العام الماضي، وهي أول صفقة تشفير لصندوق "رؤية 2" التابع لـ"سوفت بنك".
شك بالاستدامة
دعمت "أنيموكا" لعبة تشفير أخرى تُعرف باسم "أكسي إنفينيتي" (Axie Infinity)، إضافة إلى "أوبن سي" (OpenSea)، التي أصبحت سوقاً شهيرة للرموز غير القابلة للاستبدال، بما فيها رموز "كريبتوكيتيز" و"أكسي إنفينيتي".
لكن نموذج هذه الألعاب لم يثبت بعد استدامته. فقد أصبحت ملكية القطط الأكثر قيمة في "كريبتوكيتيز" بمرور الوقت ترتكز على قلة من العناصر الفاعلة المختارة، بينما أصيب الذين لم يكونوا مستعدين لإنفاق الأموال على السلالات المطلوبة بخيبة أمل وتوقفوا عن اللعب. قدمت "أنيموكا" بعض الدعم الترويجي مع تلاشي شعبية اللعبة، لكنها قررت بالنهاية أن السوق لم يكن جاهزاً، على حد قول سيو، فتخلت عن اللعبة إلى حد كبير.
قال بيني جيانغ، مبتكر "كريبتوكيتيز" الذي غادر لبدء مشروع "بلوكتشين" آخر، إن "أنيموكا" تطارد "أكبر الشركات الناشئة.. لا أعتقد أنه أمر سيئ، لكنه لا يُشعر الأشخاص الذين لاقوا الدعم في الماضي بالرضا.. وهذا ما يستمر يات بفعله حتى اليوم، فهو يعقد صفقات كثيرة في كل مكان، والأمر أصبح الآن أكثر حدة".
تظهر شركة "أكسي إنفينيتي" علامات على دورة ازدهار وكساد مماثلة. أصبح اقتصاد اللعبة محموماً لدرجة أن اللاعبين الأثرياء أقاموا قناة لاستغلالها عبر الإنترنت، حيث اكتسبوا من خلالها أصولاً مربحة وأجروها لآخرين يقطنون في دول نامية من الساعين لجني المال الرقمي طيلة اليوم. تأثرت "أكسي إنفينيتي" بشدة بانهيار العملة المشفرة، حيث انخفضت قاعدة مستخدميها اليومية إلى 250 ألفاً من أكثر من مليوني مستخدم عندما كانت في ذروتها أواخر العام الماضي.
ملكية غير مضمونة
كان مفهوم الملكية في عالم الألعاب الرقمية موضع تساؤل. في مارس، أغلقت "أنيموكا" لعبة السباق "إف 1 دلتا تايم" (F1 Delta Time) التي استمرت ثلاثة أعوام بعدما أخفقت بتجديد ترخيص العلامة التجارية مع منظمي سباق "فورمولا 1". ترك ذلك اللاعبين الذين أنفقوا مئات الدولارات على السائقين وقطع غيار السيارات بحيازة رموز "بلوكتشين" عديمة القيمة. "أنيموكا" قدمت تعويضاً على شكل أصول لألعاب السباق الأخرى، ويخطط استوديو "99 ستارز" (99Starz) الذي تدعمه "أنيموكا" لإنشاء لعبة سباق دون الحصول على ترخيص "فورمولا 1"، وستدعم هذه اللعبة إصدار رموز غير قابلة للاستبدال للعبة القديمة، حسب سيو، الذي أوضح أن مثل هذه الخطوة تُظهر القيمة الدائمة للأصول القائمة على "بلوكتشين".
ثمة سؤال مُلح أيضاً حول ما إذا كانت هذه ألعاب أم مجرد أدوات للمضاربة المالية. خلال عرض تقديمي مع فريق الاستثمار بالشركة، طُلب من صانع لعبة قائمة على الرموز غير قابلة للاستبدال تخطي لوحات متعلقة بآليات اللعبة في العرض التقديمي، والتركيز بدلاً من ذلك على الرموز الرقمية لاقتصاداتها، وفقاً لما قاله مقدم العرض، الذي طلب عدم كشف هويته نظراً لسرية المباحثات.
طلب ممثل "أنيموكا" في حالة أخرى من رجل أعمال تسليم رموز مجانية مقابل الحصول على مصادقة ومشورة تجارية، حسبما قال شخص مطلع على المحادثة.
قال إبراهيم المويلحي، المتحدث باسم "أنيموكا"، أن الشركة لا تعلق على الشركات الناشئة الفردية، وأن "التزامنا طويل الأمد تمكن رؤيته بشكل أفضل عبر تاريخنا".
يصف سيو عالمه المثالي بأنه مبني على نوع من السوق الحرة الأخلاقية. وقال: "نؤمن كمنظمة بالفعل بالحافز الرأسمالي. هذا لا يعني أن كل شيء يجب أن يكون متساوياً في توزيعه، بل على الأحرى يجب أن تكون الأمور التي تفعلها في النهاية ذات فائدة على نطاق واسع لأي شخص آخر في مجتمعك".
لاعب ومستثمر
يعتقد سيو أن الاستثمار وسيلة لتحقيق غاية ويعتبر نفسه من ممارسي الألعاب في صميمه. يبدو مكتبه وكأنه مصمم للبث عبر تطبيق "تويتش" وفيه كرسي للألعاب الإلكترونية. سيو، 49 عاماً، نحيل القوام لكن بنيته تُظهره وكأنه عدّاء مسافات طويلة ويرتدي زياً يناسب ذلك. يعمل نحو 150 من أصل 800 موظف حول العالم لدى الشركة في مقرها الرئيسي في سايبر بورت، وهو مجمع في هونغ كونغ يسير على خطى وادي السيليكون.
يمكن أن يستمر يوم العمل العادي لسيو حتى الساعة الثالثة صباحاً، فيما تستحوذ مكالمات "زووم" على ثلثي ساعات يقظته. أجرى سيو، وهو أب لثلاثة أطفال، رحلات بين هونغ كونغ واليابان وسان فرانسيسكو وزيورخ خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث التقى بمنظمين وشركات ذات ثقل كبير في الصناعة، بينما كان يلقي الضوء على حقوق الملكية الرقمية الحقيقية. قال حول ذلك: "أكتسب الطاقة من خلال عملي لذلك فهو لا يُشعرني بالإرهاق".
غالباً ما يؤتي الأمر ثماره بالنسبة لـ"أنيموكا". فقد حققت الشركة العام الماضي مبيعات تقدر بنحو 300 مليون دولار في مجال الرموز غير القابلة للاستبدال والعملات المشفرة، ارتفاعاً من إيرادات إجمالية بلغت 5 ملايين دولار في 2017، عندما كانت مجرد مطور ألعاب. قدر المستثمرون قيمة الشركة في يوليو بـ6 مليارات دولار.
مع ذلك، لم يكن تأمين هذا التمويل سهلاً، إذ أوضح سيو أن المحادثات المتعلقة به استمرت لأشهر. فيما ذكرت "بلومبرغ نيوز" أن بعض جهات الدعم المحتملة، بما فيها عملاق الاستحواذ "كيه كيه أر" (KKR)، كانوا خائفين من انهيار "تيرا يو إس دي"، المعروفة بأنها عملة مستقرة ثبت أنها ليست كذلك. رفض سيو التعليق على التفاصيل، لكنه قال: "كل شيء في سوق التشفير أصبح مخيفاً بعض الشيء".
حتى بعد صفقة التمويل في يوليو، كان بعض مساهمي "أنيموكا" يتسوقون حصصهم بخصم بين 30% و50% من التقييم الحالي للشركة، حسب أشخاص مطلعين على العروض. قال المويلحي، المتحدث باسم "أنيموكا"، إن مثل هذه المعاملات الثانوية صغيرة وليست دليلاً على آفاق الشركة.
ينصب جل تركيز "أنيموكا" حالياً على نقل كل ما تضع يدها عليه إلى تقنية "بلوكتشين"، وهذا يتضمن تطبيقاً تعليمياً يسمى "تايني تاب" (TinyTap)، استحوذت عليه هذا الصيف مقابل 40 مليون دولار. تعمل شركة "إن واي" (NWay)، التابعة لـ"أنيموكا"، في الوقت نفسه على لعبة تعتمد على "بورد إيب ياخت كلوب" (Bored Ape Yacht Club)، وهي أشهر مجموعة فنية للرموز غير القابلة للاستبدال. كما تملك "أنيموكا" حصة في شركة "يوغا لابس" (Yuga Labs)، مبتكرة لعبة "بورد إيب ياخت كلوب"، وحصة كبيرة في "إيب كوين" (ApeCoin)، وهي رموز تمنح حق تصويت بشأن كيفية تطور المشروع.
يملك سيو حصة قدرها 7% من "أنيموكا"، بجانب أنه يوجه الشركة نحو أهداف تقييم أخرى تبلغ 10 مليارات دولار و20 مليار دولار، وفقاً لملاحظات مدونة من اجتماع المساهمين في ديسمبر. سيوافق المستثمرون على مضاعفة حصة سيو تقريباً في الشركة إن نجح في ذلك، ما سيرفعه ليبلغ نادي المليارديرات.
ترغب "أنيموكا" في طرح أسهمها للاكتتاب العام، ربما خلال عامين أو ثلاثة أعوام، لكن سيو يعتقد أن هذا الأمر يعتمد على قبول السوق لأعمالها الأساسية المتمثلة ببيع الرموز غير القابلة للاستبدال والرموز المشفرة والاستحواذ على حصة من المعاملات الثانوية. ستعتمد جدوى هذا النهج على شكل انتعاش العملة المشفرة أو ما إذا كان سيحدث فعلاً.
لا شك أنه سيصعب تجاهل "أنيموكا" في عالم صناعة التشفير. فقد قال ماثيو كانترمان، مدير الأبحاث في شركة "بول ميتافيرس ريسيرش بارتنرز" (Ball Metaverse Research Partners)، إن "شركات مثل (أنيموكا) التي جمعت الأموال قبل الانهيار ستتمتع بقوة كبيرة في تشكيل الاتجاه المستقبلي لهذه التقنية. فهم بإمكانهم تحديد من ينجو ومن يموت".
ينظر سيو للأمر بشكل مختلف، ويقول: "لا أعتقد أننا نريد أن نكون من صُناع الملوك. ولا أعتقد أننا في وضع يسمح لنا باستخدام قوتنا المالية في تغيير الأسواق بالكامل".
على حافة النافذة بجوار مكان عمل سيو، هناك تمثال "كريبتوكيتيز" وحيد، وهو تذكير واضح بكيفية تغير كل شيء بالنسبة للشركة. أكد سيو أن الفائدة ستعم على الجميع في ظل اكتساب "أنيموكا" مزيداً من النفوذ والقوة، قائلاً: "إذا نما النظام البيئي، فإننا جميعاً ننمو.. الأمر كله يأتي على نمط أسرة سعيدة".