فيلم "ثلاثة آلاف عام من الشوق" أبطاله إدريس ألبا كجني فيما تلعب سوينتون دور امرأة بيضاء متزمتة

عبقري هوليوود المجنون يخلط جرعة مثالية تقريباً في فيلم جديد

بطلا فيلم "ثلاثة آلاف عام من الشوق"  - المصدر: بلومبرغ
بطلا فيلم "ثلاثة آلاف عام من الشوق" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا يعير المخرج الأسترالي جورج ميلر بالاً للحبكات السهلة التي تسود معظم الأفلام الرائجة، فقد تخدعك أفلامه بأنَّها تبدو بسيطة، إلا أنَّها في الغالب غريبة، وأحياناً تبدو كأنَّها كابوسية؛ لكنَّها قد تفاجئك بتحريكها للمشاعر.

من ثوابتها أنَّها تفيض بطاقة إبداعية من النادر أن تشهدها دور السينما حين يرتادها محبو أفلام الأبطال الخارقين. حوّل فيلم ميلر "ماد ماكس فيوري رود" (Mad Max: Fury Road) مطاردة سيارات استمرت مدة ساعتين في صحراء بائسة إلى معزوفة كانت السيارات آلاتها، فصنع نجاحاً عالمياً باهراً من امتياز فيلم فاتر حصّل 375 مليون دولار كإيرادات، وحاز على جائزة أوسكار.

كتب ميلر وأنتج فيلم "بيب" (Babe) المحبوب، ثم حوّل الفيلم اللاحق المبني على القصة نفسها إلى مغامرة ساحرة في عالم الإجرام، وحققت أفلام "هابي فيت"، وبطلها بطريق راقص، أكثر من 500 مليون دولار، إذ قدّم عبرها تحذيراً عن التغير المناخي باستخدام حبكة تعتمد على الحيوانات اللطيفة. لقد أنتج الآن أول فيلم طويل له منذ 2015 وهو يتحدى سهولة التصنيف.

فيلم "ثلاثة آلاف عام من الشوق" (Three Thousand Years of Longing) الذي صدر في 26 أغسطس، هو فيلم رومانسي في غرفة فندق وإبداع اعتمد على الحاسوب في صنع تفاصيل مشاهده. بطله العملاق إدريس إلبا بالشراكة مع دور متزمت لتيلدا سوينتون. لا يُتوقَّع أن يضاهي الفيلم المأخوذ عن قصة قصيرة للروائي الإنجليزي إيه. إس. بيات بعنوان "جني في عين العندليب" نشرها في 1994، بنجاحه المالي أعمال ميلر الأخرى، لكنَّه يؤكّد مكانته كعبقري جامح في السينما الشعبية.

مارد في قارورة

تلعب سوينتون دور أليثيا بيني خبيرة السرد، وتقدّم بخفة تعليقاً صوتياً على ما يجري بإيقاع يشبه قراءة الحكايا بلهجة إنجليزية شمالية أصيلة. ترسم رحلتها كقصة خرافية، فيبدأ الفيلم برحلتها إلى إسطنبول فيما تتملّكها رؤى غريبة.

تنتقي في سوق المدينة العتيق قارورة زينة صغيرة بنقوش زرقاء، وحين غسلتها في حمام غرفتها بالفندق، خرج شبح منها على هيئة ألبا، وبالكاد تتسع المساحة بين الجدران لجسده الضخم الذي يبدو وكأنَّ بخاراً متلألئاً ينطلق منه. تواصلا معاً باللغة الإغريقية القديمة في البداية، لكن سرعان ما انطلق لسانه باللغة الإنجليزية بعدما تعلمها كالبرق من التلفاز الذي أربكه وجوده في البداية.

كما في جميع حكايات الجان تقريباً؛ قدّم عرضاً لأليثيا بأن يلبي لها ثلاث أمنيات مقابل أن يصبح طليقاً، لكنَّها تدرك وجود خدعة، ثم طفق يروي لها قصة وقوعه في الأسر منذ زمن مديد ليقنعها، وبهذا تبدأ المشاهد الثلاثة الأولى من الفيلم مفعمة بالذكريات.

ينقل ميلر الجمهور عبر الزمن إلى عوالم مزخرفة غنية بالألوان، يكسوها طيف ذهبي، وقد زوّد عدسة كاميراته بمشكال ملون، فيما تتنقل عبر الساحات والحمامات والغرف المكسوة بفراء السمور. تبقى العناصر الغامضة، ومنها الجن نفسه، في الزوايا، بينما يمثل البشر الفانون ملاحم بشكل شبه إيمائي على خلفية أصداء أجيال من الأصوات.

يظهر الجني على أنَّه عشيق ملكة سبأ قبل أن ترفضه من أجل النبي سليمان. ثم يتنقل في بلاط سليمان القانوني خلال الإمبراطورية العثمانية، أولاً كخادم لجارية صغيرة واقعة في حب أمير، ثم يعود بعدها بقرن ليكون خادماً لأميرين يجعلان مصيره أسوأ. وجد نفسه أخيراً في القرن التاسع عشر قبالة مضيق البوسفور مفتوناً بامرأة تدعى زفير، وهي عبقرية غير متعلّمة تتوق للمعرفة. يمنحها رغباتها، لكنَّه يفقد مسعاه لهدفه بسبب شدة حماسه ليجد نفسه محتجزاً عن جديد في وعاء صغير، وهو ذلك الذي انتقته أليثيا في سوق المدينة.

عزلة مشتركة

تبقى أليثيا متشككة خلال معظم حكاياته، لكنَّها تبدأ بتحديد الأرضية المشتركة بينهما؛ ألا وهي الوحدة. كان الجني ملعوناً طيلة قرون يجول الأرض مثلما اختارت هي العزلة بعد زواج فاشل، وبعد توصّلها لهذه القناعة تتمنى أمنية.

لكنَّ شخصية سوينتون هي التي تبدو غريبة في باقي الفيلم كما يتضح. يقدّم الفيلم الخلفية الدرامية للجني بعناية وروعة لدرجة أنَّ روايتها تبدو واهية بالمقارنة معه. قد يرغب المشاهدون أن تستسلم له لأنَّ ألبا جذّاب للغاية، لكنْ هذا الاختيار ليس منطقياً تماماً للشخصية الشديدة التزمّت التي تؤديها. يتلاشى سحر ميلر فيما تتولى أليثيا زمام القصة، ويُترك للجمهور محاولة فك تشابك دوافعها المخفية التي تبرّع سوينتون بتمثيلها.

كما يصعب تجاهل أنَّ الفيلم يدور في جوهره حول رجل أسود سحري يدين بالفضل لامرأة بيضاء محافظة. لكنَّ أداء ألبا رقيق وحسي للغاية، وبحلول الوقت الذي تتذكر فيه أنَّه روح محتالة؛ تكون قد أصبحت مفتونة به.

كما أنَّ أصالة ميلر العميقة تُسهّل على المشاهد الاستسلام حتى حين يتلاعب بمجالات مشتقة عمداً مثل الاستشراق الصريح للفيلم. فأليثيا مثلاً مناصرة لفكرة سرد القصص، لكنَّها تُخضع الروايات المألوفة لإرادتها، لينتج من ذلك فيلم يستخدم قوالب خاصة به لتقويض التوقُّعات وتحويل الاستعارات القديمة إلى خيال مثير.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك