قال كريس رايلينغ أنه يستحيل عليه الانضمام إلى الجيش لأنه بلغ من العمر 37 عاماً ويعاني من شللٍ دماغيّ، ولم يكن ليتحمل التدريب الأوّلي. لكنه أقسم أخيراً أن يحمي بلده ويطيع قادته، لذا يمكن لحاكم ولاية أوهايو استدعاؤه للخدمة الميدانية التابعة للحرس الوطني للولاية في أي لحظة.
إذا أخطأ رايلينغ فيمكن محاكمته بموجب قانون أوهايو للقضاء العسكري لأن مهندس النظم لدى "سيسكو سيستمز" متطوع في نوع جديد من قوات الاحتياط المدنية. تقوم القوة الجديدة على مجموعة من المتخصصين في مجال التقنية معظمهم من العاملين في القطاع الخاص، وهم مكلفون مكافحة الهجمات السيبرانية في الولاية.
600 ألف وظيفة أمن سيبراني شاغرة في الولايات المتحدة.. والتحديات تتعاظم
ينصبّ تركيز المجموعة خلال الفترة التي تسبق الانتخابات النصفية على ضمان نزاهتها، إذ قد يكون لمحاولات القرصنة المتعلقة بالتصويت تداعيات كارثية على الديمقراطية الأميركية إن نجحت. تعاني حكومات الولايات والحكومات المحلية من ضائقة مالية، وغالباً ما تكون غير مجهزة لمواجهة التهديدات التقنية الجديدة. تسعى ولايات أخرى بالفعل لاستعارة نموذج أوهايو فيما تسابق لمواكبة تهديدات الاختراق ببرامج الفدية والتدخل في الانتخابات والهجمات السيبرانية العقابية الأخرى، سواء الأجنبية أو المحلية.
قوة تتوسع
أُسِّسَت قوات احتياط أوهايو السيبرانية قُبيل الوباء، إذ حشدت 80 عضواً يمكن استدعاؤهم للخدمة الميدانية تحت قيادة الجنرال جون هاريس من الحرس الوطني. غالباً ما يعمل أعضاء هذه القوة على الأمن السيبراني ليلاً ونهاراً خلال نهاية الأسبوع بوصفهم جنود احتياط لمكافحة الجريمة الرقمية، وكذلك في أماسي أيام الثلاثاء بين السادسة والتاسعة. يقول المنظمون إنّ البرنامج حصل بالفعل على تمويل حكومي ليتوسع إلى 200 شخص، ويمكن أن يزداد عدد أعضائه إلى 500 شخص بنهاية المطاف. يحصل معظم الأعضاء على إجازة من العمل لأداء واجباتهم بوصفهم جنود احتياط، ويحصلون على نفقات الانتقال للتدريب.
شبكات أوكرانيا ليست فريسة سهلة لهجمات روسيا الإلكترونية
قال فرانك لاروز، وزير خارجية ولاية أوهايو الجمهوري: "توجد 50 طريقة مختلفة لإجراء الانتخابات في هذا البلد". يشير لاروزا وخبراء آخرون إلى أن الأنظمة المنفصلة تساعد في منع الهجمات واسعة النطاق، لكن هذا النهج قد يعني أن بعض الدوائر أكثر عرضة للخطر من سواها. دعم وزير خارجية أوهايو، بصفته عضواً في مجلس الشيوخ عن الولاية، تكوين قوة الاحتياط كفريق استجابة سهل القيادة، حتى إنه يطلق عليه أحياناً اسم "قوة الخبراء". قالت جين إيسترلي، مديرة الوكالة الفيدرالية للأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، إنّ أوهايو "نموذج لما يجب أن تفعله بقية البلاد للحفاظ على سلامة وأمن انتخاباتها".
تؤشر فكرة تعزيز أمن الانتخابات عبر الاستعانة بأعضاء الميليشيات الذين لا يتقاضون أجراً على حجم الضغط الذي يواجهه المسؤولون المحليون. تجري الولايات والدوائر الأصغر في الولايات المتحدة الانتخابات، بما فيها الاتحادية، بموارد قليلة ومعرفة محدودة ونهوج متباينة في غالبية الأحيان. يوجد في ولاية أوهايو وحدها 88 مجلساً انتخابياً في المقاطعات، كما أن في ميشيغان 1603 مسؤول انتخابات محلي. تتراوح مستويات الأمن السيبراني في جميع أنحاء الولايات المتحدة بين اكتشاف ومعالجة التهديدات استباقاً لوقوعها وبين الاعتماد على أقسام لتقنية معلومات غير موجودة أصلاً.
جمهوريون وديموقراطيون
تشكل الميليشيا الإلكترونية في ولاية أوهايو أمراً نادراً من حيث اتفاق الحزبين في مشهد سياسي تمزقه الخلافات حول التهديدات التي تحدق بصندوق الاقتراع، الحقيقية منها والوهمية على حد سواء. تواجه أنظمة الانتخابات في البلاد تحديات حقيقية، حتى في ما يبرز بعض القادة الجمهوريين في الولايات الأميركية وفي الكونغرس مزاعم الرئيس السابق دونالد ترمب بشأن التزوير في انتخابات 2020، التي لا أساس لها.
قال مسؤولو الأمن السيبراني إنّ نتيجة التصويت لم يُتلاعب بها قَط، لكن شبح التلاعب الرقمي يلوح كبيراً في الأفق. تنصح الإرشادات الأميركية الجديدة بعدم تمكين الاتصال اللاسلكي وعدم ربط أجهزة التصويت والجدولة بالإنترنت، لكن خبراء الأمن السيبراني يقولون إنّ هذه الأجهزة لا تزال من الناحية النظرية "قابلة للاختراق" عبر هجمات متطورة أو البرمجيات الخبيثة المتخصصة. تُعَدّ قواعد بيانات تسجيل الناخبين عبر الإنترنت وغيرها من جوانب الاقتراع أكثر عرضة للخطر، وقد سبق اختراقها في ما مضى.
ناشطو القرصنة يتصدّون بطريقتهم للغزو الروسي لأوكرانيا
يشكل أمن الانتخابات بولاية أوهايو، وهي ولاية متأرجحة حاسمة، تحدياً بالغ الأهمية. قال ماثيو ماسترسون، مسؤول الانتخابات السابق في ولاية أوهايو، والرئيس السابق للجنة المساعدة الانتخابية الأميركية: "من الواضح أن أي حدث لا يُذكر في أي انتخابات سيُستخدم لتأجيج سرديات عدم الثقة والشك". لكن لا يزال مسؤولو الانتخابات في جميع أنحاء الولايات المتحدة "غير قادرين على الحصول على مستوى الدعم الذي يحتاجون إليه"، على حد قوله.
قال مختبر بيانات الانتخابات والعلوم التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية في مايو إنّ إدارة التصويت لا تزال تعاني من نقص التمويل في معظم أنحاء البلاد، واصفاً التمويل الفيدرالي بأنه "غير متواتر ويأتي ردَّ فعل". تقدم الوكالات الحكومية بعض الأدوات والخدمات المجانية للسلطات المحلية، لكن هذه الجهود تعرضت لانتقادات في الماضي باعتبار أنها لم تكن كافية، وفي بعض الأحيان واجه الدعم الفيدرالي شكوكاً محلية.
روسيا وإيران وغيرهما
تتزايد في غضون ذلك التهديدات المتربصة بنزاهة الانتخابات. قال تقرير لجنة مجلس الشيوخ إن روسيا استهدفت على الأرجح أنظمة الانتخابات في جميع الولايات الخمسين في أثناء انتخابات 2016، ويعتقد الخبراء أن روسيا نجحت في الوصول إلى عديد من أنظمة المجالس الانتخابية المحلية وعلى مستوى الولايات (رغم عدم وجود دليل على التلاعب بالتصويت). أما الأوساط الاستخباراتية الأميركية فتقول إنّ روسيا وإيران قادتا حملات للتأثير في آراء الناخبين في 2018 و2020. كما يخشى المسؤولون مخاطر تشمل هجمات ترعاها الدولة مثلما تفعل الصين وكوريا الشمالية، ومجموعات برامج طلب الفدية العالمية الناشطة باضطراد، والمخاطر الجديدة التي تشكلها الأطراف المضطهدة داخلياً. حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي أخيراً من أن روسيا "قادرة على أداء أكثر من مهمة" في نفس الوقت، في إشارة إلى أن الكرملين يمكنه شن حرب في أوكرانيا والتدخل في الانتخابات الأميركية أيضاً.
خطر القرصنة يلقي بظلاله على الشركات الأميركية في ظل التهديدات الروسية
كانت القيادة الإلكترونية الأميركية ووكالة الأمن القومي قد أعادتا مجموعة معنية بتأمين عملية الاقتراع إلى العمل قبل الانتخابات النصفية لرصد مثل تلك التهديدات، لكن الولايات لا تزال تدير العمليات على الأرض. يُعَدّ ذلك نهجاً محفوفاً بالمخاطر، حسبما يقول ديفيد ليفين، مدير الانتخابات السابق في مقاطعة أدا بولاية أيداهو وعضو حاليّ في التحالف من أجل تأمين الديمقراطية. قال ليفين: "تشكل مطالبة مسؤولي الانتخابات المحليين وعلى مستوى الولايات بالتصدي منفردين لخصوم متمرسين، مثل روسيا والصين وإيران، ببساطة رهاناً سيئاً".
نزوح المواهب
تواجه البنية التحتية للتصويت في البلاد أيضاً تحديات داخلية، إذ أدّت المضايقات المستمرة والتهديدات في أعقاب ادعاءات ترمب بتزوير الانتخابات، التي لا أساس لها، إلى استقالة بعض العاملين في إدارة الانتخابات، وهو ما أحزن ليفين وآخرين بسبب ما سماه "نزوحاً جماعياً" للمواهب.
يعتقد أنصار ميليشيا المتطوعين، التي حظيت بدعم مشرّعي الولاية بالإجماع في ولاية أوهايو، أنها ستساعد في حل بعض هذه المشكلات. تنطوي الميليشيا الجديدة على تكاليف منخفضة نسبياً في ظل معايير لا تزال صارمة، إذ ترفض طلبات نحو ثلث المتقدمين للانضمام إليها. لكن بمجرد التسجيل يكلَّف المقبولون، ليس فقط الاستجابة للأزمات، ولكن أيضاً التدريب وتقييم نظم الأمان لتقليل نقاط الضعف.
"مايكروسوفت" تتبنى حملة لتوظيف ربع مليون مختص في الأمن السيبراني
تحذو ولايات عديدة حذو أوهايو، إذ تؤسس كاليفورنيا وتكساس وأوكلاهوما وساوث كارولينا وميريلاند فرق استجابة تطوعية للتصدي للتهديدات الإلكترونية. كما توجد بالفعل مجموعات مشابهة في ميشيغان وويسكونسن رغم أنها، بعكس فريق أوهايو، لا يمكن استدعاؤها تحت إشراف سلطات الحرس الوطني. كما تحاول فرجينيا وإنديانا تأسيس برامج مماثلة، فيما أبدت كل من كولورادو ومونتانا وواشنطن وويست فرجينيا اهتماماً بالفكرة، وفقاً لورقة بحثية صادرة في يونيو عن رابطة المحافظين الوطنية.
قال الجنرال هاريس، المسؤول عن قيادة الحرس الوطني في ولاية أوهايو: "كان الهاتف يرن دون توقف"، فيما لفت تشيب دانيلز من الحرس الوطني في ولاية كارولينا الجنوبية، وهو أحد من أوفدتهم ولايات أخرى مؤخراً إلى أوهايو لمراقبة عمل المتطوعين، إلى وجود "كثير من الاهتمام بدعم هذا النوع من قوات الاحتياط السيبرانية. هؤلاء الأشخاص متقدمون علينا بسنوات ضوئية".
تدريبات ومحاكاة
حضر 19 عضواً من فريق احتياط أوهايو السيبراني تدريبات لمدة ثلاثة أيام في سينسيناتي في منتصف يوليو، عكفوا خلالها على إحباط الهجمات سيبرانية ضد الولاية. بحث المتدربون عن الآثار الرقمية التي خلفها موظف خياليّ ساخط طمس المواقع الحكومية، وتعقبوا لصوصاً وهميين سحبوا مجموعة بيانات محلية على الإنترنت، وكافحوا برمجيات خبيثة زرعتها دولة أجنبية في شبكات الكمبيوتر في المقاطعة. قال ريتشارد هاركنيت، الأستاذ بجامعة سينسيناتي، الذي كان من بين مهندسي فريق الاحتياط الجديد الرئيسيين، إذ ساعد عمله في بلوَرة موقف القيادة السيبرانية الأميركية الأكثر قوة في السنوات الأخيرة، إنّ التدريب كان "ناجحاً للغاية".
استدعى هاريس احتياطي المدنيين مرتين على الأقل. أمضى أحد المتطوعين أربعة أيام في فبراير 2021 للمساعدة في الرد على هجوم فدية على وكالة حكومية في ولاية أوهايو. كما خصص ستة متطوعين في وقت سابق من هذا العام وقتاً على مدى عدة أسابيع للعمل بفريق الاحتياط السيبراني بعد هجوم منفصل. قال آرون بلايل، 31 عاماً، وهو موظف حكومي لديه خبرة بالتحقيقات الجنائية الرقمية، استُدعي للمساعدة في أحد تدريبات الاستجابة: "كان أمراً لا يصدق".
يستعدّ هاريس لعقد مزيد من هذه التدريبات في المستقبل، ويقول: "نميل نحن الأميركيين للاعتقاد بأننا إما في حالة حرب وإما في حالة سلم"، لكن يحتدم نوع من الصراع مع تزايد الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة من حيث الحجم والنطاق. قال هاريس: "حقيقة الأمر أننا نخوض منافسة الآن".