بدا مؤشر أولي على أن موسم الأرباح الحالي لن يكون نموذجياً حين كشفت شركة "بيبسي" (PepsiCo) عن نتائج غير مألوفة لأعمالها صبيحة 12 يوليو، ، فقد أعلنت شركة المشروبات والأغذية عن عدم نمو مبيعاتها في أميركا الشمالية فيما زادت عائداتها بفضل زيادات عشرية في أسعار وجباتها الخفيفة.
أعلن كبار منتجي السلع الاستهلاكية بعدها أرباحاً تحاكي نتائج "بيبسي"، ومنهم "كلوركس" و"كوناغرا براندز" (Conagra Brands) و"كرافت هاينز" (Kraft Heinz). اختلفت تفاصيل الأرقام باختلاف الشركات، فقد أعلن بعضها انخفاض مبيعاتٍ حاد، فيما جاءت بيانات بعض آخر دون تغيير في هذا الصدد. لكن كان الاتجاه العام جلياً فيما يخص توقف نمو الإنتاج وارتفاع الأسعار لتزيد الإيرادات باعتدال. تُعدّ تلك نسخة الشركات الأميركية من قصة الركود التضخمي العظيم. قال مايكل بيكر، محلل مبيعات التجزئة لدى "دي إيه ديفيدسون آند كو": "إنه نمو في المبيعات، لكنه ليس نمواً صحياً للمبيعات... الأمر كله ناتج عن التضخم وحده".
استطلاع: "استراتيجية 60/40" العتيقة تستعيد بريقها بين المستثمرين لكبح التضخم
رغم أن المستثمرين وجدوا أن هذا الخليط مقبول بما يكفي حالياً مع نمو سوق الأسهم منذ بداية موسم الأرباح؛ إلا أنه ليس مقبولاً لدى المستهلكين الذين يفقدون القدرة الشرائية بسرعة ويغضبهم ذلك، كما أنه ليس جيداً للاقتصاد بوجه عام أو بمنظور مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يهرول لخفض التضخم من أعلى مستوياته خلال أربعة عقود. أعلنت الحكومة، في خضم طفرة الأرباح في يوليو، انكماشاً طفيفاً في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني على التوالي، معطلاً الانتعاش السريع الذي شهده في العام السابق. يُعدّ هذا تغييراً منطقياً، فحين تتوقف الشركات عن زيادة إنتاجها يصعب أن ينمو الاقتصاد.
زيادات متفاوتة
تلوح ظاهرة مماثلة في دول متقدمة أخرى، لكن ليس بقدر ما تشهده الولايات المتحدة. قالت "دانون" (Danone) إنها رفعت أسعار منتجاتها سبع مرات في أميركا الشمالية خلال النصف الأول هذا العام، مع فرض زيادات متفاوتة في أقسام مختلفة من محفظة شركة الصناعات الغذائية. كما شهدت بعض البلدان الأوروبية زيادة أسعار منتجات الشركة الفرنسية مرتين أو ثلاث مرات. كانت "نستله"، أكبر مصنعة أغذية في العالم، قد رفعت أسعار منتجاتها بنسبة 9.8% في أميركا الشمالية خلال النصف الأول من 2022 مقارنة بالفترة ذاتها في العام السابق، أي ضعف متوسط الزيادة التي أقرتها في أوروبا. من جهةٍ أخرى، تصمد أحجام مبيعات الشركات المنتجة للسلع الاستهلاكية على نحو أفضل في أوروبا بشكل عام.
افتراض وصول سوق الأسهم الأميركية إلى القاع خطيرٌ جداً.. لماذا؟
يُعتبر ركود مبيعات منتجي السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة علامة واضحة على أن المستهلكين كانوا ينفقون كثيراً مما جمعوا من مدخرات خلال الوباء، وهم يشعرون بالضغط الآن، ومن ثم يقاومون.
لكن يبدو أن عديداً من الرؤساء التنفيذيين لا يهتمون بذلك كثيراً لأن رفع الأسعار لم يعد من المحرمات كما كان لمعظم العقدين الماضيين، حيث بات تعزيز الإيرادات في ظل تجاوز متوسط معدل التضخم السنوي 2% أسهل بكثير عبر رفع الأسعار مقارنةً بمحاولة تعزيز الإنتاج في كنف اقتصاد يصعب العثور على العمال فيه، حتى وإن تراجعت أحجام المبيعات قليلاً نتيجة لارتفاع الأسعار، فليكن. كما أن الطفرة الاستثنائية في الطلب على بعض السلع خلال الوباء بدأت تتلاشى.
قال نيل سوندرز، محلل الولايات المتحدة لدى شركة "غلوبال داتا" للاستشارات، إن شركات عديدة تراهن على "عودة الناس" للشراء بمجرد استقرار الاقتصاد وعودة ديناميكيات البيع بالتجزئة إلى طبيعتها... إذا واصلت الشركات خسارة حصتها في العام المقبل، فستنتبه بصورة أكبر. يصعب جداً حالياً معرفة ما هو مؤقت وما هو دائم".
تراجع الطلب
كان إنتاج المصانع الأميركية قد انخفض في يونيو للشهر الثاني على التوالي، متأثراً بانخفاض في إنتاج السلع الاستهلاكية. قالت شركة "بول" (Ball) هذا الشهر إنها أوقفت إنتاج علب المشروبات في فينيكس وسانت بول بولاية مينيسوتا، وأجّلت بناء مصنع لها قرب من لاس فيغاس، فما السبب؟ عزت الشركة ذلك إلى "تباطؤ طلب العملاء الناتج عن زيادات الشركات لتسعير البيع بالتجزئة بغية تمرير التكاليف التضخمية للمستهلكين، لا سيما في الولايات المتحدة". بالمثل، أبلغت شركات "ستاربكس" و"كوكا كولا" و"كيمبرلي- كلارك" (Kimberly-Clark) و"تشيرش آند دوايت" (Church & Dwight)، صانعة صودا الخبز "أرم أند هامر" (Arm & Hammer) ومنظف "أوكسي كلين" (OxiClean)، جميعها، عن مبيعات ربع سنوية تندرج بدرجة أو بأخرى تحت سياسة رفع الأسعار بصورة كبيرة مع تراجع حجم المبيعات.
الأسهم الأميركية تسجل أطول سلسلة مكاسب أسبوعية هذا العام
تُعدّ شركة "كوناغرا براندز"، وهي مجموعة أغذية مترامية الأطراف مقرها شيكاغو، واحدة من أفضل الأمثلة في هذا السياق، فقد قفز مقياس أساسي لإيرادات الشركة التي أعلنت نتائجها في 14 يوليو 6.8% خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة في 29 مايو، وذلك بفضل زيادة 13% في متوسط أسعارها إضافة إلى تغيير في تنوع منتجاتها. مع ذلك، انخفضت كمية سلعها المبيعة 6.4%.
جاءت أكبر الانخفاضات في مبيعات الأقسام لدى "كوناغرا" خاصة في خطوط البقالة والوجبات الخفيفة التابعة للشركة، والتي تقدم خلطات كعك "سليم جيمز" (Slim Jims) و"دنكان هاينز" (Duncan Hines)، وكذا منتجات الأطعمة المبردة والمجمدة، التي تصنع خضروات "بيردز أي" (Birds Eye) ووجبات "هيلثي تشويس" (Healthy Choice).، حيث هبطت مبيعاتهما 7.2% و8.1% على التوالي. قالت الشركة أن الزيادات في الأسعار تسببت بانخفاضات في مبيعات تلك القطاعات، التي تمثّل معظم أعمال الشركة.
قدرة المستهلكين
تمكّن بعض منتجي السلع الاستهلاكية من زيادة الأسعار ومبيعات الأقسام، على حد سواء. ينطبق ذلك على كثير من الشركات التي تقدم خدماتها إلى العملاء الأكثر ثراءً ممن يتمتعون بقدرة أكبر على تحمل وطأة التضخم. لكن حتى بعض الشركات القوية في السوق الجماهيرية تمكنت من المحافظة على زيادة المبيعات والأسعار في آن معاً، حيث تحسّنت أحجام مبيعات وأسعار منتجات "كيلوغ" (Kellogg) في أميركا الشمالية خلال الربع الأخير بعدما تعافت الشركة من إضراب العام الماضي. كما بيّنت شركة "بروكتر أند غامبل" (Procter & Gamble)، التي أعلنت انخفاض مبيعاتها نتيجة الإغلاق في الصين وتقليص عملياتها في روسيا، أنها تدعم قدرتها الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد.
المستثمرون يفرون من الأصول الخطرة خوفاً من الركود بالنصف الثاني من 2022
على الجانب الآخر، تجد بعض شركات البيع بالتجزئة أن الطلب ضعيف جداً على بعض خطوط منتجاتها حالياً، ما يدفعها لخفض الأسعار. على سبيل المثال، خفضت كل من "ولمارت" و"تارغت كورب" أسعار السلع المرتبطة بالبقاء في المنزل مثل أثاث الحدائق وأدوات المطبخ وبعض الملابس التي تراكمت مخزوناتها. غير أن هذه التخفيضات في الأسعار، في الوقت الحالي على الأقل، ستكون لمرة واحدة.
كانت شركة "أولد نيفي" (Old Navy) صاحبة الفعل ومحفزة رد الفعل الجماهيري اللذين يجسدان اللحظة الاقتصادية حقاً في 29 يوليو، عندما تعهدت علناً بالإحجام عن رفع أسعار الجينز حتى نهاية سبتمبر لمساعدة الآباء المتعثرين في دفع ثمن الملابس المدرسية الجديدة لأبنائهم.
حازت هذه الخطوة على كثير من الاهتمام والتقدير. لقد وصل الأمر حداً يجعل خبر تجميد أسعار الجينز لشهرين يلقى ضجة كبيرة لدى الجمهور. يبدو أن الشركات الأميركية تعلمت كيف تلعب لعبة التضخم.