الخطر الأكبر الذي يتهدد الاقتصاد الآن هو تراجع شديد ومطول في مبيعات قطاع الإسكان

ضعف القدرة على شراء المساكن يزيد من احتمالات الركود

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يشارف قطاع الإسكان على وداع نهضة شهدها منذ تفشي الوباء لأن مشتري المساكن باتوا عاجزين حيال ارتفاع فوائد القروض العقارية التي تضاعفت تقريباً منذ يناير. كانت مبيعات المنازل الأميركية الجديدة قد تراجعت للمرة الخامسة هذا العام في يونيو لأدنى مستوياتها في أكثر من عامين، فيما بدأت شركات الوساطة والرهن العقاري بتسريح مئات الموظفين.

تتمحور الأزمة الحالية حول العجز عن تحمل تكاليف شراء مسكن، وهو أمر مختلف عن انفجار فقاعة أسعار المنازل الذي أشعل فتيل أزمة 2008 المالية وتسبب بحجز ملايين البيوت وعرضها للبيع لاستيفاء الرهون العقارية. غير أن الخطر الأكبر الذي يتهدد الاقتصاد حالياً هو أن تتراجع مبيعات قطاع الإسكان وقيمته 4 تريليون دولار لفترة طويلة، ما قد يجعله يلعب مجدداً دوراً رئيسياً في الركود الاقتصادي المقبل.

"جيه بي مورغان": أميركا معرضة للركود بنسبة 75%

حققت حملة الاحتياطي الفيدرالي لمحاربة التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة الأثر المرجو من حيث تهدئة سوق الإسكان المحمومة، حيث بدأ البائعون يخفضون الأسعار المطلوبة مع ارتفاع المعروض من مستويات منخفضة قياسية. فيما تراجعت مبيعات المنازل القائمة بنسبة 16% منذ بداية العام، وانخفضت إلى ما دون مستوياتها قبل الإغلاق في فبراير 2020. كما أظهرت بيانات نشرت الأربعاء انخفاض مبيعات المنازل الجارية في يونيو بأكبر قدر منذ أبريل 2020.

زعزعة الثقة

لكن تكاليف الاقتراض المرتفعة ليست سوى جزء من المشكلة، فقد زعزعت عوامل مثل اضطراب سوق الأسهم ومخاوف الركود ثقة المشترين. كما تباطأ الفرار الجماعي إلى الضواحي والمدن التي تتميز بأسعار معقولة مع دخول الولايات المتحدة إلى مرحلة يعتبر فيها "كوفيد-19" جزءاً من الحياة الطبيعية، فقد استدعت الشركات موظفيها للعمل من المكاتب مرة أخرى وخُففت قيود فيروس كورونا في الولايات الديمقراطية. لذا لم يعد أولئك الذين خنقتهم القيود متعجلين للفرار إلى تلك المدن والضواحي.

ما تزال شركات البناء مشغولة حالياً بإكمال المنازل التي بدأت تشييدها، ما سيجعلهم يستمرون بتشغيل عمال البناء لفترة من الوقت. لكن قللت شركات البناء من طلبات الحصول على تصاريح البناء في بادرة تدل على التشاؤم بشأن النشاط المستقبلي.

ارتفاع فائدة الرهن العقاري في أميركا لأعلى مستوى منذ 14عاماً

كانت طلبات بناء منازل الأسرة الواحدة قد تراجعت في يونيو لأدنى مستوياتها منذ عامين. قالت شركة "بولتغروب" (PulteGroup)، وهي شركة بناء وطنية مقرها أتلانتا، في 26 يوليو إن طلباتها للربع المنصرم في يونيو انخفضت 23% مقارنة مع العام السابق، فضلاً عن تزايد الإلغاءات.

تمخض التباطؤ عن تداعيات فعلية، وإذا استمرت المبيعات بالتدهور ستمتد الضائقة إلى شركات البناء والمقاولات، ثم إلى متاجر الأثاث وتنسيق الحدائق وشركات النقل بنهاية المطاف. كما سيفاقم فقدان الوظائف في مجال العقارات والصناعات الأخرى من حدة مشكلات قطاع الإسكان، ما سيزيد الضغط على الطلب.

أعلمت شركتا "بروكريجز كومباس" (Brokerages Compass) و"ريدفن" (Redfin) المئات من موظفيهما أخيراً بالاستغناء عن خدماتهم. علق غلين كيلمان، الرئيس التنفيذي لشركة "ريدفن" عبر منشور في مدونة قائلاً: "قد نواجه سنوات، وليس شهوراً، من انخفاض مبيعات المنازل. لكن (ريدفن) ما تزال تخطط للازدهار".

فرص أفضل

قالت سوزان واكتر، أستاذة التنمية العقارية بجامعة بنسلفانيا، إن المخاطر السلبية تزداد: "تنكمش مبيعات المنازل حالياً. لكن هذا قد يكون مقدمة لانهيار حقيقي".

يتوقع الساعون للشراء ممن يجوبون سوق الإسكان الأرخص منذ منتصف الثمانينيات، منافسة أقل، كما سيمكنهم أن ينتقوا وينتهزوا الفرص، لا سيما في وجهات الهجرة إبان الوباء مثل أوستن ولاس فيغاس وفينيكس وبويسي وأيداهو، حيث يضطر مزيد من البائعين لخفض الأسعار جذباً للمشترين.

لهذه الأسباب لن تنخفض أسعار المنازل في أميركا رغم الركود المرتقب

يميل نمو الأسعار للثبات ولا يُرجح أن يصبح سلبياً في أي وقت قريب نتيجة استمرار محدودية المعروض، الذي بدأ يتزايد حالياً مع فتور المبيعات على نحو استثنائي في جميع أنحاء البلاد. بعكس ما حدث خلال الأزمة المالية في 2008، لا تستند أسعار المنازل إلى قروض عقارية عالية المخاطر تعد بمثابة قنابل موقوته في ظل أسعار الفائدة المنخفضة ذات المعدلات المتغيرة. حالياً، يحظى أصحاب المنازل بمستوى قياسي من أسهم رأس المال بفضل عقد من الارتفاع القوي للأسعار، ما يجعل مصادرة المنازل لتحصيل الرهون وتعثر المبيعات تبدو أقل رجحاناً. بدلاً من ذلك، تهدد تكلفة الإسكان المرتفعة بتجميد تنقل الأميركيين. لا يميل أصحاب المنازل كثيراً للتخلي عن قرض عقاري منخفض التكلفة والحصول على آخر أغلى بكثير، ما يضع حداً أقصى للمعروض المتاح. أما بالنسبة للمستأجرين، فمن المنطقي الانتظار وتجديد عقود الإيجار كونها ستنطوي على رفع الأسعار بصورة كبيرة. لذا قد تصعب مشكلات الإسكان على الناس تغيير وظائفهم أو تحسين ظروفهم المعيشية في ظل اقتصاد سريع التغير.

تخفيف ضغوط

قال إيغور بوبوف، كبير الاقتصاديين في منصة "أبارتمنت ليست" (Apartment List) الإلكترونية لتأجير العقارات: "يخفف من يشترون منزلاً لأول مرة الضغط عن سوق الإيجار... أما إذا بات تحقيق هدف مشتري المنازل للمرة الأولى بتملكها أصعب سيعني هذا استمرار الطلب في سوق الإيجار، ما قد يجعلها أكثر سخونة مع دخولنا بيئة نمو منخفضة الأجور".

لا يمكن أن يستمر الهوس الذي صبغ العامين الماضيين إلى الأبد. لقد كان المشترون قلقين للغاية حيال فقدان أي شيء لدرجة جعلتهم يتخطون التوقي حيال الرهون العقارية وتقييم وفحص العقارات. غالباً ما أدى السعي للفوز بحروب العطاءات إلى رفع الأسعار إلى أعلى ما يمكن، فاتجهت الأسعار صوب غلاء هائل مع كل عملية بيع. قال جورج راتيو، كبير الاقتصاديين في "ريلتور دوت كوم" (Realtor.com): "الأسواق المحمومة غير مستدامة وسيتعين أن تنضبط الأسعار. إننا نشهد تباطؤاً في النمو بالفعل. لكن السؤال هو ما إذا كانت الأسعار ستنخفض أم أنها تتجه للثبات".

معركة إخلاء المنازل الأمريكية من مستأجريها تشتعل مجدداً

كما أن الركود، الذي يمكن أن يساعد تراجع قطاع الإسكان في حدوثه، من شأنه أن يجعل الوضع أسوأ بكثير. يتوقع مارك زاندي، كبير الاقتصاديين لدى "موديز أناليتكس"، تحرك أسعار الرهن العقاري في نطاق ضيق مع تزايد مخاوف الركود. قال زاندي إن الأمر سيستغرق وقتاً لكن الأسعار ستبدأ في الاستقرار ويحتمل أن تنخفض في المناطق التي كان فيها انتشار الوباء أقوى.

لا يصف زاندي ذلك بالانهيار، إذ يقول: "أتوقع انخفاض مبيعات المنازل في نهاية المطاف 20% إلى 25% من متوسطها في 2021. سأعتبر هذا إصلاحاً عنيفاً وليس انهياراً". يذكر أن مبيعات المنازل كانت قد تراجعت 40% خلال فترة الانكماش الاقتصادي التي أدت إلى الأزمة المالية. أما واكتر فتتوقع أن يكون قطاع الإسكان محور أزمة اقتصادية مجدداً، لكن هذه المرة بسبب فقدان الوظائف وليس نتيجة لحجوزات الرهن العقاري: "سيكون هذا عاماً مضطرباً".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك