أقرَّ مجلس الشيوخ الأميركي في يونيو العام الماضي مشروع قانون لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار في إنتاج أشباه الموصلات. كان نقص رقائق الكمبيوتر نتيجة الوباء يسلط الضوء على ضعف الولايات المتحدة أمام صدمات سلاسل التوريد، فيما أجج التوتر المتصاعد مع الصين مخاوف الأمن القومي بشأن التقنية، وبدا أن تعزيز طاقة إنتاج المكونات ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية البالغة غنيمة سهلة المنال للمسؤولين من جميع أطياف المشهد السياسي.
لكن هذه الأموال، وهي محور مشروع "قانون الرقائق"، لم تُستثمَر بعد مضيّ أكثر من عام. أعلن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن حزبه لن يدعم هذا القانون ما لم يتخلَّ الديمقراطيون عن خطط الإنفاق على المناخ وقضايا أخرى. يُعَدّ الديموقراطيون، الذين تعثرت خططهم الأوسع على أي حال، نسخة مصغرة لتصويت وشيك، وتبدو قيادة الحزب الجمهوري مستعدة لدعم القانون.
قانون أميركي يحدّ من توسع صناعة الرقائق الإلكترونية في الصين
قد يفتر الزخم التشريعي مجدداً، فقياساً بأداء الكونغرس في الأعوام الأخيرة افتراض ذلك رهان في محله. على أي حال، أظهر التأخير وعدم اليقين أن واشنطن ليست مستعدة للتصرف بإلحاح يضاهي خطاباتها.
قال بروس أندروز، كبير مسؤولي الشؤون الحكومية في شركة "إنتل": "الدول الأخرى تسير قدماً في هذا الأمر، كما تتخذ خطوات قوية وتقدم حوافز وتستقبل الأمر بحرارة".
سُمي سيليكون فالي في الواقع على اسم مادة صُنع أشباه الموصلات، رغم أن العمل الحقيقي في صناعة الرقائق قائم في مكان آخر. يُصنع 12% تقريباً من الرقائق محلياً، انخفاضاً من 37% في التسعينيات، بيد أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القدرة على إنتاج المكونات الأكثر تقدماً على نطاق واسع.
تخطي "إنتل"
تُجري "إنتل" معظم عملياتها التصنيعية في الولايات المتحدة، وبشكل أساسي في ولايات أوريغون وأريزونا ونيو مكسيكو، فضلاً عن أنها تخطط لبناء منشأة كبيرة في أوهايو. لكن شركات آسيوية كبرى هي كبريات القطاع مثل "سامسونغ إلكترونيكس"، تفوقت على "إنتل" بوصفها أكبر صانع رقائق من حيث الإيرادات العام الماضي، و"تايوان لصناعة أشباه الموصلات"، التي تتجه للتفوق على "إنتل" في 2023.
قال رئيس "إنتل" التنفيذي بات غيلسنجر إن حكومات الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أعطت توطين الإنتاج الأولوية، فقدمت حوافز تجعل إنشاء المصانع في بلدانها أرخص بنسبة 30% على الأقل من الولايات المتحدة. أسهمت هذه الحوافز بدورها في تحويل التصنيع الأكثر تقدماً إلى آسيا، كما يعمل الاتحاد الأوروبي على إطلاق حزمة حوافز جديدة لصُناع الرقائق.
العقوبات الأميركية تعطي صناعة أشباه الموصلات في الصين دفعة قوية
لم يكن صُناع السياسة الأميركيون متحمسين على الإطلاق لاتباع سياسة صناعية كاملة القوة مثل أقرانهم في آسيا وأوروبا. صرح الوسطيون والمسؤولون المحافظون بثقتهم بقوى السوق لتخصيص الموارد، واشمئزازهم من التصرف بطرق يبدو أنها تتدخل في شؤونها، في حين لم يعترض اليسار على التدخل الحكومي، لكنه يعارض سياسات يعتبرها بمثابة رفاهية للشركات، فقد وصف وزير العمل الأميركي السابق روبرت رايخ مؤخراً قانون الرقائق بأنه "محض ابتزاز".
تحاول الولايات المتحدة في الوقت نفسه زيادة مستوى تصنيع رقائقها المتقدمة، في محاولة منها للتأكد من أن الصين ليس بإمكانها أن تصبح جيدة لدرجة أن تستطيع تطوير أشباه الموصلات الأكثر تقدماً بمفردها. يبدو أن المسؤولين يعملون بطريقة مثيرة للجدل هناك أيضاً.
قائمة الكيانات
كان حظر إتاحة الأدوات اللازمة لإنتاج التقنية المتقدمة للشركات الصينية إحدى ركائز الاستراتيجية الأميركية الرئيسية. استخدمت الولايات المتحدة هذا السلاح بشكل كبير ضد شركة "هواوي تكنولوجيز" في 2019 حين حظرت تصدير المكونات الأميركية إليها.
فُرض مزيد من هذه القيود منذئذ، فقد أعلنت وزارة التجارة الأميركية في ديسمبر 2020 إدراج "سيميكوندكتر مانيفاكتشرينغ إنترناشيونال" (Semiconductor Manufacturing International)، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق بالصين، وأكثر من 60 شركة صينية أخرى في "قائمة الكيانات" التي أعدتها الوزارة لتشمل مؤسسات تعتبر أنها قد تهدد الأمن القومي. كان الحضور في هذه القائمة سبباً لصعوبة الحصول على الآلات اللازمة لصُنع رقائق أكثر تقدماً. تتضمن مسوَّدة مشروع القانون التي يصوِّت عليها المشرعون حالياً قيوداً على شركات تتلقى مساعدة فيدرالية من الاستثمار في الصين وروسيا، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ نيوز" عن شخص مطلع على الأمر.
دعوات صينية للاستيلاء على "تايوان لأشباه الموصلات" إذا فرضت أميركا عقوبات على بكين
تفضل صناعة الرقائق دعم التصنيع، لكنها أقل حماساً حيال القيود المفروضة على الشركات التي تتعامل معها. ارتفعت الطلبات الصينية على معدّات تصنيع الرقائق من الموردين الأجانب بنسبة 58% في 2021، ما جعل البلاد أكبر سوق لتلك المنتجات للعام الثاني على التوالي، حسب بيانات من مجموعة الصناعة "سيمي" (Semi).
لقد ضغط صُناع معدّات الرقائق وبعض مصنّعي أشباه الموصلات بشدة ضد القيود واسعة النطاق، بحجة أن تقييد عائداتهم سيضعف قدرتهم على تمويل الابتكار المستقبلي، ما سيضر بالقدرة التنافسية للولايات المتحدة. إذا استمرت الصين في الحصول على التقنية الأميركية التي تعتمد عليها، كما تقول حجّتهم، فلن يكون لديها حافز كبير لإجراء عملية طويلة ومكلفة لبناء قدرتها التصنيعية بمفردها.
تركيز العقوبات
تمكنت وزارة التجارة من استيعاب هذه الحجة، وركزت فقط على الشركات المدرجة بالفعل في قائمة الكيانات بدلاً من مواصلة فرض قيود أوسع ضد الشركات الصينية. بذلك، تستخدم الوزارة بفاعلية مثل هذه القيود وسيلةً لمعاقبة الجهات الفاعلة السيئة بدلاً من اعتبارها أداة سياسية في التنافس الأكبر بين الولايات المتحدة والصين.
قالت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو لـ"بلومبرغ نيوز" في يونيو: "لا أعتقد أن أي شخص يريد أن تنخرط الحكومة الأميركية في سلسلة توريد القطاع الخاص وتحاول إدارة تفاصيلها إن لم يكن هناك خلل".
يقوض هذا النهج هدف منع الصين من تطوير أشباه موصلات متقدمة. قال ماركو روبيو، السيناتور عن ولاية فلوريدا: "إنها إحدى الصناعات التي تفتقر إلى المنافسة وفقاً لمفاهيم السوق الحرة".
شركات متعطشة للرقائق الإلكترونية تضطر إلى فكها من الغسالات الكهربائية
تتمثل إحدى طرق الاستجابة لاعتراضات الشركات الأميركية في الضغط على منافسين من الدول الحليفة لقطع إمدادات تقنية صناعة الرقائق عن الصين أيضاً. كانت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تدفع هولندا لمنع شركة "إيه إس إم إل هولدينغز" (ASML Holding) من تزويد الصين بالمعدّات الأساسية اللازمة لأشباه الموصلات القديمة، لكن النهج المتبع في دبلوماسية الرقائق كان متضارباً، فقد أدى السعي وراء أولويات مختلفة إلى حالة من الشلل. لقد نجحت الولايات المتحدة في الخطوة الأولى نحو حل مشكلة أشباه الموصلات، وهي الاعتراف بأن لديها مشكلة في الأساس، لكنها لا تزال تواجه مشكلة بالانتقال إلى الخطوة الثانية بعد مضيّ أعوام من ذلك.