كانت ناتالي كلاوس قد بدأت تألف نادي الطالبات الذي انضمت إليه في جامعتها وكانت تستعد لعطلة الشتاء حين انهالت على معارفها في أمسية من ديسمبر 2019 رسائل غير معتادة من حسابها في "سناب تشات" تضمنت صوراً تظهر فيها عاريةً. تلقى تلك الرسائل نحو 100 شخص بينهم ابن عمها وصديقها السابق وآخرون. استجاب بعضهم بحماس لما رأوا وارتبك آخرون، فقد بدا الأمر لهم وكأنه مزحة سمجة من كلاوس نفسها. لكن صديقتها كاتي ييتس أدركت فوراً أن الرسائل كانت نتيجة اختراق حسابها كما أنها كانت تعرف كيف ينبغي أن ترد كلاوس.
الهجمات الإلكترونية تكشف غياب "الصحة الرقمية"
لقد كانت ييتس أيضاً طالبةً في جامعة ولاية نيويورك في جينيسيو، التي تبعد 65 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة روتشستر، وكانت كلاوس في سنتها الثانية. بدأ شخص ما قبل عدة أشهر بإرسال رسائل مُسيئة لييتس على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بعد أن أبلغت عن تعرضها لاعتداء جنسي. شعرت ييتس بأنها لم تحصل على الدعم الكافي في الحرم الجامعي وبدأت تبحث عن طرق للتعرف على المُتحرش.
اعتقدت ييتس أن تولي زمام الأمور يمكن أن يكون مفيداً لكلاوس فاجتمعت الصديقتان حين طلبت كلاوس المساعدة وعمدتا لمباشرة العمل بهدوء. نقلت وثائق المحكمة عن كلاوس قولها بعد الحادثة: "كان الأمر أشبه بمشاهدة مشهد من فيلم. أتعلمون كيف يقولون بأنك تحس إن كل شيء من حولك يجري ببطء؟ كنت أشعر بطنين في أذاني وشعرت بأنني غير قادرة على التنفس، أكاد أجزم بأنني لم أكن أتنفس." اصطحبت ييتس صديقتها كلاوس إلى منزلها وأسكنتها في غرفة بعدما تأكدت من عدم وجود مقصات أو شفرات حلاقة فيها كي لا تؤذي نفسها. قالت كلاوس: "سألتني إن كنت أرغب بأن يُضبط هذا الرجل. بالطبع قلت نعم."
ظاهرة تتنامى
يتخذ "الابتزاز الجنسي" أشكالاً مختلفة، وهو مصطلح عام لسيناريو يستخدم فيه المُهاجم محتوى حميمي بغرض الابتزاز أو الإساءة. يصعب تحديد عدد مرات حدوثه إلا أنه بات شائعاً باضطراد. تلقى المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين نحو 44 ألف بلاغ العام الماضي عن إغواء عبر الإنترنت، وهي فئة الجرائم التي تشمل الابتزاز الجنسي، مقارنة مع 17 ألف بلاغ قبل عامين. قال مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه تلقى 18 ألف شكوى تتعلق بالابتزاز الجنسي في 2021 دفع فيها الضحايا ما مجموعه 13.6 مليون دولار لمخترقين. أضاف المكتب في سبتمبر أن نصف الشكاوى التي تلقاها خلال السبعة أشهر الأولى من العام جاءت من ضحايا تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاماً. تُعيق قيود الميزانية ونقص الخبرة بالتعامل مع الجرائم الرقمية وكالات إنفاذ القانون المكلفة بمواجهة مثل هذه الهجمات. قالت إيفا غالبرين، مديرة الأمن السيبراني في مؤسسة "إليكترونيك فرونتير" (Electronic Frontier Foundation)، إن حتى الأساليب البسيطة، مثل استخدام رقم هاتف مزيف، عادة ما تكفي لإرباك المحققين.
قال ماك هاردي، مدير العمليات في الرابطة الوطنية لموظفي الموارد المدرسية، التي تحقق في جرائم كثيرة أن عديداً من الوكالات تركز ببساطة على نهي الشباب عن مشاركة صور تظهرهم بشكل قد يندمون عليه لاحقاً. أضاف قوله: "نشهد هذا منذ أعوام وهو كابوس في كل مرة".
كما قد تأتي هذه النصائح بنتائج عكسية لأنها تزيد من وصم ضحايا هذه الهجمات. قالت مارثا فينيغان، وهي خبيرة أدلة جنائية مسؤولة عن التعامل مع الأطفال والمراهقين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي: "يواجه الضحايا أحياناً صعوبة بالتقدم بشكواهم، ليس لأنهم يشعرون بكثير من الذنب والعار داخلياً فحسب، بل لأن المجتمع يشعرهم بذلك أيضاً".
"سناب تشات"
غالباً ما تكون استجابة شركات التقنية بطيئة أيضاً. فيما تبدأ عديد من مخططات الابتزاز الجنسي عبر تطبيقات المواعدة، لكن الثغرة التي استخدمها المخترق في حالة كلاوس كانت تطبيق "سناب شات". يخضع التطبيق لتدقيق بشكل خاص فالشركة التي تملكه تواجه دعوى قضائية جماعية رفعتها فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً تدعي أن شركة "سناب" لم تفعل أي شيء تقريباً لتمنع استغلال القُصّر جنسياً. قال متحدث باسم الشركة في رسالة عبر البريد الإلكتروني أنها اتخذت خطوات لمنع مُتسللين من الاستيلاء على الحسابات وأنها تعمل على منع الأجهزة من تسجيل الدخول إلى عدة حسابات.
"مايكروسوفت" تسعى لتأمين جميع الخدمات السحابية بما فيها المرتبطة بـ"أمازون" و"غوغل"
انتحل المُخترق الذي استهدف كلاوس صفة موظف أمن ليحذرها من حدوث خرق فخدعها لتعطيه رمزاً سمح له بالاستيلاء على حسابها. حظر المُخترق كلاوس بمجرد دخوله حسابها. قالت كلاوس إنها لم تستعد حسابها حتى أواخر يوليو. اقتحم المتسلل قسماً من التطبيق لا يرى محتواه إلا صاحب التطبيق وكان يحتوي على صور عارية التقطتها كلاوس لنفسها فيما كانت تحاول التعافي من الاغتصاب. وزع المُخترق تلك الصور في رسالة ضمنها عبارة: "أرسلوا لي صوراً عارية بدوركم إن كنم تعتبرون أننا أصدقاء مقربين". قالت النيابة إن هذه تبدو طريقة لجمع مواد لمساومة ضحايا آخرين. لم يطلب المُخترق أي شيء من كلاوس نفسها.
تنمر وتعنيف
اعتقد عديد من معارف كلاوس أن الرسالة كانت حقيقية، بمن فيهم أعضاء سكن الطالبات الذي سعت للانتماء إليه، فأصبحت هدفاً لتنمرهم. كما اتصل بها صديقها السابق وصرخ في وجهها متسائلاً عمّا دفعها لتضع نفسها في مثل هذا الموقف.
عندما أبلغت كلاوس شرطة الحرم الجامعي بالحادثة، جاء ضابطان للتحدث معها. قالت كلاوس إن أحدهم كان يشيح بعينيه طيلة المقابلة: "كان يتصرف وكأنه يقول لقد جلبت ذلك على نفسك". تركها الضابطان تبكي في إحدى قاعات الدراسة بعد انتهاء المحادثة، فاتصلت كلاوس بشرطة مدينة جينيسيو فأحالتها مجدداً على شرطة الجامعة. جعل طريق التحقيق المسدود الموقف مؤلماً بشدة. قالت كلاوس: "ما كنا لنجري هذه المحادثة لولا الدعم العاطفي الذي تلقيته من حيواني الأليف وأصدقائي الذين كنت أعرفهم في ذلك الوقت. لقد كنت أحمل حبوباً لأقتل نفسي".
هجوم إلكتروني جديد يضرب الآلاف من عملاء مايكروسوفت
قال سكوت إيوانو، رئيس شرطة جامعة جينيسيو، في بيان أرسله بالبريد الإلكتروني: "تُعامل شرطة الجامعة المُبلّغين عن الجرائم المزعومة باحترام ويأخذ الضباط الجرائم المُبلغ عنها على محمل الجد". أضاف أن الجامعة تطلب المساعدة من الوكالات الأخرى عندما تتجاوز قضايا الجرائم الإلكترونية قدرة موارد القسم.
توصلت كلاوس لخطة بمساعدة ييتس. اتصلت ييتس بحساب كلاوس من حسابها الشخصي لتقول إن لديها صوراً عاريةً ترغب بمشاركتها وأرسلت رابطاً لها. كان الرابط الذي تعمدت أن يوحي بأنه موقع إباحي معدّاً لجمع العنوان الإلكتروني لأي شخص ينقر عليه باستخدام موقع ويب يسمى "غرابيغي آي ي لوغر" (Grabify IP Logger). كان بإمكان المُخترق التحايل على هذه الخطة لو أنه استخدم شبكة افتراضية خاصة، وهي خطوة بدائية للغاية لدرجة أنه من المدهش أن أي شخص مُتورط بالجريمة عبر الإنترنت لا يستخدمها في جميع الأوقات، لكنه لم يفعل وكان ذلك خطأه الفادح.
"أوقعت بك"
إضافة لجمع الرابط لمعلومات عن المخترق، أعدته كلاوس وييتس ليوجهه لصفحة "ويكيبيديا" (Wikipedia) التي تشرح كلمة "أوقعت بك" (gotcha) بدلاً عن الموقع الإباحي الذي يوحي به. قالت ييتس: "تلقيتُ رسالة من المُخترق بعدها قال فيها: (ما هذا بحق الجحيم؟) ثم حظرت الحساب... بعدما عرفنا أنه في مانهاتن ويستخدم جهاز (أيفون) بلا شبكة افتراضية خاصة".
"أبل" تسارع لحظر برنامج تجسس إسرائيلي ينشط بدون موافقة المستخدم
تابعت كلاوس الأمر مع شرطة الجامعة بعد أيام، وأرسل ضباط جينيسيو تقرير الشرطة الخاص بها إلى جهات إنفاذ القانون بولاية نيويورك، حيث كان أحد المحققين على اتصال مع مكتب التحقيقات الفيدرالي. أدت هذه المعلومات لاعتقال المُخترق. قالت كلاوس واصفة المُخترق: "لقد كان غبياً بما فعله، وعندما مرَّرت كل هذه المعلومات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، قالوا: ربما لم نكن لنمسك به لولاها".
يُدعى الشخص الذي تلقى رسالة كلاوس وييتس الساخرة ديفيد موندور، وهو طاهٍ بلغ عمره 29 عاماً يعيش في حي هارلم. اعترف موندور بأنه دخل إلى ما لا يقل عن 300 حساب "سناب شات" دون إذن وأعترف في النهاية بالقرصنة والتصرف بنية الاحتيال فحكم عليه بالسجن ستة أشهر.
قالت كلاوس إنها لا تعرف موندور واعتبرت أن عقوبته كانت مخففة للغاية وأضافت أنها لا تراه وحشاً بل "إنه إنسان، وهذا ما يجعل الأمر مُخيفاً".