تقارير سوق العمل والتضخم والإنفاق الاستهلاكي تجعل تقييم احتمالات الركود صعباً

الاقتصاد الأميركي يتأرجح بين تفاؤل وإحباط مع كل إصدار بيانات

صورة تعبيرية عن تباين مدلولات بيانات الإقتصاد الأميركي - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن تباين مدلولات بيانات الإقتصاد الأميركي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يرسل الاقتصاد الأميركي إشارات متباينة للغاية حتى إن المرء ليرى مؤشراً يوحي بركود الاقتصاد في يوم ليأتي تاليه بتقرير يظهر قوة في التوظيف ليدفع إلى تجاهل الحديث عن تلاشي التوسع بحجة أنه مبالغة.

قال كريستوفر والر، أحد محافظي مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في بث عبر الإنترنت في 7 يوليو: "غريب حقاً التفكير في اقتصاد يُضاف فيه 2.5 مليون عامل وينخفض الإنتاج، فأنا لا أعرف نوع العالم الذي يحدث فيه ذلك".

اعترف الاقتصادي السابق بالبيت الأبيض جيسون فورمان باندهاشه أيضاً تجاه الإشارات المتناقضة التي يرسلها الاقتصاد الأميركي، فقد قال الأستاذ بجامعة هارفرد إن "هناك كثيراً من عدم اليقين والاضطراب".

ربما لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً لكن الخبراء أيضاً لا يستطيعون الحصول على قراءة واضحة. فبعد كل شيء نحن ما زلنا نعاني من وباء يحدث مرة واحدة في القرن وتداعياته الاقتصادية. إضافة إلى أول حرب كبرى في أوروبا منذ 1945 وأعلى معدل تضخم منذ 40 عاماً وأكبر زيادة في أسعار الفائدة الأميركية منذ 1994، فلا عجب أن يخلو المسار المقبل من التيقن.

يبدو أن الوقت بعدما بدأ نصف العام الثاني لتقييم ما نعرفه، أو على الأقل نعتقد أننا نعرفه، وما لا نعرفه عن هذا الاقتصاد المثير للدهشة.

ارتفاع الأسعار

يتباطأ النمو بشكل كبير. لكن هذا متوقع، فقد قفز الناتج المحلي الإجمالي 5.7% العام الماضي، وهي وتيرة النمو الأسرع منذ 1984، بدعم من مجموعة متنوعة من البرامج الحكومية، مثل شيكات التحفيز وإعانات البطالة الإضافية والائتمان الضريبي المعزز للأطفال، التي لم تعد موجودة. لكن كان التباطؤ أكثر حدة مما كان متوقعاً. خفض صندوق النقد الدولي في 12 يوليو توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي هذا العام إلى 2.3%، بانخفاض عن توقعات أبريل البالغة 3.7%.

يقع اللوم في تثبيط نمو الاقتصاد على ارتفاع التضخم وتشديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية استجابة لذلك. لقد أدى ارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية ومجموعة منتجات أخرى، المدفوع جزئياً بالغزو الروسي لأوكرانيا، لضغوط على ميزانيات الأسر حتى تلك التي ما زالت محمية بالدعم الحكومي المقدم العام الماضي.

كما أدّت الزيادات المتكررة في أسعار الفائدة الأميركية لتقويض أسواق الأسهم والإسكان. هذا يجعل الاقتصاد أكثر عرضة لصدمات خارجية، مثل الارتفاع المتجدد في أسعار النفط أو الانكماش في أوروبا، وهي وجهة رئيسية للصادرات الأميركية، خاصة مع انحسار الطلب المكبوت على السفر بسبب الوباء.

لم تعانِ الولايات المتحدة من ركود اقتصادي على الأقل حتى الآن على اعتبار أن التعريف العملي للركود هو المعاناة من نمو سلبي لربعين سنويين متتاليين.

لقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بالفعل بنسبة 1.6% في الربع الأول، ويتوقع متعقب الاقتصاد التابع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بأتلانتا انكماشاً آخر في الربع الثاني. (سيصدر تقدير أولي للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني في 28 يوليو). لكن رويداً، فقد كان الطلب المحلي قوياً جداً في الربع الأول لدرجة أنه امتص كثيراً من الواردات. كما أن الطريقة التي يُحسَب بها الناتج المحلي الإجمالي يجعل من ذلك يبدو على أنه نمو سلبي كبير.

أساسيات مطمئنة

علاوة على ذلك، تركز الجهة الرسمية التي تقرر حالات الركود في الولايات المتحدة، وهي لجنة اقتصاديين غير حكوميين تعمل تحت رعاية المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية غير الربحي، على مجموعة كبيرة من الإحصاءات بجانب الناتج المحلي الإجمالي لتحديد ما إذا كان الانكماش قد بدأ. إن عديداً من تلك الإحصاءات، بما فيها بيانات الأجور والإنتاج الصناعي الشهرية لا تومض باللون الأحمر.

تُعدّ كيفية تأثير التباطؤ على التضخم، الذي خالف مراراً توقعات صُنّاع السياسة بأنه سيبلغ ذروته قريباً، أمراً مجهولاً. قال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في 29 يونيو: "أعتقد أننا نفهم الآن بشكل أفضل مدى ضآلة فهمنا للتضخم".

يتطلع المتنبئون في ظل انخفاض النمو مرة أخرى لتسجيل تضخم معتدل بعدما بلغ ذروته عند 9.1% في يونيو. ثمة دلائل على احتمالية حدوث ذلك في النهاية، خاصة أن أسعار البنزين آخذة بالانخفاض مع تراجع معدلات قيادة الأميركيين، وتتراجع أسعار سلع مثل الذرة والقمح والنحاس والزنك أيضاً، كما انخفضت تكاليف الشحن.

مع ذلك، يمكن أن يثبت التضخم أنه عصيّ، وستواصل سوق العمل، التي ما زالت ضيقة، ضغطها الصعودي على الأجور التي تشكل التكلفة الأكبر بالنسبة للشركات.

تتجه توقعات التضخم نحو الارتفاع بعد عام من ارتفاع متسارع في الأسعار. وهذا قد يدفع العمال للضغط من أجل زيادة الأجور في المستقبل ويحفز الشركات على المضي قُدُماً في زيادة الأسعار بشكل أكثر لتعويض ارتفاع فاتورة الأجور، ما يؤدي إلى دوامة أجور كتلك التي ساعدت في إبقاء التضخم في السبعينيات.

تشديد مستمر

كيف سيستجيب الاحتياطي الفيدرالي للاقتصاد المتداعي؟ لم يُخْفِ باول وزملاؤه رغبتهم في استخدام أسعار الفائدة المرتفعة لكبح الطلب وإخماد التضخم. فمنذ رفع سعر الفائدة الرئيسي قصير الأجل بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في يونيو، أيّد نصف الأعضاء الـ18 في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة علناً زيادة أخرى مماثلة هذا الشهر. مع ذلك يراهن بعض المتداولين بعد أرقام التضخم في يونيو على أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة سترفع الفائدة أكثر وقد تبلغ الزيادة نقطة مئوية كاملة.

يعتزم صُنّاع السياسة الاستمرار بالتشديد حتى يحصلوا على النتائج المرجوة، فقد أعلن باول عن رغبتهم رفع الفائدة إلى مستويات تقيّد النمو بشكل واضح، لكن مثل هذا الكلام المتشدد يكون سهلاً عندما تكون سوق العمل قوية.

لا شك في أن عزم الاحتياطي الفيدرالي سيُمتحَن مع بدء ارتفاع معدلات البطالة، وستسهم كيفية استجابته إسهاماً كبيراً في تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدخل ركوداً أم ستتجنّبه، وقد تساعد أيضاً بتحديد مقدار التضخم الذي سيتعايش معه الأميركيون في النهاية في الأعوام المقبلة.

بطبيعة الحال، هناك مجهول أكبر خارج الميدان الاقتصادي المباشر، فقد يؤدي توسيع نطاق الصراع الروسي الأوكراني لإضعاف النمو الاقتصادي ورفع التضخم. وستنقلب الأمور رأساً على عقب مرة أخرى بعد ظهور سلالة جديدة أكثر ضراوة من كوفيد-19.

قد نشهد ضرراً أكبر في المستقبل وهو بالتأكيد لن يكون أمراً طيباً. قال باول إن الاحتياطي الفيدرالي سيحتاج للتحلي بالمرونة في استجابته للبيانات الواردة، وكذلك يجب أن تكون الشركات والمستهلكون والمستثمرون.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك