لا يمكن لهذه الشركات إبرام صفقات دون موافقة مستثمريها المتشككين مع دخول الأسواق في دوامة

حقبة شركات الشيكات على بياض تنازع بألم

صورة تعبيرية عن حال شركات الشيكات على بياض - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن حال شركات الشيكات على بياض - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كانت شركات الاستحواذ للأغراض الخاصة من أكثر صفقات وول ستريت جاذبية خلال السوق الصاعدة التي بدأت خلال الوباء وسقطت في يونيو. تُطرح شركات الاستحواذ للأغراض الخاصة، أو شركات الشيكات على بياض، بلا نشاط تجاري، فهي تُنشأ لجمع المال بغرض شراء شركة أخرى تختارها لاحقاً. سلبت شركات الاستحواذ للأغراض الخاصة ألباب كثير من المستثمرين العاديين، الذين اعتبروها وسيلة لانخراط مبكر في شركات ناشئة واعدة قبل طرحها لاكتتاب عام.

كما استقطبت هذه النزعة جبابرة من وول ستريت ورياضيين ومشاهير سعوا للتربح عبر تأسيس شركات استحواذ لأغراض خاصة. لكن تداعي الأسهم، خاصة أسهم الشركات التي كانت عرضة لمرحلة مضاربة مبكرة، عصفت بمليارات الدولارات من أموال المساهمين الذين اشتروا أسهماً في شركات استحواذ لأغراض خاصة بعدما استحوذت على شركة ما. تراجعت أسعار أسهم بعض الشركات التي طُرحت للاكتتاب العام بعد اندماجها مع شركة استحواذ لأغراض خاصة بشكل كبير لدرجة أن شركات ملكية خاصة أو منافسين اشتروها بسعر أدنى بكثير. فيما يواجه كثير من شركات الشيكات على بياض، التي لم تعقد صفقة بعد، مواعيد نهائية هامة لأنها إن لم تجد صفقة قريباً سيتعين عليها إعادة الأموال التي جمعتها للمساهمين.

إنها ليست المرة الأولى التي يخفق فيها قطاع شركات الشيكات على بياض، فقد ركبت موجة ازدهار الأسهم الرخيصة في الثمانينات لكن ساد النشاط الاحتيال، فكاد الكونغرس أن يقضي عليه عبر تشديد ضوابطه. يقترب عصر شركات الاستحواذ للأغراض الخاصة من نهايته لكن بجهورية أقل، متجهاً لانحدار هادئ طويل ومؤلم.

رمية بوميرانغ

حين تجد شركة استحواذ لأغراض خاصة شركة خاصة لتشتريها وتندمج معها، فإن ما تفعله حقاً هو المساعدة بطرح تلك الشركة للاكتتاب العام بإشراف قليل وبتكلفة الاكتتاب العام الأولي النقلي. يحمل الكيان بعد الدمج اسم الشركة المستهدفة وعملياتها التجارية، ويرث أسهم شركة الشيكات على بياض المدرجة. اندمجت مثلاً شركة الاستحواذ للأغراض الخاصة "هيلث كير ميرجر" (Healthcare Merger) مع مزود الخدمات الطبية عبر الهاتف "إس أو سي تيليميد" (SOC Telemed) وجلبتها إلى بورصة ناسداك في نوفمبر 2020. أقفل السهم في اليوم الأول من التداول تحت هذا الاسم عند 9 دولارات.

كانت شركة "إس أو سي" (SOC) عامة لأقل من عام ونصف ثم عادت خاصة في أبريلحين اشترتها شركة "بايشنت سكوير كابيتال" (Patient Square Capital)، وهي شركة ملكية خاصة، مقابل 3 دولارات فقط للسهم. شطب ظهور شركة "إس أو سي" (SOC) في سوق الأسهم أكثر من 300 مليون دولار من القيمة بالنسبة للمساهمين الذين احتفظوا بأسهمها إلى النهاية.

قبلت شركة "ميترو مايل" (MetroMile) للتأمين على السيارات أيضاً عرض شراء من شركة التأمين المتداولة في البورصة "ليمونيد" (Lemonade). تُتداول أسهم "ميترو مايل" حالياً بأقل من دولار واحد، وهو أقل بكثير من سعر 17 دولاراً بعد انتهاء اندماج شركة الشيكات على بياض "آي إن إس يو أكويزيشن كورب 2" معها مطلع العام الماضي.

هناك حالة غريبة جداً، وهي شركة "ريد بوكس" (Redbox) الشهيرة بتأجير أقراص "دي في دي" عبر أجهزة آلية التي قبلت عرض شراء من "تشيكن سوب" (Chicken Soup) لصالح شركة "سول إنترتينمنت" (Soul Entertainment) في صفقة قدرت إجمالي حقوق الملكية بمبلغ 31 مليون دولار، أي أقل من 5% من قيمتها حين ساعدت "سيبورت غلوبال أكوزيشين" (Seaport Global Acquisition) "ريدبوكس" بطرح أسهمها للاكتتاب العام. لكن سنجد أن متداولي الميم، الذين تحركهم وسائل التواصل الاجتماعي، تبنوا أسهم "ريد بوكس" في 2021 فارتفع السهم إلى سعر أعلى بكثير مما سيحصل عليه المساهمون أن نُفذت الصفقة.

ثلاثة أضعاف الخسائر

يمكن أن تكون هذه الصفقات مجرد البداية. انخفض مؤشر "دي سباك" (De-SPAC)، الذي يقيس أداء الشركات التي طُرحت للاكتتاب العام من خلال شركة شيكات على بياض، 62% هذا العام، أي حوالي ثلاثة أضعاف خسارة مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" ويُرجح أن يجذب هذا بعض الباحثين عن الصفقات فيدفع المستثمرين النشطين في صناديق التحوط للسعي لاستحواذات. قالت فيكتوريا غريس، مستثمرة رأس المال الجريء التي أسست شركة "كوينز غامبيت غروث كابيتال" (Queen's Gambit Growth Capital)، وهي شركة استحواذ لأغراض خاصة اندمجت مع شركة استدعاء وسائل نقل الركاب "سويفل" (Swvl) التي يقع مقرها في دبي: "ستكون هناك إعادات هيكلة وإتمام استحواذات من شركات الملكية الخاصة... لكن ذلك سيكون أمراً منطقياً لكثير من الشركات التي لا يرتقي أداؤها لتكون شركة عامة كما يجب". بلغ سعر تداول سهم "سويفل" أخيراً 6.40 دولار للسهم منخفضاً بحوالي الثلث عن قيمته بعد الصفقة التي جلبته إلى ناسداك في أبريل. قالت غريس: "نحن في بيئة كلية مليئة بالتحديات وينصب تركيزنا على إدارة عمل مستدام مربح".

جمعت أكثر من 850 شركة شيكات على بياض حوالي 250 مليار دولار خلال فترة صخب بين 2020 و2021، ما أدى لزيادة كبيرة في عدد فرق الإدارة الباحثة عن ما تستحوذ عليه. تحتاج شركات الاستحواذ لأغراض خاصة بشكل عام لتحديد الشركة التي ستستحوذ عليها وأن تستكمل العملية خلال 24 شهراً. هناك حالياً نحو 410 شركة بقيمة 116 مليار دولار تبحث عن صفقات بحلول نهاية مارس، وفقاً لبيانات "سباك ريسيرش" (SPAC Research) التي حللتها بلومبرغ.

تمديد بثمن

قد يكون هذا صعباً، فلا تستطيع شركات الاستحواذ لأغراض خاصة إبرام صفقة دون موافقة المستثمرين، الذين يرجح أن يزدادوا تشككاً مع دخول الأسواق في دوامة. عندما تصل شركات الاستحواذ لأغراض خاصة إلى الموعد النهائي المحدد لها، سيكون عليها إعادة أموال المستثمرين، وهو عادةً ما يكون 10 دولارات للسهم، أو السعر الأولي لمعظم أسهم شركات الشيكات على بياض، إضافة للفائدة. يمكن لفرق الإدارة الحصول على تمديد لوقت قصير، لكن عليهم عادةً الدفع للمساهمين مقابل ذلك إضافة إلى للحصول على موافقتهم.

يتمثل جزء من فكرة شركات الاستحواذ لأغراض خاصة بأنه يمكن للمديرين الموهوبين استخدام خبرتهم في قطاع ما، واتصالاتهم لتحري الشركات المتميزة ومساعدتها على النمو. لكن مع تعرض عديد من شركات الاستحواذ لأغراض خاصة لضغوط كي تجد صفقات، قد يتوسع هؤلاء المديرون لما يتخطى مجالات خبرتهم. انسحبت شركة "توسكان هولدينغز كورب 2" (Tuscan Holdings Corp. II) من خططها الأولية للاندماج مع شركة للقنب، وبدلاً من ذلك أبرمت اتفاقية مع "سورف إير موبيليتي" (Surf Air Mobility)، الشركة القائمة على تشغيل طائرات خاصة عبر العضوية والتي تخطط للاعتماد على المحركات الكهربائية. وقع هذا بعد حوالي ثلاث سنوات من البحث عن صفقة وبعد عدة تمديدات.

لدى مديري شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، المعروفين أيضاً باسم الرعاة، حافز قوي لعقد الصفقات: يمكنهم في بعض الحالات الحصول على 20% من الشركة العامة الجديدة بينما تتمثل مخاطرتهم بمبلغ صغير نسبياً من أموالهم الخاصة لدفع تكاليف مثل أتعاب شركات التأمين وغيرها. قال جاي ريتر، أستاذ التمويل بجامعة فلوريدا الذي يدرس شركات الاستحواذ لأغراض خاصة والاكتتاب العام الأولي: "يتمثل أحد الانتقادات الموجهة لشركات الاستحواذ لأغراض خاصة بوجود كثير من الوسطاء بين الضامنين والرعاة ويحصلون على جزء من الكعكة".

إعادة الأموال

مع ذلك دفع الأداء المتقلب للصناعة بعض الرعاة المخضرمين للانسحاب من خطط شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، التي كانت ستجمع أكثر من 29 مليار دولار هذا العام وحده أو التخلي عنها. انسحبت فرق يقودها رعاة مشهورون منهم جيمس مردوخ نجل قطب الإعلام روبرت وشركة "إليوت مانجمنت" (Elliott Management) التابعة لبول سينغر. شهدت شركات استحواذ لأغراض خاصة أخرى مدرجة تسليم داعمين رئيسيين لزمام الأمور إلى مدراء آخرين. قدر "ريتر" أنه مع تباطؤ وتيرة الصفقات بشدة أن حوالي 80% من شركات الاستحواذ لأغراض خاصة ستنهي أعمالها وتعيد الأموال إلى المستثمرين.

قالت أندرسون لافونتانت، كبيرة مستشاري "ميراكل مايل أدفايزرز" (Miracle Mile Advisors)، إنه يمكن لشركات الاستحواذ لأغراض خاصة أن تدخل مرحلة النضوج بحيث لا ينجح إلا المديرون الجادون والملتزمون. أضافت قولها: "سيسمح ذلك للفرق بالتمهل وإجراء الفحوص النافية للجهالة جيداً وعدم التسرع في صفقات لخشية فقدها".

تعرضت شركات الاستحواذ لأغراض خاصة لانتقاد هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، التي تتحدث عن تشريعات أشد. قال أوشا رودريغيز، أستاذ القانون في جامعة جورجيا، الذي أجرى أبحاثاً عن شركات الشيكات على بياض: "حتى دون القواعد التي تقترحها هيئة الأوراق المالية والبورصات، فقد كنا على المسار الصحيح لدورة تعطل طبيعية، مع وجود عدد كبير جداً من شركات الاستحواذ لأغراض خاصة مقابل أهداف غير كافية... قد تكون هذه نهاية شركات الاستحواذ للأغراض الخاصة".

تخارج فوري

تمكّن بعض المستثمرين الأذكياء نتيجة كل ذلك من جني المال من شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، مثل صناديق التحوط ومنها "ميلينيوم مانجمنت" (Millennium Management) و"سيتاديل" (Citadel) و"دي. إي شو آند كو" (D.E. Shaw & Co) الذين كانوا من أكبر المستثمرين في نهاية الربع الأول، فقد بلغت حيازات كل منهم أكثر من 4 مليارات دولار، حسب "سباك ريسيرش". لا تستثمر صناديق التحوط طويلاً فهي تأمل بأن يرتفع السهم عند الإعلان عن اندماج لتتخارج قبل إتمام الصفقة.

غالباً ما كان للمستثمرين المؤسسيين الذين اشتروا في وقت مبكر ميزة أخرى، فإن استثمروا في شركة استحواذ لأغراض خاصة في الاكتتاب العام الأولي أي حين جمعت الأموال للاستحواذ المستقبل، فتكون قد دفعت 10 دولارات للسهم لكنها ستحصل أيضاً على بعض الضمانات. إنها خيارات لشراء أسهم الشركة المندمجة لاحقاً بسعر محدد. يمكن أن يؤدي بيع السهم مع التمسك بالضمانات لتحقيق ربح جيد، حتى لو كان الاستحواذ عديم الفائدة على المدى الطويل. أرسلت إليزابيث وارين وأعضاء ديمقراطيون آخرون في مجلس الشيوخ رسالة إلى ستة مشغلين بارزين لشركات استحواذ لأغراض خاصة في سبتمبر تبين عدداً من المخاوف حول استفادة المؤسسات الكبيرة من صفقات شركات الاستحواذ أغراض خاصة على حساب المستثمرين العاديين. كما اعتبروا صناديق التحوط مستفيدة من الضمانات، التي قالوا إنها "تذاكر يانصيب فعلية" وإن كانت فرصة أن تكون رابحةً أعلى.

بدأ بواز وينشتاين، أحد مديري صناديق التحوط، يزيد حيازته في شركات الاستحواذ لأغراض خاصة في الربع الثاني من العام الماضي فاشترى ما قيمته 5.5 مليار دولار منها على مدى 12 شهراً، وفقاً لمستثمر في شركته: "سابا كابيتال مانجمنت" (Saba Capital Management). نظراً لأن الاستثمار في شركات الاستحواذ لأغراض خاصة يكتسب فائدة بينما تبحث الشركة عن صفقة، فإن "سابا" (Saba) هي أساساً مكان آمن لإيداع النقود، مع احتمال الاستفادة من الضمانات. يستخدم الصندوق ما يجنيه من شركات الاستحواذ لأغراض خاصة لدفع رهاناته على سندات الشركات هبوطاً. إنها صفقة جيدة إن تمّت، لكنها قد تختفي فيما تذوي شركات الشيكات على بياض.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك