تؤثر المشاعر على الاستثمار بطرق متنوعة فنحن نتأثر بالخسارة أكثر ممّا نتأثر بالربح

كيف نتصرف بعدما باتت السوق هابطة؟

صورة توضيحية حول آثار السوق الهابطة - المصدر: بلومبرغ
صورة توضيحية حول آثار السوق الهابطة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يحتاج المستثمرون الأفراد كتيب إرشادات جديد أو ربما إلى نسخة معدّلة من الكتيب القديم بعدما انحسر مسلسل ارتفاعات الأسهم الذي كان يغذّي ميزانيات الصناديق التقاعدية في بداية العام وانتهى فعلياً في 13 يونيو، حين انزلق مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" لتصبح السوق هابطة، وهو مصطلح يشير في العادة لإغلاق السوق بانخفاض 20% من الذروة.

يشعر عديد من المستثمرين على الأرجح أن الوضع أسوأ بكثير وقد بدأوا يشعرون بذلك منذ فترة، فأسهم شركات التنقية الضخمة التي أسهمت بدفع السوق الإجمالية هبطت بشدة منذ تاريخ بلوغ مؤشر "ستاندرد آند بورز"500 ذروته في الثالث من يناير، مع انخفاض أسهم شركة "ميتا بلاتفورمز" بأكثر من 50% وأسهم "أمازون" بـ39% وخسارة أسهم كل من "مايكروسوفت" و"أبل" و"ألفابيت" نحو ربع قيمتها. كما أن مؤشر "ناسداك" المركب المدفوع بأسهم النموّ كان في سوق هابطة منذ مارس، حيث تراجع 32% عن قمته في العام الماضي. إذا ما وسّعتم العدسة لتشمل العملات المشفرة فسترون آلاماً كبيرة هناك.

يمكن لكل هذه الانخفاضات والاضطرابات أن تجعل منّا مستثمرين عاطفين سواء أدركنا ذلك أو لم ندركه. إذ تؤثر المشاعر على الاستثمار بطرق متنوعة، فنحن نتأثر بالخسارة أكثر ممّا نتأثر بالربح. مثلاً، يحجب انخفاض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500 " بنسبة 20% سريعاً حقيقة أن المؤشر سجّل عائداً يشمل توزيعات الأرباح يبلغ حوالي 70% خلال السنوات الخمس الماضية. فإن كنت تستثمر بثبات في محفظة متنوعة لمدى سنوات، لا داعي لأن تتأسى تجاه أي خطأ كبير حالياً. لعلّ الطريقة الأفضل التي تتعامل بها مع السوق الهابطة هي التزام المنهج الذي تتبعه. إذا واصلت استثمار جزء من راتبك شهرياً، فهذا يعني على الأقل أنك بتّ تشتري الأسهم بسعر أرخص اليوم.

يمكن لقلقك اليوم أن تكون له جوانب إيجابية إذا ما دفعك للتمعّن أكثر بمكونات محفظتك والمخاطر التي تتضمنها. هذا وقت جيد لتسأل نفسك ما إذا كنت مرتاحاً تجاه مثل هذه المخاطر، وما إذا هي لصالحك على امتداد الدورات المتقلبة في السوق، وليس فقط خلال السوق الصاعدة.

تركيز على قطاع

ابدأ بسؤال نفسك ما إذا كنت تعتمد بشكل مفرط على قطاع واحد فقط أو على مجموعة واحدة من الأسهم الرائجة. خلال السنوات القليلة الماضية، كان من المذهل حجم اعتماد المستثمرين على أسهم شركات التقنية. حتى بعد الهبوط الكبير، فإن الأسهم الخمسة الأولى المدفوعة بقطاع التقنية على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" ما تزال تشكل 20% من مؤشر الرسملة السوقية المرجحة.

قام كثير من المستثمرين، خاصة من يختارون أسهماً فردية، برهانات أكبر من غيرهم. فأظهروا وفاء منطقياً للأسهم ذات الشعبية الواسعة، مثل أسهم "تسلا" التي حققت لهم أرباحاً كبيرة، في ظاهرة تُعرف بـ"الترسيخ" في عالم التمويل السلوكي. شرح ديفيد أليسون، من شركة "أليسون" لإدارة الثروات ذلك بقوله: "تعتقد أن الشركة ستتجه صعوداً فقط فتتسمّر في مكانك ولا تنظر حولك... يخطئ الناس كثيراً بعدم استفادتهم من أرباحهم خلال الاستثمار، وحين ينهار السهم بنسبة 30 أو 50% يتحسرون".

حين يرى أليسون أحد عملائه متسمرّاً في مكانه، قد يطلب منه تحديد حدّ أقصى من محفظته بالدولار يرغب بربطه بالسهم ويوافق العميل أنه في كلّ مرّة ترتفع فيها القيمة لأعلى من ذلك المبلغ، يمكنه البيع بهدف التنويع في مجالات أخرى. نظرياً، فيما ارتفعت أسهم النموّ أكثر فأكثر، أمكن للمستثمرين أن يسحبوا أرباحهم بشكل منهجي ونقلها إلى أسهم القيمة التي لطالما كانت متلكئة في السوق الصاعدة. قال أليسون بهذه الطريقة "ستستمر بالمشاركة بأسهم النموّ ولكن تخفف من المخاطر بينما تبني مزيداً من الثقل في أسهم القيمة، هكذا تصبح أقل عرضة للتقلبات دونما إفراط في أي اتجاه." انخفض صندوق المؤشرات المتداولة "فانغارد" لأسهم القيمة 9.5% هذا العام، فيما انخفض صندوق المؤشرات المتداولة "فانغارد" لأسهم النموّ 32%.

أسهم الطاقة تلمع

إذا كنت ما تزال تملك كثيراً من أسهم التقنية، قد لا ترغب بالاندفاع لبيعها الآن بما أن أسعارها قد انخفضت، ولكن فكّر بجعلها أقل هيمنة في محفظتك. يمكنك في المستقبل أن تطبق طريقة التفكير ذاتها على القطاعات التي تبلي حسناً حالياً. فقد حققت أسهم الطاقة المدرجة في مؤشر "ستاندرز آند بورز 500" عوائد تجاوزت 50% هذا العام مدفوعة بصدمة إمدادات الطاقة مع انتهاء الحظر الناجم عن الوباء وحرب روسيا في أوكرانيا. رغم احتمال أنه ما يزال هناك أفق لمثل هذه الأسهم، التي كانت أسهم قيمة عميقة، إلا أنه يجب التيقظ حيال الاعتماد المفرط على أي سهم رابح.

لا بدّ من التخلي عن اتخاذ قرارات تقوم على مفهوم "كل شيء أو لا شيء" من أجل التعامل مع عدم اليقين طويل الأجل في الأسواق والحدّ من التقلبات.

يقدم ديفيد رايت، المؤسس الشريك لشركة "سييرا" (Sierra) لإدارة الاستثمارات مثالاً على ذلك بالقول إذا كنت تفكر ملياً ببيع سهم ما "وإذا راودك الشكّ أو إذا رحت تتساءل: ماذا لو احتفظت بهذا السهم لبضعة أيام إضافية؟ لتكون عبقرياً عليك بيع النصف ... ستكون عبقرياً إذا تعافت السوق لأنك لم تبع كلّ شيء، وإذا استمرت السوق في الهبوط، ستكون عبقرياً لأنك حميت نصف أصولك من الانهيار".

بات مهماً اليوم أن تحرص على تنوع محفظتك أكثر من أي وقت مضى، إذ يمكن لمزيج متنوع من الأسهم والسندات أن يمنح محفظتك توازناً مهماً، لكن لا داعي لتجميل الواقع الحالي، فالسندات بدورها تخسر المال في سوق الأسهم الهابطة هذه، فقد جاء وقع ازدياد التضخم وارتفاع معدلات الفائدة سيئاً على أسعار السندات وأدى إلى انخفاض مؤشر بلومبرغ للسندات الكلية الأميركية بأكثر من 10% فيما مضى من هذا العام، أي بمقدار نصف تراجع الأسهم.

سندات للتحوّط

يمكن للمستثمرين الذين يملكون سندات ذات درجة استثمارية مباشرة، ليس عبر الصناديق، تخفيف آلامهم عبر تجنب النظر للخسائر الحالية. قالت خبيرة التخطيط المالي لورا ماتيا من شركة "أطلس فيدوشيري فينانشل" (Atlas Fiduciary Financial): "قد تسجل السندات في محفظتك انخفاضاً لكن لديك اتفاق تعاقدي مع مصدّر السند وستحصل على كامل القيمة الاسمية لسندك لدى استحقاقه... إذاً سنداتك لم تنخفض فعلاً." إن استثنينا التخلف عن السداد، ستحصل على الفائدة التي كنت تتوقعها وتستعيد رأس مالك عند الاستحقاق.

يرى المستثمرون في سندات الصناديق خسائرهم بوضوح أكبر لأن انخفاض أسعار السندات في السوق ينعكس في عوائد الصندوق لكن الخبر السار هو أنه فيما تنخفض أسعار السندات في المحافظ، فإن عوائدها ارتفعت أخيراً من مستويات الحضيض التي كانت عندها. يسهم ذلك بدعم اعتبار أن السندات تساعد على التنويع حالياً.

نذكر بين الاستثمارات ذات المدخول الثابت التي توفر تحوّطاً قوياً ضد التضخم سندات ادخار الخزانة الأميركية من السلسلة الأولى. رغم ضرورة الاحتفاظ بها لمدة سنة على الأقل، وأنها تفقد ما قيمته ثلاثة أشهر من الفائدة إن استرددتها قبل انقضاء خمس سنوات، فإن العائد الحالي للسندات التي يمكن شراؤها عبر موقع treasurydirect.gov يبلغ 9.5%، وهي نسبة يصعب العثور على مثيل لها هذه الأيام. يتغير هذا المعدل مع مستوى التضخم ويعاد تحديده كلّ ستة أشهر لكن النقطة السلبية هي أنه لا يمكنك شراء إلا عدد محدد من السندات كل عام.

ثمّة أصول أخرى تسهم بالتنويع مع الوقت، وتتضمن صناديق الاستثمار العقارية والأسهم والسندات الدولية. مع ذلك، لم تُحمَ أيٌّ منها من تكبد خسائر في هذا العام العصيب، لكن الفكرة أنك إذا ما وسعت نطاق استثماراتك الآن، فستحسّن فرصك بانتهاز صفقات جيدة والحصول على عوائد في المستقبل. قال روب أرنوت، مؤسس شركة إدارة الأصول "ريسيرتش أفيلييتس" (Research Affiliates ) والمدير الشريك للمحفظة في صندوق الأصول "بيمكو أول أسيت فاند" (Pimco All Asset Fund): "لا ترحم المراحل الأولى من السوق الهابطة عادةً حتى أصحاب الاستثمارات المتنوعة." لكن في نهاية المطاف "تبدأ السوق بعملية فرز قد تكون مفيدة جداً للأشخاص الذين نوّعوا استثماراتهم".

تفادي المشفّرات

لطالما رُوّج للعملات المشفرة على أنها فئة أصول قادرة على المساعدة بالتحوط من انهيار الأسواق والتضخم. لكن الواقع جاء معاكساً تماماً، حيث تداول الرموز المشفرة يبدو أشبه بكثير بالأصول الخطرة بدل أن تكون ملاذات آمنة. لقد انخفض سعر عملة "بتكوين" 65% من الذروة التي بلغتها في نوفمبر، فيما انخفض سعر إيثريوم 73%. أمّا الدرس الذي يتعين استخلاصه من هذا الانهيار فهو أنه مهما كان رأيك بالعملات المشفرة، يجب أن تنظر إليها على أنها رهان تخميني أشبه بصندوق يعتمد على فريق بحث مفرط النشاط أكثر من كونها أصولاً تساعد على التنويع.

ماذا عن العودة إلى النقود؟ هذه خطوة سيئة من حيث التوقيت لأنه يصعب على معظم الناس بمن فيهم المحترفون أن يخمّنوا بشكل صحيح الوقت الذي ستنقلب فيه الأسواق. لكن تساعد هذه السوق الهابطة على التذكير أنه من الذكاء لكثير من المتقاعدين أو الذين اقتربوا من التقاعد الإبقاء على أصول نقدية، بما أنهم لن يحصلوا على راتب ثابت فسيكون تعافيه من أي خسارة أصعب بكثير مقارنة بمستثمر شاب، كما أن الاضطرار للبيع في سوق هابطة قد يؤذي مدخراته دائماً.

ينصح مدير الثروات أليسون عملاءه الذين ما يزالون يعملون بالاحتفاظ بدخل ثلاثة إلى ستة أشهر نقداً، أمّا المتقاعدون فيوصيهم باستبقاء دخل سنة نقداً. لا تعني "النقود" دائماً أموالاً في المصرف بل قد تشمل أيضاً السيولة المتوفرة من خلال حد الاستدانة الأقصى على أصل عقاري لاستخدامه في حال الطوارئ، أو القدرة على الاستدانة مقابل نقود متراكمة في البوليصة الدائمة للتأمين على الحياة. كما يعمد أليسون أحياناً لفتح خط ائتمان مدعوم بالأوراق المالية على حساب الوساطة الخاص بالعميل.

الحلّ الأبسط هو عبر حسابات التوفير عالية العائد فقد بدأت العوائد بالارتفاع. كان مصرف "ماركوس" التابع لبنك "غولدمان ساكس" والمتخصص بالعمليات المصرفية الاستهلاكية قد رفع أخيراً العائد السنوي إلى 0.85%، كما يقدم مصرفاً "باركليز" و"ألاي بنك" معدلات مشابهة على حسابات التوفير عالية العوائد. ثمّة حلّ آخر وهو صناديق أسواق المال حيث ترتفع فوائدها بسرعة مع ارتفاع معدل الفائدة الأساسي.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك