أمضى ويلي كوان ساعات يقود سيارته متنقلاً بين نحو 12 متجراً في ماساتشوستس خلال يوم واحد، وجثا على يديه وركبتيه وهو يبحث عن آخر قوارير حليب الأطفال على الرفوف السفلى. أما سيدا كاردونا، وهي أُمّ لثلاثة أطفال في نيوجيرسي بلا سيارة، فتنفق 150 دولاراً في الأسبوع على سيارات الأجرة التي تأخذها ذهاباً وإياباً إلى متاجر "وول مارت" المحلية ومتاجر أخرى للبحث عن حليب "إنفاميل" (Enfamil) لرضيعها ذي الأشهُر الستة. خسرت جينيفر فيليغاس، وهي أُمّ من تكساس سنّها 19 عاماً ولا تعمل لتبقى مع رضيعها، أكثر من 150 دولاراً دفعتها إلى محتالين زعموا أنهم يبيعون حليب الأطفال عبر الإنترنت.
تزداد أزمة حليب الأطفال في الولايات المتحدة سوءاً. ارتفعت معدلات نفاد المخزون إلى 74% على الصعيد الوطني للأسبوع المنتهي في 28 مايو، بعدما كانت 70% في الأسبوع السابق، استناداً إلى بيانات من شركة "داتا سيمبلي" (Datasembly) لتتبع مبيعات التجزئة. كانت المعدلات 90% أو أعلى في 10 ولايات. رغم أن الشحنات الواردة وعودة الإنتاج توفر بعض أسباب الأمل بتراجع حدة الأزمة في الأسابيع المقبلة، فإنّ العائلات لا تزال تتحمل عبئاً كبيراً. هناك حال ذعر نتيجة عدم معرفة الآباء مصدر الوجبة التالية لأطفالهم، لكنهم يدفعون أيضاً ثمنها حسب العرض والطلب.
تنفق العائلات مئات الدولارات لملء خزانات وقود سياراتها بالبنزين باهظ الثمن للقيادة عبر المدن والمقاطعات بحثاً عن أي كميات يمكنهم الحصول عليها. يدفع البعض علاوات كبيرة للبائعين عبر الإنترنت ويتحملون عبء تكاليف الشحن لشيء اعتادوا الحصول عليه من مكان قريب. يكرس الآباء عشرات الساعات للبحث، وأحياناً تجد الأمهات أنفسهن يفكرن بضرورة الاختيار بين العمل والبحث عن حليب الأطفال.
استهلك البحث عن حليب الأطفال نحو ساعتين يومياً لمدة ثلاثة أسابيع متتالية بالنسبة إلى ماريا فيدارت-ديلغادو، التي تعيش مع زوجها وطفليها في والثام، ماساتشوستس، كانت تتصل بالمتاجر وتقود السيارة لتعقب الإمدادات وتتفقد توفرها عبر الإنترنت. حاولت فيدرات-ديلغادو، التي تعمل من المنزل، جعل البحث خارج ساعات العمل، لكن الأزمة تمثل إلهاءً دائماً. أشارت إلى أن رئيسها كان "متفهماً بشكل لا يصدق"، حتى إنه عرض عليها أن تأخذ وقتاً مستقطعاً من العمل لتتمكن من التركيز على عائلتها، وقالت: "يجب أن أعمل، فأنا أحتاج إلى العمل، لكن هذا كل ما أفكر به، وهو يسيطر على تفكيري على الدوام". تتساءل كيف يمكن أن تركز فيما لا تعرف ماذا ستطعم طفلها.
رعاية غير ميسورة
أزمة حليب الأطفال ليست سوى أحدث الأعباء التي يتحملها الأهل، خصوصاً الأمهات، في عصر "كوفيد-19". دُفعت النساء خارج القوى العاملة بأعداد كبيرة في بداية الوباء، ورغم عودة كثيرات، فإن الافتقار إلى رعاية الأطفال الميسورة التكلفة لا يزال يمثل تحدياً، وفي الوقت نفسه ينتشر الإرهاق على نطاق واسع.
يأتي الضغط الاقتصادي الناجم عن نقص حليب الأطفال فيما تتضاءل ميزانيات الأسرة بالفعل تحت وطأة التضخم، مع ارتفاع تكاليف مجموعة من الضروريات مثل البنزين والبقالة والإيجار. سجّلت أسعار الوقود في الولايات المتحدة ارتفاعات قياسية، بزيادة بلغت نحو 50% عن نهاية 2021، ما يجعل القيادة لمسافات طويلة من متجر إلى آخر أكثر تكلفة.
يعني ارتفاع أسعار الوقود أن على فيليغاس، الأم من تكساس، اتخاذ بعض الخيارات الصعبة. قد تستنزف نحو ربع خزان وقود سيارتها في رحلتها إلى عديد من المتاجر بحثاً عن حليب الأطفال، ما يمثل ضغطاً على أسرتها أحادية الدخل. أصبحت رعاية الأطفال مكلفة للغاية لدرجة أنها لا تستطيع العمل ويتوجب عليها الآن أيضاً دفع تكاليف الشحن عندما تشتري حليب الأطفال عبر الإنترنت. تقول فيليغاس: "أحياناً نعاني من نقص في المال"، غالباً ما يكون على عائلتها الاختيار بين تزويد السيارة بالوقود أو شراء البقالة.
بدأ النقص في حليب الأطفال مع اضطراب سلاسل التوريد الناجم عن الوباء، لكنه تفاقم بعد أن سحبت "أبوت لابراتوريز" (Abbott Laboratories) منتجها من حليب الأطفال من السوق وأغلقت مصنعاً في ميشغان في فبراير بسبب مخاوف من التلوث. قالت "أبوت" في 4 يونيو إنها ستستأنف الإنتاج في منشأتها في ميشغان، لكن لا يُتوقع وصول الإنتاج الأولي، الذي يركز على حليب الأطفال ذي التركيبة التخصصية والتمثيل الغذائي، إلى المستهلكين حتى 20 يونيو تقريباً.
استعان الرئيس جو بايدن بسلطات الطوارئ لتسريع الإنتاج، وأنشأ برنامجاً يسمى عملية "جلب حليب الأطفال جواً" (Fly Formula) لاستيراد توريدات من دول أخرى. مع ذلك، تعرضت إدارته لانتقادات من المشرعين من كلا الحزبين بسبب بطء استجابة الحكومة للأزمة. وافقت شركة "يوناتيد إيرلاينز" على نقل حليب الأطفال "كينداميل" (Kendamil) مجاناً من مطار هيثرو في لندن إلى مطارات متعددة في جميع أنحاء الولايات المتحدة على مدى ثلاثة أسابيع، في أول تبرع برحلات من شركة طيران. قال البيت الأبيض في الأول من يونيو إنّ حليب الأطفال هذا سيكون متاحاً في متاجر "تارغيت" (Target) في جميع أنحاء البلاد خلال الأسابيع المقبلة.
صعوبات الإرضاع
تبدو هذه المشكلات كبيرة بشكل خاص للعمال ذوي الأجور المنخفضة، الذين يفتقرون في كثير من الأحيان إلى الإجازات، وقد يقضون ساعات طويلة يعملون في وظائف متعددة، كما تقول ستيفانيا ألبانيزي، أستاذة الاقتصاد في جامعة بيتسبرغ. قد يكون من الصعب أيضاً على الأمهات ذوات الدخل المنخفض أن يُرضِعن رضاعة طبيعية، لأن وظائفهن غالباً لا تقدم إجازة أمومة مدفوعة الأجر أو لا يمتلكن التسهيلات اللازمة لشفط حليب الأم خلال يوم العمل.
كان تطوير حليب الأطفال عاملاً رئيسياً في تمكين مزيد من النساء من دخول سوق العمل، كما تقول ألبانيزي، التي بحثت في تأثير المنتج إلى جانب تطورات صحة الأم. قالت إنّ إتاحة حليب الأطفال تفسر ارتفاع مشاركة النساء المتزوجات في القوى العاملة من بداية الثلاثينيات إلى بداية السبعينيات بنحو 20%. ومضت إلى القول: "إنه لامتياز كبير أن تكون المرأة قادرة على الإرضاع الطبيعي في الولايات المتحدة بسبب التباين لأن الشركات هي التي تقدم معظم مزايا إجازات الأبوة والأمومة، لكنها تقدمها فقط للعاملين ذوي الأجور المرتفعة، وعادة ما يكونون من حمَلة الشهادات الجامعية".
قالت إنّ الأهل ذوي الأجور المنخفضة الذين يستخدمون حليب الأطفال "قد يكونون في مأزق... ليس لديهم الوقت لشراء حليب الأطفال، لكن الأمهات في الوقت نفسه غير قادرات على ترك وظيفتهن أو العودة إلى الإرضاع الطبيعي".